الجزء الثامن عشر - ذكر ذي الرمة وخبره

 الجزء الثامن عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر ذي الرمة وخبره

نسبه

اسمه غيلان بن عقبة بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ملكان بن عدي بن عبد مناة بن أد طابخة بن إلياس بن مضر.

أقوال في سبب تلقيبه ذا الرمة

وقال ابن سلام: هو غيلان بن عقبة بن بهيش بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ملكان.


ويكنى أبا الحارث وذو الرمة لقب. يقال: لقبته به مية وكان اجتاز بخبائها وهي جالسة إلى جنب أمها فاستسقاها ماء قالت لها أمها: قومي فاسقيه. وقيل: بل خرق أدواته لما رآها وقال لها: اخرزي لي هذه فقالت: والله ما أحسن ذلك فإني لخرقاء. قال: والخرقاء التي لا تعمل بيدها شيئاً لكرامتها على قومها فقال لأمها: مريها أن تسقيني ماء فقالت لها: قومي يا خرقاء فاسقيه ماءً فقامت فأتته بماءٍ وكانت على كتفه رمة وهي قطعة من حبل فقالت: اشرب يا ذا الرمة فلقب بذلك.
وحكى ابن قتيبة أن هذه القصة جرت بينه وبين خرقاء العامرية.


وقال ابن حبيب: لقب ذا الرمة لقوله: أشعث باقي رمة التقليد وقيل: بل كان يصيبه في صغره فزعٌ فكتبت له تميمة فعلقها بحبل فلقب بذلك ذا الرمة.


ونسخت من كتاب محمد بن داود بن الجراح: حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات عن محمد بن صالح العدوي عن أبيه وعن أشياخه وعدة من أهل البادية من بني عدي منهم زرعة بن أذبول وابنه سليمان وأبو قيس وتميم وغيرهم من علمائهم: أن أم ذي الرمة جاءت إلى الحصين بن عبدة بن نعيم العدوي وهو يقرىء الأعراب بالبادية احتساباً بما يقيم لهم صلاتهم فقالت له: يا أبا الخليل إن ابني هذا يروع بالليل فاكتب لي معاذةً أعلقها على عنقه فقال لها: ائتيني برق أكتب فيه قالت: فإن لم يكن فهل يستقيم في غير رق أن يكتب له قال: فجيئيني بجلد فأتته بقطعة جلد غليظ فكتب له معاذة فيه فعلقته في عنقه فمكث دهراً. ثم إنها مرت مع ابنها لبعض حوائجها بالحصين وهو جالس في ملأ من أصحابه ومواليه فدنت منه فسلمت عليه وقالت: يا أبا الخليل ألا تسمع قول غيلان وشعره قال: بلى. فتقدم فأنشده وكانت المعاذة مشدودةً على يساره في حبل أسود فقال الحصين: أحسن ذو الرمة فغلبت عليه.

كان له إخوة كلهم شعراء

وقال الأصمعي: أم ذي الرمة امرأة من بني أسد يقال لها ظبية وكان له إخوة لأبيه وأمه شعراء منهم مسعود وهو الذي يقول يرثي أخاه ذا الرمة ويذكر ليلى بنته:

إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني وليلى كلانا موجعٌ مات وافده

ولمسعود يقول ذو الرمة: صوت

أقول لمسعود بجرعاء مالكٍ وقد هـم دمـعـي أن تـسـح أوائلـه

ألا هل ترى الأظعان جاوزن مشرفاً من الرمل أو سالت بهن سلاسله

غنى فيه يحيى بن المكي ثاني ثقيل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو.


ومسعود الذي يقول يرثي أخاه أيضاً ذا الرمة ويرثي أوفى بن دلهم ابن عمه وأوفى هذا أحد من يروى عنه الحديث. وقال هارون بن الزيات: أخبرني ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال: كان لذي الرمة إخوة ثلاثة : مسعود وجرفاس وهشام كلهم شعراء وكان الواحد منهم يقول الأبيات فيبني عليها ذو الرمة أبياتاً أخر فينشدها الناس فيغلب عليها لشهرته وتنسب إليه:

نعى الركب أوفى حين آبت ركابهم لعمري لقد جاءوا بشر فأوجـعـوا

نعوا باسق الأخلاق لا يخلفونه تكاد الجبال الـصـم مـنـه تـصـدع

خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهم فأضحى بأوفى قومه قد تضعضعوا

تعزيت عن أوفى بغيلان بعده عزاءً وجفن الـعـين مـلآن مـتـرع

ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ولكن نكاء القرح بـالـقـرح أوجـع

وأخوه الآخر هشام وهو رباه وكان شاعراً. ولذي الرمة يقول:

أغيلان إن ترجع قوى الود بيننا فكل الذي ولى من العـيش راجـع

فكن مثل أقصى الناس عندي فإنني بطول التنائي من أخي السوء قانع

وقال ذو الرمة لهشام أخيه:

أغر هشاماً من أخيه ابن أمـه قـوادم ضـأنٍ أقـبـلـت وربـيع

وهل تخلف الضأن الغزار أخا الندى إذا حل أمرٌ في الصدور فظيع

فأجابه هشام فقال:

إذا بان مالي من سوامك لم يكن إليك ورب العالـمـين رجـوع

فأنت الفتى ما اهتز في الزهر الندى وأنت إذا اشتد الزمان منوع

ذو الرمة وأخوه مسعود وشعرهماً في ظبية

سنحت لهما

وذكر المهلبي عن أبي كريمة النحوي قال: خرج ذو الرمة يسير مع أخيه مسعود بأرض الدهناء فسنحت لهما ظبيةٌ فقال ذو الرمة:

أقول لدهناويةٍ عوهجٍ جرت لنا بين أعلى برقةٍ بالصرائم

أيا ظبية الوعساء بني جلاجلٍ وبين النقا آأنت أم أم سالم!

وقال مسعود:

جعلت لها قرنين فوق قصاصها وظلفين مسودين تحت القوائم

وقال ذو الرمة:

هي الشبه لولا مذرواها وأذنها سواء ولولا مشقةٌ في القوائم

وكان طفيلياً

وكان ذو الرمة كثيراً ما يأتي الحضر فيقيم بالكوفة والبصرة وكان طفيلياً.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثني الحسن بن علي قال: حدثني ابن سعيد الكندي قال: سمعت ابن عياش يقول: حدثني من رأى ذا الرمة طفيلياً يأتي العرسات.

بعض صفاته

نسخت من كتاب محمد بن داود بن الجراح: حدثني هارون بن الزيات قال: أخبرني محمد بن صالح العدوي قال: قال أبو زرعة بن أذبول: كان ذو الرمة مدور الوجه حسن الشعرة جعدها أقنى أنزع خفيف العارضين أكحل حسن الضحك مفوهاً إذا كلمك أبلغ الناس يضع لسانه حيث يشاء.


قال حماد بن إسحاق: حدثني إدريس بن سليمان بن يحيى بن أبي حصفة عن عمته عافية وغيرها من أهله: أنهم رأوا ذا الرمة باليمامة عند المهاجر بن عبد الله شيخاً أجناً سناطاً متساقطاً.


وقال هارون بن الزيات: حدثني علي بن أحمد الباهلي قال: حدثني ربيح النميري قال: اجتمع الناس مرةً وتحلقوا على ذي الرمة وهو ينشدهم فجاءت أمه فاطلعت من بينهم فإذا رجل قاعد وهو ذو الرمة. وكان دميماً شختاً أجنأ فقالت أمه: استمعوا إلى شعره ولا تنظروا إلى وجهه. قال هارون: وأخبرني يعقوب بن السكيت عن أبي عدنان قال: أخبرني أسيد الغنوي قال: سمعت بباديتنا من قوم هضبوا في الحديث أن ذا الرمة كان ترعية وكان كناز اللحم مربوعا قصيراً وكان أنفه ليس بالحسن.

الفرزدق وجرير يحسدانه

أخبرني ابن عمار عن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه عن صالح بن سليمان قال: كان الفرزدق وجرير يحسدان ذا الرمة وأهل البادية يعجبهم شعره.
قال: وكان صالح بن سليمان روايةً لشعر ذي الرمة فأنشد يوماً قصيدةً له وأعرابي من بني عدي يسمع فقال: أشهد عنك - أي أنك - لفقيهٌ تحسن ما تتلوه وكان يحسبه قرآناً.

إعجاب الكميت بشعره

نسخت من كتاب محمد بن داود: وحدثني هارون بن الزيات عن محمد بن صالح العدوي قال: قال حماد الراوية: قال الكميت حين سمع قول ذي الرمة:

أعاذل قد أكثرت من قول قائلٍ وعيبٌ على ذي الود لوم العواذل

هذا والله ملهم وما علم بدوي بدقائق الفطنة وذخائر كنز العقل المعد لذوي الألباب! أحسن ثم أحسن.
قال محمد بن صالح: وحدثني محمد بن كناسة بذلك عن الكميت وقال: لما أنشده قوله في هذه القصيدة:

دعاني وما داعي الهوى من بلادها إذا ما نأت خرقاء عني بغافل

فقال الكميت: لله بلاد هذا الغلام! وما أحسن قوله! وما أجود وصفه! ولقد شفع البيت قال ابن كناسة: وقال لي حماد الراوية:

ما أخر القوم ذكره إلا لحداثة سنه وأنهم حسدوه. آراء قيلت في شعره

قال محمد بن صالح: وقال لي خالد بن كلثوم وأبو عمرو: قال أبو حزام وأبو المطرف: لم يكن أحد من القوم في زمانه أبلغ من ذي الرمة ولا أحسن جواباً كان كلامه أكثر من شعره.
وقال الأصمعي: ما أعلم أحداً من العشاق الحضريين وغيرهم شكا حبا أحسن من شكوى ذي الرمة مع عفةٍ وعقلٍ رصين.
قال: وقال أبو عبيدة: ذو الرمة يخبر فيحسن الخبر ثم يرد على نفسه الحجة من صاحبه فيحسن الرد ثم يعتذر فيحسن التخلص مع حسن إنصافٍ وعفاف في الحكم.
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أبو أيوب المديني قال: حدثنا الفضل بن إسحاق الهاشمي عن مولى لجده قال: رأيت ذا الرمة بسوق المربد وقد عارضه رجلٌ يهزأ به فقال له: يا أعرابي أتشهد بما لم تر قال: نعم قال: بماذا قال: أشهد أن أباك ناك أمك.
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن عمارة بن عقيل قال: كان جرير عند بعض الخلفاء فسأله عن ذي الرمة فقال: أخذ من طريف الشعر وحسنه ما لم يسبقه إليه أحد غيره.

أخبرني وكيع عن حماد بن إسحاق قال: قال حماد الراوية: قدم علينا ذو الرمة الكوفة فلم أر أفصح ولا أعلم بغريب منه.

نسخت من كتاب ابن النطاح: حدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو قال: ختم الشعر بذي الرمة وختم الرجز برؤبة.

قال: فما تقول في هؤلاء الذين يقولون قال: كلٌ على غيرهم إن قالوا حسناً فقد سبقوا إليه وإن قالوا قبيحاً فمن عندهم.

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن بعض أصحابه عن حماد الراوية قال: أحسن الجاهلية تشبيهاً امرؤ القيس وذو الرمة أحسن أهل الإسلام تشبيهاً.

أخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب عن عمارة بن عقيل: أن جريراً والفرزدق اتفقا عند خليفة من خلفاء بني أمية فسأل كل واحد منهما على انفراد عن ذي الرمة فكلاهما قال: أخذ من طريف الشعر وحسنه ما لم يسبقه إليه غيره فقال الخليفة: أشهد لاتفاقكما فيه أنه أشعر منكما جميعاً.

أخبرني جحظة عن حماد بن إسحاق قال: حدثني أبي قال: أنشد الصقيل شعر ذي الرمة فاستحسنه وقال: ماله قاتله الله! ما كان إلا ربيقة هلا عاش قليلاً!.

وقال هارون بن محمد: أخبرني علي بن أحمد الباهلي قال: حدثني محمد بن إسحاق البلخي عن سفيان ابن عيينة عن ابن شبرمة قال: سمعت ذا الرمة يقول: إذا قلت: كأنه ثم لم أجد مخرجاً فقطع الله لساني.

قال هارون: وحدثني العباس بن ميمون طائع قال: قال الأصمعي: كان ذو الرمة أشعر الناس إذا شبه ولم يكن بالمفلق.

وحدثني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: كان لذي الرمة حظ في حسن التشبيه لم يكن لأحد من الإسلاميين كان علماؤنا يقولون: أحسن الجاهلية تشبيهاً امرؤ القيس وأحسن أهل الإسلام تشبيهاً ذو الرمة.

أخبرني محمد بن يزيد قال: حدثنا حماد عن أبيه عن أبي عقيل عمارة بن عقيل عن عمته أم القاسم ابنة بلال بن جرير عن جارية كانت لأم مي قالت: كنا نازلين بأسفل الدهناء وكان رهط ذي الرمة مجاورين لنا فجلست مية - وهي حينئذ فتاة حين نهد ثدياها أحسن من رأيته - تغسل ثياباً لها ولأمها في بيت منفرد وكان بيتاً رثاً قد أخلق ففيه خروق فلما فرغت ولبست ثيابها جاءت فجلست عند أمها فأقبل ذو الرمة حتى دخل إلينا ثم سلم ونشد ضالة وجلس ساعةً ثم خرج.

فقالت مية: إني لأرى هذا العدوي قد رآني منكشفة واطلع علي من حيث لا أدري فإن بني عدي أخبث قوم في الأرض فاذهبي فقصي أثره فخرجت فوجدته ما يثبت مقامه فقصصت أثره ثانية حتى رأيته وقد تردد أكثر من ثلاثين طرقة كل ذلك يدنو فيطلع إليها ثم يرجع على عقبيته ثم يعود فيطلع إليها فأخبرتها بذلك ثم لم تنشب أن جاءنا شعره فيها من كل وجه ومكان.

رواية أخرى في ذلك وذكر علي بن سعيد بن بشر الرازي: أن هارون بن مسلم بن سعد حدثه عن حسين بن براق الأسدي عن عمارة بن ثقيف قال: حدثني ذو الرمة أن أول ما قاد المودة بينه وبين مية أنه خرج هو وأخوه وابن عمه في بغاء إبل لهم قال: بينا نحن نسير إذ وردنا على ماءٍ وقد أجهدنا العطش فعدلنا إلى حواء عظيم فقال لي أخي وابن عمي: ائت الحواء فاستسق لنا فأتيته وبين يديه في رواقه عجوزٌ جالسة. قال: فاستسقيت فالتفتت وراءها فقالت: يا مي اسقي هذا الغلام فدخلت عليها فإذا هي تنسج علقةً لها وهي تقول:

يا من يرى برقاً يمر حيناً زمزم رعداً وانتحى يمينا

كأن في حافاته حنيناً أو صوت خيل ضمرٍ يردينـا

قال: ثم قامت تصب في شكوتي ماءً وعليها شوذب لها فلما انحطت على القربة رأيت مولى لم أر أحسن منه فلهوت بالنظر إليها وأقبلت تصب الماء في شكوتي والماء يذهب يميناً وشمالاً. قال: فأقبلت علي العجوز " وقالت: يا بني ألهتك مي عما بعثك أهلك له أما ترى الماء يذهب يميناً وشمالاً! " فقلت: أما والله ليطولن هيامي بها.


قال: وملأت شكوتي وأتيت أخي وابن عمي ولففت راسي فانتبذت ناحيةً وقد كانت مي قالت: لقد كلفك أهلك السفر على ما أرى من صغرك وحداثة سنك فأنشأت أقول:

قد سخرت أخت بني لبيد مني ومن سلمٍ ومن وليد

مثل ادراع اليلمق الجديد قال: وهي أول قصيدة قلتها ثم أتممتها: هل تعرف المنزل بالوحيد ثم مكثت أهيم بها في ديارها عشرين سنة.

ذو الرمة وزوج مي

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن النوفلي قال: سمعت أبي يقول: ضاف ذو الرمة زوج مي في ليلةٍ ظلماء وهو طامع في ألا يعرفه زوجها فيدخله بيته فيراها ويكلمها ففطن له الزوج وعرفه فلم يدخله وأخرج إليه قراه وتركه بالعراء وقد عرفته مية فلما كان في جوف الليل تغني غناء الركبان قال:

أراجعةٌ يا مي أيامنا الألى بذي الأثل أم لا ما لهن رجوع!

فغضب زوجها وقال: قومي فصيحي به: يابن الزانية وأي أيام كانت لي معك بذي الأثل! فقالت: يا سبحان الله ضيفٌ والشاعر يقول! فانتضى السيف وقال: والله لأضربنك به حتى آتي عليك أو تقولي فصاحت به كما أمرها زوجها فنهض على راحلته فركبها وانصرف قال شعراً في خرقاء يغيظ به ميا فمر بلفج في ركب وبعض أصحابه يريد أن يرقع خفه فإذا هو بجوار خارجات من بيت يردن آخر وإذا خرقاء فيهن - وهي امرأةٌ من بني عامر - فإذا جاريةٌ حلوةٌ شهلاء فوقعت عين ذي الرمة عليها فقال لها: يا جارية أترقعين لهذا الرجل خفه فقالت تهزأ به: أنا خرقاء لا أحسن أن أعمل فسماها خرقاء وترك ذكر مي يريد أن يغيظ بذلك مياً. فقال فيها قصيدتين أو ثلاثاً ثم لم يلبث أن مات.

لقاءه بجرير والمهاجر بن عبد الله

أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن الأصمعي عن عمارة بن عقيل قال: قال جرير: خرجت مع المهاجر بن عبد الله إلى حجةٍ فلقينا ذا الرمة فاستنشده المهاجر فأنشده:

ومن حاجتي لولا التنائي وربما منحت الهوى من ليس بالمتقارب

عطابيل بيضٌ من ربيعة عامر عذاب الثنايا مثقلات الحـقـائب

يقظن الحمى والرمل منهن محضر ويشربن ألبان الهجان النجائب

رأي لجرير في بيت قاله

أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: أخبرنا أبو البيداء الرياحي قال: قال جرير: قاتل الله ذا الرمة حيث يقول:

ومنتزعٍ من بين نسعيه جرةً نشيج الشجا جاءت إلى ضرسه نزرا

أما والله لو قال: " ما بين جنبيه " لما كان عليه من سبيل.

جرير وأبو عمرو بن العلاء يصفان شعره

أخبرني الطوسي وحبيب المهلبي عن ابن شبة عن أبي غزالة عن هشام بن محمد الكلبي عن رجل من كندة قال: سئل جرير عن شعر ذي الرمة فقال: بعر ظباءٍ ونقط عروسٍ يضمحل عن قليل.
أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال: كان أبو عمرو بن العلاء يقول: إنما شعر ذي الرمة نقط عروس يضمحل عن قليل وأبعار لها مشم في أول شمة ثم تعود إلى أرواح البعر.

الفرزدق يعجب بشعره ولا يعده من الفحول

قال أبو زيد بن شبة: قال أبو عبيدة:

إذا ارفض أطراف السياط وهللت جروم المطايا عذبتهن صيدح

فقال ذو الرمة: كيف تسمع يا أبا فراس قال: أسمع حسناً قال: فما لي لا أعد في الفحول من الشعراء قال: يمنعك من ذلك ويباعدك ذكرك الأبعار وبكاؤك الديار ثم قال:

ودويةٍ لو ذو الرميمة رامها لقصر عنها ذو الرميم وصيدح

قطعت إلى معروفها منكراتها إذا اشتد آل الأمعز المتوضح

وقال عمر بن شبة في هذا الخبر: فقام إليه ذو الرمة فقال: أنشدك الله أبا فراس أن تزيد عليهما شيئاً فقال: إنهما بيتان ولن أزيد عليهما شيئاً.


قال: وكان عمر بن شبة يقول عمن أخبره عن أبي عمرو: إنما شعره نقط عروس تضمحل عما قليل وأبعار ظباء لها مشم في أول شمها ثم تعود إلى أرواح الأبعار.


كان هواه مع الفرزدق على جرير  وكان هوى ذي الرمة مع الفرزدق على جرير وذلك لما كان بين جرير وابن لجأ التيمي وتيمٌ وعديٌ أخوان من الرباب وعكل أخوهم ولذلك يقول جرير لعكل:

فلا يضـغـمـن الـلـيث عـكـلاً بـغـرةٍ وعـكـــلٌ يشـــمـــون الـــقـــريس الـــمـــنـــيبـــا

الفريس ها هنا ابن لجأ وكذلك يفعل السبع إذا ضغم شاةً ثم طرد عنها أو سبقته أقبلت وقلت نضاحةً لبني عدي ثيابكم ونضح دم القتيل

يحذر عدياً ما لقي ابن لجأ.


الفرزدق ينتحل أبياتاً له أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام أن أبا يحيى الضبي قال: قال ذو الرمة يوماً: لقد قلت أبياتاً إن لها لعروضاً وإن لها لمراداً ومعنى بعيداً. قال له الفرزدق: ما هي قال: قلت:

أحين أعاذت بي تميمٌ نساءها وجردت تجريد اليماني من الغمـد

ومدت بضبعي الرباب ومالكٌ وعمرٌو وشالت من ورائي بنو سعد

ومن آل يربوعٍ زهاءٌ كأنه زها الليل محمود الكنـاية والـرفـد

فقال له الفرزدق: لا تعودن فيها فأنا أحق بها منك قال: والله لا أعود فيها ولا أنشدها أبداً إلا لك فهي قصيدة الفرزدق التي يقول فيها:

وكنا إذا القيسي نب عتوده ضربناه فوق الأنثيين على الكرد

- الأنثيان: الأذنان. والكرد: العنق -.


وروى هذا الخبر حماد عن أبيه عن أبي عبيدة عن الضحاك الفقيمي قال: بينا أنا بكاظمة وذو الرمة ينشد قصيدته التي يقول فيها: إذا راكبان قد تدليا من نقب كاظمة مقنعان فوقفا فلما فرغ ذو الرمة حسر الفرزدق عن وجهه وقال لراويته: يا عبيد اضمم إليك هذه الأبيات. قال له ذو الرمة: نشدتك الله يا أبا فراس! فقال له: أنا أحق بها منك وانتحل منها هذه الأربعة الأبيات.
المهاجاة بينه وبين هشام المرئي حدثنا محمد قال: حدثنا أبو الغراف قال: مر ذو الرمة بمنزلٍ لامرىء القيس بن زيد مناة يقال له: مرأة به نخل فلم ينزلوه ولم يقروه فقال :

نزلنا وقد طال النهار وأوقدت علينا حصى المعزاء شمسٌ تنالها

أنخنا فظللنا بأبراد يمنةٍ عتاقٍ وأسـيافٍ قـديم صـقـالـهـا

فلما رآنا أهل مرأةً أغلقوا مخادع لم ترفع لخيرٍ ظـلالـهـا

وقد سميت باسم امرىء القيس قريةٌ كرامٌ صواديها لئامٌ رجالها

فلج الهجاء بين ذي الرمة وبين هشام المرئي فمر الفرزدق بذي الرمة وهو ينشد:

صوت

وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه

غنى فيه إبراهيم ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر وسيأتي خبره بعد لئلا ينقطع هذا الخبر. فقال له الفرزدق: ألهاك البكاء في الديار والعبد يرتجز بك في المقابر يعني هشاماً.


وكان ذو الرمة مستعلياً هشاماً حتى لقي جريرٌ هشاماً فقال: غلبك العبد يعني ذا الرمة قال: فما أصنع يا أبا حرزة وأنا راجز وهو يقصد والرجز لا يقوم للقصيد في الهجاء ولو رفدتني فقال جرير - لتهمته ذا الرمة بالميل إلى الفرزدق -: قل له:

غضبت لرجلٍ من عدي تشمسوا وفي أي يومٍ لم تشمس رجالها

وفيم عدي عند تيمٍ من العلا وأيامنا اللاتي تعـد فـعـالـهـا

وضبة عمي يابن جل فلا ترم مساعي قومٍ ليس منك سجالهـا

يماشي عديا لؤمها لا تجنه من الناس ما مست عديا ظلالـهـا

فقل لعدي تستعن بنسائها علي فقـد أعـيا عـديا رجـالـهـا

إذا الرم قد قلدت قومك رمةً بطيئاً بأمر المطلقين انحلالـهـا

قال أبو عبد الله: فحدثني أبو الغراف قال: لما بلغت الأبيات ذا الرمة قال: والله ما هذا بكلام هشام ولكنه ابن الأتان.


لما سمعها قال: هو والله ينتمي شعر حنظلي عذري وغلب هشام على ذي الرمة بها. نسخت من كتاب ابن النطاح: حدثني أبو عبيدة قال: حدثني فلان المرئي قال: أتانا جرير على حمار وأنا لا أعرفه فأتي بنبيذ فشرب فلما أخذ فيه قال: أين هشام فدعي فقال له: أنشدني ما قلت في ذي الرمة فأنشده فجعل كلما أنشده قصيدةً قال: لم تصنع شيئاً ثم قال له: قد دنا رواحي فاردد هذه الأبيات ومر شبانكم بروايتها وذكر الأبيات التي أولها قوله: غضبت لرجل من تميم تشمسوا قال: فغلبه هشام بها فلما كان بعد ذلك لقي ذو الرمة جريراً فقال: تعصبت على خالك للمرئي. فقال جرير: حيث فعلت ماذا قال: حين تقول للمرئي كذا وكذا فقال جرير: لأنك ألهاك البكاء في دار مية حتى استقبحته محارمك.
قال: قول ذي الرمة: تعصبت على خالك أن النوار بنت جل أم حنظلة بن مالك وهي من رهط ذي الرمة وكذلك عنى جرير بقوله:

ولولا أن تقول بنو عدي ألم تك أم حنظلة النوار

يا بني ملكان مني قصائد لا تعاورها البحار

فقال ذو الرمة: لا ولكن اتهمتني بالميل مع الفرزدق عليك قال: كذلك هو قال: فوالله ما فعلت وحلف له بما يرضيه قال: فأنشدني ما هجوت به المرئي فأنشده قوله:

نبت عيناك عن طللٍ بحزوى عفته الريح وامتضح القطارا

فأطال جداً فقال له جرير: ما صنعت شيئاً أفأرفدك قال: نعم قال: قل:

يعد الناسبون إلى تميم بيوت المجد أربـعةً كـبـارا

يعدون الرباب وآل سعدٍ وعمراً ثم حنظلة الـخـيارا

ويهلك بينها المرئي لغواً كما ألغيت في الدية الحوارا

" ويروى: ويذهب بينها ".


فغلبه ذو الرمة بها.


قال: حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال: حدثني جماعة من أهل العلم أن ذا الرمة مر بالفرزدق فقال له: أنشدني أحدث ما قلت في المرئي فأنشده هذه الأبيات فأطرق الفرزدق ساعة ثم قال: أعد فأعاد فقال: كذبت وايم الله ما هذا لك ولقد قاله أشد لحيين منك وما هذا إلا شعر ابن الأتان.


فلما سمعها المئي جعل يلطم رأسه ويصرخ ويدعو بويله ويقول: قتلني جرير قتله الله! هذا فلما استعلى ذو الرمة على هشام أتى هشامٌ وقومه جريراً فقالوا: يا أبا حزرة عادتك الحسنى فقال: هيهات ظلمت أخوالي قد أتاني ذو الرمة فاعتذر إلي وحلف فلست أعين عليهم.


فلما يئسوا من عنده أتوا لهذا المكاتب وقد طلع بمكاتبته فأعطوه عشرة أعنز وأعانوه على مكاتبته فقال أبياتاً في عيينة يفضل فيها بني امرىء القيس على بني عدي وهشاماً على ذي الرمة ومات ذو الرمة في تلك الأيام فقال الناس: غلبه هشام.


قال ابن النطاح: إنما مات ذو الرمة بعقب إرفاد جرير إياه على المرئي فقال الناس: غلبه ولم يغلبه إنما مات قبل الجواب.


يتحدث عن شعره أخبرني اليزيدي عن محمد بن الحسن الأحول عن بعض أصحابه عن الشبو بن قسيم العذري قال: سمعت ذا الرمة يقول: من شعري ما طاوعني فيه القول وساعدني ومنه ما أجهدت نفسي فيه ومنه ما جننت به جنوناً فأما ما طاوعني القول فيه فقولي: خليلي عوجاً من صدور الرواحل أأن توسمت من خرقاء منزلة أما ما جننت به جنوناً فقولي: ما بال عينك منها الدمع ينسكب جرير يتمنى أن ينسب إليه شعره أخبرني علي بن سليمان عن محمد بن يزيد عن عمارة بن عقيل قال: كان جرير يقول: ما أحببت أن ينسب إلي من شعر ذي الرمة إلا قوله: ما بال عينك منها الماء ينسكب فإن شيطانه كان له فيها ناصحاً.


أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: قال حماد الراوية: ما تمم ذو الرمة قصيدته التي يقول فيها: ما بال عينك منها الماء ينسكب حتى مات كان يزيد فيها منذ قالها حتى توفي.


ذو الرمة وخياط في سوق المربد أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبي عدنان قال: أخبرنا جابر بن عبد الله بن جامع بن بينا ذو الرمة ينشد بالمربد والناس مجتمعون إليه إذا هو بخياط يطالعه ويقول:

يا غيلان أأنت الذي تستنطق الدار واقفاً من الجهل هل كانت بكن حلول

فقام ذو الرمة وفكر زماناً ثم عاد فقعد في المربد ينشد فإذا الخياط قد وقف عليه ثم قال:

أأنت الذي شبهت عنزاً بقفرةٍ لها ذنبٌ فوق استها أم سالـم

وقرنان إما يلزقا بك يتركا بجنبيك يا غيلان مثل المواسـم

جعلت لها قرنين فوق شواتها ورابك منها مشقةٌ في القوائم

فقام ذو الرمة فذهب ولم ينشد بعدها في المربد حتى مات الخياط. قال: وأراد الخياط بقوله هذا قول ذي الرمة:

أقول لدهناويةٍ عوهجٍ جرت لنا بين أعلى برقةٍ في الصرائم

أيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ وبين النقا آأنت أم أم سـالـم

هي الشبه لولا مدرياها وأذنها سواء وإلا مشقةٌ في القوائم

فانتبه ذو الرمة لذلك فقال:

أقول بذي الأرطى عشية أرشقت إلى الركب أعناق الظباء الخواذل

لأدماء من آرام بين سويقةٍ وبين الجبال العفـر ذات الـسـلاسـل

فعيناك عيناها وجيدك جيدها ولونك لولا أنـهـا غـير عـاطـل

في البيتين الأخيرين من هذه الأبيات رمل بالوسطى لإبراهيم.

رؤبة يعجز عن تفسير بيت قاله الراعي

فيفسره له ذو الرمة

أخبرني علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري عن يعقوب بن السكيت عن محمد بن سلام عن أبي الغراف قال: قال ذو الرمة لرؤبة: ما عنى الراعي بقوله:

أناخا بأسوأ الظن ثمت عرساً قليلاً وقد أبقى سهيلٌ فعردا

وذكر محمد بن علي بن حفص الجبيري الحنفي - من ولد أبي جبيرة - أن النوار بنت عاصم المنقرية - وأمها مية صاحبة ذي الرمة - أخبرته وقد ذكر عندها ذا الرمة وأنشدها قوله في أمها:

هي البرء والأسقام والهم والمنى وموت الهوى في القلب مني المبرح

يربح أي يزيد الربح. هكذا ذكره الأصمعي.

إذا غير النأي المحبين لم أجد رسيس الهوى من حب مية يبرح

فلما سمعت قوله: غذا غير النأي المحبين...
قالت: قبحه الله هو الذي يقول أيضاً:

على وجه مي مسحةٌ من ملاحةٍ وتحت الثياب الشين لو كان باديا

فقلت لها: أكانت مية جدتك قالت: لا بل أمي فقلت لها: كم تعدين قالت: ستين سنة.


أخبرني الحسين بن يحيى قال حماد: قرأت على أبي عن محمد بن سلام قال: كانت مي صاحبة ذي الرمة من ولد طلبة بن قيس بن عاصم المنقري وكانت لها بنت عم من ولد قيس يقال لها: كثيرة أم سلهمة فقالت على لسان ذي الرمة: على وجه مي مسحةٌ من ملاحة الأبيات. فكان ذو الرمة إذا ذكر له ذلك يمتعض منه ويحلف أنه ما قالها قط.


أخبرني بهذا الخبر أبو خليفة عن محمد بن سلام عن أبي الغراف الضبي بمثله وقال فيه: أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب المهلبي عن ابن شبة عن المدائني عن سلمة عن محارب قال: كان ذو الرمة يقرأ ويكتب ويكتم ذلك فقيل له: كيف تقول: عزير ابن الله أو عزير بن الله فقال: أكثرهما حروفاً.

ذو الرمة يكتب

أخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قال: قال عيسى بن عمر: قال لي ذو الرمة: ارفع هذا الحرف فقلت له: أتكتب فقال بيده على فيه: اكتم علي فإنه عندنا عيب.

رؤبة يتهمه بسرقة شعره

أخبرني ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي عن محمد بن أبي بكر المخزومي قال: قال رؤبة: كما قلت شعراً سرقه ذو الرمة فقيل له: وما ذاك قال: قلت: حي الشهيق ميت الأنفاس فقال هو: حي الشهيق ميت الأوصال فقلت له: فقوله والله أجود من قولك وإن كان سرقه منك فقال: ذلك أغم لي.

يحدثنا عن منزلته من الراعي

أخبرني ابن عبد العزيز عن ابن شبة قال: قيل لذي الرمة: إنما أنت راوية الراعي. فقال: أما والله لئن قيل ذاك ما مثلي ومثله إلا شابٌ صحب شيخاً فسلك به طرقاً ثم فارقه فسلك الشاب بعده شعاباً وأودية لم يسلكها الشيخ قط.

لا يحسن الهجاء والمدح

أخبرني محمد بن أحمد بن الطلاس عن الخراز عن المدائني وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم عن ابن أخي الأصمعي عن عمه دخل حديث بعضهم في حديث بعض قال: إنما وضع من ذي الرمة أنه كان لا يحسن أن يهجو ولا يمدح وقد مدح بلال بن أبي بردة فقال:

رأيت الناس ينتجعون غيثاً فقلت لصيدح: انتجعي بلالا

أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال: حدثني أبو الغراف قال: عاب الحكم بن عوانة الكلبي ذا الرمة في بعض قوله فقال فيه:

فلو كنت من كلبٍ صميماً هجوتكم جميعاً ولكن لا إخالك من كلب

ولكنما أخبرت أنك ملصقٌ كما ألصقت من غيرها ثلمة القعـب

تدهدى فخرت ثلمةٌ من صميمه فكيف بأخرى بالغراء وبالشعـب

ذو الرمة وبلال بن أبي بردة

يحتكمان إلى أبي عمرو بن العلاء في رواية شيء من شعر حاتم:

أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال: وحدثني أبو الغراف قال: دخل ذو الرمة على بلال بن أبي بردة وكان بلال راويةً فصيحاً أديباً فأنشده بلال أبيات حاتم طيىء قال:

لحا الله صعلوكاً مناه وهمه من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

يرى الخمس تعذيباً وإن نال شبعةً يبت قلبه من شدة الهم مبهما

هكذا أنشد بلال فقال ذو الرمة: يرى الخمص تعذيباً وإنما الخمس للإبل وإنما خمص البطن فمحك بلال - وكان محكاً - وقال: هكذا أنشدنيه رواه طيىء فرد عليه ذو الرمة فضحك ودخل أبو عمرو بن العلاء فقال له بلال: كيف تنشدهما وعرف أبو عمرو الذي به فقال: كلا الوجهين جائز فقال: أتأخذون عن ذي الرمة فقال: إنه لفصيح وإنا لنأخذ عنه بتمريضٍ.


وخرجا من عنده فقال ذو الرمة لأبي عمرو: والله لولا أني أعلم أنك حطبت في حبله وملت مع هواه لهجوتك هجاءً لا يقعد إليك اثنان بعده.

أجود شعره في رأي بلال بن جرير

نسخت من كتاب محمد بن داود بن الجراح: حدثني هارون بن محمد الزيات قال: حدثني حماد بن إسحاق عن عمارة بن عقيل قال: قيل لبلال بن جرير: أي شعر ذي الرمة أجود فقال: هل حبل خرقاء بعد اليوم مرموم إنها مدينة الشعر. رأي لابن سلام في ذي الرمة

حدثنا أبو خليفة عن ابن سلام قال: كان ذو الرمة من جرير والفرزدق بمنزلة قتادة من الحسن وابن سيرين كان يروي عنهما ويروي جماعة من الكوفة يصنعون له أبياتاً أخبرني الجوهري قال: حدثنا ابن شبة عن ابن معاوية قال: قال حماد الراوية: قدم علينا ذو الرمة الكوفة فلم نر أحسن ولا أفصح ولا أعلم بغريبٍ منه فغم ذلك كثيراً من أهل المدينة فصنعوا له أبياتاً وهي قوله:

رأى جملاً يوماً ولم يك قبلها من الدهر يدري كيف خلق الأباعر

فقال: شظايا مع ظبايا ألا لنا وأجفل إجفال الظلـيم الـمـبـادر

فقلت له: لا ذهل ملكيل بعدما ملا نيفق التبان مـنـه بـعـاذر

قال: فاستعادها مرتين أو ثلاثاً ثم قال: ما أحسب هذا من كلام العرب.
ذو الرمة وعنبسة النحوي أخبرني أبو الحسن الأسدي عن العباس بن ميمون طائع قال: حدثنا أبو عثمان المازني عن الأصمعي عن عنبسة النحوي قال: قلت لذي الرمة وسمعته ينشد ويقول:

وعينان قال الله كونا فكانتا فعولين بالألباب ما تفعل الخمر

قال: فقلت له: فهلا قلت: فعولان فقال: لو قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر كان خيراً لك أي أنك أردت القدر وأراد ذو الرمة كونا فعولين بالألباب وأراد عنبسة: وعينان فعولان.


وروى هذا الخبر ابن الزيات عن محمد بن عبادة عن الأصمعي عن العلاء بن أسلم فذكر مثله.

يغير شعره لرأي قاله ابن شبرمة

وحكى أن إسحاق بن سويد المعارض له قال: وأخبرني الأخفش قال: حدثني محمد بن يزيد النحوي قال: حدثني عبد الصمد بن المعذل قال: حدثني أبي عن أبيه قال: قدم ذو الرمة الكوفة فوقف ينشد الناس بالكناسة قصيدته الحائية حتى أتى على قوله:

إذا غير النأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح

فناداه ابن شبرمة: يا غيلان أراه قد برح. فشنق ناقته وجعل يتأخر بها ويفكر. ثم عاد فأنشد قوله: إذا غير النأي المحبين لم أجد قال: فلما انصرفت حدثت أبي فقال: أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذي الرمة ما أنشد وأخطأ ذو الرمة حين غير شعره لقول ابن شبرمة إنما هذا مثل قول الله عز وجل: " ظلماتٌ بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها " وإنما معناه لم يرها ولم يكد.

بلال يأمر له بعشرة آلاف درهم

أخبرني الجوهري عن ابن شبرمة عن يحيى بن نجيم قال: قال رؤبة لبلال بن أبي بردة: علام تعطي ذا الرمة فوالله إنه ليعمد إلى مقاطعتنا فيصلها فيمدحك بها فقال: والله لو لم أعطه إلا على تأليفه لأعطيته وأمر له بعشرة آلاف درهم.

رجل بمربد البصرة يراجعه في شعر

أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدثنا عمر بن شبة حدثنا إسحاق الموصلي عن الأصمعي قال: قال رجل: رأيت ذا الرمة بمربد البصرة وعليه جماعة مجتمعة وهو قائم وعليه برد قيمته مائتا دينار وهو ينشد ودموعه تجري على لحيته: ما بال عينك منها الماء ينسكب فلما انتهى إلى قوله: قلت: يا أخا بني تميم ما هكذا قال عمك قال: وأي أعمامي يرحمك الله قلت: الراعي قال: وما قال قال: قلت: قوله:

ولا تعجل المرء قبل الورو ك وهي بركبته أبصر

وهي إذا قام في غرزها كمثل السفينة إذا تـوقـر

ومصغية خدها بالزما م فالرأس منها له أصـعـر

حتى إذا ما استوى طبقت كما طبق المسحل الأغبر

قال: فأرتج عليه ساعة ثم قال: إنه نعت ناقة ملكٍ ونعت ناقة سوقةٍ. فخرج منها على رؤوس الناس.

روايات في سبب تشبيبه بخرقاء

فأما السبب بين ذي الرمة وخرقاء فقد اختلف فيه الرواة فقيل: إنه كان يهواها وقيل: بل كاد بها مية وقيل: بل كانت كحالة فداوت عينه فشبب بها.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن النوفلي عن أبيه: أن زوج مية أمرها أن تسب ذا الرمة غيرةً عليها فامتنعت فتوعدها بالقتل فسبته فغضب أخبرني حبيب بن نصر عن ابن شبة عن العتبي عن هارون بن عتبة قال: شبب ذو الرمة بخرقاء العامرية بغير هوى وإنما كانت كحالة فداوت عينه من رمد كان بها فزال فقال لها: ما تحبين حتى أعطيك فقالت: عشرة أبيات تشبب بي ليرغب الناس في إذا سمعوا أن في بقية للتشبيب ففعل.


كان الحاج يمرون بخرقاءأخبرنا أبو خليفة عن ابن سلام قال: كان ذو الرمة شبب بخرقاء إحدى نساء بني عامر بن ربيعة وكانت تحل فلجاً ويمر بها الحاج فتقعد لهم وتحادثهم وتهاديهم وكانت تجلس معها فاطمة بنتها - فحدثني من رآهما - فلم تكن فاطمة مثلها وكانت تقول: أنا منسكٌ من مناسك الحج لقول ذي الرمة فيها:

تمام الحج أن تقف المطايا على خرقاء واضعة اللثام

خرقاء تسأل القحيف العقيلي أن يتشبب بها قال ابن سلام في خبره: وأرسلت خرقاء إلى القحيف العقيلي تسأله أن يشبب بها فقال: صوت

لقد أرسلت خرقاء نحوي جريها لتجعلني خرقاء فيمن أضلت

خرقاء تسقي ذا الرمة وهي لاتعرفه

حدثني حبيب بن نصر عن الزبير عن موهوب بن رشيد عمن حدثه قال: نزل ركب بأبي خرقاء العامرية فأمر لهم بلبن فسقوه وقصر عن شاب منهم فأعطته خرقاء صبوحها هي لا تعرفه فشربه ومضوا فركبوا فقال لها أبوها: أتعرفين الرجل الذي سقيت صبوحك قالت: لا والله قال: هو ذو الرمة القائل فيك الأقاويل فوضعت يدها على رأسها وقالت: واسوأتاه وابؤساه! ودخلت بيتها فما رآها أبوها ثلاثاً.
المفضل الضبي يزور خرقاء حدثني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال: قال الضبي: كنت أنزل على بعض الأعراب إذا حججت فقال لي يوماً: هل لك إلى أن أريك خرقاء صاحبة ذي الرمة فقلت: إن فعلت فقد بررت. فتوجهنا جميعاً نريدها فعدل بي عن الطريق قدر ميل ثم أتينا أبيات شعر فاستفتح بيتاً ففتح له وخرجت امرأةٌ طويلة حسنة بها قوة فسلمت وجلست فتحدثنا ساعة ثم قالت لي: هل حججت قط قلت: غير مرة. قالت: فما منعك من زيارتي أما علمت أن منسك من مناسك الحج قلت: وكيف ذاك قالت:

أما سمعت تمام الحج أن تقف المطايا على خرقاء واضعة اللثام

أخبرني وكيع عن أبي أيوب المدائني عن مصعب الزبيري قال: شبب ذو الرمة بخرقاء ولها ثمانون سنة.


رواية أخرى في لقاء ذي الرمة بخرقاء قال هارون بن الزيات: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم عن محمد بن يعقوب عن أبيه قال: رأيت خرقاء بالبصرة وقد ذهبت أسنانها وإن في ديباجة وجهها لبقية فقلت: أخبريني عن السبب بينك وبين ذي الرمة فقالت: اجتاز بنا في ركبٍ ونحن عدة جوارٍ على بعض المياه فقال: أسفرن فسفرن غيري فقال: لئن لم تسفري لأفضحنك فسفرت فلم يزل يقول حتى أزيد ثم لم أره بعد ذلك.


أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني موهوب بن رشيد قال: حدثني جدي قال: كنت مع خرقاء ذي الرمة إذ نزل ببابها ركب من بني تميم فأمر لهم بلبن فسقوه وقصر اللبن عن شاب منهم فأمرت له خرقاء بغبوقها فلما أن رحل عنهم الركب قال لها أبوها: يا خرقاء أتعرفين من سقيت غبوقك اليوم قالت: لا والله ما أعرفه قال: ذاك ذو الرمة فوضعت يدها على رأسها وقالت: واسوأتاه! ودخلت خدرها.


قال الزبير: وحدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال: حدثنا أبو الشبل المعدي قال: كانت خرقاء البكائية أصبح من القبس وبقيت بقاءً طويلاً حتى شبب بها القحيف العقيلي.


خرقاء وصباح بن الهذيل أخبرنا أبو الحسن الأسدي عن أحمد بن سليمان عن أبي شيخ عن أبيه عن علي بن صالح بن سليمان عن صباح بن الهذيل أخي زفر بن الهذيل قال: خرجت أريد الحج فمررت بالمنزل الذي تنزله خرقاء فأتيتها فإذا امرأة جزلة عندها سماطان من الأعراب تحدثهم وتناشدهم فسلمت فردت ونسبتني فانتسبت لها وهي تنزلني حتى انتسبت إلى أبي فقالت: حسبك أكرمت ما شئت ما اسمك قلت: صباح قالت: وأبو من قلت: أبو المغلس قالت: أخذت أول الليل وآخره قال: فما كان لي همة إلا الذهاب عنها.


الحجاج الأسدي يزور خرقاء وتنشده شعراً لها في ذي الرمة  نسخت من كتاب محمد بن صالح بن النطاح: حدثني محمد بن الحجاج الأسدي التميمي - وما رأيت تميمياً أعلم منه - قال: حججت فلما صرت بمران منصرفاً فإذا أنا بغلام أشعث الذؤابة قد أورد غنيمات له فجئته فاستنشتدته فقال لي: إليك عني فإني مشغول عنك. وألححت عليه فقال: أرشدك إلى ما بعض ما تحب انظر إلى ذلك البيت الذي يلقاك فإن فيه حاجتك هذا بيت خرقاء ذي الرمة فمضيت نحوه فطوحت بالسلام من بعيد فقالت: ادنه فدنوت فقالت: إنك لحضري فمن أنت قلت: من بني تميم - وأنه أحسب أنها لا معرفة لها بالناس - قالت: من أي تميم فأعلمتها فلم تزل تنزلني حتى انتسبت إلى أبي فقالت: الحجاج بن عمير بن يزيد قلت: نعم قالت: رحم الله أبا المثنى! قد كنا نرجو أن يكون خلفاً من عمير بن يزيد قلت: نعم فعاجلته المنية شاباً قالت: حياك الله يا بني وقربك من أين أقبلت قلت: من الحج. قالت: فما لك لم تمر بي وأنا أحد مناسك الحج إن حجك ناقص فأقم حتى تحج أو تكفر بعتق. قلت: وكيف ذلك قالت: أما سمعت قول غيلان عمك:

تمام الحج أن تقف المطايا على خرقاء واضعة اللثام

قال: وكانت وهي قاعدة بفناء البيت كأنها قائمةٌ من طولها بيضاء شهلاء فخمة الوجه. قال: فسألتها عن سنها فقالت: لا أدري إلا أني كنت أذكر شمر بن ذي الجوشن حين قتل الحسين مر بنا وأنا جاريةٌ ومعه كسوة فقسمها في قومه قالت: وكان أبي قد أدرك الجاهلية وحمل فيها حمالات قال: ولما أنشدتني خرقاء بيت ذي الرمة فيها قلت: هيهات يا عمة قد ذهب ذلك منك قالت: لا تقل يا بني أما سمعت قول قحيف في:

وخرقاء لا تزداد إلا ملاحةً ولو عمرت تعمير نوح وجلت

ثم قالت: رحم الله ذا الرمة فقد كان رقيق البشرة عذب المنطق حسن الوصف مقارب الرصف عفيف الطرف فقلت لها: لقد أحسنت الوصف فقالت: هيهات أن يدركه وصفٌ رحمه الله ورحم من سماه اسمه.
فقلت: ومن سماه قالت: سيد بني عدي الحصين بن عبدة بن نعيم ثم أنشدتني لنفسها في ذي الرمة:

لقد أصبحت في فرعي معد مكان النجم في فلك السماء

إذا ذكرت محاسنه تدرت بحار الجود من نحو السمـاء

حصين شاد بإسمك غير شك فأنت غياث محلٍ بالفنـاء

إذا ضنت سحابة ماءٍ مزن تثج بحار جودك بـارتـواء

فقلت: أحسنت يا خرقاء فهل سمع ذلك منك ذو الرمة قالت: إي وربي قلت: فماذا قال قالت: قال: شكر الله لك يا خرقاء نعمةً ربيت شكرها من ذكرها فقالت: أثقلنا حقها ثم قالت: اللهم غفراً هذا في اللفظ ونحتاج إلى العمل.


مع رجل من بني النجار يمر ببيت خرقاء ويحادث ابنتها أخبرني جحظة عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن كناسة عن خيثم بن حجية العجلي قال: حدثني رجل من بني النجار قال: خرجت أمشي في ناحية البادية فمررت على فتاة قائمة على باب بيتٍ فقمت أكلمها فنادتني عجوز من ناحية الخباء: ما يقيمك على هذا الغزل النجدي فوالله ما تنال خيراً منه ولا ينفعك قال: وتقول هي: دعيه يا أماه يكن كما قال ذو الرمة:

وإن لم يكن إلا معرس ساعةٍ قليلاً فإني نافعٌ لي قليلها

فسألت عنهما فقيل لي: العجوز خرقاء ذي الرمة والفتاة بنتها.

ذو الرمة يموت وله أربعون سنة

وتوفي ذو الرمة في خلافة هشام بن عبد الملك وله أربعون سنة. وقد اختلفت الرواة في سبب وفاته.


روايات مختلفة عن وفاته أخبرني علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري عن يعقوب بن السكيت: أنه بلغ أربعين سنة وفيها توفي وهو خارج إلى هشام بن عبد الملك ودفن بحزوى وهي الرملة التي كان يذكرها في شعره.


أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: حدثني ابن أبي عدي قال: قال ذو الرمة: بلغت نصف الهرم وأنا ابن أربعين سنة.
قال ابن سلام: وحدثني أبو الغراف أنه مات وهو يريد هشاماً وقال في طريقه في ذلك:

بلادٌ بها أهلون لست ابن أهلها وأخرى بها أهلون ليس بها أهل

وقال هارون بن محمد بن عبد الملك: حدثني القاسم بن محمد الأسدي قال: حدثني جبر بن رياط قال: أنشد ذو الرمة الناس شعراً له وصف فيه الفلاة بالثعلبية فقال له حلبسٌ الأسدي: إنك لتنعت الفلاة نعتاً لا تكون منيتك إلا بها.


قال: وصدر ذو الرمة على أحد جفري بني تميم وهما على طريق الحاج من البصرة فلما أشرف على البصرة قال:

وإني لعاليها وإني لخائفٌ لما قال يوم الثعلبية حلبس

قال: ويقال: إن هذا آخر شعر قاله. فلما توسط الفلاة نزل عن راحلته فنفرت منه ولم تكن تنفر منه وعليها شرابه وطعامه فلما دنا منها نفرت حتى مات فيقال: إنه قال عند ذلك:

ألا أبلغ الفتيان عني رسالةً أهينوا المطايا هن أهل هوان

فقد تركتني صيدحٌ بمضلةٍ لساني ملتاثٌ من الطـلـوان

قال هارون: وأخبرني أحمد بن محمد الكلابي بهذه القصة وذكر أن ناقته وردت على أهله في مياههم فركبها أخوه وقص أثره حتى وجده ميتاً وعليه خلع الخليفة ووجد هذين البيتين مكتوبين على قوسه.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن الرياشي عن الأصمعي عن أبي الوجيه قال: دخلت على ذي الرمة وهو يجود بنفسه فقلت له: كيف تجدك قال: أجدني والله أجد ما لا أجد أيام أزعم أني ما لم أجد حيث أقول:

كأني غداة الزرق يا مي مدنفٌ يجود بنفسٍ قد أحم حمامها

قال: وكان آخر ما قاله:

يا رب قد أشرفت نفسي وقد علمت علماً يقينـاً لـقـد أحـصـيت آثـاري

يا مخرج الروح من جسمي إذا احتضرت وفارج الكرب زحزحني عن النار

قال أبو الوجيه: وكانت منيته هذه في الجدري وفي ذلك يقول:

الم يأتها أني تلبست بعدها مفوفةً صواغها غير أخرق

نسخت من كتاب هارون بن الزيات: حديثني عبد الوهاب بن إبراهيم الأزدي قال: حدثني جهم بن مسعدة قال: حدثني محمد بن الحجاج الأسدي عن أبيه قال: وردت حجراً وذو الرمة به فاشتكى شكايته التي كانت منها منيته وكرهت أن أخرج حتى أعلم بما يكون في شكاته وكنت أتعهده وأعوده في اليوم واليومين فأتيته يوماً وقد ثقل فقلت: يا غيلان كيف تجدك فقال: أجدني والله يا أبا المثنى اليوم في الموت لا غداة أقول:

كأني غداة الزرق يا مي مدنفٌ يكيد بنفسٍ قد أحم حمامها

فأنا والله الغداة في ذلك لا تلك الغداة.
قال هارون بن الزيات: حدثني موسى بن عيسى الجعفري قال: أخبرني أبي قال: أخبرني رجل من بني تميم قال:

ألفت كلاب الحي حتى عرفنني ومدت نساج العنكبوت على رحلي

قال: ثم قال لمسعود أخيه: يا مسعود: قد أجدني تماثلت وخفت الأشياء عندنا واحتجنا إلى زيارة بني مروان فهل لك بنا فيهم فقال: نعم فأرسله إلى إبله يأتيه منها بلبن يتزوده وواعده مكاناً وركب ذو الرمة ناقته فقمصت به وكانت قد أعفيت من الركوب وانفجرت النوطة التي كانت به. قال: وبلغ موعد صاحبه وجهد وقال: أردنا شيئاً وأراد الله شيئاً وإن العلة التي كانت بي انفجرت. فأرسل إلى أهله فصلوا عليه ودفن برأس حزوى وهي الرملة التي كان يذكرها في شعره.


قبره بالدهناء نسخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي: قال أبو عبيدة وذكر هارون بن الزيات عن محمد بن علي بن المغيرة عن أبيه عن أبي عبيدة عن المنتجع بن نبهان قال: لما احتضر ذو الرمة قال: إني لست ممن يدفن في الغموض والوهاد قالوا: فكيف نصنع بك ونحن في رمال الدهناء قال: فأين أنتم من كثبان حزوى - قال: وهما رملتان مشرفتان على ما حولهما من الرمال - قالوا: فكيف نحفر لك في الرمل وهو هائل قال: فأين الشجر والمدر والأعواد قال: فصلينا عليه في بطن الماء ثم حملنا له الشجر والمدر على الكباش وهي أقوى على الصعود في الرمل من الإبل. فجعلوا قبره هناك وزبروه بذلك الشجر والمدر ودلوه في قبره فأنت إذا عرفت موضع قبره رأيته قبل أن تدخل الدهناء وأنت بالدو على مسيرة ثلاث.


قال هارون: وحدثني محمد بن صالح العدوي قال: ذكر أبو عمرو المرادي: إن قبر ذي الرمة بأطراف عناق من وسط الدهناء مقابل الأواعس وهي أجبل شوارع يقابلن الصريمة صريمة النعام وهذا الموضع لبني سعد ويختلط معهم الرباب.
قال هارون: وحدثني هارون بن مسلم عن الزيادي عن العلاء بن برد قال: ما كان شيءٌ أحب إلى ذي الرمة إذا ورد ماء من أن يطوي ولا يسقي فأخبرني مخبر أنه مر بالجفر وقد جهده العطش قال: فسمعته يقول:

يا مخرج الروح من جسمي إذا احتضرت وفارج الكرب زحزحني عن النار

ثم قضى.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه عن عيسى بن عمر قال: كان ذور الرمة ينشد الشعر فإذا فرغ قال: والله لأكسعنك بشيء ليس في حسابك: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
أخبرني الحسن بن علي ووكيعٌ عن أبي أيوب قال: حدثني أبو معاوية الغلابي قال: كان ذو الرمة حسن الصلاة حسن الخشوع فقيل له: ما أحسن صلاتك! فقال: إن العبد إذا قام بين يدي الله لحقيق أن يخشع.

أخوه مسعود يرثيه

نسخت من كتاب عبيد الله اليزيدي قال: حدثني عبد الرحمن عن عمه عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان مسعود أخو ذي الرمة يمشي معي كثيراً إلى منزلي فقال لي يوماً وقد بلغ قريباً من منزلي: أنا الذي أقول في أخي ذي الرمة:

إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني وليلى كلانا موجعٌ مات وافده

فقلت له: من ليلى فقال: بنت أخي ذي الرمة.

خبر إبراهيم في هذه الأصوات الماخورية

أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن ابن شبة عن إسحاق الموصلي عن أبيه قال: صنعت لحناً فأعجبني وجعلت أطلب له شعراً فعسر ذلك علي فأريت في المنام كأن رجلاً لقيني فقال لي: يا إبراهيم أو قد أعياك شعرٌ لغنائك هذا الذي تعجب به قلت: نعم. قال: فأين أنت من قول ذي الرمة:

ألا يا اسلمى يا دار مي على البلى ولا زال منهلاً بجر عائك القطر

قال: فانتهيت فرحاً بالشعر فدعوت من ضرب علي فغنيته فإذا هو أوفق ما خلق الله فلما عملت هذا الغناء في شعر ذي الرمة نبهت عليه وعلى شعره فصنعت فيه ألحاناً ماخورية منها :

أمنزلتي مي سلامٌ عليكما هل الأزمن اللائي مضين رواجع!

وغنيت بها الهادي فاستحسنها وكاد يطير فرحاً وأمر لكل صوت بألف دينار.