الجزء التاسع عشر - ذكر أبي محجن ونسبه

بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء التاسع عشر

ذكر أبي محجن ونسبه

نسبه

أبو محجن عبد الله بن حبيب بن عمر بن عمير بن عوف بن عقدة بن عنزة بن عوف بن قسي وهو ثقيف، وقد مضى نسبه في عدة مواضع.
وأبو محجن من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وهو شاعر فارس شجاع معدود في أولي البأس والنجدة، وكان من المعاقرين للخمر المحدودين في شربها.

نفاه عمر بجزيرة حضوضي مع ابن جهراء

ففر منه.

أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا محمد بن الحسن الأحول، عن ابن الأعرابي، عن المفضل، قال: لما كثر شرب أبي محجن الخمر، وأقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليه الحد مراراً وهو لا ينتهي، نفاه إلى جزيرة في البحر يقال لها حضوضى ، وبعث معه حرسياً يقال له ابن جهراء، فهرب منه على ساحل البحر، ولحق بسعد بن أبي وقاص، وقال في ذلك يذكر هربه من ابن جهراء:

الحمد لله نجـانـي وخـلـصـنـي

 

من ابن جهراء والبوصي قد حبسـا

من يجشم البحر والبوصي مركـبـه

 

إلى حضوضى فبئس المركب التمسا

أبلغ لديك أبا حفـص مـغـلـغـلة

 

عبد الإله إذا ما غار أو جـلـسـا

أني أكر على الأولـى إذا فـزعـوا

 

يوماً وأحبس تحت الراية الفـرسـا

أغشى الهياج وتغشاني مضـاعـفة

 

من الحديد إذا ما بعضهم خـنـسـا

أحب الشموس الأنصارية فشكاه زوجها لعمر

هذه رواية ابن الأعرابي عن المفضل، قال ابن الأعرابي: وحدثني ابن دأب بسبب نفي عمر إياه، فذكر أن أبا محجن هوي امرأة من الأنصار يقال لها شموس، فحاول النظر إليها بكل حيلة، فلم يقدر عليها، فآجر نفسه من عامل يعمل في حائط إلى جانب منزلها، فأشرف من كوة في البستان، فرآها فأنشأ يقول:

وقد نظرت إلى الشموس ودونها

 

حرج من الرحمن غير قلـيل

قد كنت أحسبني كأغنى واحـد

 

ورد المدينة عن زراعة فـول

رجع إلى حديث فراره من ابن جهراء

فاستعدى زوجها عليه عمر بن الخطاب، فنفاه إلى حضوضى، وبعث معه رجلاً يقال له ابن جهراء قد كان أبو بكر رضي الله عنه يستعين به، قال له عمر: لا تدع أبا محجن يخرج معه سيفاً، فعمد أبو محجن إلى سيفه فجعل نصله في غرارة وجعل جفنة في غرارة أخرى، فيهما دقيق له.


فلما انتهى به إلى الساحل وقرب البوصي اشترى أبو محجن شاة وقال لابن جهراء: هلم نتغد ووثب إلى الغرارة كأنه يخرج منها دقيقاً فأخذ السيف، فلما رآه ابن جهراء والسيف في يده خرج يعدو حتى ركب بعيره راجعاً إلى عمر، فأخبر الخبر.

قاتل العجم يوم أرماث

بعد أطلقته امرأة سعد بن أبي وقاص

وأقبل أبو محجن إلى سعد بن أبي وقاص وهو يقاتل العجم يوم القادسية، وبلغ عمر خبره، فكتب إلى سعد بحبسه، فلما كان يوم أرماث ؛ والتحم القتال سأل أبو محجن امرأة سعد أن تعطيه فرس سعد وتحل قيده ليقاتل المشركين، فإن استشهد فلا تبعة عليه، وإن سلم عاد حتى يضع رجله في القيد، فأعطته الفرس، وخلت سبيله، وعاهدها على الوفاء، فقاتل فأبلى بلاء حسناً إلى الليل، ثم عاد إلى حبسه.


حدثني بهذا الحديث عمي عن الخزاز، عن المدائني، عن إبراهيم بن حكيم، عن عاصم بن عروة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غرب رجلاً من ثقيف وهو أبو محجن، وكان يدمن الخمر وأمر ابن جهراء النصري ورجلاً آخر أن يحملاه في البحر، وذكر الخبر مثل الذي قبله، وزاد فيه: وقال أبو محجن أيضاً:

صاحبا سوء صحبتهما

 

صاحباني يوم ارتحل

ويقولان: ارتحل معنا

 

فأنادي : إنني ثمـل

إنني باكرت متـرعة

 

مزة راووقها خضل

الغناء في البيتين الأخيرين لنشو خفيف رمل وأوله:

ويقولان اصطبح معنا

قال الأصبهاني: وهذه القصة كانت لأبي محجن في يوم من أيام حرب القادسية يقال له: يوم أرماث، وكانت أيامها المشهورة يوم أغواث ويوم أرماث ويوم الكتائب وخبرها يطول جداً؛ وليس في كلها كان لأبي محجن خبر، وإنما ذكرنا ها هنا خبره، فذكرنا منها مان كان اتصاله بخبر أبي محجن.


حدثنا بذلك محمد بن جرير الطبري، قال: كتب إلي السري بن يحيى؛ ذكر عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن طلحة وزياد وابن مخراق، عن رجل من طيء قال: لما كان يوم الكتائب اقتتل المسلمون والفرس منذ أصبحوا إلى أن انتصف النهار، فلما غابت الشمس تزاحف الناس فاقتتلوا حتى انتصف الليل؛ وهذه الليلة التي كان في صبيحتها يوم أرماث، وقد كان المسلمون يوم أغواث أشرفوا على الظفر وقتلوا عامة أعلام الفرس، وجالت خيلهم في القلب، فلولا أن رجلهم ثبتوا حتى كرت الخيل لكان رئيسهم قد أخذ؛ لأنه كان ينزل عن فرسه؛ ويجلس على سريره، ويأمر الناس بالقتال؛ قالوا: فلما انتصف الليل تحاجز الناس، وبات المسلمون ينتمون منذ لدن أمسوا.


وسمع ذلك سعد فاستلقى لينام، وقال لبعض من عنده: إن تم الناس على الانتماء فلا توقظني فإنهم أقوياء على عدوهم؛ وإن سكتوا وسكت العدو فلا تنبهني فإنهم على السواء؛ وإن سمعت العدو ينتمون وهؤلاء سكوت فأنبهني فإن انتماء العدو من السوء.


قالوا: ولما اشتد القتال في تلك الليلة، وكان أبو محجن قد حبسه سعد بكتاب عمر، وقيده فهو في القصر، صعد أبو محجن إلى سعد يستغفيه ويستقيله، فزبره ورده، فنزل فأتى سلمى بنت أبي حفصة فقال: يا بنت آل حفصة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلين عني وتعيرينني البلقاء، فلله علي إن سلمني الله أن أرجع إلى حضرتك حتى تضعي رجلي في قيدي. فقالت: وما أنا وذاك؟ فرجع يرسف في قيوده ويقول:

كفى حزناً أن تردي الخيل بالقنـا

 

وأترك مشدوداً علـي وثـاقـيا

إذا قمت عناني الحديد وغلـقـت

 

مصاريع من دوني تصم المنـاديا

وقد كنت ذا مال كثـيرة وإخـوة

 

فقد تركوني واحداً لا أخـا لـيا

وقد شف جسمي أنني كل شـارق

 

أعالج كبلاً مصمتاً قـد بـرانـيا

فلله دري يوم أتـرك مـوثـقـاً

 

وتذهل عني أسرتي ورجـالـيا

حبسياً عن الحرب العوان وقد بدت

 

وإعمال غيري يوم ذاك العوالـيا

ولله عهـد لا أخـيس بـعـهـده

 

لئن فرجت ألا أزور الحـوانـيا

فقالت له سلمى: إني قد استخرت الله ورضيت بعهدك، فأطلقته وقالت: أما الفرس فلا أعيرها، ورجعت إلى بيتها، فاقتادها أبو محجن وأخرجها من باب القصر الذي يلي الخندق، فركبها ذم دب عليها، حتى إذا كان بحيال الميمنة، وأضاء النهار، وتصاف الناس، كبر، ثم حمل على ميسرة القوم فلعب برمحه وسلاحه بين الصفين، ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب فبدر أمام الناس، فحمل على القوم فلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، وكان يقصف الناس ليلتئذ قصفاً منكراً؛ فعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه بالأمس، فقال بعض القوم: هذا من أوائل أصحاب هشام بن عتبة أو هشام بنفسه. وقال قوم: إن كان الخضر يشهد الحروب فهو صاحب البلقاء. وقال آخرون: لولا أن الملائكة لا تباشر القتال ظاهراً لقلنا هذا ملاك بيننا؛ وجعل سعد يقول -وهو مشرف ينظر إليه-: الطعن طعن أبي محجن، والضبر ضبر البلقاء . ولولا محبس أبي محجن لقلت: هذا أبو محجن وهذه البلقاء، فلم يزل يقاتل حتى انتصف الليل، فتحاجز أهل العسكرين وأقبل أبو محجن حتى دخل القصر، ووضع عن نفسه ودابته، وأعاد رجليه في القيد، وأنشأ يقول:

لقد علمت ثقيف غير فخـر

 

بأنا نحن أكرمهـم سـيوفـا

وأكثرهم دروعاً سابـغـات

 

وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا

وأنا رفدهـم فـي كـل يوم

 

فإن جحدوا فسل بهم عريفا

وليلة قادس لم يشعروا بـي

 

ولم أكره بمخرجي الزحوفا

فإن أحبس فقد عرفوا بلائي

 

وإن أطلق أجرعهم حتوفـا

فقالت له سلمى: يا أبا محجن؛ في أي شيء حبسك هذا الرجل؟ فقال: أما والله ما حبسني بحرام أكلته ولا شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية وأنا امرؤ شاعر يدب الشعر على لساني فينفثه أحياناً، فحبسني لأني قلت:

إذا مت فادفني إلى أصل كـرمة

 

تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنني في الفـلاة فـإنـنـي

 

أخاف إذا ما مـت ألا أذوقـهـا

ليروى بخمر الحص لحمي فإنني

 

أسير لها من بعد ما قد أسوقهـا

سعد بن أبي وقاص يعلم خبر إطلاقه وصدق قتاله فيفرج عنه قال: وكانت سلمى قد رأت في المسلمين جولة، وسعد بن أبي وقاص في القصر لعلة كانت به، لم يقدر معها على حضور الحرب، وكانت قبله عند المثنى بن حارثة الشيباني! فلما قتل خلف عليها سعد، فلما رأت شدة اليأس صاحت: وامثنياه ولا مثنى لي اليوم، فلطمها سعد، فقالت: أف لك، أجبناً وغيرة؟ وكانت مغاضبة لسعد عشية أرماث وليلة الهدأة وليلة السواد، حتى إذا أصبحت أتته وصالحته، وأخبرته خبر أبي محجن، فدعا به وأطلقه وقال: اذهب فلست مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله، قال: لا جرم، والله إن لا أجبت لساني إلى صفة قبيح أبداً.


خرج مع سعد لحرب الأعاجم أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وحبيب بن نصر المهلبي، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن حاتم، قال: حدثنا محمد بن حازم، قال: حدثنا عمرو بن المهاجر، عن إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه، وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثنا محمد بن الحسن بن دينار مولى بني هاشم، عن ابن الأعرابي عن المفضل، وروايته أتم، قالوا: كان أبو محجن الثقفي فيمن خرج مع سعد بن أبي وقاص لحرب الأعاجم فكان سعد يؤتى به شارباً فيتهدده فيقول له: لست تاركها إلا لله عز وجل؛ فأما لقولك فلا. قالوا: فأتي به يوم القادسية وقد شرب الخمر؛ فأمر به إلى القيد، وكانت بسعد جراحة فلم يخرج يومئذ إلى الناس؛ فاستعمل على الخيل خالد بن عرفطة، فلما التقى الناس قال أبو محجن:

كفى حزناً أن تردي الخيل بالقنا

 

وأترك مشدوداً علي وثـاقـيا

يقسم على ألا يشرب الخمر بعد أن عفا عنه سعد وذكر والأبيات وسائر خبره مثل ما ذكره محمد بن جرير، وزاد فيه: فجاءت زبراء امرأة سعد -هكذا قال: والصحيح أنها سلمى- فأخبرت سعداً بخبره؛ فقال سعد: أما والله لا أضرب اليوم رجلاً أبلى الله المسلمين على يده ما أبلاهم، فخلى سبيله، فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ كان الحد يقام علي وأطهر منها، فأما إذ بهرجتني فلا والله لا أشربها أبداً. وقال ابن الأعرابي في خبره: وقال أبو محجن في ذلك:

إن كانت الخمر قد عزت وقد منعت

 

وحال من دونها الإسلام والحـرج

فقد أباكرها صرفـاً وأمـزجـهـا

 

رياً وأطرب أحـيانـاً وأمـتـزج

وقد تقوم على رأسـي مـنـعـمة

 

خود إذا رفعت في صوتها غنـج

ترفع الصوت أحياناً وتخـفـضـه

 

كما يطم ذباب الروضة الـهـزج

يرد على امرأة ظنت أنه فر من المعركة أخبرني الجوهري والمهلبي قال: حدثنا عمر بن شبة وقال: لما انصرف أبو محجن ليعود إلى محبسه رأته امرأة فظنته منهزماً؛ فأنشأت تعيره بفراره:

من فارس كره الطعان يعيرني

 

رمحاً إذا نزلوا بمن الصفـر

فقال لها أبو محجن:

إن الكرام على الجياد مبيتـهـم

 

فدعي الرماح لأهلها وتعطري

يرثي أبا عبيد بعد أن قتله الفيل

وذكر السري، عن شعيب، عن سيف في خبره، ووافقته رواية ابن الأعرابي عن المفضل: أن الناس لما التقوا مع العجم يوم قس الناطف، كان مع الأعاجم فيل يكر عليهم؛ فلا تقوم له الخيل؛ فقال أبو عبيد بن مسعود: هل له مقتل؟ فقيل له: نعم؛ خرطومه إلا أنه لا يفلت منه من ضرب؛ قال: فأنا أهب نفسي لله، وكمن له حتى إذا أقبل وثب إليه فضرب خرطومه بالسيف؛ فرمى به، ثم شد عليه الفيل فقتله، ثم استدار فطحن الأعاجم وانهزموا، فقال أبو محجن الثقفي يرثي أبا عبيد:

أنى تسـدت نـحـونـا أم يوسـف

 

ومن دون مسراها فياف مجاهـل

إلى فتية بالطف نيلت سـراتـهـم

 

وغودر أفراس لـهـم ورواحـل

وأضحى أبو جبر خـلاء بـيوتـه

 

وقد كان يغشاها الضعاف الأرامل

وأضحى بنو عمرو لدى الجسر منهم

 

إلى جانب الأبـيات جـود ونـائل

وما لمت نفسي فيهم غـير أنـهـا

 

لها أجل لم يأتهـا وهـو عـاجـل

وما رمت حتى خرقوا بسلاحـهـم

 

إهابي وجادت بالدمـاء الأبـاجـل

وحتى رأيت مهـرتـي مـزوئرة

 

من النبل يدمى نحرها والشواكـل

وما رحت حتى كنـت آخـر رائح

 

وصرع حولي الصالحون الأماثـل

مررت على الأنصار وسط رحالهم

 

فقلت: ألا هل منكم اليوم قـافـل؟

وقربت رواحاً وكوراً ونـمـرقـاً

 

وغودر في ألـيس بـكـر ووائل

ألا لعـن الـلـه الـذين يسـرهـم

 

رداي وما يدرون ما الله فـاعـل

يقسم أن لا يشرب الخمر أبداً

قال الأخفش في روايته، عن الأحول، عن ابن الأعرابي، عن المفضل: قال أبو محجن في تركه الخمر:

رأيت الخمر صالحة وفيها

 

مناقب تهلك الرجل الحليما

فلا والله أشربها حـياتـي

 

ولا أسقي باه أبداً نـديمـا

معاوية وابن أبي محجن

أخبرني عمي قال: حدثنا محمد بن سعد الكراني قال: حدثنا العمري، عن لقيط، عن الهيثم بن عدي. وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه، وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قالوا: دخل ابن أبي محجن على معاوية، فقال له: أليس أبوك الذي يقول:

إذا مت فادفني إلى أصل كـرمة

 

تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنني بالـفـلاة فـإنـنـي

 

أخاف إذا ما مـت ألا أذوقـهـا

فقال ابن أبي محجن: لو شئت لذكرت ما هو أحسن من هذا من شعره؛ قال: وما ذاك؟ قال: قوله:

لا تـسـألـي الـنـاس عـن مـالـي وكـثـــرتـــه

 

وسـائلـي الـنـاس مـا فـعـلـي ومـا خـلـقـــي

أعـطـي الـسـنـان غـداة الـروع حــصـــتـــه

 

وعـامـل الـرمـح أرويه مــن الـــعـــلـــق

وأطـعـن الـطـعـنة الـنـجـلاء عـــن عـــرض

 

وأحـفـظ الـسـر فـيه ضــربة الـــعـــنـــق

عف المطالب عما لست نائلهوإن ظلرمت شديد الحق والحنق

 

 

وقد أجود وما لي بذي فنع

 

وقـد أكـر وراء الـمـحـــجـــر الـــبـــرق

والـقـوم أعـلـم أنـي مـــن ســـراتـــهـــم

 

إذا سـمـا بـصـر الـرعــديدة الـــشـــفـــق

قد يعـسـر الـمـرء حـينـــاً وهـــو ذو كـــرم

 

وقـد يثـوب سـوام الـعـاجــز الـــحـــمـــق

سيكـثـر الـمـال يومـاً بـعـــد قـــلـــتـــه

 

ويكـتـسـي الـعـود بـن الـيبــس بـــالـــورق

فقال معاوية: لئن كنا أسأنا لك القول لنخسنن لك الصفد ، ثم أجزل جائزته وقال: إذا ولدت النساء فلتلد ملك!.

عمر بن الخطاب يحده وجماعة

من أصحابه في شربهم الخمر

أخبرني الحسن بن علي وعيسى بن الحسين الوراق، قالا: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني صالح بن عبد الرحمن الهاشمي، عن العمري، عن العتبي، قال: أيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجماعة فيهم أبو محجن الثقفي وقد شربوا الخمر، فقال: أشربتم الخمر بعد أن حرمها الله ورسوله، فقالوا: ما حرمها الله ولا رسوله؛ إن الله تعالى يقول: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) ؛ فقال عمر لأصحابه: ما ترون فيهم؟ فاختلفوا فيهم فبعث إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فشاوره؛ فقال علي: إن كانت هذه الآية كما يقولون فينبغي أن يستحلوا الميتة والدم ولحم الخنزير؛ فسكتوا، فقال عمر لعلي: ما ترى فيهم؟ قال: أرى إن كانوا شربوها مستحلين لها أن يقتلوا، وإن كانوا شربوها وهم يؤمنين أنها حرام أن يحدوا، فسألهم؛ فقال: والله ما شككنا في أنها حرام، ولكنا قدرها أن لنا نجاة فيما قلناه، فجعل يحدهم رجلاً رجلاً، وهم يخرجون حتى انتهى إلى أبي محجن، فلما جلده أنشأ يقول:

ألم تر أن الدهر يعثر بالـفـتـى

 

ولا يستطيع المرء صرف المقادر

صبرت فلم أجزع ولم أك كـائعـاً

 

لحادث دهر في الحكومة جـائر

وإني لذو صبر وقد مات إخوتـي

 

ولست عن الصهباء يوماً بصابـر

رماها أمير المؤمنين بحتـفـهـا

 

فخلانها يبكون حول المعـاصـر

فلما سمع عمر قوله:

ولست عن الصهباء يوماً بصابر

قال: قد أبديت ما في نفسك ولأزيدنك عقوبة لإصرارك على شرب الخمر؛ فقال له علي عليه السلام: ما ذلك لك، وما يجوز أن تعاقب رجلاً قال: لأفعلن وهو لم يفعل، وقد قال الله في سورة الشعراء: (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) ، فقال عمر: قد استثنى الله منهم قوماً فقال: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) . فقال علي عليه السلام: أفهؤلاء عندك منهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يشرب العبد الخمر حين يشربها وهو مؤمن).

قبره في أذربيجان نبتت عليه كرمة

أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس، قال: حدثنا العمري، عن الهيثم بن عدي، قال: أخبرني من مر بقبر أبي محجن الثقفي في نواحي أذربيجان -أو قال في نواحي جرجان- فرأيت قبره وقد نبتت عليه ثلاثة أصول كرم قد طالت وأثمرت وهي معروشة، وعلى قبره مكتوب: هذا قبر أبي محجن الثقفي، فوقفت طويلاً أتعجب مما اتفق له حتى صار كأمنية بلغها حيث يقول:

إذا مت فادفني إلى أصل كـرمة

 

تروي عظامي بعد موتي عروقها

صوت

ألا يا لقومي لا أرى النجم طالعاً

 

ولا الشمس إلا حاجبي بيمينـي

معزيتي خلف القفا بعمـودهـا

 

فجل نكيري أن أقول ذرينـي

أمين على أسرارهن وقـد أرى

 

أكون على الأسرار غير أمين

فللموت خير من حداج موطـأ

 

مع الظعن لا يأتي المحل لحين

عروضه من الطويل؛ والمعزية: امرأة تكون مع الشيخ الخرف تكلؤه. وقوله: أمين على أسرارهن.

أي أن النساء صرن يتحدثن بين يدي بأسرارهن، ويفعلن ما كن قبل ذلك يرهبنني فيه؛ لأني لا أضرهن. والحداج والحذج: مركب من مراكب النساء.

الشعر لزهير بن جناب الكلبي، والغناء لأهل مكة، ولحنه من خفيف الثقيل الأول بالوسطى عن الهشامي وحبش، وفيه لحنين ثاني ثقيل بالوسطى.