الجزء التاسع عشر - أخبار زهير بن جناب ونسبه

أخبار زهير بن جناب ونسبه

نسبه

زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
شاعر جاهلي،وهو أحد المعمرين، وكان سيد بني كلب وقائدهم في حروبهم، وكان شجاعا مظفرا ميمون النقيبة في غزواته، وهو أحد من مل عمره فشرب الخمر صرفا حتى قتلته.
ولم يوجد شاعر في الجاهلية والإسلام ولد من الشعراء أكثر ممن ولد زهير، وسأذكر أسماءهم وشيئا من شعرهم بعقب ذكر خبره إن شاء الله تعالى.

سبب غزوه غطفان

قال ابن الأعرابي: كان سبب غزوة زهير بن جناب غطفان أن بني بغيض حين خرجوا من تهامة ساروا بأجمعهم، فتعرضت لهم صداء وهي قبيلة من مذحج، فقاتلوهم وبنو بغيض سائرون بأهليهم ونسائهم وأموالهم، فقاتلوا عن حريمهم فظهروا على صداء فأوجعوا فيهم ونكأوا ، وعزت بنو بغيض بذلك وأثرت وأصابت غنائم؛ فلما رأوا ذلك قالوا: أما والله لنتخذن حرما مثل حرم مكة لا يقتل صيده، ولا يعضد شجره، ولا يهاج عائذه ، فوليت ذلك بنو مرة بن عوف.


ثم كان القائم على أمر الحرم وبناء حائطه رياح بن ظالم، ففعلوا ذلك وهم على ماء لهم يقال له بس وبلغ فعلهم وما أجمعوا عليه زهير بن جناب وهو يومئذ سيد بني كلب؛ فقال: والله لايكون ذلك أبدا وأنا حي، ولا أخلي غطفان تتخذ حرما أبدا.
قبل فارسهم الأسير ورد نساءهم وقال شعرا في ذلك.


فنادى في قومه فاجتمعوا إليه فقام فيهم، فذكر حال غطفان وما بلغه عنها؛ وأن أكرم مأثرة يعتقدها هو وقومه أن يمنعوهم من ذلك وحولوا بينهم، فأجابوه، واستمد بني القين من جشم فأبعوا أن يغزوا معه، فسار في قومه حتى غزا غطفان؛ فقاتلهم فظفر بهم زهير وأصاب حاجته فيهم، وأخذ فارسا منهم أسيرا في حرمهم الذي بنوه، فقال لبعض أصحابه: اضرب رقبته، فقال، إنه بسل فقال زهير: وأبيك ما بسل علي بحرام.


ثم قام إليه فضرب عنقه وعطل ذلك الحرم؛ ثم من على غطفان ورد النساء واستاق الأموال؛ وقال زهير في ذلك:

ولم تصبر لنا غطفـان لـمـا

 

تلاقينا وأحـرزت الـنـسـاء

فلولا الفضل منا ما رجعـتـم

 

إلى عذراء شيمتهـا الـحـياة

وكم غادرتـم بـطـلا كـمـيا

 

لدى الهيجاء كان لـه غـنـاء

فدونكم ديونا فـاطـلـبـوهـا

 

وأوتارا ودونـكـم الـلـقـاء

فإنا حيث لانخفـي عـلـيكـم

 

ليوث حين يحتضـر الـلـواء

فخلى بعدها غطـفـان بـسـا

 

وما غطفان والأرض الفضاء!

فقد أضحى لحي بني جـنـاب

 

فضاء الأرض والماء الـرواء

ويصدق طعننـا فـي كـل يوم

 

وعند الطعن يختبر الـلـقـاء

نفينا نـخـوة الأعـداء عـنـا

 

بأرماح أسنـتـهـا ظـمـاء

ولولا صبرنا يوم الـتـقـينـا

 

لقينا مثل ما لـقـيت صـداء

غداة تعرضوا لبنـي بـغـيض

 

وصدق الطعن للنوكى شفـاء

وقد هربت حذار الموت قـين

 

على آثار من ذهب العـفـاء

وقد كنـا رجـونـا أن يمـدوا

 

فأخلفنا من أخوتنـا الـرجـاء

وألهى القين عن نصر الموالي

 

حلاب النيب والمرعى الضراء

طعنه ابن زيابة وظن أنه مات فحمل إلى قومه وعوفي وقال أبو عمرو الشيباني: كان أبرهة حين طلع نجدا أتاه زهير بن جناب، فأكرمه أبرهة وفضله على من أتاه من العرب، ثم أمره على ابني وائل: تغلب وبكر، فوليهم حتى أصابتهم سنة شديدة، فاشتد عليهم ما يطلب منهم زهير، فأقام بهم زهير في الجدب، ومنعهم من النجعة حتى يؤدوا ما عليهم، فكادت مواشيهم تهلك. فلما رأى ذلك ابن زيابه-أحد بني تيم الله بن ثعلبة، وكان رجلا فاتكا-بيت زهيرا وكان نائما في قبة له من أدم، فدخل فألفى زهيرا نائما، وكان رجلا عظيم البطن، فاعتمد التيمي بالسيف على بطن زهير حتى أخرجه من ظهره مارقا بين الصفاق، ولمت أعفاج بطنه ، وظن التيمي أنه قد قتله، وعلم زهير أنه قد سلم، فتخوف أن يتحرك فيجهز عليه، فسكت. وانصرف ابن زيابة إلى قومه، فقال لهم: قد-والله-قتلت زهيرا وكفيتكموه، فسرهم ذلك. ولما علم زهير أنه لم يقدم عليه إلا عن ملأمن قومه بكر وتغلب- وإنما مع زهير نفر من قومه بمنزلة الشرط-أمر زهير قومه فغيبوه بين عمودين في ثياب ثم أتوا القوم فقالوا لهم: إنكم قد فعلتم بصاحبنا ما فعلتم، فأذنوا لنا في دفنه، ففعلوا.


شعر ابن زيابة في نبو سيفه عنه فحملوا زهيرا ملفوفا في عمودين والثياب عليه، حتى إذا بعدوا عن القوم أخرجوه فلففوه في ثيابه، ثم حفروا حفيرة وعمقوا، ودفنوا فيها العمودين، ثم ساروا ومعهم زهير، فلما بلغ زهير أرض قومه جمع لبكر وتغلب الجموع، وباغهم أن زهيرا حي، فقال ابن زيابة:

طعنة ما طعنت في غبش اللي

 

ل زهيرا وقد توافى الخصوم

حين تجبي له المواسم بـكـر

 

أين بكر، وأين منها الحلـوم!

خانني السيف إذ طعنت زهيرا

 

وهو سيف مضلل مـشـؤوم

غزا بكرا وتغلب وشعره في ذلك

قال: وجمع زهير بني كلب ومن تجمع له من شذاذ العرب والقبائل ، ومن أطاعه من أهل اليمن، فغزا بكرا وتغلب ابني وائل، وهم على ماء يقال له الحبي ، وقد كانوا نذروا به، فقاتلهم قتالا شديدا، ثم انهزمت بكر وأسلمت بني تغلب، فقاتلت شيئا من قتال ثم انهزمت، وأسر كليب ومهلهل ابنا ربيعة، واستيقت الأموال، وقتلت كلب في تغلب قتلى كثيرة، وأسروا جماعة من فرسانهم ووجوههم، وقال زهير بن جناب في ذلك:

تبـا لـتـغـلـب أن تـسـاق نـســاؤهـــم

 

سوق الإمـاء إلـى الـمـواسـم عــطـــلا

لحـقـت أوائل خـيلـنـا سـرعـانـــهـــم

 

حتى أسـرن عـلـى الـحـبـي مـهـلـهـلا

إنامهلهلما تطيش رماحناأيام تنقف في يديك الحنظلا

 

 

ولت حماتك هاربين من الوغى

 

وبـقـيت فـي حـلـق الـحـديد مـكـبــلا

فلـئن قـهـرت لـقـد أسـرتـك عــنـــوة

 

ولـئن قـتـلـت لـقـد تـكـون مـؤمـــلا

وقال أيضا يعير بني تغلب بهذه الواقعة في قصيدة أولها:

حي دارا تغيرت بالجنـاب

 

اقفرت من كواعب أتراب

يقول فيها:

أين أين الفرار من حذر الـمـو

 

ت وإذ يتـقـون بـالأسـلاب!

إذ أسرنا مـهـلـهـلا وأخـاه

 

وابن عمرو في القد وابن شهاب

وسبينا من تغلب كـل بـيضـا

 

ء رقود الضحى برود الرضاب

يوم يدعو مهلهـل بـالـبـكـر

 

ها أهذي حفيظة الأحـسـاب !

ويحكم ويحكم أبيح حمـامـكـم

 

يا بني تغلب أما من ضـراب!

وهم هاربـون فـي كـل فـج

 

كشريد النعام فوق الـروابـي

واستدارت رحى المنايا علـيهـم

 

بليوث من عـامـر وجـنـاب

طحنتهم أرحاؤهـا بـطـحـون

 

ذات ظـفـر حـديدة الأنـياب

فهم بـين هـارب لـيس يألـو

 

وقتيل معفـر فـي الـتـراب

فضل العز عزنا حين نسـمـو

 

مثل فضل السماء فوق السحاب

وفد مع أخيه حارثة أحد ملوك غسان

أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثنا عمي، عن ابن الكلبي، عن أبيه، قال: وفد زهير بن جناب وأخوه حارثة على بعض ملوك غسان، فلما دخلا عليه حدثاه وأنشداه، فأعجب بهما ونادمهما، فقال يوماً لهما: إن أمي عليلة شديدة العلة، وقد أعياني دواؤها، فهل تعرفان لها دواء؟ فقال حارثة: كميرة حارة -وكانت فيه لوثة- فقال الملك: أي شيء قلت؟ فقال له زهير: كميئة حارة تطعمها، فوثب الملك -وقد فهم الأولى والآخرة- يريهما أنه يأمر بإصلاح الكمأة لها، وحلم عن مقالة. وقال حارثة لزهير: يا زهير اقلب ما شئت ينقلب، فأرسلها مثلاً.

ذهب عقله آخره عمره فكان يخرج فيرد

أخبرني عمي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني أحمد بن الغيث الباهلي عن أبيه، قال: كان من حديث زهير بن جناب الكلبي أنه كان قد بلغ عمراً طويلاً حتى ذهب عقله، وكان يخرج تائهاً لا يدري أين يذهب، فتلحقه المرأة من أهله والصبي، فترده وتقول له: إن أخاف عليك الذئب أن يأكلك، فأين تذهب؟ فذهب يوماً من أيامه، ولحقته ابنة له فردته، فرجع معها وهو يهدج كأنه رأل ، وراحت عليهم سماء في الصيف فعلتهم منها بغشة ثم أردفها غيث، فنظر وسمع له الشيخ زجلاً منكراً. فقال: ما هذا يا بنية؟ فقالت: عارض هائل إن أصابنا دون أهلنا هلكنا، فقال: انعتيه لي، فقالت: أراه منبطحاً مسلنطحاً ، قد ضاق ذرعاً وركب ردعاً ، ذا هيدب يطير، وهماهم وزفير، ينهض نهض الطير الكسير، عليه مثل شباريق الساج، في ظلمة الليل الداج، يتضاحك مثل شعل النيران، تهرب منه الطير، وتوائل منه الحشرة. قال: أي بنية، وائلي منه إلى عصر قبل أن لا عين ولا أثر.

كان يدعى الكاهن لصحة رأيه

أخبرني محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أحمد بن عبيد، عن ابن الكلبي، عن أبيه، عن مشيخة من الكلبيين قالوا: عاش زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله ومائتي سنة أوقع فيها مائتي وقعة في العرب، ولم تجتمع قضاعة إلا عليه وعلى حن بن زيد العذري، ولم يكن في اليمن أشجع ولا أخطب ولا أوجه عند الملوك من زهير. وكان يدعى الكاهن، لصحة رأيه.

عمر حتى مل عمره، وشعره في ذلك

قال هشام: ذكر حماد الراوية أن زهيراً عاش أربعمائة وخمسين سنة، قال: وقال الشرقي بن القطامي: عاش زهير أربعمائة سنة، فرأته ابنة له فقالت لابن ابنها: خذ بيد جدك، فقال له: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان بن فلانة، فأنشأ يقول:

أبنـي إن أهـلـك فـقـد

 

أورثتكم مـجـداً بـنـيه

وتركتـكـم أبـنـاء سـا

 

دات زنـادكـــم وريه

ولكل مـا نـال الـفـتـى

 

قد نلـتـه إلا الـتـحـيه

والموت خير لـلـفـتـى

 

فليلكـهـن وبـه بـقـيه

من أن يرى الشيخ البـجـا

 

ل وقد تهادى بالـعـشـيه

ولقد شهدت النـار لـلأس

 

لاف توقد فـي طـمـيه

ولقد رحلـت الـبـازل ال

 

كوماء ليس لـهـا ولـيه

وخطبت خطـبة مـاجـد

 

غير الضعيف ولا العـييه

ولقد غدوت بمـشـرف ال

 

قطرين لم يغمز شـظـيه

فأصبت من بقر الـجـنـا

 

ب ضحى ومن حمر القفيه

قال ابن الكلبي: وقال زهير في كبره أيضاً:

ألا يا لقومي لا أرى النجم طالعاً

 

ولا الشمس إلا حاجبي بيمينـي

معزبتي عند القفا بعـمـودهـا

 

فأقصى نكيري أن أقول ذريني

أمين على أسرارهن وقـد أرى

 

أكون على الأسرار غير أمـين

فللموت خير من حداج مـوطـأ

 

على الظعن لا يأتي المحل لحين

قال: وقال زهير أيضاً في كبره:

إن تنـسـنـي الأيام إلا جـلالة

 

أمت حين لا تأسى علي العوائد

فيأذى بي الأدنى ويشمت بي العد

 

ويأمن كيدي الكاشحون الأباعـد

قال: وقال زهير أيضاً:

لقد عمرت حتى لا أبـالـي

 

احتفي في صباحي أم مسائي

وحق لمن أتت مائتان عامـاً

 

عليه أن يمل مـن الـثـواء

شهدت الموقدين على خزازى

 

وبالسلان جمعـاً ذا زهـاء

ونادمت الملوك من آل عمرو

 

وبعدهم بني ماء السـمـاء

خالفه ابن أخيه فشرب الخمر

قال ابن الكلب: وكان زهير إذا قال: ألا إن الحي طاعن، ظعنت قضاعة؛ وإذا قال: ألا أن الحي مقيم، نزلوا وأقاموا. فلما أن أسن نصب ابن أخيه عبد الله بن عليم للرياسة في كلب، وطمع أن يكون كعمه وتجتمع قضاعة كلها عليه، فقال زهير يوماً: ألا إن الحي ظاعن، فقال عبد الله: ألا إن الحي مقيم، فقال زهير: ألا إن الحي مقيم، فقال عبد الله: ألا إن الحي ظاعن، فقال زهير: من هذا المخالف علي منذ اليوم؟ فقالوا: ابن أخيك عبد الله بن عليم، فقال: أعدى الناس للمرء ابن أخيه إلا أنه لا يدع قاتل عمه أو يقتله. ثم أنشأ يقول:

وكيف بمن لا أستطيع فـراقـه

 

ومن هو إن لم تجمع الدار آلف!

أمير شقاق إن أقم لا يقم معـي

 

ويرحل، وإن أرحل يقم ويخالف

ثم شرب الخمر صرفاً حتى مات.


قال: وممن شرب الخمر صرفاً حتى مات عمرو بن كلثون التغلبي، وأبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة.


قال هشام : عاش هبل بن عبد الله جد زهير بن جناب ستمائة سنة وسبعين، وهو القائل:

يا رب يوم قد غني فيه هبـل

 

له نـوال ودرور وجـــذل

كأنه في العز عوف أو حجل

 

 

قال: عوف وحجل: قبيلتان من كلب.

كان نازلاً مع الجلاح بن عوف

فأنذرته فخالفه الجلاح فرحل هو وقال شعراً.

وقال أبو عمر الشيباني: كان الجلاح بن عوف السحمي قد وطأ لزهير بن جناب وأنزله معه، فلم يزل في جناحه حتى كثر ماله وولده، وكانت أخت زهير متزوجة في بني القين بن جسر، فجاء رسولها إلى زهير ومعه برد فيه صرار رمل وشوكة قتاد، فقال زهير لأصحابه: أتتكم شوكة شديدة، وعدد كثير فاحتملوا، فقال له الجلاح: أنحتمل لقول امرأة! والله لا نفعل، فقال زهير:

أما الجلاح فإنني فـارقـتـه

 

لا عن قلى ولقد تشط بنا النوى

فلئن ظعنت لأصبحن مخـيمـاً

 

ولئن أقمت لأظعنن على هوى

قال: فأقام الجلاح، وظعن زهير، وصبحهم فقتل عامة قوم الجلاح وذهبوا بماله.
قال: واسم الجلاح عامر بن عوف بن بكر بن عامر بن عوف بن عذرة.

اجتمع مع عشيرته فقصده الجيش

فهزمهم وقتل رئيساً منهم

ومضى زهير لوجهه حتى اجتمع مع عشيرته من بني جناب، وبلغ الجيش خبره فقصدوه، فحاربهم وثبت لهم فهزمهم وقتل رئيساً منهم، فانصرفوا عنه خائبين، فقال زهير:

أمن آل سلمى ذا الخيال المـؤرق

 

وقد يمق الطيف الغريب المشوق

وأنى اهتدت سلمى لوجه محلـنـا

 

وما دونها من مهمه الأرض يخفق

فلم تر إلا هاجعـاً عـنـد حـرة

 

على ظهرها كور عتيق ونمـرق

ولما رأتني والطليح تـبـسـمـت

 

كما انهل أعلى عارض يتـألـق

فحـييت عـنـا زودينـا تـحـية

 

لعل بها العاني من الكبل يطـلـق

فردت سلاماً ثـم ولـت بـحـاجة

 

ونحن لعمري يابنة الخير أشـوق

فيا طيب ما ريا ويا حسن منـظـر

 

لهوت به لو أن رؤياك تـصـدق

ويوم أثالى قد عرفت رسـومـهـا

 

فعجنا إليها والدمـوع تـرقـرق

وكادت تبين القول لما سألـتـهـا

 

وتخبرني لو كانت الدار تنـطـق

فيا دار سلمى هجت للعين عبـرة

 

فماء الهوى يرفض أو يترقـرق

وقال زهير في هذه القصيدة يذكر خلا الجلاح عليه:

أيا قومنا إن تقبلـوا فـانـتـهـوا

 

وإلا فأنياب من الحرب تـحـرق

فجاءوا إلى رجراجة مكفـهـرة

 

يكاد المدير نحوها الطرف يصعق

سيوف وأرمـاح بـأيدي أعــزة

 

وموضونة مما أفـاد مـحـرق

فما برحوا حتى تركنا رئيسـهـم

 

وقد مار فيه المضرحي المذلـق

وكائن ترى من ماجد وابن ماجـد

 

له طعنة نجلاء للوجه يشـهـق

وقال زهير في ذلك أيضاً:

سائل أميمة عني هل وفيت لهـا

 

أم هل منعت من المخزاة جيرانا

لا يمنع الضيف إلا ماجد بطـل

 

إن الكريم كريم أينـمـا كـانـا

لما أبى جيرتي إلا مـصـمـمة

 

تكسو الوجوه من المخزاة ألوانا

لمنا عليهم بورد لا كـفـاء لـه

 

يفلقن بالبيض تحت النقع أبدانـا

إذا ارجحنوا علونا هامهم قدمـاً

 

كأنما نختلي بالهام خطـبـانـا

كم من كريم هوى للوجه منعفراً

 

قد اكتسى ثوبه في النقع ألوانـا

ومن عميد تناهى بعد عثـرتـه

 

تبدو ندامته للـقـوم خـزيانـا

كل أولاده شعراء وهذه نماذج من شعرهم

وأما الشعراء من ولد زهير: فمنهم مصاد بن أسعد بن جنادة بن صهبان بن امرئ القيس بن زهير بن جناب، وهو القائل:

تمنيت أن تلقى لقاح ابن محرز

 

وقبلك شامتها العيون النـواظ

ممنحة في الأقربين مـنـاخة

 

وللضيف فيها والصديق معاقر

فهلا بني عيناء عاينت جمعهـم

 

بحالة إذا سدت عليك المصادر

ومنهم حريث بن عامر بن الحارث ابن امرئ القيس بن زهير بن جناب، وهو القائل:

أرى قومي بني قطن أرادوا

 

بألا يتركـوا بـيدي مـالا

فإن لم أجزهم غيظاص بغيظ

 

وأوردهم على عجل شلالا

فليت التغلبية لـم تـلـدنـي

 

ولا أغنت بما ولدت قبـالا

ومنهم الحزنبل بن سلامة بن زهير بن صهبان بن امرئ القيس بن زهير بن جناب، وهو القائل:

عبثت بمنخرق القميص كـأنـه

 

وضح الهلال على الخمور معذل

يا سلم ويحك والخليل مـعـاتـب

 

أزمعت أن تصلي سواء وتبخلي

لما رأيت بعارضـي ولـمـتـي

 

غير المشيب على الشباب المبدل

صرمت حبل فتى يهش إلى الندى

 

لو تطلبين نـداه لـم يتـعـلـل

إنا لنصبر عند معترك الـوغـى

 

ونبذ مكرمة الكريم المفـضـل

ومنهم غرير بن أبي جابر بن زهير بن جناب، وهو القائل:

أبلغ أبـا عـمـرو وأن

 

ت علي ذو النعم الجزيله

أنا مـنـعـنـا أن تـذل

 

بلادكم وبنـو جـديلـه

وطرقـتـهـم لـيلا أخ

 

برهم بهم ومعي وصيله

فصدقتهم خيري فـطـا

 

روا في بلادهم الطويله

ومنهم عرفجة بن جنادة بن أبي النعمان بن زهير بن جناب، وهو القائل:

عفا أبرق العزاف من أم جابر

 

فمنعرج الوادي عفا فحفـير

فروض ثوير عن يمين روية

 

كأن لم تربعه أوانس حـور

رقاق الثنايا والوجوه، كأنهـا

 

ظباء الفلا في لحظهن فتور

ومنهم المسيب بن رفل بن حارثة بن جناب بن قيس بن امرئ القيس بن أبي جابر بن زهير بن جناب، وهو القائل:

قتلنا يزيد بن المهلب بـعـدمـا

 

تمنيتم أن يغلب الحق باطـلـه

وما كان منكم في العراق منافق

 

عن الدين إلا من قضاعة قاتله

تجلله قحل بـأبـيض صـارم

 

حسام جلا عن شفرتيه صياقله

يعني بالفحل ابن عياش بن شمر بن أبي سراحيل بن غرير بن أبي جابر بن زهير بن جناب، وهو الذي قتل يزيد بن المهلب.


ومن بني زهير شعراء كثير، ذكت منهم الفحول دون غيرهم.

صوت

تدعى الشـوق إن نـأت

 

وتـجـنـى إذا دنـت

سرني لو صبرت عـن

 

ها فتجزى بما جـنـت

إن سلمى لـو اتـقـت

 

ربها فـي أنـجـزت

زرعت في الحشا الهوى

 

وسقته حتـى نـبـت

الشعر لمسلم بن الوليد، والغناء لعريب خفيف ثقيل. وقيل: إنه لأبي العبيس بن حمدون. وذكر الهشامي أن لإسحاق في: إن سلمى... وما بعده من الثقيل الأول بالبنصر.