الجزء الثامن عشر - أخبار الأعشى ونسبه

أخبار الأعشى ونسبه

نسبه

الأعشى اسمه عبد الله بن خارجه بن حبيب بن قيس بن عمرو بن حارثة بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة الحصين بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بين جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار: شاعر إسلامي من ساكني الكوفة وكان مرواني المذهب شديد التعصب لبني أمية.

قدومه على عبد الملك

أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا عمي محمد بن عبيد الله عن محمد بن حبيب وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن عمه العباس بن هشام عن أبيه قالا: قدم أعشى بني ربيعة على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك: ما الذي بقي منك قال: أنا الذي أقول:

وما أنا في أمري ولا في خصومتي بمهتضم حقي ولا قارع سـنـي

ولا مسلمٍ مولاي عند جنايةٍ ولا خائفٍ مولاي من شر مـا أجـنـي

وفضلني في الشعر واللب أنني أقول على علمٍ وأعرف من أعـنـي

فأصبحت إذ فضلت مروان وابنه على الناس قد فضلت خير أبٍ وابن

فقال عبد الملك: من يلومني على هذا وأمر له بعشرة آلاف درهم وعشرة تخوت ثياب وعشر فرائض من الإبل وأقطعه ألف جريب وقال له: امض إلى زيد الكاتب يكتب لك بها وأجرى له على ثلاثين عيلاً فأىى زيداً فقال له: ائتني غداً فأتاه فجعل يردده فقال له:

يا زيد يا فداك كل كاتب في الناس بين حاضرٍ وغـائب

هل لك في حق عليك واجب في مثله يرغب كل راغب

وأنت عف طيب المكاسب مبرأ من عيب كـل عـائب

ولستإن كفيتنـي وصـاحـبـيطـول غـدو ورواحٍ دائب

وسدة الباب وعنف الحاجب من نعمةٍ أسديتها بـخـائب

فأبطأ عليه زيد فأتى سفيان بن الأبرد الكلبي فكلمه سفيان فأبطأ عليه فعاد إلى سفيان فقال له:

عد إذ بدأت أبا يحيى فأنت لها ولا تكن حين هاب الناس هيابا

واشفع شفاعة أنفٍ لم يكن ذنباً فإن من شفعاء الناس أذنابـا

يحث عبد الملك على محاربة ابن الزبير

قال محمد بن حبيب: دخل أعشى بني أبي ربيعة على عبد الملك وهو يتردد في الخروج لمحاربة ابن الزبير ولا يجد فقال له: يا أمير المؤمنين ما لي أراك متلوماً ينهضك الحزم ويقعدك العزم وتهم بالإقدام وتجنح إلى الإحجام انقد لبصيرتك وأمض رأيك وتوجه إلى عدوك فجدك مقبل وجده مدبر وأصحابه له ماقتون ونحن لك محبون وكلمتهم مفترقة وكلمتنا عليك مجتمعة والله ما تؤتى من ضعف جنان ولا قلة أعوان ولا يثبطك عنه ناصح ولا يحرضك عليه غاش وقد قلت في ذلك أبياتاً فقال: هاتها فإنك تنطق بلسان ودود وقلب ناصح فقال:

آل الزبير من الخلافة كالتي عجل النتاج بحملها فأحـالـهـا

أو كالضعاف من الحمولة حملت ما لا تطيق فضيعت أحمالها

قوموا إليهم لا تناموا عنهم كم للغواة أطنتمـوا إمـهـالـهـا

إن الخلافة فيكم لا فيهم مازلتم أركـانـهـا وثـمـالـهـا

أمسوا على الخيرات قفلاً مغلقاً فانهض بيمنك فافتتح أقفالهـا

فضحك عبد الملك وقال: صدقت يا أبا عبد الله إن أبا خبيب لقفلٌ دون كل خير ولا نتأخر عن مناجزته إن شاء الله ونستعين الله عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل وأمر له بصلة سنية.

جفاء الحجاج ثم سر بكلامه

قال ابن حبيب: كان الحجاج قد جفا الأعشى واطرحه لحالة كانت عند بشر بن مروان فلما فرغ الحجاج من حرب الجماجم ذكر فتنة ابن الأشعث وجعل يوبخ أهل العراق ويؤنبهم فقال من حضر من أهل البصرة: إن الريب والفتنة بدآ من أهل الكوفة وهم أول من خلع الطاعة وجاهر بالمعصية فقال أهل الكوفة: لا بل أهل البصرة أول من أظهر المعصية مع جرير بن هميان السدوسي إذ جاء مخالفاً من السند. وأكثروا من ذلك فقام أعشى بني أبي ربيعة فقال: أصلح الله الأمير لا براءة من ذنب ولا ادعاء على الله في عصمة لأحد من المصرين قد والله اجتهدوا جميعاً في قتالك فأبى الله إلا نصرك ذلك أنهم جزعوا وصبرت وكفروا وشكرت وغفرت إذ قدرت فوسعهم عفو الله وعفوك فنجوا فلولا ذلك لبادوا وهلكوا فسر الحجاج بكلامه وقال له جميلاً وقال: تهيأ للوفادة إلى أمير المؤمنين حتى يسمع هذا منك شفاهاً انتهى.

اعتذاره للحجاج من رثائه ابن الجارود

أخبرني محم دبن خلف وكيع قال: حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال: بلغ الحجاج أن أعشى بني أبي ربيعة رثى عبد الله بن الجارود فغضب عليه فقال يعتذر إليه:

أبيت كأني من حذار ابن يوسفٍ طريد دمٍ ضاقت عليه المسالك

ولو غير حجاجٍ أراد ظلامتي حمتني من الضيم السيوف الفواتك

وفتيان صدقٍ من ربيعة قصرةً إذا اختلفت يوم اللقاء الـنـيازك

يحامون عن أحسابهم بسيوفهم وأرماحهم واليوم أسـود حـالـك

مدحه عبد الملك بن مروان

أخبرني أبو الحسن الأسدي قال: حدثني أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف عن ابن مؤرج عن أبيه قال: دخل أعشى بني أبي ربيعة على عبد الملك بن مروان فأنشده قوله:

رأيتك أمس خير بني معد وأنت اليوم خيرٌ منـك أمـس

وأنت غداً تزيد الضعف ضعفاً كذاك تزيد سادة عبد شمس

فقال له: من أي بني أبي ربيعة أنت قال: فقلت له: من بني أمامة قال: فإن أمامة ولد رجلين: قيساً وحارثة فأحدهما نجم والآخر خمل. فمن أيهما أنت قال: قلت: أنا من ولد حارثة وهو الذي كانت بكر بن وائل توجته قال: فقام بمخصرةٍ في يده فغمز بها في بطني ثم قال: يا أخا بني أبي ربيعة هموا ولم يفعلوا فإذا حدثتني فلا تكذبني فجعلت له عهداً ألا أحدث قرشياً بكذب أبداً.

مدحه أسماء بن خارجة

أخبرني عمي قال: حدثنا ابن أبي سعد قال: حدثني أحمد بن الهيثم السلمي قال: حدثني أبو فراس محمد بن فراس عن الكبي قال: أتى أعشى بني أبي ربيعة أسماء بن خارجة فامتدحه فأعطاه وكساه فقال:

لأسماء بن خارجة بن حصن على عبء النوائب والغرامه

اقل تعللاً يوماً وبخلاً على السؤال من كعب بن مـامـه

ومصقلة الذي يبتاع بيعاً ربيحاً فوق ناجية بـن سـامـه

قال الكلبي: جعل ناجية رجلاً وهي امرأة لضرورة الشعر.

مدحه سليمان بن عبد الملك

دخل أعشى بني أبي ربيعة على سليمان بن عبد الملك وهو ولي عهد فقال:

أتينا سليمان الأمير نزوره وكان أمـرأً يحـبـى ويكـرم زائره

إذا كنت في النجوى به متفرداً فلا الجود مخليه ولا البخل حاضره

كلا شافعي سؤاله من ضميره على البخل ناهيه وبالجـود آمـره

فأعطاه وأكرمه وأمر كل من كان بحضرتهه من قومه ومواليه بصلته فوصلوه فخرج وقد ملأ يديه.

صوت

نأتك أمامة إلا سؤالاً وإلا خـيالاً يوافـي خـيالا

يوافي مع الليل ميعادها ويأبى مع الصبح إلا زيالا

فذلك يبذل من ودها ولو شهدت لم توات النـوالا

فقد ريع قلبي إذ أعلنوا وقيل أجد الخليط احتمـالا

الشعر لعمرو بن قميئة والغناء لحنين خفيف رمل بالوسطى من رواية أحمد بن يحيى المكي وذكر الهشامي وغيره أنه من منحول يحيى إلى حنين.