الجزء السابع عشر - خبر مقتل حجر بن عدي

خبر مقتل حجر بن عدي

حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا محمد بن الحكم، قال: حدثنا أبو مخنف، قال: حدثنا خالد بن قطن، عن المجالد بن سعيد الهمداني، والصقعب بن زهير، وفضيل بن خديج ، والحسن بن عقبة المرادي، وقد اختصرت جملاً من ذلك يسيرة؛ تحرزاً من الإطالة:

استنكاره ذم علي بن أبي طالب ولعنه

أن المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة كان يقوم على المنبر فيذم علي بن أبي طالب وشيعته، وينال منهم، ويلعن قتلة عثمان، ويستغفر لعثمان ويزكيه، فيقوم حجر بن عدي فيقول: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) ، وإني أشهد أن من تذمون أحق بالفضل ممن تطرون، ومن تزكون أحق بالذم ممن تعيبون.

المغيرة بن شعبة يحذره

فيقول له المغيرة: يا حجر، ويحك! اكفف من هذا، واتق غضبة السلطان وسطوته؛ فإنها كثيراً ما تقتل مثلك. ثم يكف عنه.

صرخة ثائرة منه

فلم يزل كذلك حتى كان المغيرة يوماً في آخر أيامه يخطب على المنبر، فنال من علي بن أبي طالب، ولعنه، ولعن شيعته، فوثب حجر فنعر نعرة أسمعت كل من كان في المسجد وخارجه. فقال له: إنك لا تدري أيها الإنسان بمن تولع، أو هرمت! مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا؛ فإنك قد حبستها عنا، ولم يكن ذلك لك ولا لمن كان قبلك، وقد أصبحت مولعاً بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين.


استجابة لصرخة الثائر فقام معه أكثر من ثلاثين رجلاً يقولون: صدق والله حجر! مر لنا بأعطياتنا؛ فإنا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدي علينا، وأكثروا في ذلك.


قوم المغيرة يلومونه في احتماله إياه فنزل المغيرة ودخل القصر، فاستأذن عليه قومه، ودخلوا ولاموه في احتماله حجراً، فقال لهم: إني قد قتلته. قالوا: وكيف ذلك؟ قال: إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيهاً بما ترونه، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة. إنه قد اقترب أجلي، وضعف عملي، وما أحب أن أبتدىء أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز معاوية في الدنيا ويذل المغيرة في الآخرة، سيذكرونني لو قد حربوا العمال.


قال الحسن بن عقبة: فسمعت شيخاً من الحي يقول: قد والله جربناهم فوجدناه خيرهم.


زياد يذكره بصداقته ويحذره ما كان يفعل مع المغيرة قال: ثم هلك المغيرة سنة خمسين، فجمعت الكوفة والبصرة لزياد، فدخلها، ووجه إلى حجر فجاءه، وكان له قبل ذلك صديقاً، فقال له: قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك؛ وإني والله لا أحتملك على مثل ذلك أبداً، أرأيت ما كنت تعرفني به من حب علي ووده، فإن الله قد سلخه من صدري فصيره بغضاً وعداوة، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته فإن الله قد سلخه من صدري وحوله حباً ومودة وإني أخوك الذي تعهد، إذا أتيتني وأنا جالس للناس فاجلس معي على مجلسي، وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك، ولك عندي في كل يوم حاجتان: حاجة غدوة، وحاجة عشية، إنك إن تستقم تسلم لك دنياك ودينك، وإن تأخذ يميناً وشمالاً تهلك نفسك وتشط عندي دمك، إني لا أحب التنكيل قبل التقدمة، ولا آخذ بغير حجة، اللهم اشهد. فقال حجر: لن يرى الأمير مني إلا ما يحب، وقد نصح، وأنا قابل نصيحته.


ثم خرج من عنده، فكان يتقيه ويهابه، وكان زياد يدنيه ويكرمه ويفضله، والشيعة تختلف إلى حجر وتسمع منه.


زياد ينذره قبل خروجه إلى البصرة  وكان زياد يشتو بالبصرة، ويصيف بالكوفة، ويستخلف على البصرة سمرة بن جندب، وعلى الكوفة عمرو بن حريث، فقال له عمارة بن عقبة: إن الشيعة تختلف إلى حجر، وتسمع منه، ولا أراه عند خروجك إلا ثائراً، فدعاه زياد فحذره ووعظه. وخرج إلى البصرة، واستعمل عمرو بن حريث، فجعلت الشيعة تختلف إلى حجر، ويجيء حتى يجلس في المسجد فتجتمع إليه الشيعة، حتى يأخذوا ثلث المسجد أو نصفه، وتطيف بهم النظارة، ثم يمتلىء المسجد، ثم كثروا، وكثر لغطهم، وارتفعت أصواتهم بذم معاوية وشتمه ونقص زياد. وبلغ ذلك عمرو بن حريث، فصعد المنبر، واجتمع إليه أشراف أهل المصر فحثهم على الطاعة والجماعة. وحذرهم الخلاف؛ فوثب إليه عنق من أصحاب حجر يكبرون ويشتمون، حتى دنوا منه، فحصبوه وشتموه حتى نزل ودخل القصر، وأغلق عليه بابه، وكتب إلى زياد بالخبر، فلما أتاه أنشد يتمثل بقول كعب بن مالك:

فلما غدوا بالعرض قال سراتنا:

 

علام إذا لم نمنع العرض نزرع

ما أنا بشيء إن لم أمنع الكوفة من حجر، وأدعه نكالاً لمن بعده، ويل أمك حجر! لقد سقط بك العشاء على سرحان .


عودة زياد إلى الكوفة ثم أقبل حتى أتى الكوفة، فدخل القصر، ثم خرج وعليه قباء سندس، ومطرف خز أخضر، وحجر جالس في المسجد، وحوله أصحابه ما كانوا. فصعد المنبر فخطب وحذر الناس، ثم قال لشداد بن الهيثم الهلالي أمير الشرط: اذهب فائتني بحجر، فذهب إليه فدعاه، فقال أصحابه: لا يأتيه ولا كرامة. فسبوا الشرط، فرجعوا إلى زياد فأخبروه، فقال: يا أشراف أهل الكوفة! أتشجون بيد وتأسون بأخرى ؟ أبدانكم عندي، وأهواؤكم مع هذه الهجاجة المذبوب . أنتم معي وإخوتكم وأبناؤكم وعشيرتكم مع حجر.


استعداء زياد أشراف الكوفة عليه فوثبوا إلى زياد فقالوا: معاذ الله أن يكون لنا فيما ها هنا رأي إلا طاعتك وطاعة أمير المؤمنين، وكل ما ظننت أن يكون فيه رضاك فمرنا به. قال: ليقم كل امرىء منكم إلى هذه الجماعة التي حول حجر، فليدع الرجل أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته، حتى تقيموا عنه كل من استطعتم. ففعلوا، وجعلوا يقيمون عنه أصحابه حتى تفرق أكثرهم وبقي أقلهم.


أمر زياد بإحضاره فلما رأى زياد خفة أصحابه قال لصاحب شرطته: اذهب فائتني بحجر، فإن تبعك وإلا فمر من معك أن ينتزعوا غمد السيوف ، ثم يشدوا عليه حتى يأتوا به، ويضربوا من حال دونه.


أصحابه يمنعونه من الذهاب إلى زياد فلما أتاه شداد قال له: أجب الأمير، فقال أصحاب حجر: لا والله ولا نعمة عين، لا يجيبه. فقال لأصحابه: علي بعمد السيوف ، فاشتدوا إليها، فأقبلوا بها، فقال عمير بن زيد الكلبي أبو العمرطة : إنه ليس معك رجل معه سيف غيري، فما يغني سيفي! قال: فما ترى؟ قال: قم من هذا المكان، فالحق بأهلك يمنعك قومك.


موت عمرو بن الحمق من ضربة عمود فقام زياد ينظر على المنبر إليهم فغشوا حجراً بالعمد، فضرب رجل من الحمراء يقال له: بكر بن عبيد رأس عمرو بن الحمق بعمود فوقع.


توارى حجر في منازل الأزد وأتاه أبو سفيان بن العويمر والعجلان بن ربيعة - وهما رجلان من الأزد - فحملاه، فأتيا به دار رجل من الأزد يقال له عبيد الله بن موعد ، فلم يزل بها متوارياً حتى خرج منها.


الثأر من ضارب عمرو بن الحمق قال أبو مخنف: فحدثني يوسف بن زياد، عن عبيد الله بن عوف ، قال: لما انصرفنا عن عروة باجميرى قبل قتل عبد الملك مصعباً بعام، فإذا أنا بالأحمري الذي ضرب عمرو بن الحمق يسايرني؛ ولا والله ما رأيته منذ ذلك اليوم، وما كنت أرى لو رأيته أن أعرفه، فلما رأيته ظننته هو هو، وذلك حين نظرنا إلى أبيات الكوفة، فكرهت أن أسأله: أنت ضارب عمرو بن الحمق، فيكابرني، فقلت له: ما رأيتك منذ اليوم الذي ضربت فيه رأس عمرو بن الحمق بالعمود في المسجد فصرعته حتى يومي، ولقد عرفتك الآن حين رأيتك.


فقال لي: لا تعدم بصرك، ما أثبت نظرك! كان ذلك أمر السلطان أما والله لقد بلغني أنه قد كان أمراً صالحاً، ولقد ندمت على تلك الضربة، فأستغفر الله.


فقلت له: الآن ترى، لا والله لا أفترق أنا وأنت حتى أضربك في رأسك مثل الضربة التي ضربتها عمرو بن الحمق وأموت أو تموت. قال: فناشدني وسألني بالله. فأبيت عليه، ودعوت غلاماً يدعى رشيداً من سبي أصبهان معه قناة له صلبة، فأخذته منه ثم أحمل عليه ، فنزل عن دابته، فألحقه حين استوت قدماه على الأرض، فأصفق بها هامته، فخر لوجهه، وتركته ومضيت، فبرأ بعد ذلك، فلقيته مرتين من دهري، كل ذلك يقول لي: الله بيني وبينك. فأقول له: الله بينك وبين عمرو بن الحمق.


رجع الحديث إلى سياقه الأول أمر زياد بعض القبائل أن يأتوه به قال: فقال زياد - وهو على المنبر - لتقم همدان وتميم وهوازن وأبناء بغيض ومذحج وأسد وغطفان فليأتوا جبانة كندة، وليمضوا من ثم إلى حجر، فليأتوني به. ثم كره أن تسير مضر مع اليمن، فيقع شغب واختلاف، أو تنشب الحمية فيما بينهم. فقال: لنقم تميم وهوازن وأبناء بغيض وأسد وغطفان، ولتمض مذحج وهمدان إلى جبانة كندة، ثم ليمضوا إلى حجر فليأتوني به، وليسر أهل اليمن حتى ينزلوا جبانة الصيداويين ، وليمضوا إلى صاحبهم فليأتوني به.


فخرجت الأزد وخثعم والأنصار وقضاعة وخزاعة، فنزلوا جبانة الصيداويين، ولم تخرج حضرموت مع اليمن لمكانهم من كندة.
عبد الرحمن بن مخنف يشير على أهل اليمن برأي قال أبو مخنف: فحدثني سعيد بن يحيى بن مخنف، عن محمد بن مخنف، قال: فإني لمع أهل اليمن وهم يتشاورون في أمر حجر، فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف: أنا مشير عليكم برأي، فإن قبلتموه رجوت أن تسلموا من اللائمة والإثم: أن تلبثوا قليلاً حتى تكفيكم عجلة في شباب مذحج وهمدان ما تكرهون أن يكون من مساءة قومكم في صاحبكم.


فأجمع رأيهم على ذلك، فلا والله ما كان إلا كلاً ولا حتى أتينا فقيل لنا: إن شباب مذحج وهمدان قد دخلوا، فأخذوا كل ما وجدوا في بني بجيلة.


حجر يشير على أصحابه أن ينصرفوا عنه قال: فمر أهل اليمن على نواحي دور كندة معذرين، فبلغ ذلك زياداً، فأثنى على مذحج وهمدان، وذم أهل اليمن. فلما انتهى حجر إلى داره ورأى قلة من معه قال لأصحابه: انصرفوا، فوالله ما لكم طاقة بمن اجتمع عليكم من قومكم، وما أحب أن أعرضكم للهلاك. فذهبوا لينصرفوا، فلحقتهم أوائل خيل مذحج وهمدان، فعطف عليهم عمير بن يزيد، وقيس بن يزيد، وعبيدة بن عمرو، وجماعة، فتقاتلوا معهم، فقاتلوا عنه ساعة فجرحوا، وأسر قيس بن يزيد، وأفلت سائر القوم، فقال لهم حجر: لا أبا لكم! تفرقوا لا تقتلوا؛ فإني آخذ في بعض هذه الطرق.


يدخل دار سليمان بن يزيد ثم يخرج منها إلى دور بني العنبر ثم أخذ نحو طريق بني حرب من كندة، حتى أتى دار رجل منهم يقال له سليمان بن يزيد، فدخل داره، وجاء القوم في طلبه، ثم انتهوا إلى تلك الدار، فأخذ سليمان بن يزيد سيفه، ثم ذهب ليخرج إليهم، فبكت بناته، فقال له حجر: ما تريد؟ لا أبا لك! فقال له: أريد والله أن ينصرفوا عنك؛ فإن فعلوا وإلا ضاربتهم بسيفي هذا ما ثبت قائمه في يدي دونك. فقال له حجر: بئس والله إذن ما دخلت به على بناتك! أما في دارك هذه حائط أقتحمه أو خوخة أخرج منها، عسى الله أن يسلمني منهم ويسلمك؛ فإن القوم إن لم يقدروا علي في دارك لم يضرك أمرهم. قال: بلى، هذه خوخة تخرجك إلى دور بني العنبر من كندة، فخرج معه فتية من الحي يقصون له الطريق، ويسلكون به الأزقة، حتى أفضى إلى النخع، فقال عند ذلك: انصرفوا، رحمكم الله.


يدخل دار عبد الله بن الحارث ثم يخرج منها إلى دار ربيعة بن ناجذ فانصرفوا عنه، وأقبل إلى دار عب الله بن الحارث أخي الأشتر، فدخلها، فإنه لكذلك قد ألقى له عبد الله الفرش، وبسط له البسط، وتلقاه ببسط الوجه وحسن البشر إذ أتي فقيل له: إن الشرط تسأل عنك في النخع وذلك أن أمة سوداء يقال لها أدماء لقيتهم فقالت لهم: من تطلبون؟ قالوا: نطلب حجراً، فقالت: هو ذا قد رأيته في النخع، فانصرفوا نحو النخع؛ فخرج متنكراً، وركب معه عبد الله ليلاً حتى أتى دار ربيعة بن ناجذ الأزدي، فنزل بها، فمكث يوماً وليلة.


زياد يأمر محمد بن الأشعث أن يأتيه بحجرفلما أعجزهم أن يقدروا عليه دعا زياد محمد بن الأشعث فقال: أما والله لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة إلا قطعتها، ولا داراً إلا هدمتها، ثم لا تسلم مني بذلك حتى أقطعك إرباً إرباً. فقال له: امهلني أطلبه. قال: قد أمهلتك ثلاثاً، فإن جئت به وإلا فاعدد نفسك من الهلكى. وأخرج محمد نحو السجن وهو منتقع اللون يتل تلاً عنيفاً . فقال حجر بن يزيد الكندي من بني مرة لزياد: ضمنيه وخل سبيله ليطلب صاحبه، فإنه مخلى سربه أحرى أن يقدر عليه منه إذا كان محبوساً. قال: أتضمنه لي؟ قال: نعم. قال: أما والله لئن حاص عنك لأوردنك شعوب، وإن كنت الآن علي كريماً. قال: إنه لا يفعل. فخلى سبيله.


ثم إن حجر بن يزيد كلمه في قيس بن يزيد، وقد أتي به أسيراً، فقال: ما عليه من بأس، قد عرفنا رأيه في عثمان رضي الله عنه، وبلاءه مع أمير المؤمنين بصفين، ثم أرسل إليه فأتي به، فقال: قد علمت أنك لم تقاتل مع حجر أنك ترى رأيه، ولكن قاتلت معه حمية، وقد غفرنا لك لما نعلمه من حسن رأيك، ولكن لا أدعك حتى تأتيني بأخيك عمير. قال: آتيك به إن شاء الله. قال: هات من يضمنه معك. قال: هذا حجر بن يزيد. قال حجر: نعم، على أن تؤمنه على ماله ودمه. قال: ذلك لك.


فانطلقا فأتيا به، فأمر به فأوقر حديداً، ثم أخذته الرجال ترفعه، حتى إذا بلغ سررها ألقوه، فوقع على الأرض، ثم رفعوه فألقوه، ففعل به ذلك مراراً، فقام إليه حجر بن يزيد، فقال: أو لم تؤمنه؟ قال: بلى، لست أهريق له دماً، ولا آخذ له مالاً. فقال: هذا يشفي به على الموت.


وقام كل من كان عنده من أهل اليمن، فكلموه فيه، فقال: أتضمنونه لي بنفسه متى أحدث حدثاً أتيتموني به؟ قالوا: نعم. فخلى سبيله.


يطلب من ابن الأشعث أن يسأل زياداً الأمان له حتى يأتي معاوية ومكث حجر في منزل ربيعة بن ناجذ يوماً وليلة، ثم بعث إلى ابن الأشعث غلاماً يدعى رشيداً من سبي أصبهان، فقال له: إنه قد بلغني ما استقبلك به هذا الجبار العنيد، فلا يهولنك شيء من أمره؛ فإني خارج إليك، فاجمع نفراً من قومك، وادخل عليه، واساله أن يؤمنني حتى يبعثني إلى معاوية، فيرى في رأيه.


زياد يأمر بحبسه فخرج محمد إلى حجر بن يزيد، وجرير بن عبد الله، وعبد الله أخي الأشتر، فدخلوا إلى زياد فطلبوا إليه فيما سأله حجر، فأجاب، فبعثوا إليه رسولاً يعلمونه بذلك. فأقبل حتى دخل على زياد، فقال له: مرحباً يا أبا عبد الرحمن، حرب في أيام الحرب، وحرب وقد سالم الناس! "على نفسها تجني براقش" ، فقال له: ما خلعت يداً على طاعة، ولا فارقت جماعة، وإني لعلى بيعتي. فقال: هيهات يا حجر، أتشج بيد وتأسو بأخرى، وتريد إذا أمكننا الله منك أن ترضى! هيهات والله! فقال : ألم تؤمنني حتى آتي معاوية، فيرى في رأيه. قال: بلى، انطلقوا به إلى السجن.


زياد يطلب رؤوس أصحاب حجر فلما مضي به قال: أما والله لولا أمانه ما برح حتى يلقط عصبه . فأخرج وعليه برنس في غداة باردة، فحبس عشر ليال، وزياد ما له عمل غير الطلب لرؤوس أصحاب حجر.


عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد يكمنان في جبل بالموصل فخرج عمرو بن الحمق، ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن، ثم ارتحلا حتى أتيا الموصل، فأتيا جبلاً فكما فيه، وبلغ عامل ذلك الرستاق - وهو رجل من همدان يقال له عبيد الله بن أبي بلتعة - خبرهما، فسار إليهما في الخيل، ومعه أهل البلد، فلما انتهى إليهما خرجا، فأما عمرو فكان بطنه قد استسقى ، فلم يكن عنده امتناع.


عمرو بن الحمق يقع أسيراً ورفاعة ينجو بنفسه وأما رفاعة فكان شاباً قوياً فوثب على فرس له جواد، وقال لعمرو: أقاتل عنك. قال: وما ينفعني أن تقتل؟ انج بنفسك، فحمل عليهم، فأفرجوا له حتى أخرجه فرسه، وخرجت الخيل في طلبه، وكان رامياً فلم يلحقه فارس إلا رماه، فجرحه أو عقره، فانصرفوا عنه؛ فأخذ عمرو بن الحمق، فسألوه: من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضر عليكم، فسألوه فأبى أن يخبرهم، فبعثوا به إلى عبد الرحمن بن عثمان، وهو ابن أم الحكم، الثقفي، فلما رأى عمراً عرفه.


معاوية يأمر بقتل عمرو بن الحمق فكتب إلى معاوية بخبره. فكتب إليه معاوية: إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات، وإنه لا يتعدى عليه، فأطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان.


رأس ابن الحمق يحمل إلى معاويةفأخرج فطعن تسع طعنات، فمات في الأولى منهن أو في الثانية، وبعث برأسه إلى معاوية؛ فكان رأسه أول رأس حمل في الإسلام.


زياد يطلب من صيفي بن فسيل أن يعلن علياً فيأبى وجد زياد في طلب أصحاب حجر وهم يهربون منه، ويأخذ من قدر عليه منهم، فجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد، فقال له: إن امرأً منا يقال له صيفي بن فسيل ، من رؤوس أصحاب حجر، وهو أشد الناس عليك؛ فبعث إليه فأتي به، فقال له زياد: يا عدو الله، ما تقول في أبي تراب؟ فقال: ما أعرف أبا تراب، قال: ما أعرفك به! أما تعرف علي بن أبي طالب! قال: بلى، قال: فذاك أبو تراب، قال: كلا، فذاك أبو الحسن والحسين. فقال له صاحب الشرطة: أيقول لك الأمير هو أبو تراب وتقول أنت: لا! قال: أفإن كذب الأمير أردت أن أكذب وأشهد له بالباطل كما شهد! قال له زياد: وهذا أيضاً مع ذنبك، علي بالعصي فأتي بها، فقال: ما قولك في علي! قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عبيد الله أقوله في أمير المؤمنين. قال: اضربوا عاتقه بالعصي حتى يلصق بالأرض، فضرب حتى لصق بالأرض. ثم قال: أقلعوا عنه، ما قولك فيه؟ قال: والله لو شرحتني بالمدي والمواسي ما زلت عما سمعت. قال: لتلعننه أو لأضربن عنقك. قال: إذاً والله تضربها قبل ذلك، فأسعد وتشقى إن شاء الله، قال: أوقروه حديداً واطرحوه في السجن.


زياد يأمر رؤوس الأرباع أن يشهدوا على حجر وأصحابه وجمع زياد من أصحاب حجر بن عدي اثني عشر رجلاً في السجن، وبعث إلى رؤوس الأرباع فأشخصهم، فحضروا، وقال: اشهدوا على حجر بما رأيتموه، وهم عمرو بن حريث، وخالد بن عرفطة، وقيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة، وأبو بردة بن أبي موسى، فشهدوا أن حجراً جمع إليه الجموع، وأظهر شتم الخليفة، وعيب زياد، وأظهر عذر ابي تراب والترحم عليه، والبراءة من عدوه، وأهل حربه، وأن هؤلاء الذين معه رؤوس أصحابه، وعلى مثل رأيه.


فنظر زياد في الشهادة فقال: ما أظن هذه شهادة قاطعة، وأحب أن يكون الشهود أكثر من أربعة.


فكتب أبو بردة بن أبي موسى: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين، شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة، وفارق الجماعة، ولعن الخليفة، ودعا إلى الحرب والفتنة، وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة، وخلع أمير المؤمنين معاوية، وكفر بالله كفرة صلعاء".


فقال زياد: على مثل هذه الشهادة فاشهدوا، والله لأجهدن في قطع عنق الخائن الأحمق، فشهد رؤوس الأرباع الثلاثة الآخرون على مثل ذلك، ثم دعا الناس، فقال: اشهدوا على مثل ما شهد عليه رؤوس الأرباع.


فقام عثمان بن شرحبيل التيمي أول الناس، فقال: اكتبوا اسمي. فقال زياد: ابدءوا بقريش، ثم اكتبوا اسم من نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالصحة والاستقامة. فشهد إسحاق وموسى وإسماعيل بنو طلحة بن عبيد الله، والمنذر بن الزبير، وعمارة بن عقبة، وعبد الرحمن بن هبار، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، وشهد عنان ، ووائل بن حجر الحضرمي، وضرار بن هبيرة، وشداد بن المنذر أخو الحضين بن المنذر، وكان يدعى ابن بزيعة.


فكتب شداد بن بزيعة، فقال: أما لهذا أب ينسب إليه، ألغوا هذا من الشهود. فقيل له: إنه أخو الحضين بن المنذر، فقال: انسبوه إلى أبيه، فنسب، فبلغ ذلك شداداً، فقال: والهفاه على ابن الزانية؟ أو ليست أمه أعرف من أبيه؛ فوالله ما ينسب إلا إلى أمه سمية.


وشهد حجار بن ابجر العجلي، وعمرو بن الحجاج، ولبيد بن عطارد، ومحمد بن عمير بن عطارد، وأسماء بن خارجة، وشمر بن ذي الجوشن، وزحر بن قيس الجعفي، وشبث بن ربعي، وسماك بن مخرمة الأسدي صاحب مسجد سماك، ودعا المختار بن أبي عبيد ، وعروة بن المغيرة بن شعبة إلى الشهادة فراغا، وشهد سبعون رجلاًز وائل بن حجر وكثير بن شهاب يذهبان إلى معاوية بكتاب زياد ومعهما جماعة من أصحاب حجر ودفع ذلك إلى وائل بن حجر، وكثير بن شهاب، وبعثهما عليهما وأمرهما أن يخرجوهم.
وكتب في الشهود شريح بن الحارث، وشريح بن هانىء. فأما شريح بن الحارث فقال: سألني عنه فقلت: أما إنه كان صواماً قواماً. وأما شريح بن هانىء فقال: بلغني أن شهادتي كتبت فأكذبته، ولمته. وجاء وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأخرجا القوم عشية، وسار معهم أصحاب الشرط حتى أخرجوهم، فلما انتهوا إلى جبانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره في جبانة عرزم، فإذا بناته مشرفات، فقال لوائل وكثير: أدنياني أوص أهلي، فأدنياه. فلما دنا منهن بكين، فسكت عنهن ساعة، ثم قال: اسكتن، فسكتن، فقال: اتقين الله واصبرن، فإني أرجو من ربي في وجهي هذا خيراً: إحدى الحسنيين؛ إما الشهادة فنعم سعادة، وإما الانصراف إليكن في عافية؛ فإن الذي كان يرزقكن ويكفيني مؤنتكن هو الله تبارك وتعالى وهو حي لا يموت، وأرجو ألا يضيعكن، وأن يحفظني فيكن. ثم انصرف، فجعل قومه يدعون له بالعافية.


وجاء شريح بن هانىء بكتاب، فقال: بلغوا هذا عني أمير المؤمنين، فتحمله وائل بن حجر.


ومضوا بهم حتى انتهوا إلى مرج عذراء ، فحبسوا به وهم على أميال من دمشق، وهم: حجر بن عدي الكندي، والأرقم بن عبد الله الكندي، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، وكريم بن عفيف الخثعمي، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي ، وكدام بن حيان، وعبد الرحمن بن حسان العنزيان، ومحرز بن شهاب المنقري، وعبد الله بن جؤية التميمي، وأتبعهم زياد برجلين، وهما عتبة بن الأخنس السعدي، وسعيد بن نمران الهمداني الناعطي، فكانوا أربعة عشر.


كتاب زياد إلى معاوية فبعث معاوية إلى وائل بن حجر وكثير، فأدخلهما، وفض كتابهما، وقرأه على أهل الشام: "بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله معاوية بن أبي سفيان أميرالمؤمنين، من زياد بن أبي سفيان.


أما بعد، فإن الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء فأداله من عدوه، وكفاه مؤونة من بغى عليه، إن طواغيت الترابية السابة رأسهم حجر بن عدي، خلعوا أمير المؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونصبوا لنا حرباً فأطفأها الله عليهم، وأمكننا منهم، وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النهى والدين، فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا، وقد بعثت إلى أمير المؤمنين، وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا".


فلما قرأ الكتاب قال: ما ترون في هؤلاء؟ فقال يزيد بن أسد البجلي: أرى أن تفرقهم في قرى الشام، فتكفيكهم طواغيتها .


كتاب شريح بن هانىء إلى معاوية ودفع وائل كتاب شريح إليه، فقرأه وهو: "بسم الله الرحمن الرحيم.


لعبد الله معاوية أمير المؤمنين، من شريح بن هانىء.


أما بعد؛ فقد بلغني أن زياداً كتب إليك بشهادتي على حجر، وإن شهادتي على حجر أنه ممن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حرام المال والدم، فإن شئت فاقتله، وإن شئت فدعه".


معاوية يكتب إلى زياد بحيرته في أمر حجر وأصحابه، وزياد يرد عليه بطلب عقابهم فقرأ كتابه على وائل، وقال: ما أرى هذا إلا قد أخرج نفسه من شهادتكم. فحبس القوم بعد هذا، وكتب إلى زياد: "فهمت ما اقتصصت من أمر حجر وأصحابه والشهادة عليهم، فأحياناً أرى أن أقتلهم أفضل، وأحياناً أرى أن العفو أفضل من قتلهم".


فكتب زياد إليه مع يزيد بن حجية التيمي: "قد عجبت لاشتباه الأمر عليك فيهم مع شهادة أهل مصرهم عليهم، وهم أعلم بهم؛ فإن كانت لك حاجة في هذا المصر فلا تردن حجراً وأصحابه إليه.


حجر يطلب إبلاغ معاوية تمسكه ببيعته فمر يزيد بحجر وأصحابه فأخبرهم بما كت به زياد، فقال له حجر: أبلغ أمير المؤمنين أنا على بيعته لا نقيلها ولا نستقيلها، وإنما شهد علينا الأعداء والأظناء .


فقدم يزيد بن حجية على معاوية بالكتاب، وأخبره بقول حجر. فقال معاوية: زياد أصدق عندنا من حجر.


وكتب جرير بن عبد الله في أمر الرجلين اللذين من بجيلة، فوهبهما له وليزيد بن أسد، وطلب وائل بن حجر في الأرقم الكندي، فتركه، وطلب أبو الأعور في عتبة بن الأخنس فوهبه له، وطلب حمزة من مالك الهمداني في سعيد بن نمران فوهبه له، وطلب حبيب بن مسلمة في عبد الله بن جؤية التميمي فخلى سبيله. فقام مالك بن هبيرة، فسأله في حجر فلم يشفعه؛ فغضب وجلس في بيته. وبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي والحصين بن عبد الله الكلابي، وآخر معهما يقال له أبو صريف البدري، فأتوهم عند المساء، فقال الخثعمي حين رأى الأعور: يقتل نصفنا وينجو نصفنا. فقال سعيد بن نمران: اللهم اجعلني ممن ينجو، وأنت عني راض. فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي: اللهم اجعلني ممن يكرم بهوانهم وأنت عني راض، فطالما عرضت نفسي للقتل، فأبى الله إلا ما أراد.


رسول معاوية يطلب من أصحاب حجر لعن علي فيأبون فجاء رسول معاوية إليهم فإنه لمعهم إذ جاء رسول بتخلية ستة منهم وبقي ثمانية. فقال لهم رسول معاوية: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له، فإن فعلتم هذا تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وأمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت بشهادة أهل مصركم عليكم، غير أنه قد عفا عن ذلك فابرءوا من هذا الرجل يخل سبيلكم. قالوا: لسنا فاعلين؛ فأمر بقيودهم فحلت، وأتي بأكفانهم فقاموا الليل كله يصلون. فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء، قد رأيناكم البارحة أطلتم الصلاة، وأحسنتم الدعاء، فأخبرونا ما قولكم في عثمان، قالوا: هو أول من جار في الحكم، وعمل بغير الحق. فقالوا: أمير المؤمنين كان أعرف بكم. ثم قاموا إليهم وقالوا: تبرءون من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه.


فأخذ كل رجل منهم رجلاً يقتله، فوقع قبيصة في يدي أبي صريف البدري، فقال له قبيصة: إن الشر بين قومي وقومك أمين ، أي آمن فليقتلني غيرك، فقال: برتك رحم. فأخذ الحضرمي فقتله.


وقتل القضاعي صاحبه، ثم قال لهم حجر: دعوني أصلي ركعتين، فإني والله ما توضأت قط إلا صليت، فقالوا له: صل، فصلى ثم انصرف، فقال: والله ما صليت صلاة قط أقصر منها، ولولا أن يروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها، ثم قال: اللهم إنا نستعديك على أمتنا، فإن أهل الكوفة قد شهدوا علينا، وإن أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتمونا فإني أول فارس من المسلمين سلك في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها، فمشى إليه هدبة بن الفياض الأعور بالسيف، فأرعدت خصائله ، فقال: كلا، زعمت أنك لا تجزع من الموت، فإنا ندعك، فابرأ من صاحبك. فقال: ما لي لا أجزع، وأنا أرى قبراً محفوراً، وكفناً منشوراً، وسيفاً مشهوراً، وإني والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب، فقتله.


أمر عبد الرحمن بن حسان وكريم بن عفيف مع معاوية وأقبلوا يقتلونهم واحداً واحداً حتى قتلوا ستة نفر، فقال عبد الرحمن بن حسان وكريم بن عفيف : ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين، فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فأخبروه، فبعث: ائتوني بهما. فالتفتا إلى حجر، فقال له العنزي: لا تبعد يا حجر، ولا يبعد مثواك؛ فنعم أخو الإسلام كنت، وقال الخثعمي نحو ذلك. ثم مضى بهما، فالتفت العنزي، فقال متمثلاً:

كفى بشفاة القبر بعداً لهالـك

 

وبالموت قطاعاً لحبل القرائن

فلما دخل عليه الخثعمي قال له: الله الله يا معاوية! إنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة، ومسؤول عما أردت بقتلنا، وفيما سفكت دماءنا. فقال: ما تقول في علي؟ قال: أقولفيه قولك، أتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به! وقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه، فقال: هو لك، غير أني حابسه شهراً، فحبسه، ثم أطلقه على ألا يدخل الكوفة ما دام له سلطان. فنزل الموصل، فكان ينتظر موت معاوية ليعود إلى الكوفة، فمات قبل معاوية بشهر.


وأقبل على عبد الرحمن بن حسان، فقال له: يا أخا ربيعة، ما تقول في علي؟ قال: أشهد أنه من الذاكرين الله كثيراً والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والعافين عن الناس. قال: فما تقول في عثمان؟ قال: هو أول من فتح أبواب الظلم، وأرتج أبواب الحق. قال: قتلت نفسك. قال: بل إياك قتلت، لا ربيعة بالوادي؛ يعني أنه ليس ثم أحد من قومه فيتكلم فيه.


فبعث به معاوية إلى زياد، وكتب إليه: إن هذا شر من بعثت به، فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها واقتله شر قتلة.


فلما قدم به على زياد بعث به إلى قس الناطف ، فدفنه حياً. قال أبو مخنف، عن رجاله: فكان من قتل منهم سبعة نفر: حجر بن عدي، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب المنقري، وكدام بن حيان العنزي وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، وأرقم بن عبد الله الكندي، وعتبة بن الأخنس السعدي من هوازن، وسعيد بن نمران الهمذاني.


وبعث معاوية إلى مالك بن هبيرة لما غضب بسبب حجر مائة ألف درهم، فرضي.


قال أبو مخنف: فحدثني ابن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، قال: أدركت الناس يقولون: أول ذلك دخل الكوفة قتل حجر، ودعوة زياد، وقتل الحسين.


قال: وجعل معاوية يقول عند موته: أي يوم لي من ابن الأدبر طويل!.


عائشة تبعث عبد الرحمن بن الحارث إلى معاوية في أمر حجر وأصحابه قال أبو مخنف: وحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق من بني عامر بن لؤي أن عائشة بعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية في حجر وأصحابه، فقدم عليه وقد قتلهم، فقال له: أين غاب عنك حلم أبي سفيان؟ فقال: حين غاب عني مثلك من حلماء قومي، وحملني ابن سمية فاحتملت.


قال: وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: لولا أنا لم نغير شيئاً قط إلا آلت بنا الأمور إلى أشد مما كنا فيه لغيرنا قتل حجر، أما والله إن كان لمسلماً ما علمته حاجاً معتمراً.
رثاء حجر وقالت امرأة من كندة ترثي حجراً :

ترفع أيها القمر الـمـنـير

 

لعلك أن ترى حجراً يسـير

يسير إلى معاوية بن حـرب

 

ليقتله كمـا زعـم الأمـير

ألا يا ليت حجراً مات موتـاً

 

ولم ينحر كما نحر البعـير

ترفعت الجبابر بعد حـجـر

 

وطاب لها الخورنق والسدير

وأصبحت البلاد له مـحـولاً

 

كأن لم يحيها مزن مطـير

ألا يا حجر حجر بني عـدي

 

تلقتك السلامة والـسـرور

أخاف عليك سطوة آل حرب

 

وشيخاً في دمشق لـه زئير

يرى قتل الخيار عليه حـقـاً

 

له من شـر أمـتـه وزير

فإن تهلك فكل زعـيم قـوم

 

إلى هلك من الدنيا يصـير

صوت

أحن إذا رأيت جمال سعدى

 

وأبكي إن رايت لها قرينـا

وقد أفد الرحيل فقل لسعدى:

 

لعمرك خبري ما تأمرينـا

الشعر لعمر بن أبي ربيعة، يقوله في سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف. والغناء لابن سريج، رمل بالوسطى، عن حبش. وقد قيل: إن عمر قال هذا البيت في بيت آخر في ليلى بنت الحارث بن عوف المري. وفيه أيضاً غناء، وهو: صوت

ألا يا ليل إن شفاء نفسـي

 

نوالك إن بخلت فزودينـا

وقد أفد الرحيل وحان منا

 

فراقك فانظري ما تأمرينا

غنى به الغريض ثقيلاً أول بالبنصر، عن عمرو وحبش، وفيه خفيف ثقيل يقال إنه أيضاً للغريض. ومن الناس من ينسبه إلى ابن سريج.