الجزء الثامن عشر - نسب العماني وخبره

نسب العماني وخبره

نسبه

اسمه محمد بن ذؤيب بن محجن بن قدامة بن بلهية الحنظلي ثم الدارمي صلبية وقيل له: العماني وهو بصري لأنه كان شديد صفرة اللون وليس هو ولا أبوه من أهل عمان وكان شاعراً راجزاً متوسطاً من شعراء الدولة العباسية ليس من نظراء الشعراء الذين شاهدهم في عصره مثل أشجع وسلم ومروان ولكنه كان لطيفاً داهياً مقبولاً فأفاد بشعره أموالاً جليلة.

يدخل على الرشيد وينشده فيجزل صلته

أخبرني ابن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن جبر بن رياط الأسدي: أن عبد الملك بن صالح أدخل العماني على الرشيد فأنشده:

يا ناعش الجد إذا الجد عثر وجابر العظم إذا العظم انكسر

أنت ربيعي والربيع ينتظر وخير أنواء الربيع ما بـكـر

فقال له الرشيد: إذاً يبكر عليك ربيعنا يا فضل أعطه خمسة آلاف دينار وخمسين ثوباً.
قال إسحاق: قال جبر: لما دخل الرشيد الرقة استقبله العماني فلما بصر به ناداه:

من أرض بغداد تؤم المغربا طابت لنا ريح الجنوب والصبا

ونزل الغيث لنا حتى ربا ما كان من نشزٍ وما تـصـوبـا

فمرحباً ومرحباً ومرحباً فقال له الرشيد: وبك مرحباً يا عماني وأهلاً وأجزل صلته.
ينشد الرشيد أرجوزة طويلة

أثناء قعوده للبيعة لابنه محمد

أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد المعروف بابن الصيدلاني قال: حدثنا محمد بن موسى عن حماد قال: قال العتبي: لما وجه الفضل بن يحيى الوفد من خراسان إلى الرشيد يحضونه على البيعة لابنه محمد قعد لهم الرشيد وتكلم القوم على مراتبهم وأظهروا السرور بما دعاهم إليه من البيعة لابنه وكان فيمن حضر محمد بن ذؤيب العماني فقام بين صفوف القواد ثم أنشأ يقول:

لما أتانا خبرٌ مشهر أغر لا يخفـى عـلـى مـن يبـصـر

جاء به الكوفي والمبصر والراكب المنـجـد والـمـغـور

وللرجال: حسبكم لا تكثروا فاز بها محـمـد فـأقـصـروا

قد كان هذا قبل هذا يذكر في كتب العلم التـي تـسـطـر

فقل لمن كان قديماً يتجر: قد نشر العدل فبيعوا واشـتـروا

وشرقوا وغربوا وبشروا فقد كفى اللـه الـذي يسـتـقـدر

بمنه أفعال ما قد يحذر والسيف عنا مغـمـدٌ مـا يشـهـر

وقلد الأمر الأغر الأزهر نوء السماكين الذي يستـمـطـر

بوجهه إن كان عام أغبـر سـرت بـه أسـرةٌ ومـنـبـر

وابتهج الناس به واستبشروا وهللـوا لـربـهـم وكـبـروا

شكراً ومن حقهم أن يشكروا إذ ثبتت أوتاد مـلـك يعـمـر

من هاشم في حيث طاب العنصر وطاح من كان عليها يزفر

إن بني العباس لم يقصروا إذ نهضوا لملكهـم فـشـمـروا

وعقدوا ونزعوا وأمروا ودبروا فأحـكـمـوا مـا دبـروا

وأوردوا بالحزم ثم أصدروا والحزم رأيٌ مثلـه لا ينـكـر

إذا الرجال في الرجال خيروا يا أيها الخليفة الـمـطـهـر

ما الناس إلا غنم تنشر إن لم تـداركـهـم بـراع يخـطـر

على قواصي طرقها ويستر ويمنـع الـذئب فـلا ينـفـر

فامنن علينا بيدٍ لا تكفر مشهـورةٍ مـا دام زيتٌ يعـصـر

وانظر لنا وخل من لا ينظر واجسر كما كان أبوك يجـسـر

لا خير في مجمجمٍ لا يظهر ولا كتـاب بـيعةٍ لا ينـشـر

وقد تربصت فليس تعذر فليت شعري ما الذي تنـتـظـر!

أأنت قائمٌ به أم تسخر ما لك فـي مـحـمـدٍ لا تـعـذر!

وليت شعري والحديث يؤثر أترقد الليل ونحن نسـهـر!

خوفاً على أمورنا ونضجر والله والله الذي يستـغـفـر

لأن يموت معشرٌ ومعشر خيرٌ لنا من فتـنةٍ تـسـعـر

يهلك فيها دينهم ويوزروا وقد وفى القوم الذين انتصـروا

لصاحب الروم وذاك أصغر منه وهذا البحـر لا يكـدر

وذاكم العلج وهذا الجوهر ينمي به محمـدٌ وجـعـفـر

والخلفاء والنبي الأكبر ونبعةٌ من هاشـمٍ وعـنـصـر

منا ذوي العسرة حتى يوسروا أن الرجال إن ولوها آثروا

ذوي القرابات بها واستأثروا بها وضل أمرهم واستكبروا

والملك لا رحم له فيأصر ذا رحمٍ والناس قد تـغـيروا

فأحكم الأمر وأنت تقدر فمثـل هـذا الأمـر لا يؤخـر

فلما فرغ من أرجوزته قال له الرشيد: أبشر يا عماني بولاية محمد العهد فقال: إي والله يا أمير المؤمنين بشرى الأرض المجدبة بالغيث والمرأة النزور بالولد والمريض المدنف بالبرء قال: ولم ذاك قال: لأنه نسيج وحده وحامي مجده وموري زنده. قال: فما لك في عبد الله قال: مرعى ولا كالسعدان فتبسم الرشيد وقال: قاتله الله من أعرابي ما أعرفه بمواضع الرغبة وأسرعه إلى أهل البذل والعائدة وأبعده من أهل الحزم والعزم والذين لا يستمنح ما لديهم بالثناء أما والله إني لأعرف في عبد الله حزم المنصور ونسك المهدي وعز نفس الهادي ولو أشاء أن أنسبه إلى الرابعة لنسبته إليها.
يرشح القاسم لولاية العهد في أرجوزة

ينشدها للرشيد

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثنا علي بن الحسن الشيباني وأخبرني به محمد بن جعفر عن محمد بن موسى عن حماد عن أبي محمد المطبخي عن علي بن الحسن الشيباني قال: أخبرني أبو خالد الطائي عن جبير بن ضبينة الطائي قال: أخبرني الفضل قال: حضرت الرشيد يوماً وجلس للشعراء فدخل عليه الفضل بن الربيع وخلفه العماني فأدناه الرشيد واستنشده فأنشده أرجوزةً له فيه حتى انتهى إلى هذا الموضع:

قل للإمام المقتدى بأمه: ما قاسمٌ دون مدى ابن أمه

وقد رضيناه فقم فسمه قال: فتبسم الرشيد ثم قال: ويحك! أما رضيت أن أوليه العهد وأنا جالس حتى أقوم على رجلي! فقال له العماني: ما أردت يا أمير المؤمنين قيامك على رجليك إنما أردت قيام العزم قال: فإنا قد وليناه العهد وأمر بالقاسم أن يحضر. ومر العماني في أرجوته يهدر حتى أتى على آخرها وأقبل القاسم فأومأ إليه الرشيد فجلس مع أخويه فقال له: يا قاسم عليك جائزة هذا الشيخ فقد سألنا أن نوليك العهد وقد فعلنا فقال: حكمك يا أمير المؤمنين فقال: وما أنا وهذا! بل حكمك وأمر له الرشيد بجائزة وأمر له القاسم بجائزة أخرى مفردة.


أخبرني محمد بن مزيد قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: دخل محمد بن ذؤيب العماني على أبي الحر التميمي بالبصرة فأطعمه وسقاه وجلله بكساء فقال فيه:

إن أبا الحر لعين الحر يدفع عنا سبرات الـقـر

باللحم والشحم وخبز البر ونطفة مكنونة في الجر

يشربها أشياخنا في السر حتى نرى حديثنا كالدر

ويمدح عبد الملك بن صالح فيثيبه

أخبرني محمد بن مزيد قال: حدثنا حماد عن أبيه قال: قصد العماني عبد الملك بن صالح الهاشمي متوسلاً به إلى الرشيد في الوصول إليه مع الشعراء ومدح عبد الملك بقصيدته التي يقول فيها:

نمته العرانين من هاشمٍ إلى النسب الأوضح الأصرح

إلى نبعةٍ فرعها في السماء ومغرسها سرة الأبطـح

فأدخله عبد الملك إلى الرشيد بالرقة فأنشده:

من أرض بغداد تؤم المغربا طابت لنا ريح الجنوب والصبا

ونزل الغيث لنا حتى ربا ما كان من نشزٍ وما تـصـوبـا

فمرحباً ومرحباً ومرحباً فأعطاه خمسة آلاف دينار وخمسين ثوباً.


يصف طعاماً قدمه له محمد بن سليمان أخبرني عمي والحسين بن القاسم الكوكبي قالا: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله الأزدي عن محمد بن عبد الله العامري القرشي عن العماني الشاعر: أنه تغدى مع محمد بن سليمان بن علي فكان أول ما قدم إليهم فرنيةً في لبن عليها سكر ثم تتابع الطعام فقال له: قل فيما أكلت شعراً تصفه فقال:

جاءوا بفرنى لهم ملبون بات يسقى خالص السـمـون

مصومعٍ أكوم ذي غصون قد حشيت بالسكر المطحون

ولونوا ما شئت من تلوين من بارد الطعام والسـخـين

ومن شراسيف ومن طردين ومن هلامٍ ومصوصٍ جون

ومن إوز فائقٍ سمين ومن دجاجٍ قـيت بـالـعـجـين

وبالخبيص الرطب واللوزين وفكهوا بـعـنـبٍ وتـين

والرطب الأزاذ والهيرون محمـد يا سـيد الـبـنـين

وبكر بنت المصطفى الأمين الصادق المبارك الميمون

وابن ولاة البيت والحجون اسمع لنعتٍ غير ذي تغنـين

يخرج من فن إلى فنون إن الحديث فيك ذو شـجـون

سبب تسميته العماني

أخبرنا الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني أحمد بن أبي كامل قال: حدثني أبو هاشم القيني قال: كان محمد بن ذؤيب العماني الراجز من أهل البصرة ويكنى أبا عبد الله وإنما قيل له العماني لأنه أقبل يوماً وقد خرج من علة ووجهه أصفر فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد الله قد خرجت من هذه العلة كأنك جمل عماني قال: وكانت جمال عمان تحمل الورس من اليمن إلى عمان فتصفر قال: وهو من بني تميم ثم من بني فقيم.

يمدح عيسى بن موسى فيصله

قال: فقدم على عيسى بن موسى فلما وصل إليه أنشده مديحاً له وفد إليه به فاستحسنه ووصله واقتطعه إليه وخصه وجعله في جلسائه فقال العماني فيه:

ما كنت أدري ما رخاء العيش ولا لبست الوشي بعد الخيش

حتى تمدحت فتى قريش عيسى وعيسى عند وقت الهـيش

حين يخف غيره للطيش زين المقيمـين وعـز الـجـيش

راش جناحي وفوق الريش

ينشد الرشيد قصيدة أثناء حصاره هرقلة

يذكر فيها بغداد

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني أحمد بن علي بن أبي نعيم قال: حدثنا موسى بن صبيح المروزي قال: خرج الرشيد غازياً بلاد الروم فنزل بهرقلة ونصب الحرب عليها فدخل عليه العماني وهو يذكر بغداد وطيبها وما فيه أهلها من النعمة فأنشده العماني قصيدة له في هذا المعنى يذكر فيها طيب العيش ببغداد وسعة النعم وكثرة اللذات يقول فيها:

وبعبيطٍ ليس بالملهوج فدق دق الكـودنـي الـديرج

حتى ملا أعفاج بطنٍ نفج وقال للقينة: صبي وامزجي

قال: فوهب له على القصيدة ثلاثين ألف درهم.


ابن جامع يغني شعراً في ضرب هرقلة ثم دخل إليه ابن جامع وقد أمر الرشيد أن يوضع الكبريت والنفط الأبيض على الحجارة وتلف بالمشاقة وتوقد فيها النار ثم توضع في كفة المنجنيق ويرمى بها السور ففعلوا ذلك وكانت النار تثبت في السور وتصدعه حتى طلبوا الأمان حينئذ فغناه ابن جامع وقال:

هوت هرقلة لما أن رأت عجباً حوائماً ترتمي بالنفط والنار

كأن نيراننا في جنب قلعتهم مصبغاتٌ على أرسان قصـار

فأمر له بثلاثين ألف درهم أخرى.

يرتجل شعراً في فرسٍ للمهدي فيجيزه

أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني أبو هفان قال: حدثني أحمد بن سليمان قال: قال يزيد بن عقال: كنا وقوفاً والمهدي قد أجرى الخيل فسبقها فرسٌ له يقال له الغضبان فطلب الشعراء فلم يحضر أحدٌ منهم إلا أبو دلامة فقال له: قلده يا زند فلم يفهم ما أراد فقلده عمامته فقال له المهدي: يابن اللخناء أنا أكثر عمائم منك إنما أردت أن تقلده شعراً ثم قال: يا لهفي على العماني فلم يتكلم بها حتى أقبل العماني فقيل له: ها هو ذا قد أقبل الساعة يا أمير المؤمنين فقال: قدموه فقدموه فقال: قلد فرسي هذا فقال غير متوقف:

قد غضب الغضبان إذ جد الغضب وجاء يحمي حسباً فوق الحسب

من إرث عباس بن عبد المطلب وجاءت الخيل به تشكو التعـب

له عليها ما لكم على العرب فقال له المهدي: أحسنت والله وأمر له بعشرة آلاف درهم.

صوت

لقد علمت وما الإسراف من خلقي أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى له فيعنيني تطلبـه ولـو قـعـدت أتـانـي لا يعـنـينـي

الشعر لعروة بن أذينة والغناء لمخارق ثقيل أول بالبنصر عن عمرو.