الجزء السابع عشر - خبر ليزيد بن معاوية

خبر ليزيد بن معاوية

جيش معاوية يغزو الصائفة

أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثني السكري والمبرد، عن دماذ أبي غسان - واسمه رفيع بن سلمة - عن أبي عبيدة: أن معاوية وجه جيشاً إلى بلد الروم ليغزو الصائفة، فأصابهم جدري فمات أكثر المسلمين، وكان ابن يزيد مصطبحاً بدير مران مع زوجته أم كلثوم، فبلغه خبرهم، فقال :

إذا ارتفقت على الأنماط مصطبحاً

 

بدير مران عندي أم كـلـثـوم

فما أبالي بما لاقت جـنـودهـم

 

بالغذقذونة من حمى ومن مـوم

فبلغ شعره أباه، فقال: أجل ، والله ليلحقن بهم فليصيبنه ما أصابهم.

يزيد يضرب باب القسطنطينية

فخرج حتى لحق بهم، وغزا حتى بلغ القسطنطينية، فنظر إلى قبتين مبنيتين عليهما ثياب الديباج، فإذا كانت الحملة للمسلمين ارتفع من إحداهما أصوات الدفوف والطبول والمزامير، وإذا كانت الحملة للروم ارتفع من الأخرى، فسأل يزيد عنهما فقيل له: هذه بنت ملك الروم، وتلك بنت جبلة بن الأيهم، وكل واحدة منهما تظهر السرور بما تفعله عشيرتها، فقال: أما والله لأسرنها، ثم صف العسكر، وحمل حتى هزم الروم، فأحجرهم في المدينة، وضرب باب القسطنطينية بعمود حديد كان في يده، فهشمه حتى انخرق، فضرب عليه لوح من ذهب، فهو عليه إلى اليوم.


نسخت من كتاب محمد بن موسى اليزيدي: حدثني العباس بن ميمون طابع ، قال: حدثني ابن عائشة، عن أبيه، وحدثني القحذمي: أن ميسون بنت بحدل الكلبية كانت تزين يزيد بن معاوية، وترجل جمته، قال: فإذا نظر إليه معاوية قال:

فإن مات لم تفلح مزينة بعده

 

فنوطي عليه يا مزين التمائما

يزيد وعنبسة في حضرة معاوية وهو يحتضر

فلما احتضر معاوية حضره يزيد بن معاوية، وعنبسة بن أبي سفيان، فبكى يزيد إلى عنبسة، وقال:

لو فات شيء يرى لفات أبو

 

حيان لا عاجز ولا وكـل

الحول القلب الأريب ولـن

 

يدفع زوء المنية الـحـيل

فسمعهما معاوية بعد أن رددهما مراراً، فقال: يا بني، إن أخوف ما أخاف على نفسي شيء صنعته قبل ذلك، إني كنت أوضىء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكساني قميصاً، وأخذت شعراً من شعره، فإذا مت فكفني في قميصه، واجعل الشعر في منخري وأذني وفمي، وخل بيني وبين ربي، لعل ذلك ينفعني شيئاً.


قال العباس بن ميمون: فقلت للقحذمي: هذا غلط، والدليل على ذلك أن أبا عدنان حدثني - وها هو حي فاسأله - عن الهيثم بن عدي، عن ابن عياش، عن الشعبي: أن معاوية مات ويزيد بالصائفة، فأتاه البريد بنعيه، فأنشأ يقول:

جاء البريد بقرطـاس يخـب بـه

 

فأوجس القلب من قرطاسه فزعا

قلنا: لك الويل، ماذا في صحيفتكم؟

 

قال: الخليفة أمسى مثبتاً وجـعـا

مادت بنا الأرض أو كادت تميد بنا

 

كأن ما عز من أركانها انقلـعـا

من لم تزل نفسه توفي على وجل

 

توشك مقادير تلك النفس أن تقعا

لما وردت وباب القصر منطبـق

 

لصوت رملة هد القلب فانصدعا

الضحاك بن قيس يتولى غسل معاوية ودفنه

وكان الذي تولى غسله ودفنه الضحاك بن قيس، فخطب الناس، فقال: إن ابن هند قد توفي، وهذه أكفانه على المنبر، ونحن مدرجوه فيها، ومخلون بينه وبين ربه، ثم هو البرزخ إلى يوم القيامة. ولو كان يزيد حاضراً لم يكن للضحاك ولا غيره أن يفعل من هذا شيئاً.


قال العباس: فسكت القحذمي، وما رد علي شيئاً.

عبد الله بن الزبير يرثي معاوية

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثني الزبير بن بكار، قال: حدثني عمي، عن جدي، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، قال: صلى بنا عبد الله بن الزبير يوماً، ثم انفتل من الصلاة، فنشج ، وكان قد نعي له معاوية، ثم قال: رحم الله معاوية إن كنا لنخدعه فيتخادع لنا، وما ابن أنثى بأكرم منه، وإن كنا لنعرفه يتفارق لنا، وما الليث المحرب بأجرأ منه؛ كان والله كما قال بطحاء العذري:

ركوب المنابر وثابـهـا

 

معن بخطبته يجـهـر

تريع إليه عيون الكـلام

 

إذا حصر الهذر المهمر

كان والله كما قالت رقيقة، أو قال: بنمت رقيقة:

ألا ابكيه ألا ابكيه

 

ألا كل الفتى فيه

والله لودي أنه بقي بقاء أبي قبيس، لا يتخون له عقل، ولا تنقص له قوة.


قال: فعرفنا أن الرجل قد استوجس .

ابن عباس يرثي معاوية أيضاً

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا ابن أبي سعد، قال: قال محمد بن إسحاق المسيبي: حدثني جماعة من أصحابنا: أن ابن عباس أتاه نعي معاوية وولاية يزيد، وهو يعشى أصحابه ويأكل معهم، وقد رفع إلى فيه لقمة، فالقاها وأطرق هنيهة ثم قال: جبل تدكدك، ثم مال بجميعه في البحر، واشتملت عليه الأبحر، لله در ابن هند! ما كان أجمل وجهه، وأكرم خلقه، وأعظم حلمه.


فقطع عليه الكلام رجل من أصحابه، وقال: أتقول هذا فيه؟ فقال: ويحك! إنك لا تدري من مضى عنك، ومن بقي عليك، وستعلم. ثم قطع الكلام.

صوت

إذا زينب زارها أهـلـهـا

 

حشدت وأكرمت زوارهـا

وإن هي زارتهم زرتـهـم

 

وإن لم أجد لي هوى دارها

فسلمي لمن سالمت زينـب

 

وحربي لمن أشعلت نارها

ومازلت أرعى لما عهدهـا

 

ولم أتبع ساعة عـارهـا

عروضه من المتقارب. الشعر لشريح القاضي في زوجته زينب بنت حدير التميمية، والغناء لعمرو بن بانة، ثاني ثقيل بالبنصر، عنه على مذهب إسحاق. وذكر إسحاق في كتاب "الأغاني" المنسوب إليه أنه لابن محرز.