الجزء السادس عشر - أخبار أبي حية النميري ونسبه

أخبار أبي حية النميري ونسبه

أبو حية: الهيثم بن الربيع بن زرارة بن كثير بن جناب بن كعب بن مالك بن عامر بن نمير بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار.


وكان يقال لمالك الأصقع. وقال قوم: إن الأصقع هو الأصم بن مالك بن جناب بن كعب.


وأبو حية شاعر مجيد مقدم، من مخضرمي الدولتين: الأموية والعباسية، وقد مدح الخلفاء فيهما جميعاً، وكان فصيحاً مقصداً راجزاً، من ساكني البصرة، وكان أهوج جباناً بخيلاً كذاباً، معروفاً بذلك أجمع. وكان أبو عمرو بن العلاء يقدمه. وقيل إنه كان يصرع.
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثني محمد بن سلام الجمحي. وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثنا محمد بن يزيد. وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة، قالوا: كان لأبي حية سيف يسميه لعاب المنية، ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان من أجبن الناس.


قال: فحدثني جار له قال: دخل ليلة إلى بيته كلب، فظنه لصاً، فأشرفت عليه وقد انتضى سيفه لعاب المنية، وهو واقف في وسط الدار وهو يقول: أيها المغتر بنا، والمجترئ علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل، وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته. اخرج بالعفو عنك، قبل أن أدخل بالعقوبة عليك. إني والله إن أدع قيساً إليك لا تقم لها، وما قيس؟ تملأ والله الفضاء خيلاً ورجلاً، سبحان الله! ما أكثرها وأطيبها! فبينا هو كذلك إذ خرج الكلب، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلباً، وكفاني حرباً.


أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدثني محمد بن علي بن حمزة قال: حدثني أبو عثمان المازني قال: حدثني سعيد بن مسعدة الأخفش قال: قال أبو حية النميري: أتدري ما يقول القدريون؟ قلت: لا. قال: يقولون: الله لا يكلف العباد ما لا يطيقون، ولا يسألهم ما لا يجدون، وصدق والله القدريون، ولكني لا أقول كما يقولون. قال محمد بن علي بن حمزة: وحدثني أبو عثمان قال: قال سلمة بن عياش لأبي حية النميري: أتدري ما يقول الناس؟ قال: وما يقولون؟ قال: يقولون إني أشعر منك. قال: إنا لله! هلك والله الناس! قال: وكان أبو حية النميري مجنوناً يصرع، وقد أدرك هشام بن عبد الملك.


أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثتا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي قال: سمعت عمي يقول: أبو حية في الشعراء كالرجل الربعة، لا يعد طويلاً ولا قصيراً.


قال: وسمعت أبا عمرو يقول: هو أشعر في عظم الشعر من الراعي.


أخبرني الحسن بن علي وعلي بن سليمان الأخفش، قالا: حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال: حدثني عبد الصمد بن المعذل. وأخبرنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال: حدثنا عبد الله بن مسلم، قالوا: كان أبو حية النميري من أكذب الناس، فحدث يوماً أنه يخرج إلى الصحراء، فيدعو الغربان فتقع حوله، فيأخذ منها ما شاء. فقيل له: يا أبا حية، أرأيت إن أخرجناك إلى الصحراء فدعوتها فلم تأتك، فما نصنع بك؟ قال: أبعدها الله إذن! قال: وحدثنا يوماً قال: عن لي ظبي يوماً فرميته، فراغ عن سهمي، فعارضه السهم، ثم راغ، فعارضه السهم، فما زال والله يروغ ويعارضه حتى صرعه ببعض الجبانات.


قال: وقال يوماً: رميت والله ظبية، فلما نفذ سهمي عن القوس، ذكرت بالظبية حبيبة لي، فعدوت خلف السهم، حتى قبضت على قذذه قبل أن يدركها.


وذكر يحيى بن علي عن الحسن بن عليل العنزي قال: قال الرياشي، عن الأصمعي قال: وفد أبو حية النميري على المنصور وقد امتدحه، وهجا بني حسن بقصيدته التي أولها:

عوجا نحي ديار الحي بالسنـد

 

وهل بتلك الديار اليوم من أحد

يقول فيها:

أحين شيم فلم يترك لهـم تـرة

 

سيف تقلده الرئبال ذو اللـبـد

سللتموه عليكم يا بني حـسـن

 

ما إن لكم من فلاح آخر الأبد

قد أصبحت لبني العباس صافية

 

لجدع آناف أهل البغي والحسد

وأصبحت كلهاة الليث في فمه

 

ومن يحاول شيئاً في فم الأسد؟

فوصله أبو جعفر بشيء دون ما كان يؤمل، فاحتجن لعياله أكثره، وصار إلى الحيرة، فشرب عند خماره بها، فأعجبه الشرب، فكره إنفاد ما معه، وأحب أن يدوم له ما كان فيه، فسأل الخمارة أن تبيعه بنسيئة، وأعلمها أنه مدح الخليفة وجماعة من القواد، ففعلت وشرهت إلى فضل النسيئة، وكان لأبي حية أير كعنق الظليم، فأبرز لها عنه، فتدلهت، وكانت كلما سقته خطت في الحائط، فأنشأ أبو حية يقول:

إذا أسقيتـنـي كـوزاً بـخـط

 

فخطي ما بدا لك في الجـدار

فإن أعطيتنـي عـينـاً بـدين

 

فهاتي العين وانتظري ضماري

خرقت مقدماً من جنب ثوبـي

 

حيال مكـان ذاك مـن الإزار

فقالت ويلها: رجل ويمـشـي

 

بما يمشي به عجر الحـمـار

وقالت: ما تريد؟ فقلت: خـيراً

 

نسيئة ما علي إلـى يسـاري

فصدت بعدما نـظـرت إلـيه

 

وقد ألمحتها عنـق الـحـوار

أخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قال: لقى ابن مناذر أبا حية، فقال له: أنشدني بعض شعرك. فأنشده:

ألا حي من أجل الحبيب المغانيا

فقال له ابن مناذر: وهذا شعر؟ فقال أبو حية: ما في شعري عيب هو شر من أنك تسمعه. ثم أنشده ابن مناذر شيئاً من شعره، فقال له أبو حية: قد عرفتك ما قصتك؟ وهذه القصيدة يفخر فيها أبو حية، ويذكر يوم النشاش، وهو يوم لبني نمير.