الجزء السادس عشر - أخبار المهاجر بن خالد ونسبه وأخبار ابنه خالد

أخبار المهاجر بن خالد ونسبه وأخبار ابنه خالد

المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. وكان الوليد بن المغيرة سيداً من سادات قريش، وجواداً من جوادئها . وكان يلقب بالوحيد. وامه صخرةبنت الحارث بن عبد الله بن عبد شمس، امرأة من بجيلة، ثم من قسر. ولما مات الوليد بن المغيرة أرخت قريش بوفاته مدة، لإعظامها إياه، حتى كان عام الفيل، فهلوه تاريخاً. هكذا ذكر ابن دأب.


وأما الزبير بن بكار فذكر عن عمرو بن أبي بكر المؤملي، أنها كانت تؤرخ بوفاة هشام بن المغيرة تسع سنين، إلى أن كانت السنة التي بنوا فيها الكعبة، فأرخوا بها. ولخالد بن الوليد من الشهرة بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والغناء في حروبه المحل المشهور، ولقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف الله، وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح وبعد الحديبية هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم لما رآهم: رمتكم مكة بأفلاذ كبدها. وشهد فتح مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان أول من دخلها في مهاجرة العرب من أسفل مكة، وشهد يوم مؤته. فلما قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، ورأى الا طاقة للمسلمين بالقوم، انحاز بهم، وحامى عليهم حتى سلموا، فلقبه يومئذ رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيف الله.

 

حدثنا بذلك أجمع الحرمي بن أبي العلاء والطوسي عن الزبير بن بكار.


وكان خالد يوم حنين في مقدمة رسول الله صلى اله عليه وسلم ومعه بنو سليم، فأصابته جراح كثيرة، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هزيمة المشركين، فنفث على جراحه، فاندنلت ونهض. وله آثار في قتال أهل الردة، في أيام أبي بكر رضي الله عنه مشهورة، يطول ذكرها. وهو فتح الحيرة، بعث إليه أهلها عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة، فكلمه خالد، فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من ورائي. قال: وأين تريد؟ قال: أمامي. قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل وامرأة.


قال: فأين أقصى أثرك؟ قال: منهى عمري. قال: أتعقل؟ قال: نعم، وأفيد. قال: ما هذه الحصون؟ قال: بنيناها نتقي بها السفيه حتى يردعه الحليم. قال: لأمر ما اختارك قومك، ما هذا في يدك؟ قال: سم ساعة. قال: وما تصنع به؟ قال: أردت أن أنظر ما تردني به: فإن بلغت ما فيه صلاح لقومي عدت إليهم، وإلا شربته، فقتلت نفسي، ولم أرجع إلى قومي بما يكرهون. فقال له خالد: أرنيه. فناوله إياه. فقال خالد باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثم أكله، فتجللته غشية، ثم أفاق يمسح العرق عن وجهه.


فرجع ابن بقيلة إلى قومه، فأخبرهم بذلك، وقال: ما هؤلاء القوم إلا من الشياطين، وما لكم بهم طاقة، فصالحوعم هلى ما يريدون. ففعلوا.


أخبرني بذلك إبراهيم بن السري، عن يحيى التميمي، عن أبيه، عن شعيب بن سيف، وأخبرني به الحسن بن علي عن الحارث بن محمد عن محمد بن سعد، عن الواقدي.


وأمره أبو بكر على جنيع الجيوش التي بعثها إلى الشام لحرب الروم، وفيهم أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل، فرضوا به وبإمارته.


قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حلق رأسه ذات يوم، فأخذ خالد شعره، فجعله في قلنسوة له، فكان لا يلقى جيشاً وهي عليه إلا هزمه.


وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث، وحمل عنه. ورآه النبي صلى الله عليه وسلم متدلياً من هرشى فقال: نعم الرجل خالد بن الوليد.


أخبرنا بذلك الطوسي والحرمي قالا: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني يعقوب بن محمد عن عبد العزيز بن محمد، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك له.


قال الزبير: وحدثني محمد بن سلام، عن أبان بن عثمان قال: لما مات خالد بن الوليد لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبره، يعني حلقت رأسها، ووضعت شعرها على قبره.


قال ابن سلام: وقال يونس النحوي: إن عمر رضي الله عنه قال حينئذ: دعوا نساء بني المغيرة يبكين أبا سليمان، ويرقن من دموعهن سجلا أو سجلين، ما لم يكن نقع أو لقلقة قال: والنقع: مد الصوت بالنحيب. واللقلقة: حركة اللسان بالولولة ونحوها.
قال الزبير، فيما ذكره لي من رويت عنه: حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أشبه الناس بخالد بن الوليد، فخرج عمر سحراً، فلقيه شيخ، فقال له: مرحباأ بك يا أبا سليمان، فنظر إليه عمر، فإذا هو علقمة بن علاثة، فرد عليه السلام. فقال له علقمة: عزلك عمر بن الخطاب؟ فقال له عمر: نعم. قال: ما شبع، لا أشبع الله بطنه! قال له عمر: فما عندك؟ قال: ما عندي إلا السمع والطاعة. فلما أصبح عمر دعا بخالد، وحضره علقمة بن علاثة، فأقبل على خالد، فقال له: ماذا قال لك علقمة؟ قال: ما قال لي شيئاً. قال: اصدقني. فحلف خالد بالله ما لقيه، ولا قال له شيئاً. فقال له علقمة: حلا أبا سليمان. فتبسم عمر، فعلم خالد أن علقمة قد غلط، فنظر إليه، وفطن علقمة، فقال له: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، فاعف عني، عفا الله عنك. فضحك عمر وأخبره الخبر.


أخبرني عمي قال: حدثني أحمد بن الحارث الخراز قال: حدثنا المدائني، عن شيخ من أهل الحجاز، عن زيد بن رافع مولى المهاجر بن خالد بن الوليد، وعن أبي ذئب ، عن أبي سهيل أو ابن سهيل: أن معاوية لما أراد أن يظهر العهد ليزيد، قال لأهل الشام: إن أمير المؤمنين قد كبرت سنة، ورق جلده، ودق عظمه، واقترب أجله، ويريد أن يستخلف عليكم، فمن ترون؟ فقالوا: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. فسكت وأضمرها، ودرس ابن أثال الطبيب إليه، فسقاه سماً فمات. وبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد خبره وهو بمكة، وكان أسوأ الناس رأياً في عمه، لأن أباه المهاجر كان مع علي السلام بصفين، وكان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مع معاوية، وكان خالد بن المهاجر على رأي أبيه: هاشمي المذهب، ودخل مع بني هاشم الشعب، فاضطغن ذلك ابن الزبير عليه، فألقى عليه زق خمر، وصب بعضه على رأسه، وشنع عليه بأنه وجده ثملاً من الخمر، فضربه الحد. فلما قتل عمه عبد الرحمن مربه عروة بن الزبير، فقال له: يا خالد: أتدع ابن أثال ينقي أوصال عمك بالشأم وأنت بمكة مسبل إزارك، تجره وتخطر فيه متخايلاً؟ فحمي خالد، ودعا مولى له يدعى نافعاً، فأعلمه الخبر، وقال له: لا بد من قتل ابن أثال؛ وكان نافع جلداً شهماً.


فخرجا حتى قدما دمشق، وكان ابن أثال يمسي عند معاوية، فجلس له في مسجد دمشق إلى أسطوانة، وجلس غلامه إلى أخرى، حتى خرج. فقال خالد لنافع: إياك أن تعرض له أنت، فإني أضربه، ولكن احفظ ظهري، واكفني من ورائي، فإن رابك شيء يريدني من ورائي فشأنك. فلما حاذاه وثب عليه فقتله، وثار إليه من كان معه. فصاح بهم نافع فانفرجوا، ومضى خالد ونافع، وتبعهما من كان معه، فلما غشوهما حملا عليهم، فتفرقوا، حتى دخل خالد ونافع زقاقاً ضيقاً، فففاتا القوم. وبلغ معاوية الخر، فقال: هذا خالد بن المهاجر، اقبلوا الزقاق الذي دخل فيه. ففتش عليه، فأتي به. فقال: لا جزاك الله من زائر خيراً، قتلت طبيبي. قال: قتلت المأمور وبقي الآمر. فقال له: عليك لعنة الله لو كان تشهد مرة واحد لقتلتك به، أمعك نافع؟ قال: لا. قال: بلى والله ما اجترأت إلا به. ثم أمر بطلبه فوجد، فأتي به، فضربه مئة سوط. ولم يهج خالداً بشيء أكثر من أن حبسه، وألزم بني مخزوم دية ابن أثال، اثني عشر ألف درهم. أدخل بيت المال منها ستة آلاف درهم، وأخذ ستة آلاف درهم، ولم يزل ذلك يجري في دية المعاهد، حتى ولي عمر بن عبد العزيز، فأبطل الذي يأخذه السلطان لنفسه، وأثبت الذي يدخل بيت المال.
وخالد بن المهاجر الذي يقول:

يا صاح يا ذا الضامر العنس

 

والرحل ذي الأنساع والحلس

سير النهار ولست تـاركـه

 

وتجد سيراً كلما تـمـسـي

في هذين البيتين وبيت ثالث لم أجده في شعر المهاجر، ولا أدري أهو له أم ألحقه به المغنون، لحنان: ثقيل أول، وخفيف ثقيل. ذكر يونس أن أحدهما لمالك، ولم يذكر طريقة لحنه، ووجدته في جامع غناء معبد، عن الهشامي.
ويحيى المكي له فيه خفيف ثقيل. وهكذا ذكر علي بن يحيى أيضاً، ولعله رواه عن ابن المكي. وإن كان هذا لمعبد صحيحاً، فلحن مالك هو الثقيل الأول. وذكر حبش، وهو ممن لا يحصل قوله: أن لحن معبد ثقيل أول بالوسطى.

رجع الخبر إلى سياقة خبر خالد

خالد يحرض عروة بن الزبير على قتل بن جرموز قال: ولما حبس معاوية خالد بن المهاجر قال في الحبس:

إما خـطـاي تـقـاربـت

 

مشى المقيد في الحصـار

فبما أمـشـي فـي الأبـا

 

طح يقتفي أثـري إزاري

دع ذا ولكـن هـل تـرى

 

ناراً تشـب بـذي مـرار

ما إن تـشـب لـقــرة

 

للمصطلـين ولا قـتـار

ما بـال لـيلـك لـيس ين

 

قص طوله طول النهـار

لتـقـاصـر الأزمـان أم

 

غرض الأسير من الإسار؟

قال: فبلغت أبياته معاوية، فرق له وأطلقه. فرجع إلى مكة. فلما قدمها لقي عروة بن الزبير، فقال له: أما ابن أثال فقد قتلته، وذاك ابن جرموز ينقي أوصال الزبير بالبصرة، فاقتله إن كنت ثائراً. فشكاه عروة إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فأقسم عليه أن يمسك عنه، ففعل.


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني يعقوب بن نعيم قال: حدثني إسحاق بن محمد قال: حدثني عيسى بن محمد القحطبي قال: حدثني محمد بن الحارث بن يسخنر قال: غنى إبراهيم بن المهدي يوماً بحضرة المأمون وأنا حاضر:

يا صاح يا ذا الضامر العنس

 

والرحل ذي الأقتاب والحلس

قال: وكانت لي جائزة قد خرجت، فقلت: تأمر سيدي يا أمير المؤمنين بإلقاء هذا الصوت علي مكان جائزتي، فهو أحب إلي منها؟ فقال له: يا عم، ألق هذا الصوت على محمد. فألقاه علي حتى إذا كدت أن أخذه قال: اذهب فأنت أحذق الناس به. فقلت: إنه لم يصلح لي بعد. قال: فاغد غداً علي. فغدوت عليه، فأعاده ملتوياً ، فقلت له: أيها الأمير، لك في الخلافة ما ليس لأحد؛ أنت ابن الخليفة، وأخو الخليفة، وعم الخليفة، تجود بالرغائب، وتبخل علي بصوت؟ فقال: ما أحمقك! إن المأمون لم يستبقني محبة لي، ولا صلة لرحمي، ولا ليرب المعروف عندي، ولكنه سمع من هذا الجرم ما لم يسمعه من غيره. قال: فاعلمت المأمون بمقالته. فقال: إنا لا نكدر على أبي إسحاق عفونا عنه، فدعه. فلما كانت أيام المعتصم نشط للصبوح يوماً، فقال: أحضروا عمي. فجاء في دراعة بغير طيلسان، فأعلمت المعتصم بخبر الصوت سراً، فقال: يا عم غنني: فغناه. فقال: ألقه على محمد، فقال: قد فعلت، وقد سبق مني قول الآ أعيده عليه. ثم كان يتجنب أن يغنيه حيث أحضر.

أقفر بعد الأحـبة الـبـلـد

 

فهو كان لم يكن بـه أحـد

شجاك نؤي عفت معالمـه

 

وهامد في العراص ملتبـد

أمك عـنـسـية مـهـذبة

 

طابت لها الأمهات والقصد

تدعى زهيرية إذا انتسبـت

 

حيث تلاقى الأنساب والعدد

الشعر لحمزة بن بيض، والغناء لمعبد، خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لا بن عباد ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي وعمرو وابن المكي.