الجزء السابع عشر - من أخبار عروة بن الزبير

من أخبار عروة بن الزبير

غضبه لوقوع قوم في أخيه

عبد الله بمجلس عبد الملك بن مروان

أخبرنا الطوسي والحرمي بن أبي العلاء، قالا: حدثنا الزبير، قال: حدثنا مصعب بن عثمان، عن عامر بن صالح، عن هشام بن عروة، قال: قدم عروة بن الزبير على عبد الملك بن مروان، فدخل فأجلسه معه على السرير، فجاء قوم فوقعوا في عبد الله بن الزبير، فخرج عروة فقال للآذن: إن عبد الله بن الزبير ابن أمي وأمبي، فإذا أردتم أن تقعوا فيه فلا تأذنوا لي عليكم.
فذكر ذلك لعبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: قد أخبرني الآذن بما قلت، وإن أخاكم لم يكن قتلنا إياه لعداوة، ولكنه طلب أمراً وطلبناه فقتل دونه، وإن الشام قوم من أخلاقهم ألا يقتلوا أحداً إلا شتموه، فإذا أذنا لأحد قبل فقد جاء من يشتمه فلا تدخل، وإذا أنا لأحد وأنت جالس فانصرف.

قدومه على الوليد حين شلت رجله

ثم قدم عروة على الوليد بن عبد الملك حين شلت رجله، فقيل له: اقطعها، قال: إني لأكره أن أقطع مني طابقاً، فارتفعت إلى الركبة، فقيل له: إنها إن وقعت في الركبة قتلتك، فقطعت، ولم يقبض وجهه. وقيل له قبل أن يقطعها: نسقيك دواء لا تجد معه ألماً، فقال: ما يسعني أن هذا الحائط وقاني أذاها.

مقتل ابنه محمد

قال الزبير: وحدثني مصعب بن عثمان بن عامر، عن صالح، عن هشام بن عروة، قال: سقط محمد بن عروة بن الزبير - وأمه بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية - من سطح في اصطبل دواب الوليد بن عبد الملك، فضربته بقوائمها حتى قتلته، فأتى عروة رجل يعزيه، فقال عروة: إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها، فقال: بل أعزيك بمحمد، قال: وما له؟ فخبره بشأنه؛ فقال :

وكنت إذا الأيام أحدثـن نـكـبة

 

أقول شوى ما لم يصبن صميمي

اللهم أخذت عضواً وتركت أعضاء، وأخذت ابناً وتركت أبناء، فإنك إن كنت أخذت لقد أبقيت، وإن كنت ابتليت لقد عافيت.
فلما قدم المدينة نزل قصره بالعقيق، فأتاه ابن المنكدر، وقال: كيف كنت؟ فقال: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) .


عيسى بن طلحة يعزيه أكرم عزاء قال الزبير: وحدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن ابن الماجشون: أن عيسى بن طلحة جاء إلى عروة بن الزبير حين قدم من عند الوليد بن عبد الملك، وقد قطعت رجله، فقال عروة لبعض بنيه: اكشف لعمك عن رجلي ينظر إليها، ففعل، فقال له عيسى: إنا لله وإنا إليه راجعون، يا أبا عبد الله، ما أعددناك للصراع ولا للسباق، ولقد أبقى الله لنا منك ما كنا نحتاج إليه منك: رأيك وعلمك. فقال عروة: ما عزاني أحد عن رجلي مثلك.


الوليد بن عبد الملك يبعث إليه بمن هو أعظم بلاء منه قال الزبير: وحدثني مصعب بن عثمان، عن عامر بن صالح، عن هشام بن عروة: أنه قدم على الوليد رجل من عبس ضرير محطوم الوجه، فسأله عن سبب ذلك، فقال: بت ليلة في بطن واد، ولا أعلم في الأرض عبسياً يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل، فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد إلا صبياً مولوداً وبعيراً ضعيفاً، فند البعير والصبي معي، فوضعته، واتبعت البعير، فما جاوزت ابني قليلاً إلا ورأس الذئب في بطنه، فتركته، واتبعت البعير، فرمحني رمحة حطم بها وجهي، وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا لامال ولا ذا ولد ولا ذا بصر.


فقال الوليد بن عبد الملك: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم بلاء منه.


أخبرني حبيب بن نصر المهلبي، وعمر بن عبد العزيز بن أحمد ، ومحمد بن العباس اليزيدي، وجماعة أخبروني قالوا: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عمي، عن جدي، عن هشام بن عروة قال: خرجت مع أبي عروة بن الزبير حاجاً، ومعنا أخي محمد بن عروة، وكان من أحسن الناس وجهاً، فلما كنا في بعض الطريق إذا نحن بعمر بن أبي ربيعة يكلم بعضنا، فقلنا: هذا أبو الخطاب لو سايرناه، فرآنا عروة، فقال: فيم أنتم؟ قلنا: هذا عمر بن أبي ربيعة، فضرب عروة إليه راحلته، فلما رآها عمر عدل إليه فسلم عليه، ثم قال: وأين زين المواكب؟ - يعني محمد بن عروة - فقال: قد تقدم، فعدل عن عروة واتبع محمداً، فقال له عروة: نحن أكفى لك وأولى أن تسايرنا، فقال: إني رجل موكل بالجمال أتبعه حيث كان، وضرب راحلته ومضى.

صوت

يا بني الصيداء ردوا فرسي

 

إنما يفعل هذا بـالـذلـيل

عودوا مهري الذي عودتـه

 

دلج الليل وإبطاء القـتـيل

واستباء الزق من حانـاتـه

 

شائل الرجلين معصوباً يميل

عروضه من ثاني الرمل.
بنو الصيداء: بطن من بني أسد. والدلج: السير في آخر الليل، يقال: دلج يدلج - مخففة - إذا سار من آخر الليل، وادلج يدلج، إذا سار الليل كله. واستباء الزق، أراد استباء الخمر فيه؛ أي ابتاعها من حاناتها. والحانات: جمع حانة، وهي الموضع الذي تباع فيه الخمر. وشائل الرجلين: رافعهما.
وروى الأصمعي وأبو عمرو:

أحمل الزق على منسجـه

 

فيظل الضيف نشواناً يميل

الشعر لزيد الخيل الطائي. والغناء لابن محرز، خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى، عن يحيى المكي. وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد، وفيه لعاذل لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس، وذكر حبش أن فيه لنبيه لحناً من الثقيل الثاني بالوسطى.