الجزء السابع عشر - خبر لابن قيس الرقيات

خبر لابن قيس الرقيات

أخبرني بالسبب الي قال فيه ابن قيس هذا الشعر الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الحارث الكاتب، مولى بني عامر بن لؤي، وأبو الحارث هذا هو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة :

يا أبا الحارث قلبي طائر

 

فائتمر أمر رشيد مؤتمن

وقوفه إلى جانب عبد العزيز بن مروان

قال: حدثني عمرو بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل، قال: حدثني سليمان بن نوفل بن مساحق، عن أبيه، عن جده، قال: أراد عبد الملك بن مروان البيعة لابنه الوليد بعد عبد العزيز بن مروان، وكتب إلى عبد العزيز يسأله ذلك، فامتنع عليه، وكتب إليه يقول له: لي ابن ليس ابنك أحب إلي منه؛ فإن استطعت ألا يفرق بيننا الموت وأنت لي قاطع فافعل. فرق له عبد الملك، وكف عن ذلك، فقال عبيد الله بن قيس في ذلك - وكان عند عبد العزيز -:

يخلفك البيض من بنيك كـمـا

 

يخلف عود النضار في شعبه

ليسوا من الخروع الضعاف ولا

 

أشباه عـيدانـه ولا غـربـه

نحن على بيعة الرسول الـتـي

 

أعطيت في عجمه وفي عربـه

نأتي إذا ما دعوت في الزغف الم

 

سرود أبدانـه وفـي جـنـبـه

نهدي رعـيلاً أمـام أرعـن لا

 

يعرف وجه البلقاء في لجـبـه

فقال عبد الملك: لقد دخل ابن قيس الرقيات مدخلاً ضيقاً، وتهدده وشتمه. وقال: أليس هو القائل:

كيف نومي على الفراش ولما

 

تشمل الشام غارة شـعـواء

تذهل الشيخ عن بنيه وتبـدي

 

عن خدام العقيلة الـعـذراء

هو القائل أيضاً:

على بيعة الإسلام بايعن مصعـبـاً

 

كراديس من خيل وجمعاص مباركا

تدارك أخرانا ويمضـي أمـامـنـا

 

ويتبع ميمون النـقـيبة نـاسـكـا

إذا فرغت أظفـاره مـن كـتـيبة

 

أمال على أخرى السيوف البواتكـا

قال: فلما بلغ عبيد الله قول عبد الملك وشتمه إياه قال:

بشر الظبي والغراب بسعـدى

 

مرحباً بالذي يقول الـغـراب

قال لي: إن خير سعدي قـريب

 

قد أنى أن يكون منه اقتـراب

قلت: أنى تكون سعدى قـريبـاُ

 

وعليها الحصـون والأبـواب

حبذا الريم ذو الوشاحين والخص

 

ر الـذي لا ينـالـه الأثـواب

إن في القصر لو دخلت غزالاً

 

مصفقاً موصداً عليه الحجـاب

أرسلت أن فدتك نفسي فاحـذر

 

ها هنا شرطة عليك غضـاب

أقسموا إن رأوك لا تطعم المـا

 

ء وهم حـين يقـدرون ذئاب

قلت: قد يغفل الرقيب ويغفـي

 

شرطة أو يحين منه انقـلاب

أو عسى أن يوري اللـه أمـراً

 

ليس في غيبه علينا ارتـقـاب

اذهبي فاقرئي السلام علـيهـا

 

ثم ردي جـوابـنـا يا ربـاب

حدثيها ما قد لقـيت وقـولـي

 

حق للعاشق الـكـريم ثـواب

رجل أنت همه حين يمـسـي

 

خامرته من أجلك الأوصـاب

لا أشم الـريحـان إلا بـعـي

 

ني كرماً إنما يشم الـكـلاب

رب زار علي لـم ير مـنـي

 

عثرة وهو مـومـس كـذاب

خادع الله حين جللـه الـشـي

 

ب فأضحى قد بان منه الشباب

يأمر الناس أن يبروا ويمـسـي

 

وعليه من عيبـه جـلـبـاب

لا تعبني فليس عنـدك عـلـم

 

لا تنامن أيهـا الـمـغـتـاب

تختل الناس بالكتـاب فـهـلا

 

حين تغتابني نهاك الـكـتـاب

لست بالمخبت التقي ولا المـح

 

ضيه من مقالتي الاحتـسـاب

إنني والتي رمت بك كـرهـاً

 

ساقطاً ملصقاً عليك الـتـراب

لتـذوقـن غـب رأيك فـينـا

 

حين تبدو بعرضـك الأنـداب

قال الزبير: معنى قوله:

لا أشم الريحان إلا بعـي

 

ني كرماً إنما يشم الكلاب

يعرض بعبد الملك؛ لأنه كان متغير الفم يؤذيه رائحته، فكان في يده أبداً ريحان، أو تفاحة، أو طيب يشمه.

ما أحفظ عبد الملك عليه

أخبرني الحرمي، قال: حدثنا الزبير، عن عمه: أن ابن قيس قال في عبد العزيز بن مروان:

يلتفت الناس عند منبره

 

إذا عمود البرية انهدما

يعني إذا مات عبد الملك؛ لأن العهد كان إليه بعده.


قال الزبير: فأخبرني مصعب بن عثمان، قال: لما بلغ عبد الملك هذا البيت أحفظه، وقال: بفيه الحجر، وحينئذ قال: لقد دخل ابن قيس مدخلاً ضيقاً.

الحجاج يبعث إلى عبد الملك بعمران

ابن عصام العنزي

أخبرني الحرمي، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني كثير بن جعفر، عن أبيه، قال: قال الحجاج يوماً لأهل ثقته من جلسائه: ما من أحد من بني أمية أشد نصباً لي من عبد العزيز بن مروان، وليس يوم من الأيام إلا وأنا أتخوف أن تأتيني منه قارعة، فهل من رجل تدلوني عليه، له لسان وشعر وجلد؟ قالوا: نعم، عمران بن عصام العنزي، فدعاه فأخلاه، ثم قال: اخرج بكتابي هذا إلى أميرالمؤمنين، فاقدح في قلبه من ابنه شيئاً في الولاية، فقال له عمران: دس أيها الأمير إلي دسا، فقال له الحجاج: "إن العوان لا تعلم الخمرة" . فخرج بكتاب الحجاج، فلما دخل على عبد الملك دفع إليه الكتاب، وسأله عن الحجاج، وأمر العراق، فاندفع يقول:

أمير المؤمنين إلـيك أهـدي

 

على الشحط التحية والسلاما

أمير من بنيك يكن جوابـي

 

لهم أكرومة ولنا نظـامـا

فلو أن الولـيد أطـاع فـيه

 

جعلت له الإمامة والذمامـا

فكتب عبد الملك إلى عبد العزيز في ذلك. ثم ذكر من خبرهما في المكاتبة مثل الخبر الذي قبله، وقال فيه: فرق عبد الملك رقة شديدة، وقال: لا يكون إلى الصلة أسرع مني، فكف عن ذلك، وما لبث عبد العزيز إلا ستة أشهر حتى مات.


الحجاج يقتل ابن الأشعث وعمران بن عصام فلما كان زمان ابن الأشعث خرج عمران بن عصام معه على الحجاج، فأتى به حين قتل ابن الأشعث فقتله، فبلغ ذلك عبد الملك فقال: قطع الله يدي الحجاج! أقتله وهو الذي يقول:

وبعث4ت من ولد الأغر معتب

 

صقراً يلوذ حمامه بالعوسـج

وإذا طبخت بناره أنضجتـهـا

 

وإذا طبخت بغيرها لم تنضج