الجزء السادس عشر - أخبار الفضل بن العباس اللهبي ونسبه

أخبار الفضل بن العباس اللهبي ونسبه

الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وكان أحد شعراء بني هاشم المذكورين وفصحائهم. وكان شديد الأدمة. لذلك قال:

أنا الأخضر من يعرفني

وهو هاشمي الأبوين؛ وامه بنت العباس بن عبد المطلب.


أخبرني بذلك محمد بن العباس اليزيدي، عن عمه عبيد الله، عن ابن حبيب. وإنما أتاه السواد من قبل أمه: جدته ، وكانت حبشية.


وكان النبي صلى الله عليه وسلم زوج عتبة إحدى بناته. فلما بعثه الله تعالى نبياً، أقسمت عليه أم حميل أن يطلقها. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، أشهد من حضر أني قد كفرت بربك، وطلقت ابنتك. فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث الله عليه كلباً من كلابه يقتله. فبعث الله عز وجل عليه أسداً فافترسه .


أخبرني الحسن بن القاسم البجلي الكوفي قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن المعلى قال: حدثني الوليد بن وهب، عن أبي حمزة الثمالي، عن عكرمة قال: لما نزلت: ( والنجم إذا هوى) ، قال عبتة للنبي صلى الله عليه وسلم: أنا أكفر برب النجم إذا هوى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أرسل عليه كلباً من كلابك. قال: فقال ابن عباس: فخرج إلى الشأم في ركب فيهم هبار بن الأسود، حتى إذا كانوا بوادي الغاضرة، وهي مسبعة، نزلوا ليلاً، فافترشوا صفاً واحداً، فقال عتبة: أتريدون أن تجعلوني حجرة؟ لا، والله، لا أبيت إلا وسطكم. فبات وسطهم. قال هبار: فما أنبهني إلا السبع يشم رؤوسهم رجلاً رجلاً، حتى انتهى إليه، فأنشب أنيابه في صدغيه، فصاح: أي قوم قتلني دعوة محمد ، فأمسكوه، فلم يلبث أن مات في أيديهم.


أخبرني الحسن بن الهيثم قال: حدثنا علي بن إبراهيم قال: حدثني الوليد بن وهب، عن أبي حمزة، عن هشام بن عروة، عن أبيه مثله. إلا أنه قال: عتبة: أنا بريء من الذي(دنا فتدلى). قال: وقال هبار: فضغمه الأسد ضغمة، فالتقت أنيابه عليه.


نسخت من كتاب أبن النطاح عن العهيثم بن عدي. وقد أخبرنا به ممحمد بن العباس اليزيدي في الكتاب الجوابات قال: حدثنا أحمد بن الحارث عن المائني، إلا أن رواية ابن النطاح أتم، واللفظ له، قال: مر الفضل اللبي بالأحوص وهوينشد، وقد اجتمع الناس عليه، فحسده، فقال له: يا أحوص إنك لشاعر، ولكنك لا تعرف الغريب، ولا تعرب. قال: لى، والله إني لأ بصر الناس بالغريب والإعراب، فأسألك ؟ قال: نعم قال:

ما ذات حبلٍ يراها الناس كلهـم

 

وسط الجحيم فلا تخفى على أحد

كل الحبال الناس مـن شـعـرٍ

 

وحبلها وسط أهل النار من مسد

فقال له الفضل بن العباس:

ماذا أردت إلى شتمي ومنقصتي

 

ماذا أردت إلى حمالة الحطب؟

أذكرت بنت قروم سادةٍ نجـبٍ

 

كانت حليلة شيخ ثاقب النسـب

فانصرف عنه.
قال ابن النطاح: وحدثت أن الحزين الديلي مر بالفضل يوم جمعه، وعنده قوم ينشدهم، فقال له الحزين: أتنشد الشعر والناس يروحون إلى الصلاة؟ فقال الفضل: ويلك يا حزين! أتتعرض لي، كأنك لا تعرفني. قال: بلى والله، إني لأعرفك،، ويعرفك معي كل من قرأ سورة(تبت يدا أبي لهب) . وقال يهجوه:

إذا ما كنت مفتخراً بـجـد

 

فعرج هن أبي لهبٍ قليلا

فقد أخزى الإ له أباك دهرا

 

وقلد عرسه حبلاً طـويلا

فأعرض عنه الفضل، وتكرم عن جوابه. وكان الحزين مغرى به وبهجائه.
حدثني الحسن بن علي قال: حدثنا القاسم بن محمد الأنباري قال: حدثنا أبو عكرمة عامر بن عمران، قال: دخل الفرزدق المدينة، فنظر إلى الفضل بن العباس بن عتبة ينشد:

من ساجلني يساجل ما جدا

 

يملأ الدلو إلى عقد الكرب

فقال الفرزدق: من المنشد؟ فاخبر به، فقال: ما يساجلك إلا من عض بظر أمه.


حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا محمد بن الحكم، قال: قدم الوليد بن عبد الملك حاجاً إلى مكة وهو خليفة، فدخل عليه الفضل بن العباس بن عتبة، فشكا إليه كثرة العيال، وسأله فأعطاه مالاً وإبلاً ورقيقاً. فلما مات الوليد ولي سليمان فحج، فأتاه فسأله، فلم يعطه شيئاً، فقال:

يا صاحب العيس التي رحلت

 

محبوسة لعشية الـنـفـر

امرر على قبر الوليد فقل له

 

صلى الإ له عليك من قبـر

با واصل الرحم التي قطعت

 

وأصابها الجفوات في الدهر

إني وجدت الخل بعدك كاذباً

 

فبرئت من كذبٍ ومن غدر

ولقد مرر بنسوةٍ ينـد بـنـه

 

بيض السواعد من بني فهر

تبكي لسيدهـا الأجـل ومـا

 

يبكين من نابٍ ولا بـكـر

يبكينـه ويقـلـن: سـيدنـا

 

ضاع الخلافة آخر الدهـر

ماذا لقيت، جزيت صالـحة

 

من جفوة الإ خوان لو تدري

أخبرني وكيع بهذا الخبر، قال: حدثني محمد بن علي بن حمزة قال: حدثنا أو غسان قال: أخبرنا أبو عبيدة عن عبد العزيز بن أبي ثابت، قال: كان الفضل بن العباس منقطعاً إلى الوليد بن عبد الملك، فلما مات الوليد جفاه سليمان وحرمه، فقال:

يا راكب العيس التي وقفت

 

للنفر يوم صبيحة النحـر

وذكر الأبيات. قال : وكان الوليد فرض له فريضة يعطاها كل سنة، فقال: يا أمير المؤمنين، بقي شارب الريح.


قال: وما شارب الريح؟ قال: حماري، افرض له شيئاً. ففرض له خمسة دنانير، فأخذها ولم يكن يطعمه، فعمد رجل فكتب رقعة يذكر فيها قصة الحمار، وعلقها في عنقه ، وجاء بها إلى القاضي، فأضحك منه الناس.


حدثنا اليزيدي، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثني أبو الشكر مولى بن هاشم، كوفي ظريف، قال: كان الفضل بن العباس بخيلاً، فقدم علي بن عبد الله بن العباس حاجاً، فاتاه في منزله مسلماً عليه، فقال له: كيف أنت، وكيف حالك؟ قال: بخير، نحن في عافية. قال: فهل من حاجة؟ قال: لا والله، وإني لأشتهي هذا العنب، وقد أغلاه علينا هؤلاء العلوج. فغمز غلاماً له، فذهب فأتاه بسلة عظيمة من عنب، فجعل يغسل له عنقوداً عقوداً ويناوله، فكلما فعل ذلك قال: برتك رحم.


أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال: حدثنا الزبير بن بكار عن عمه، قال: كان الفضل بن العباس بخيلاً، وكان ثقيل البدن، إذا أراد أن يمضي في حاجة استعار مركوباً، فطال ذلك عليه وعلى أهل المدينة من فعله، فقال له بعض بني هاشم: انا أشتري لك حماراً تركبه، وتستغني عن العارية. ففعل، وبعث به إليه، فكان يستعير له سرجاً إذا أراد أن يركبه، فتواصى الناس بالأ يعيره أحد سرجاً. فلما طال عليه ذلك، اشترى سرجاً بخمسة دراهم، وقال:

ولما رأيت المال مألف أهـلـه

 

وصان ذوي الأخطار أن يتبذلوا

رجعت إلى مالي فأعتبت بعضه

 

فأعتبني إن يكـذلـك أفـعـل

ثم قال للذي اشترى له الحمار: إني لا أطيق علفه، فإما أن تبعث إلي علفه وإلا رددته. فكان يبعث إليه بعلفٍ كل ليلة وشعير، ولا يدع هو أيضاً أن يطلب من كل أحد يأنس به علفاً لحماره، فبعث به إليه، فيعلفه التبن دون الشعير، حتى هزل وعطب. فرفع الحزين الكناني إلى ابن حزم أو عبد العزيز بن عبد المطلب رقعة، وكتب في رأسها قصة حمار الفضل اللهبي، وذكر فيها أنه يركبه ويأخذ علفه وقضيمه من الناس، ويعلفه التبن، ويبيع الشعير، ويأخذ ثمنه، ويسأل أن ينصف منه. فضحك لما قرأ الرقعة، وقال: لئن كنت ما زحاً إني لأراك صادقاً. وأمر بتحويل حمار اللهبي إلى أصطبله، ليعلفه ويقضمه، فإذا أراد ركوبه دفع إليه.


أخبرني وكيع قال: حدثني محمد بن سعد الشامي، عن ابن عائشة، قال: كان الفضل اللهبي بغير سرج، فاستعار سرجا، فمطله الرجل، حتى خاف أن تفوته حاجته، فاشترى سرجاً ومضى لحاجته، وأنشأ يقول:

ولما رأيت المال مألف أهله

وذكر البيتين ولم يزد عليهما شيئاً.


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني علي بن محمد النوفلي قال: كان أبي عن إسحاق بن عيسى وهو والي البصرة، وعنده وجوه أهل البصرة، وقد كانت فيهم بقية حسنة في ذلك الدهر، فأفاضوا في ذكر بني هاشم، وما أعطاهم الله من الفضل بنبيه صلى الله عليه وسلم، فمن منشد شعراً ومتحدث حديثاً، وذاكر فضيلة من فضائل بن هاشم. فقال أبي: قد جمع هذا الكلام الفضل بن العباس اللهبي في بيت قاله، ثم أنشد قوله:

ما بات قوم كرام يدعـون يدا

 

إلا لقومي عليهـم مـنة ويد

نحن السنام الذي طالت شظيته

 

فما يخالطه الأدواء والعمـد

فمن صلى صلاتنا، وذبح ذبيحتنا، عرف أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بما هداه الله عز وجل إلى الإسلام به، ونحن قومه، فتلك منة لنا على الناس.


وفي هذين البتين غناء لابن محرز، هزج بالبنصر في رواية عمرو بن بانة. وقوله وطالت شظيته، الشظية: الشظى ، قال دريد بن الصمة.

سليم الشظى عبل الشوى شنج النسا

 

أمين القوى نهد طويل المقـلـد

والعمد: داء يصيب البعير من مؤخر سنامه إلى عجزه، فلا يلبثه أو يقتله .


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري، قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران، قالا: أخبرني أحمد بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، قال: قدم الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، على عبد الملك بن مروان، فأنشده وعنده ابن لعبيد الله بن زياد، فقال الزيادي: والله ما أسمع شعراً، فلما كان العشي راح إليه الفضل، فوقف بين يديه، ثم قال: يا أمير المؤمنين:

أتيتك حـالاً وابـن عـم عـمةٍ

 

ولم أك شعباً لاطه بك مشعـب

فصل واشجات بيننا من قـرابة

 

ألا صلة الأرحام أبقى وأقرب

ولا تجعلني كامرىء ليس بينـه

 

وبينكم قربى ولا منـتـسـب

أتحدب من دون العشيرة كلهـا

 

فأنت على مولاك أحنى وأحدب

فقال الزيادي: هذا والله ياأمير المؤمنين، الشعر! فقال عبد الملك: النخس يكفيك البطيء . وجعل يضحك من استرسال الزيادي في يده ، وأحسن صلته.


وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني النوفلي قال: حدثني عمي قال: لما قدم الفضل اللهبي على عبد المك بن مروان أمر له بعشرة آلاف درهم، ثم حج الوليد فأمر له بمثلها.


فلما قدم الأحيحي على المهدي فمدحه، قال المهدي لم حضر: كم كان عبد الملك أعطى الفضل اللهبي لما مدحه، فما أعلم هاشمياً مدحه غيره؟ فقيل له: أعطاه عشرة آلاف درهم. قال: فكم أعطاه الوليد؟ قالوا: مثل عطية أبيه فأمر للأحيحي بثلاثين ألف درهم.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني أحمد بن معاوية، عن عثمان بن إبراهيم الحاطبي، قال: خرج علي بن عبد الله بن العباس بالفضل اللهبي إلى عبد الملك بن مروان بالام، فخرج عبد الملك يوماً رائحاً على نجيب له، ومعه بغلة تجنب، فحدا حادي عبد الملك به، فقال:

يأيها الـبـكـر الـذي أراكـا

 

عليك سهل الأرض في ممشاكا

ويلك هل تعلـم مـن عـلاكـا

 

إن ابن مروان علـى ذراكـا

خليفة الله الذي امـتـطـاكـا

 

لم يعل بكراً مثل من عـلاكـا

فعارضه الفضل اللهبي، فحدا بعلي بن عبد الله بن عباس، فقال:

يأييها السائل عن عـلـي

 

سألت عن بدر لنا بدري

أغلب في العلياء غالبـي

 

ولين الشمسة هاشـمـي

جاء على بكر له مهري

 

 

فنظر عبد الملك إلى علي فقال: أهذا مجنون آل أبي لهب؟ قال: نعم. فلما أعطى قريشاً مر به اسمه فحرمه، وقال: يعطيه علي. هكذا رواية عمر بن شبة.


وأخبرني ابن عمار بهذا الخبر عن علي بن محمد بن النوفلي عن عمه: أن سليمان بن عبد الملك حج في خلافة الوليد، فجاء إلى زمزم فجلس عندها، ودخل الفضل اللهبي يستقي، فجعل يرتجز ويقول:

يأيها السائل عن عـلـي

 

سألت عن بدرٍ لنا بدري

مقدم في الخير أبطحـي

 

ولين الشيمة هاشـمـي

زمزمنا بوركت من ركي

 

بوركت للساقي وللمسقي

فغضب سليمان، وهم بالفضل. فكفه عنه علي بن عبد الله، ثم أتاه بقدح فيه نبيذ من نبيذ السقاية، فأعطاه إياه، وسأله أن يشربه، فاخذه من يده كالمتعجب، ثم قال: نعم إنه يستحب، ووضعه في يده ولم يشربه. فلما ولي الخلافة وحج لقيه الفضل، فلم يعطه شيئاً.

نسخت من كتاب ابن النطاح، قال: ذكر أبو الحسن المدائني أن الحارث بن خالد المخزومي، كان يحسد الفضل اللهبي على شعره ويعاديه، لأن أبا لهب كان قامر جده العاصي بن هشام على ماله فقمره، ثم قامره على رقةٍ فقمره ، فأسلمه قيناً، ثم بعث به بديلاً يوم بدر، فقتله علي بن أبي طالب عليه السلام، فكان إذا أنشد شيئاً من شعر ابن حمالة الحطب. فقال الفضل في ذلك:

ماذا تحاول من شتمي ومنقصـتـي

 

ماذا تعير من حمالة الـحـطـب

غراء سائلة في المجـد غـرتـهـا

 

كانت حليلة شيخ ثاقب الـنـسـب

إنا وإن رسـول الـلـه جـاءبـنـا

 

شيخ عظيم شئون الرأس والنشـب

يالعن الله قـومـاً أنـت سـيدهـم

 

في جلدة بين أصل الثيل والـذنـب

أبا لقيون توافينـي تـفـاخـرنـي

 

وتدعي المجد قد أفرطت في الكذب

وفي ثلاثة رهطٍ أنـت رابـعـهـم

 

توعدني واسطاً جرثـومة الـعـب

في أسرة من قريش هم دعائمـهـا

 

تشفي دماؤهم للخـيل والـكـلـب

أما أبوك فعبد لـسـت تـنـكـره

 

وكان ما لكه جـدي أبـو لـهـب

النبع عيداننا والمجـد شـيمـتـنـا

 

لسنا كقومك من مرخ ولا غـرب

أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثني عمي عبيد الله بن محمد، عن ابن حبيب، عن ابن الأعرابي قال: كان رجل من بني كنانة يقال له عقرب حناط قد داين الفضل اللهبي فمطله، ثم مر به الفضل وهو يبيع حنطة له، ويقول:

جاءت بها ضابطة التجار

 

صافيه كقطع الأوتـار

فقال الفضل:

قد تجرت عقرب في سوقنا

 

ياعجبا للعقرب التـاجـره

قد صافت العقرب واستقينت

 

أن مالها دنـيا ولا آخـره

فإن تعد عادة لما سـاءهـا

 

وكانت النعل لها حاضـره

إن عدوا كيده فـي إسـتـه

 

لغير ذي كـيدٍ ولا نـائره

كل عدو يتقـى مـقـبـلا

 

وعقرب تخشى من الدابره

كأنها إذ خرجـت هـودج

 

شدت قواه رفعة بـاكـره

أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا دماذ أبو غسان، عن أبي عبيدة. ووجدته في بعض الكتب عن الرياشي عن زكويه العلائي عن ابن عائشة عن أبيه، والروايتان كالمتفقتين: أن عمر بن أبي ربيعة وفد على عبد المك بن مروان، فأدخل عليه، فسأله عن نسبه، فانتسب، فقال له:

لا أنعم الله بقين عينـا

 

تحية السخط إذا التقينا

أأنت لا أم لك القائل:

نظرت إليها بالمحصب من منـى

 

ولي نظر لولا التـحـرج عـارم

فقلت: أشمس أم مصابـيح بـيعةٍ

 

بدت لك خلف السجف أم أنت حالم

بعيدة مهرى القرط إما لـنـوفـل

 

أبوها وإما عبد شمـس وهـاشـم

الغناء لابن سريج: رمل بالوسطى من رواية عمرو بن بانة، ومن رواية حماد بن إسحاق عن أبيه. ولمعبد فيه لحن من رواية إسحاق: ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر ، أوله:

بعيدة مهوى القرط إما النوفل

وفي لحن معبد خاصة قوله:

ومد عليها السجف يوم لقيتها

 

على عجلٍ تباعها والخوادم

وتمام الشعر:

فلم أستطعها غير أن قد بـدا لـنـا

 

عشية راحت كفها والمـعـاصـم

معاصم لم تضرب على الهم بالضحى

 

عصاها، ووجه لم تلحه السـمـائم

نرجع إلى سياقة الخبر: ثم قال له عبد الملك: قالتلك الله! ما ألأمك! أما كنت لك في بنات العرب مندوحة عن بنات عمك! فقال عمر: بئست والله هذه التحية يا أمير المؤمنين لابن العم، على شحط الدار، ونأي المزار. فقال له عبد الملك: أراك مرتدعاً عن ذلك؟ فقال: إني إلى الله تعالى تائب. فقال عبد الملك: إذن يتوب الله عليك، وسيحسن جائزتك.


ولكن أخبرني عن منازعتك اللهبي في المسجد الجامع، فقد أتاني نبأ ذلك، وكنت أحب أن سمعه منك. قال عمر: نعم يا أمير المؤمنين، بينا أنا جالس في المسجد الحرام، في جماعة من قريش، إذ دخل علينا الفضل بن العباس بن عتبة، فسلم وجلس، ووافقني وأنا أتمثل بهذا البيت:

وأصبح بطن مكة مقشعـرا

 

كأن الأرض ليس بها هشام

فأقبل علي وقال: يا أخا بني مخزوم، والله إن بلدة تبحبح بها عبد المطلب، وبعث منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقر بها بيت الله عز وجل، لحقيقة ألا تقشعر لهشام، وإن أشعر من هذا البيت وأصدق قول من يقول:

إنما عبد مناف جـوهـر

 

زين الجوهر عبد المطلب

فأقبلت عليه فقلت: يا أخا بني هاشم، إن أشعر من صاحبك الذي يقول:

إن الدليل على الخيرات أجمعها

 

أبناء مخزوم ، للخيرات مخزوم

فقال لي: أشعر والله من صاحبك الذي يقول:

جبريل أهدى لنا الخيرات أجمعها

 

إذ أم هاشم لا أبنـاء مـخـزوم

فقلت في نفسي: غلبني والله. ثم حملني الطمع في انقطاعه علي، فخاطبته فقلت: بل أشعر منه الذي يقول:

أبناء مخزومٍ الـحـريق إذا

 

حركته تارة ترى ضرمـا

يخرج منه الشرار مع لهبٍ

 

من حاد عن حره فقد سلما

فو الله ما تعلثم أن أقبل علي بوجهه فقال: يا أخا بني مخزوم، أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول:

هاشم بحر إذا سما وطـمـا

 

أحمد حر الحريق واضطرما

واعلم وخير المقال أصدقـه

 

بأن من رام هاشما هشـمـا

قال: فتمنيت والله يا أمير المؤمنين أن الأرض ساخت بي، ثم تجلدت عليه فقلت: يا أخا بني هشام، أشعر من صاحبك الذي يقول:

أبناء مخزوم أنجم طلعـت

 

للناس تجلو بنورها الظلما

نجود بالنيل قبل تـسـألـه

 

جوداً هنيئاً وتضرب البهما

فأقبل علي بأسرع من اللحظ ، ثم قال: أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول:

هاشم شمس بالسعد مطلعها

 

إذا بدت أخفت النجوم معا

اختار منها ربي النبي فمن

 

قارعها بعد أحمدٍ قرعـا

فاسودت الدنيا في عيني ، وديربي، وانقطعت، فلم أحر جواباً. ثم قلت له: يا أخا بني هاشم، إن كنت تفخر علينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يسعنا مفاخرتك. فقال: كيف؟ لا أم لك، والله لو كان منك لفخرت به علي. فقلت: صدقت وأستغفر الله، إنه لموضع الفخار. وداخلني السرور لقطعه الكلام، ولئلا ينالني عوز عن إجابته فأفتضح. ثم إنه ابتأ بالمناقضة، فأفكر هنيهة، ثم قال: قد قلت فلم أجد بدا من الاستماع، فقلت: هات. فقال:

نحن الذين إذا سما لفـخـارهـم

 

ذو الفخر أقعده هناك القـعـدد

افخر بنا إن كنت يوماً فـاخـراً

 

تلق الألى فخروا بفخرك أفردوا

قل يا بن مخزوم لكل مفـاخـرٍ

 

منا المبارك ذو الرسالة أحمـد

ماذا يقول ذوو الفخار هنا لكـم

 

هيهات ذلك هل ينال الفـرقـد

فحصرت واله وتبلدت، وقلت له: إن لك عندي جواباً فأنظرني. وأفكرت ملياً، ثم أنشأت أقول:

لا فخر إلا قد عـلاه مـحـمـد

 

فإذا فخرت به فـإنـي أشـهـد

أن قد فخرت وفقت كل مفاخـرٍ

 

وإليك في الشرف الرفيع المعمد

ولنا دعـائم قـد بـنـاهـا أول

 

في المكرمات جرى عليها المولد

من رامها حاشى النبي وأهـلـه

 

بالفخر غطمطه الخليج المزبـد

دع ذا ورح لغنـاء خـودٍ بـضةٍ

 

مما نطقت به وعنى مـعـبـد

مع فتية تندى بطـون أكـفـهـم

 

جوداً إذا هر الزمـان الأنـكـد

يتـنـاولـون سـلافة عـانـيةً

 

طابت لشاربها وطاب المقـعـد

فوالله يا أمير المؤمنين، لقد أجابني بجواب كان أشد علي من الشعر. قال لي: يا أخا بني مخزوم، أريك السها وتريني القمر-قال أبو عبد الله اليزيدي : أدلك على الأمر الغامض، وأنت لم تبلغ أن ترى الأمر الواضح. هذا مثل- أتخرج من المفاخرة إلى شرب الراح، وهي الخمر المحرمة؟ فقلت له: أما علمت أصلحك الله أن الله عز وجل يقول في الشعراء:(وأنهم يقولون مالا يفعلون) . فقال: صدقت، وقد استثنى الله قوماً منهم، فقال (إلا الذين آمنو وعملوا الصالحات) ، فإن كنت منهم فقد دخلت تحت الاستثناء، وقد استحققت العقوبة بدعائك إليها؛ وإن لم تكن منهم فالشرك بالله عليك أعظم من شرب الخمر. فقلت: أصلحك الله، لا أجد للمستخذي شيئاً أصلح من السكوت. فضحك وقال: أستغفر الله. وقام عني.


قال: فضحك بعبد الملك حتى استلقى، وقال يا بن أبي ربيعة، أما علمت أن لبني عبد مناف ألسنة ل تطاق، ارفع حوائجك. قال: فرفعتها فقضاها، وأحسن جائزتي وصرفني .


واللفظ في هذا الخبر لمحمد بن العباس .


ذكر خبر من لم يمض له خبر ولا يأتي ممن ذكرت صنعته في هذا الخبر منهم خليدة المكية، وهي مولاة لابن شماس، كانت هي وعقيلة وربيحة يعرفن بالشماسيات، وقد أخذن الغناء عن ابن سريج ومعبد ومالك.


فأخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا: حدثنا الزبير بن بكار، عن عمه قال: كانت لهشام بن عروة جفنية يصيب منها هو وبنوه ناحية ، وكان محمد بن هشام يصنع الطعام الرقيق، فيشير إليهم، فيمسكون عن الأكل، فيفطن هشام، فيقول: لقد حدث شيء، ثم يقوم محمد، فيتسلل القوم إله، وجاءت خليدة المكية، فصعدوا غرفة، فلما غنت إذا حفز ونفس، فإذا هو هشام قد طلع وهو ينشد:

يا قدمي ألحقاني بالقـوم

 

لا تعداني كسلاً بعد اليوم

فلما رآهم، قال: أحسبه قد جلس معهم. وقال الخليدة: غني. فغنت. فقال لها: أكتبي في صدرك(قل هو الله أحد والمعوذتين) لا تصيبك العين.


أخبرني علي بن عبد العزيز الكاتب، عن ابن خرداذبه قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي، عن الفضل بن الربيع قال: مارأيت ابن جامع يضرب لقناء كا يطرب لغناء خليدة المكية، وكانت سوداء، وفيها يقول الشاعر:

فتنت كاتب الأمير رياحا

 

يا لقوم خليدة المكـية

أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدثنا عمر بن شبة، ونسخت هذا الخبر بعينه من كتاب جعفر بن قدامة بخطه، قال: حدثني عمر بن شبة قال: بلغني أن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان أرسل إلى خليدة المكية أبا عون مولاه بخطبها عليه.
فاستأذن فأذنت له وعليها ثياب رقاق لا تسترها، ثم وثبت، فقالت: إنما ظننتك بعض سفهائك، ولكني أبس لك ثياب مثلك، ثم أخرج إليك. ففعلت. وقالت: قل. قال: أرسلني إليك مولاي، وهو من تعلمين بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين علي وعثمان، وهو ابن عم أمير المؤؤمنين، يخطبك. وقالت: قد نسبته فأبلغت، فاسمع نسبي أنا، بأبي أنت.


إن أبي بيع على غير عقد الإسلام ولا عهده، فعاش عبداً، ومات وفي رجله قيد، وفي عنقه سلسلة، وعلى الإباق والسرقة؛ وولدتني أمي على غير رشدة، وماتت وهي آبقة، فأنا من تعلم. فإن أراد صاحبك نكاحاً مباحاً، أو زناً صراحاً، فهلم إليه، فنحن له. فقال: إنه لا يدخل في الحرام. قالت: ولا ينبغي أن يستحس من الحلال. فأما نكاح اسر فلا. والله لا فعلته، ولا كنت عاراً على القيان. قال: فاتيت محمداً فأخبرته، فقال: ويلك! أتزوجها معلنا وعندي بنت طلحة بن عبيد الله! لا. ولكن ارجع إليها، فقل لها تختلف إلي أردد بصري فيها، لعلي أسلو. فرجعت فأبلغتها الرسالة، فضحكت، وقالت: اما هذا فنعم. لسنا نمنعه منه.

رب لـيلٍ نـاعـم أحـييتـه

 

في عفاف عند قباء الحشـى

ونهار قد لهـونـا بـالـتـي

 

لا نرى شبهاً لها فيمن مشى

لطلوع الشمس حتـى آذنـت

 

بغروب عن إبان الـعـشـا

لسليمى ما دعـت قـمـرية

 

بهديل فوق غصن من غضى

وعقارٍ قهـوة بـاكـرتـهـا

 

في ندامى كمصابيح الدجـى

وجواد سابـح أقـحـمـتـه

 

حومة الموت على زرق القنا

الشعر للمهاجر بن خالد بن الوليد، فيما ذكر الزبير بن بكار. وذكر أبو عمر الشيباني وخالد بن كلثوم: أنه لابنه خالد بن المحاجر. والغناء لابن محرز، ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر، عن إسحاق؛ وفيه لإبراهيم الموصلي لحنان، أحدهما هزج خفيف بالسبابة، في مجرى البنصر، عن إسحاق وابن المكي، والآخر رمل بالبنصر، عن عمرو وابن المكي والهشامي. وفيه لمعبد خفيف ثقيل بالخنصر والبنصر، عن ابن المكي. قال: وفيه لمالك خفيف ثقيل آخر، نشيد ، ووافقه عمرو الهشامي، وذكر عمرو في نسخته الأولى أنه لابن محرز، والمعمول عليه الرواية الثانية.