الجزء السابع عشر - أخبار لعمر بن أبي ربيعة

أخبار لعمر بن أبي ربيعة

سعدى بنت عبد الرحمن تبعث إليه تعظه

أخبرني حرمي، عن الزبير، عن طارق بن عبد الواحد، قال: قال عبد الرحمن المخزومي: كانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في المسجد، فرأت عمر بن أبي ربيعة في الطواف، فأرسلت إليه: إذا قضيت طوافك فائتنا، فلما قضى طوفه أتاها فحادثها، وأنشدها، فقالت: ويحك يابن أبي ربيعة. ماتزال سادراً في حرم الله منتهكاً، تتناول بلسانك ربات الحجال من قريش؟! فقال: دعي هذا عنك، أما سمعت ما قلت فيك؟ قالت: وما قلت في؟ فأنشدها:

أحن إذا رأيت جمال سعدى

 

وأبكي إن رأيت لها قرينا

أسعدى إن أهلك قد أجدوا

 

رحيلاً فانظري ما تأمرينا

فقالت: آمرك بتقوى الله، وترك ما أنت عليه.

ابن أبي عتيق ينشد سعدى قول عمر

قال الزبير: وحدثني عبد الله بن مسلم، قال: أنشد عمر بن أبي ربيعة بن أبي عتيق قوله:

أحن إذا رأيت جمال سعدى

قال: فركب ابن أبي عتيق فأتى سعدى بالجناب من أرض بني فزارة. فأنشدها قول عمر، وقال لها: ما تأمرين؟ فقالت: آمره بتقوى الله يابن الصديق.

يستوقف ليلى بنت الحارث وينشدها

قال الزبير: وحدثني طارق بن عبد الواحد، عن أبي عبيدة، عن عبد الرحمن المخزومي، قال: لقي عمر بن أبي ربيعة ليلى بنت الحارث بن عوف المري، وهو يسير على بغلة، فقال لها: قفي أسمعك بعض ما قلت فيك؟ فوقفت، فقال:

ألا يا ليل إن شفاء نفسي

 

نوالك إن بخلت فنولينا

قال: فما بلغت أنها ردت عليه شيئاً، ومضت.


وقد روى هذا الخبر إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن معن، فذكر أن ابن أبي عتيق إنما مضى إلى ليلى بنت الحارث بن عوف، فأنشدها هذا البيت، وهو الصحيح؛ لأن حلولها بالجناب من أرض فزارة أشبه بها منه بسعدى بنت عبد الرحمن بن عوف. ورواية الزبير فيما أروى وهم لاختلاط الشعرين في سعدى وليلى.

خبر آخر لسعدى معه

أخبرني حرمي، عن الزبير، عن محمد بن سلام، قال: كانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في المسجد الحرام، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت، فأرسلت إليه: إذا فرغت من طوافك، فائتنا، فأتاها، فقالت: ألا اراك يابن أبي ربيعة إلا سادراً في حرم الله! أما تخاف الله! ويحك إلى متى هذا السفه! قال: أي هذه، دعي عنك هذا من القول. أما سمعت ما قلت فيك؟ قالت: لا، فما قلت؟ فأنشدها قوله : صوت

قالت سعيدة والدموع ذوارفٌ

 

منها على الخدين والجلبـاب

ليت المغيري الذي لم أجـزه

 

فيما أطال تصيدي وطلابـي

كانت ترد لنا المنـى أيامـنـا

 

إذ لا نلام على هوى وتصابي

أسعيد ما ماء الفرات وطيبـه

 

مني على ظمأ وحب شراب

بألذ منك وإن نأيت وقـلـمـا

 

يرعى النساء أمانة الغـياب

عروضه من الكامل، غناه الهذلي رملاً بالوسطى، عن الهشامي، وغناه الغريض خفيف ثقيل بالوسطى، عن عمرو.


فقالت: أخزاك الله يا فاسق، ما علم الله أنى قلت مما قلت حرفاً، ولكنك إنسان بهوت .


وهذا الشعر تغني فيه:

قالت سكينة والدموع ذوارف

وفي موضع:

أسعيد ما ماء الفرات وبرده

أسكين. وإنما غيره المغنون: ولفظ عمر ما ذكر فيه في الخبر.

إسحاق يغني الرشيد شعر عمر في سكينة

وقد أخبرني إسماعيل بن يونس، عن ابن شبة، عن إسحاق، قال: غنيت الرشيد يوماً بقوله:

قالت سكينة والدموع ذوارفٌ

 

منها على الخدين والجلباب

فوضع القدح من يده وغضب غضباً شديداً، وقال: لعنه الله الفاسق، ولعنك معه. فسقط في يدي، وعرف ما بي، فسكن، ثم قال: ويحك! أتغنيني بأحاديث الفاسق ابن أبي ربيعة في بنت عمي، وبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم! ألا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من رأسك! عد إلى غنائك الآن، وانظر بين يديك. فتركت هذا الصوت حتى أنسيته، فما سمعه مني أحد بعده. والله أعلم.

صوت

فلا زال قبر تبنى وجـاسـم

 

عليه من الوسمي جود ووابل

فينبت حوذاناً وعوفاً منـوراً

 

سأتبعه من خير ما قال قائل

عروضه من الطويل، والشعر لحسان بن ثابت الأنصاري. وهذا القبر الذي ذكره حسان فيما يقال قبر الأيهم بن جبلة بن الأيهم الغساني. وقيل: إنه قبر الحارث بن مارية الجفني، وهو منهم أيضاً. والغناء لعزة الميلاء، خفيف ثقيل، أول بالوسطى، مما لا يشك فيه من غنائها. وقد نسبه قوم إلى ابن عائشة، وذلك خطأ.