باب الباء والعين، الغين، القاف، الكاف

بعا

البعْوُ: العاريَّةُ. واسْتَبْعَى منه الشيء: اسْتَعارَه.واسْتَبْعَى يَسْتَبْعِي: اسْتعار؛ قال الكُمَيْت:

قد كادَها خالِدٌ مُسْتَبْـعـياً حُـمُـراً،

 

بالوَكْتِ، تَجْرِي إلى الغاياتِ والهَضَبِ

والهَضَب: جَرْيٌ ضعيف. والوَكْتُ: القَرْمَطة في المشي، وَكَتَ يَكِتُ وَكْتاً. كادَها: أَرادها. قال الأَصمعي: البَعْوُ أَن يَسْتعير الرجلُ من صاحبه الكلبَ فيَصِيدَ به. ويقال: أَبْعِني فرَسَك أَي أَعِرْنيه.وأَبْعاه فرَساً: أَخْبَلَه. والمُسْتَبْعِي: الرجلُ يأْتي الرجلَ وعنده فرس فيقول: أَعطينه حتى أُسابقَ عليه. وبَعاه بَعْواً: أَصاب منه وقَمَرَه، والمَبْعاةُ مفْعَلَةٌ منه؛ قال:

صَحا القَلْبُ بعد الإلْفِ، وارتَدَّ شأْوُه،

 

ورَدَّتْ عليه ما بَعَتْه تُـمـاضِـرُ

وقال راشد بن عبد رَبِّه:  

سائلْ بَني السيِّدِ، إنْ لاقَيْتَ جَمْعَهُمُ:

 

ما بالُ سَلْمَى وما مَبْعاةُ مِئْشـارِ؟

مِئشار: اسم فرسه. والبَعْوُ: الجِناية والجُرْم. وقد بعا إذا جَنَى.يقال: بَعا يَبْعُو ويَبْعَى. وبَعَى الذَّنْبَ يَبْعاه ويَبْعُوه بَعْواً:اجْترَمه واكتسبه؛ قال عوف بن الأحْوَص الجَعْفري:

وإبْسالي بَنِيَّ بغَيْرِ بَعْوٍ

 

جَرَمْناه، ولا بِدَمٍ مُراقِ

وفي الصحاح: بغير جُرْم بَعَوْناه؛ وقال ابن بري: البيت لعبد الرحمن بن الأَحْوَصِ. قال ابن الأَعرابي: بَعَوْتُ عليهم شَرّاً سُقْتُه واجْتَرَمْتُه، قال: ولم أَسمعه في الخير. وقال اللحياني: بَعَوْتُه بعَيْنٍ أَصَبْتُه. وقال ابن سيده في ترجمة بعي بالياء: بَعَيْت أَبْعِي مثل اجْتَرَمْتُ وجَنَيْتُ؛ حكاه كراع، قال: والأَعرف الواو.

بعث

بَعَثَهُ يَبْعَثُه بَعْثاً: أَرْسَلَهُ وَحْدَه، وبَعَثَ به: أَرسله مع غيره. وابْتَعَثَه أَيضاً أَي أَرسله فانْبعَثَ.
وفي حديث عليّ يصف النبي، صلى الله عليه وسلم، شَهِيدُك يومَ الدين، وبَعِيثُك نعْمة؛ أَي مَبْعُوثك الذي بَعَثْته إِلى الخَلْق أَي أَرسلته، فعيل بمعنى مفعول.
وفي حديث ابن زَمْعَة: انْبَعَثَ أَشْقاها؛ يقال: انْبَعَثَ فلانٌ لشأْنه إذا ثار ومَضَى ذاهباً لقضاء حاجَته.
والبَعْثُ: الرسولُ، والجمع بُعْثانٌ، والبَعْثُ: بَعْثُ الجُنْدِ إِلى الغَزْو.
والبَعَثُ: القومُ المَبْعُوثُونَ المُشْخَصُونَ، ويقال: هم البَعْثُ بسكون العين.
وفي النوادر: يقال ابْتَعَثْنا الشامَ عِيراً إذا أَرسَلوا إِليها رُكَّاباً للميرة. وفي حديث القيامة: يا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النار؛ أَي المَبْعُوث إِليها من أَهلها، وهو من باب تسمية المفعول بالمصدر. وبَعَثَ الجُنْدَ يَبْعَثُهم بَعْثاً: وجَّهَهُمْ، وهو من ذلك، وهو البَعْثُ والبَعِيثُ، وجمع البَعْثِ: بُعُوث؛ قال:

ولكنَّ البُعُوثَ جَرَتْ علينا،

 

فَصِرْنا بينَ تَطْوِيحٍ وغُرْمِ

وجمع البَعِيثِ: بُعُثٌ.
والبَعْثُ: يكون بَعْثاً للقوم يُبْعَثُون إِلى وَجْهٍ من الوجوه، مثل السَّفْر والرَّكْب. وقولهم: كنتُ في بَعْثِ فلانٍ أَي في جيشه الذي بُعِثَ معه. والبُعُوثُ: الجُيوش.
وبَعَثَه على الشيء: حمله على فِعْله. وبَعَثَ عليهم البَلاء: أَحَلَّه.
وفي التنزيل العزيز: بَعَثْنا عليكم عِباداً لنا أُولي بأْس شديد. وفي الخبر: أَنَّ عبد المَلِك خَطَبَ فقال: بَعَثْنا عليكم مُسلِمَ بن عُقْبة، فَقَتلَكم يوم الحَرَّة.
وانْبَعَثَ الشيءُ وتَبَعَّثَ: انْدَفَع.
وبَعَثَه من نَوْمه بَعَثاً، فانْبَعَثَ: أَيْقَظَه وأَهَبَّه.
وفي الحديث: أَتاني الليلةَ آتِيانِ فابْتَعَثَاني أَي أَيقَظاني من نومي. وتأْويلُ البَعْثِ: إِزالةُ ما كان يَحْبِسُه عن التَّصَرُّف والانْبِعاثِ.
وانْبَعَثَ في السَّيْر أَي أَسْرَع.
ورجلٌ بَعِثٌ: كثير الانْبِعاثِ من نومه. ورجل بَعْثٌ وبَعِثٌ وبَعَثٌ: لا تزال هُمُومه تؤَرِّقُه، وتَبْعَثُه من نومه؛ قال حُمَيْدُ بن ثَوْر:

تَعْدُو بأَشْعَثَ، قد وَهَى سِرْبالُه،

 

بَعْثٍ تُؤَرِّقُه الهُمُوم، فيَسْهَـرُ

والجمع: أَبْعاث: وفي التنزيل: قالوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا من مَرْقَدِنا؟ هذا وَقْفُ التَّمام، وهو قول المشركين يوم النُّشور. وقولُه عز وجل: هذا ما وَعَدَ الرحمنُ وصَدَقَ المُرْسَلون؛ قَوْلُ المؤْمِنين؛ وهذا رَفْعٌ بالابتداء، والخَبَرُ ما وَعَدَ الرحمنُ؛ وقرئ: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِن مَرْقَدِنا؟ أَي مِن بَعْثِ الله إِيَّانا من مَرْقَدِنا. والبَعْثُ في كلام العرب على وجهين: أَحدهما الإِرْسال، كقوله تعالى: ثم بَعَثْنا من بعدهم موسى؛ معناه أَرسلنا. والبَعْثُ: إِثارةُ باركٍ أَو قاعدٍ، تقول: بَعَثْتُ البعير فانبَعَثَ أَي أَثَرْتُه فَثار. والبَعْثُ أَيضاً: الإِحْياء منالله للمَوْتى؛ ومنه قوله تعالى: ثم بَعَثْناكم من بَعْدِ موتِكم: أَي أَحييناكم. وبَعَثَ اللمَوْتى: نَشَرَهم ليوم البَعْثِ. وبَعَثَ اللهُ الخَلْقَ يَبْعَثُهُم بَعْثاً: نَشَرَهم؛ من ذلك. وفتح العين في البعث كله لغة. ومن أَسمائه عز وجل: الباعِثُ، هو الذي يَبْعَثُ الخَلْقَ أَي يُحْييهم بعد الموت يوم القيامة.
وبَعَثَ البعيرَ فانْبَعَثَ: حَلَّ عِقالَه فأَرسله، أَو كان باركاً فَهاجَهُ.
وفي حديث حذيفة: إِنَّ للفِتْنةِ بَعَثاتٍ ووَقَفاتٍ، فمن اسْتَطاعَ أَن يَمُوتَ في وَقَفاتِها فَلْيَفعل. قوله: بَعَثات أَي إِثارات وتَهْييجات، جمع بَعْثَةٍ. وكلُّ شيء أَثَرْته فقد بَعَثْته؛ ومنه حديث عائشة، رضي الله عنها: فبَعَثْنا البَعيرَ، فإِذا العِقْدُ تحته.
والتَّبْعاثُ تَفْعال، مِن ذلك: أَنشد ابن الأَعرابيّ:

أَصْدَرها، عن كَثْرَةِ الدَّآثِ،

 

صاحبُ لَيْلٍ، حَرِشُ التَّبْعاثِ

وتَبَعَّثَ مني الشِّعْرُ أَي انْبَعَثَ، كأَنه سالَ.
ويومُ بُعاثٍ، بضم الباء: يوم معروف، كان فيه حرب بين الأَوْسِ والخَزْرج في الجَاهلية، ذكره الواقدي ومحمد بن إِسحق في كتابيهما؛ قال الأَزهري: وذكَرَ ابن المُظَفَّر هذا في كتاب العين، فجعلَه يومَ بُغَاث وصَحَّفَه، وما كان الخليلُ، رحمه الله، لِيَخفَى عليه يومُ بُعاثٍ، لأَنه من مشاهير أَيام العرب، وإِنما صحَّفه الليثُ وعزاه إِلى الخَليل نفسِه، وهو لسانُه، والله أَعلم. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: وعندها جاريتان تُغَنِّيانِ بما قِيل يومَ بُعَاثٍ؛ هو هذا اليوم. وبُعاثٌ: اسم حِصن للأَوْس.
وباعِثٌ وبَعِيثٌ: اسمان.
والبَعِيثُ: اسم شاعر معروف من بني تميم، اسمه خِدَاشُ بن بَشيرٍ، وكنيته أَبو مالك، سمي بذلك قوله:

تَبَعَّثَ مني ما تَبَعَّثَ، بعدما اسْ

 

تَمرَّ فؤَادي، واسْتَمَرَّ مَرِيري

قال ابن بري: وصواب إِنشاد هذا البيت على ما رواه ابن قُتَيْبة وعيره: واستَمَرَّ عَزِيمي، قال: وهو الصحيح؛ ومعنى هذا البيت: أَنه قال الشعر بعدما أَسَنَّ وكَبِرَ.
وفي حديث عمر، رضي الله عنه، لما صالَحَ نصارَى الشام، كتبوا له؛ إِنَّا لا نُحْدِثُ كنيسةً ولا قَلِيَّة، ولا نُخْرِج سَعانِينَ، ولا باعوثاً؛ الباعوثُ للنَّصارى: كالاستسقاء للمسلمين، وهو اسم سرياني؛ وقيل: هو بالغين المعجمة والتاء فوقها نقطتان.
وباعِيثا: موضع معروف.

بعثر

الفرّاء في قوله تعالى: وإِذا القُبور بُعْثِرَتْ؛ قال: خرج ما في بطنها من الذهب والفضة وخروج الموتى بعد ذلك؛ قال: وهو من أَشراط الساعة أَن تُخرج الأَرض أَفْلاَذَ كَبِدِها. قال: وبُعْثِرَتْ وبُحْثِرَتْ لغتان. وقال الزجاج: بُعْثِرَتْ أَي قلب ترابها وبعث الموتى الذين فيها.
وقال: بَعْثَرُوا متاعهم وبَحْثَرُوه إذا قَلَبُوه وفَرَّقُوه وبَدَّدُوه وقلبوا بعضه فوق بعض. وفي حديث أَبي هريرة: إِني إذا لم أَرك تَبَعْثَرَتْ نَفْسي أَي جاشت وانقلبت وغَثَتْ. وبَعْثَرَ الشيءَ: فرَّقه.
وبَعْثَر الترابَ والمتاع: قلبه. قال ابن سيده: وزعم يعقوب أَن عينها بدل من غين بغثر أَو غين بغثر بدل منها. وبَعْثَرَ الخبر بَحَثَهُ، ويقال: بَعْثَرْتُ الشيءَ وبَحْثَرْتهُ إذا استخرجته وكشفته. وقال أَبو عبيدة في قوله تعالى: إذا بُعْثِرَ ما في القُبور؛ أُثِيرَ وأُخْرِجَ، قال: وتقول بَعْثَرْتُ حَوْضي أَي هدمته وجعلت أَسفله أَعلاه.
بعذر: بَعْذَرَه: حَرَّكه ونفَضَه.
بعكر: بعْكَرَ الشيء. قَطَعَهُ كَكَعْبرَهُ. بغر: ابن الأَعرابي: البَغْرُ والبَغَرُ الشرب بلا رِيّ. البغر، بالتحريك: داء أَو عطش؛ قال الأَصمعي: هو داء يأْخذ الإِبل فتشرب فلا تَرْوَى وتَمْرضُ عنه فتموت؛ قال الفرزدق:

فَقُلْتُ: ما هو إِلا السَّامُ تَرْكَبُه

 

كَأَنَّما المَوْتُ في أَجْنَادِهِ البَغَرُ

والبَحَرُ مثله؛ وأَنشد:

وسِرْتَ بِقِيقاةٍ، فَأَنْتَ بَغِيرُ

اليزيدي: بَغِرَ بَغَراً إذا أَكثر من الماء فلم يَرْوَ، وكذلك مَجَرَ مَجْراً. وبَغَرَ الرجلُ بَغْراً وبَغِرَ، فهو بَغِرٌ وبَغِيرٌ: لم يَرْوَ، وأَخذه من كثرة الشرب داء، وكذلك البعير، والجمع بَغارَى وبُغارَى.
وماءٌ مَبْغَرَةٌ: يصيب عنه البَغَرُ. والبَغْرَةُ: قوة الماء. وبَغَرَ النجمُ يَبْغُرُ بُغوراً أَي سقط وهاج بالمطر، يعني بالنجم الثريا. وبَغَرَ النَّوْءُ إذا هاج بالمطر؛ وأَنشد:

بَغْرَة نَجْمٍ هاج ليلاً فَبَغَرْ

وقال أَبو زيد: يقال هذه بَغْرَةُ نَجْمِ كذا، ولا تكون البَغْرَةُ إِلا مع كثرة المطر. والبَغْرُ والبَغَرُ والبَغْرَةُ: الدُّفْعَةُ الشديدة من المطر؛ بَغِرَتِ السماء بَغَراً. وقال أَبو حنيفة: بُغِرَتِ الأَرْضُ أَصابها المطر فَلَيَّنَها قبل أَن تُحْرَثَ، وإِن سقاها أَهلها قالوا: بَغَرْناها بَغْراً. والبَغْرَةُ: الزرع يزرع بعد المطر فيبقى فيه الثَّرَى حتى يُحْقِلَ. ويقال: لفلان بَغْرَةٌ من العطاء لا تَعِيضُ إذا دام عطاؤه؛ قال أَبو وجزة؛

سَحَّتْ لأَبْناءِ الزُّبَـيْرِ مـآثِـرٌ

 

في المَكْرُمَاتِ، وبَغْرَةٌ لا تُنْجِمُ

ويقال: تفرّقت الإِبل وذهب القوم شَغَرَ بَغَرَ، وذهب القوم شَغَرَ مَغَرَ وشِغَرَ بِغَرَ وشِغَرَ مِغَرَ أَي متفرّقين في كل وجه. وعُيِّرَ رجلٌ من قريش فقيل له: مات أَبوكَ بَشَماً، وماتت أُمُّكَ بَغَراً.

بعثط

البُعْثُطُ والبُعْثُوطُ: سُرّةُ الوادي وخير موضع فيه.
والبُعْثُطُ: الاسْتُ، وقد تثقل الطاء في هذه الأَخيرة. يقال: أَلْزَقَ بُعْثُطَه وعُضْرُطَه بالصَّلَّةِ الأَرضِ يعني اسْتَه، قال: وهي اسْتُه وجِلْدة خُصْيَيْه ومَذاكِيرُه. ويقال: غَطِّ بُعْثُطَك، وهو اسْتُه ومَذاكِيرُه.
ويقال للعالم بالشيء: هو ابن بُعْثُطِها كما يقال: هو ابن بَجْدَتِها. وفي حديث معاوية: قيل له أَخبرنا عن نَسبِك في قُريش فقال: أَنا ابن بُعْثُطِها؛ البُعْثُطُ: سُرَّةُ الوادي، يريد أَنه واسِطةُ قُريشٍ ومن سُرَّةِ بِطاحِها.

بعثق

البَعْثَقةُ: خُروج الماء من غائِل حَوْضٍ أو جابِيةٍ.وتَبَعْثَقَ إذا انكسرت منه ناحية ففاضَ منها، والله أَعلم.

بعج

بَعَجَ بَطْنَه بالسكين يَبْعَجُه بَعْجاً، فهو مَبْعُوجٌ وبَعِيجٌ، وبَعَّجه: شَقَّهُ فزال ما فيه من موضعه وبدا متعلقاً. وفي حديث أُمِّ سُليم: إِنْ دنا مِنِّي أَحدٌ أَبْعَجْ بَطْنَه بالخَنْجَرِ أَي أَشُقُّ؛ قال أَبو ذؤَيب:

ذلك أَعْلَى مِنْكَ فَقْداً لأَنـه

 

كريمٌ، وَبَطْنِي بالكرامِ بَعِيجُ

ورجلٌ بَعِيجٌ من قوم بَعْجَى، والأَنثى بَعِيجٌ، بغير هاء، من نسوة بَعْجَى، وقد انْبَعَجَ هو. وبطنٌ بَعِجٌ: مُنْبَعِجٌ؛ أُراه على النَّسَب.
وامرأَة بعِيجٌ أَي بَعَجَتْ بطْنَها لزوجها ونَثَرَتْ. ورجلٌ بَعِجٌ: ضعيفٌ، كأَنه مبعوج البطن مِن ضَعْف مَشْيه؛ قال الشاعر:

لَيْلَةَ أَمْشي، علَى مُخاطَرَةٍ،

 

مَشْياً رُويَداً، كَمِشيَةِ البَعِجِ

والانْبِعَاجُ: الانشقاق.
وتقول: بَعَجَهُ حُبُّ فلان إذا اشتَدَّ وَجْدُهُ وحَزِنَ له. قال الأَزهري: لَعَجَهُ حُبه أَصوبُ من بَعَجَهُ لأَن البَعْجَ الشَّقُّ. يقال: بَعَجَ بَطْنَه بالسكين إذا شقه وخَضْخَضَهُ فيه؛ قال الهذلي:

كأَنَّ ظُباتِها عُقُرٌ بَعِيجُ

شَبَّه ظُباتِ النِّصال بنار جمر سُخِىَ فَظَهَرَتْ حُمْرَتُه؛ يقال: اسْخُ النار أَي افتح عينها. وفي الحديث: إذا رأَيتَ مكةَ قد بُعِجَتْ كظَائمَ، وساوى بناؤُها رؤوسَ الجبال، فاعْلَم أَنَّ الأَمْرَ قد أَظَلَّكَ؛ بُعِجَتْ أَي شُقَّت، وفُتِحت كظائمُها بَعْضُها في بعض، واسْتُخْرِجَ منها عيونها. وبَعَجْتُ بطني لفلان: بالغت في نصيحته؛ قال الشماخ:

بَعَجْتُ إِليه البَطْنَ حتى انْتَصَحْتُه،

 

وما كلُّ مَنْ يُفْشَى إِليه بِناصِـحِ

وقيل في قول أَبي ذؤَيب:

وبطني بالكرام بعيج

أَي نُصْحي لهم مبذول. وفي حديث عَمْرو وَوَصَفَ عمر، رضي الله عنه، فقال: إِن ابن حَنْتَمَةَ بَعَجَتْ له الدنيا مِعَاها. هذا مثل ضربه؛ أَراد أَنها كشفت له عما كان فيها من الكنوز والأَموال والفيء، وحنتمة أُمُّه.
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها، في صفة عمر، رضي الله عنه: بَعَجَ الأَرضَ وبَجَعَها أَي شقَّها وأَذلَّها؛ كَنَتْ به عن فتوحه. وتَبَعَّجَ السحابُ وانْبَعَجَ بالمطر: انْفَرَجَ عن الوَدْقِ والوَبْلِ الشديد؛ قال العجاج:

حَيْثُ اسْتَهَلَّ المُزْنُ أَو تَبَعَّجَا

وتَبَعَّجَتِ السماءُ بالمطر، كذلك؛ وكلُّ ما اتسع فقد انْبَعَجَ.
وبَعَّجَ المطرُ تَبْعِيجاً في الأَرض: فَحَصَ الحجارةَ لشدَّة وَقْعِهِ. وباعِجَةُ الوادي: حيث يَنْبَعِجُ فيَتَّسِع، والباعِجَة: أَرْضٌ سَهْلَةٌ تُنْبِتُ النَّصِيَّ؛ وقيل: الباعِجَةُ آخر الرَّمْلِ، والسُّهولَةُ إِلى القُفِّ. والبَوَاعِجُ: أَماكِنُ في الرَّمل تَسْتَرِقُّ، فإِذا نبت فيها النَّصِيُّ كان أَرَقَّ له وأَطيبَ؛ وقال الشاعر يصف فرساً:

فأَنَى له بالصَّيْفِ ظِلٌّ بـاردٌ،

 

ونَصِيُّ باعِجَةٍ ومَحْضٌ مُنْقَعُ

وَبَعَجَهُ الأَمْرُ: حَزَبَه. وباعِجَةُ القِرْدانِ: موضعٌ معروف؛ قال أَوس بن حَجَر:

وبَعْدَ لَيَالِينا بِنَعْفِ سُوَيْقَةٍ،

 

فبَاعِجَةِ القِرْدانِ، فالمُتَثَلَّمِ

وبنُو بَعْجَةَ: بطنٌ. وابنُ باعِج: رجلٌ؛ قال الراعي:

كَأَنَّ بقايا الجَيْشِ، جَيْشِ ابنِ باعِجٍ،

 

أَطافَ بِرُكْنٍ، من عَمايَة، فاخِرِ

وباعِجَةُ: اسم موضع. ويقال: بَعَجْتُ هذه الأَرض عَذاةً طيبةَ الأَرض أَي تَوَسَّطْتُها.

بعد

البُعْدُ: خلاف القُرْب.
بَعُد الرجل، بالضم، وبَعِد، بالكسر، بُعْداً وبَعَداً، فهو بعيد وبُعادٌ؛ هم سيبويه، أَي تباعد، وجمعهما بُعَداءُ، وافق الذين يقولون فَعيل الذين يقولون فُعال لأَنهما أُختان، وقد قيل بُعُدٌ؛ وينشد قول النابغة:

فتِلْكَ تُبْلِغُـنـي الـنُّـعْـمـانَ أَنَّ لـه

 

فَضْلاً على الناسِ، في الأَدْنى وفي البُعُدِ

وفي الصحاح: وفي البَعَد، بالتحريك، جمع باعِدٍ مثل خادم وخَدَم، وأَبْعده غيره وباعَدَه وبَعَّده تبعيداً؛ وقول امرئ القيس:

قَعَدْتُ له وصُحْبَتي بَيْنَ ضارِجٍ،

 

وبَيْنَ العُذَيْبِ بُعْدَ ما مُتَـأَمَّـلِ

إِنما أَراد: يا بُعْدَ مُتَأَمَّل، يتأَسف بذلك؛ ومثله قول أَبي العيال:

...... رَزيَّةَ قَـوْمِـهِ

 

لم يأْخُذوا ثَمَناً ولم يَهَبُوا

أَراد: يا رزية قومه، ثم فسر الرزية ما هي فقال: لم يأْخذوا ثمناً ولم يهبوا. وقيل: أَرادَ بَعُدَ مُتَأَمَّلي. وقوله عز وجل، في سورة السجدة: أُولئك يُنادَوْنَ من مكان بعيد؛ قال ابن عباس: سأَلوا الردّ حين لا ردّ؛ وقيل: من مكان بعيد، من الآخرة إِلى الدنيا؛ وقال مجاهد: أَراد من مكان بعيد من قلوبهم يبعد عنها ما يتلى عليهم لأَنهم إذا لم يعوا فَهُمْ بمنزلة من كان في غاية البعد، وقوله تعالى: ويقذفون بالغيب من مكان بعيد؛ قال قولهم: ساحر كاهن شاعر. وتقول: هذه القرية بعيد وهذه القرية قريب لا يراد به النعت ولكن يراد بهما الاسم، والدليل على أَنهما اسمان قولك: قريبُه قريبٌ وبَعيدُه بَعيدٌ؛ قال الفراءُ: العرب إذا قالت دارك منا بعيدٌ أَو قريب، أَو قالوا فلانة منا قريب أَو بعيد، ذكَّروا القريب والبعيد لأَن المعنى هي في مكان قريب أَو بعيد، فجعل القريب والبعيد خلفاً من المكان؛ قال الله عز وجل: وما هي من الظالمين ببعيد؛ وقال: وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً؛ وقال: إن رحمة الله قريب من المحسنين؛ قال: ولو أُنثتا وثنيتا على بعدت منك فهي بعيدة وقربت فهي قريبة كان صواباً. قال: ومن قال قريب وبعيد وذكَّرهما لم يثنّ قريباً وبعيداً، فقال: هما منك قريب وهما منك بعيد؛ قال: ومن أَنثهما فقال هي منك قريبة وبعيدة ثنى وجمع فقال قريبات وبعيدات؛ وأَنشد:  

عَشِيَّةَ لا عَفْراءُ منكَ قَريبةٌ

 

فَتَدْنو، ولا عَفْراءُ مِنكَ بَعيدٌ

وما أَنت منا ببعيد، وما أَنتم منا ببعيد، يستوي فيه الواحد والجمع؛ وكذلك ما أَنت منا بِبَعَدٍ وما أَنتم منا بِبَعَدٍ أَي بعيد. قال: وإِذا أَردت بالقريب والبعيد قرابة النسب أَنثت لا غير، لم تختلف العرب فيها.
وقال الزجاج في قول الله عز وجل: إِن رحمة الله قريب من المحسنين؛ إِنما قيل قريب لأَن الرحمة والغفران والعفو في معنى واحد، وكذلك كل تأْنيث ليس بحقيقي؛ قال وقال الأَخفش: جائز أَن تكون الرحمة ههنا بمعنى المطر؛ قال وقال بعضهم: يعني الفراءُ هذا ذُكِّرَ ليفصل بين القريب من القُرب والقَريب من القرابة؛ قال: وهذا غلط، كلُّ ما قَرُب في مكان أَو نَسَبٍ فهو جارٍ على ما يصيبه من التذكير والتأْنيث؛ وبيننا بُعْدَةٌ من الأَرض والقرابة؛ قال الأَعشى:

بأَنْ لا تُبَغِّ الوُدَّ منْ مُتَباعِـدٍ،

 

ولا تَنْأَ منْ ذِي بُعْدَةٍ إِنْ تَقَرَّبا

وفي الدعاءِ: بُعْداً له، نصبوه على إِضمار الفعل غير المستعمل إِظهاره أَي أَبعده الله. وبُعْدٌ باعد: على المبالغة وإِن دعوت به فالمختار النصب؛ وقوله:

مَدّاً بأَعْناقِ المَطِيِّ مَـدَّا،

 

حتى تُوافي المَوْسِمَ الأَبْعَدَّا

فإِنه أَراد الأَبعد فوقف فشدّد، ثم أَجراه في الوصل مجراه في الوقف، وهو مما يجوز في الشعر؛ كقوله:

ضَخْماً يحبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا

وقال الليث: يقال هو أَبْعَد وأَبْعَدُونَ وأَقرب وأَقربون وأَباعد وأَقارب؛ وأَنشد:

منَ الناسِ مَنْ يَغْشى الأَباعِدَ نَفْعُه،

 

ويشْقى به، حتى المَماتِ، أَقارِبُهْ

فإِنْ يَكُ خَيراً، فالبَعـيدُ يَنـالُـهُ،

 

وإِنْ يَكُ شَرّاً، فابنُ عَمِّكَ صاحِبُه

ْ والبُعْدانُ، جمع بعيد، مثل رغيف ورغفان. ويقال: فلان من قُرْبانِ الأَمير ومن بُعْدانِه؛ قال أَبو زيد: يقال للرجل إذا لم تكن من قُرْبان الأَمير فكن من بُعْدانِه؛ يقول: إذا لم تكن ممن يقترب منه فتَباعَدْ عنه لا يصيبك شره. وفي حديث مهاجري الحبشة: وجئنا إِلى أَرض البُعَداءِ؛ قال ابن الأَثير: هم الأَجانب الذين لا قرابة بيننا وبينهم، واحدهم بعيد. وقال النضر في قولهم هلك الأَبْعَد قال: يعني صاحبَهُ، وهكذا يقال إذا كنى عن اسمه. ويقال للمرأَة: هلكت البُعْدى؛ قال الأَزهري: هذا مثل قولهم فلا مَرْحباً بالآخر إذا كنى عن صاحبه وهو يذُمُّه. وقال: أَبعد الله الآخر، قال: ولا يقال للأُنثى منه شيء. وقولهم: كبَّ الله الأَبْعَدَ لِفيه أَي أَلقاه لوجهه؛ والأَبْعَدُ: الخائنُ. والأَباعد: خلاف الأَقارب؛ وهو غير بَعِيدٍ منك وغير بَعَدٍ.
وباعده مُباعَدَة وبِعاداً وباعدالله ما بينهما وبَعَّد؛ ويُقرأُ: ربَّنا باعِدْ بين أَسفارِنا، وبَعِّدْ؛ قال الطرمَّاح:

تُباعِدُ مِنَّا مَن نُحِبُّ اجْتِماعَهُ،

 

وتَجْمَعُ مِنَّا بين أَهل الضَّغائِنِ

ورجل مِبْعَدٌ: بعيد الأَسفار؛ قال كثَّير عزة:

مُناقِلَةً عُرْضَ الفَيافي شِمِلَّةً،

 

مَطِيَّةَ قَذَّافٍ على الهَوْلِ مِبْعَدِ

وقال الفراءُ في قوله عز وجل، مخبراً عن قوم سبا: ربنا باعد بين أَسفارنا؛ قال: قرأَه العوام باعد، ويقرأُ على الخبر: ربُّنا باعَدَ بين أَسفارنا، وبَعَّدَ. وبَعِّدْ جزم؛ وقرئ: ربَّنا بَعُدَ بَيْنَ أَسفارنا، وبَيْنَ أَسفارنا؛ قال الزجاج: من قرأَ باعِدْ وبَعِّدْ فمعناهما واحد، وهو على جهة المسأَلة ويكون المعنى أَنهم سئموا الراحة وبطروا النعمة، كما قال قوم موسى: ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأَرض؛ ومن قرأَ: بَعُدَ بينُ أَسفارنا؛ فالمعنى ما يتَّصِلُ بسفرنا؛ ومن قرأَ بالنصب: بَعُدَ بينَ أَسفارنا؛ فالمعنى بَعُدَ ما بَيْنَ أَسفارنا وبَعُدَ سيرنا بين أَسفارنا؛ قال الأَزهري: قرأَ أَبو عمرو وابن كثير: بَعَّد، بغير أَلف، وقرأَ يعقوب الحضرمي: ربُّنا باعَدَ، بالنصب على الخبر، وقرأَ نافع وعاصم والكسائي وحمزة: باعِدْ، بالأَلف، على الدعاءِ؛ قال سيبويه: وقالوا بُعْدَك يُحَذِّرُهُ شيئاً من خَلْفه.
وبَعِدَ بَعَداً وبَعُد: هلك أَو اغترب، فهو باعد. والبُعْد: الهلاك؛ قال تعالى: أَلا بُعْداً لمدين كما بَعِدَت ثمود؛ وقال مالك بن الريب المازني:

يَقولونَ لا تَبْعُدْ، وَهُمْ يَدْفِنونَني،

 

وأَينَ مكانُ البُعْدِ إِلا مكانِـيا؟

وهو من البُعْدِ. وقرأَ الكسائي والناس: كما بَعِدَت، وكان أَبو عبد الرحمن السُّلمي يقرؤها بَعُدَت، يجعل الهلاك والبُعْدَ سواء وهما قريبان من السواء، إِلا أَن العرب بعضهم يقول بَعُدَ وبعضهم يقول بَعِدَ مثل سَحُقَ وسَحِقَ؛ ومن الناس من يقول بَعُد في المكان وبَعِدَ في الهلاك، وقال يونس: العرب تقول بَعِدَ الرجل وبَعُدَ إذا تباعد في غير سبّ؛ ويقال في السب: بَعِدَ وسَحِقَ لا غير.
والبِعاد: المباعدة؛ قال ابن شميل: راود رجل من العرب أَعرابية فأَبت إِلا أَن يجعل لها شيئاً، فجعل لها درهمين فلما خالطها جعلت تقول: غَمْزاً ودِرْهماكَ لَكَ، فإِن لم تَغْمِزْ فَبُعْدٌ لكَ؛ رفعت البعد، يضرب مثلاً للرجل تراه يعمل العمل الشديد. والبُعْدُ والبِعادُ: اللعن، منه أَيضاً.
وأَبْعَدَه الله: نَحَّاه عن الخير وأَبعده. تقول: أَبعده الله أَي لا يُرْثَى له فيما يَزِلُّ به، وكذلك بُعْداً له وسُحْقاً، ونَصَبَ بُعْداً على المصدر ولم يجعله اسماً. وتميم ترفع فتقول: بُعْدٌ له وسُحْقٌ، كقولك: غلامٌ له وفرسٌ. وفي حديث شهادة الأَعضاء يوم القيامة فيقول: بُعْداً لكَ وسُحقاً أَي هلاكاً؛ ويجوز أَن يكون من البُعْد ضد القرب. وفي الحديث: أَن رجلاً جاء فقال إِن الأَبْعَدَ قد زَنَى، معناه المتباعد عن الخير والعصمة.
وجَلَسْتُ بَعيدَةً منك وبعيداً منك؛ يعني مكاناً بعيداً؛ وربما قالوا: هي بَعِيدٌ منك أَي مكانها؛ وفي التنزيل: وما هي من الظالمين ببعيد.
وأَما بَعيدَةُ العهد، فبالهاء؛ ومَنْزل بَعَدٌ بَعيِدٌ.
وتَنَحَّ غيرَ بَعِيد أَي كن قريباً، وغيرَ باعدٍ أَي صاغرٍ. يقال: انْطَلِقْ يا فلانُ غيرُ باعِدٍ أَي لا ذهبت؛ الكسائي: تَنَحَّ غيرَ باعِدٍ أَي غير صاغرٍ؛ وقول النابغة الذبياني:

فَضْلاَ على الناسِ في الأَدْنَى وفي البُعُدِ

قال أَبو نصر: في القريب والبعيد؛ ورواه ابن الأَعرابي: في الأَدنى وفي البُعُد، قال: بعيد وبُعُد. والبَعَد، بالتحريك: جمع باعد مثل خادم وخَدَم. ويقال: إِنه لغير أَبْعَدَ إذا ذمَّه أَي لا خير فيه، ولا له بُعْدٌ: مَذْهَبٌ؛ وقول صخر الغيّ:

المُوعِدِينا في أَن نُقَتِّلَهُمْ،

 

أَفْنَاءَ فَهْمٍ، وبَيْنَنا بُعَـدُ

أَ أَنَّ أَفناء فهم ضروب منهم. بُعَد جَمع بُعْدةٍ. وقال الأَصمعي: أَتانا فلان من بُعْدةٍ أَي من أَرض بَعيدة. ويقال: إِنه لذو بُعْدة أَي لذو رأْي وحزم. يقال ذلك للرجل إذا كان نافذ الرأْي ذا غَوْر وذا بُعْدِ رأْي.
وما عنده أَبْعَدُ أَي طائل؛ قال رجل لابنه: إِن غدوتَ على المِرْبَدِ رَبِحْتَ عنا أَو رجعت بغير أَبْعَدَ أَي بغير منفعة.
وذو البُعْدة: الذي يُبْعِد في المُعاداة؛ وأَنشد ابن الأَعرابي لرؤبة:

يَكْفِيكَ عِنْدَ الشِّدَّةِ اليَبِيسَا،

 

ويَعْتَلِي ذَا البُعْدَةِ النُّحُوسا

وبَعْدُ: ضدّ قبل، يبنى مفرداً ويعرب مضافاً؛ قال الليث: بعد كلمة دالة على الشيء الأَخير، تقول: هذا بَعْدَ هذا، منصوب. وحكى سيبويه أَنهم يقولون من بَعْدٍ فينكرونه، وافعل هذا بَعْداً. قال الجوهري: بعد نقيض قبل، وهما اسمان يكونان ظرفين إذا أُضيفا، وأَصلهما الإِضافة، فمتى حذفت المضاف إِليه لعلم المخاطب بَنَيْتَهما على الضم ليعلم أَنه مبني إِذ كان الضم لا يدخلهما إِعراباً، لأَنهما لا يصلح وقوعهما موقع الفاعل ولا موقع المبتدإِ ولا الخبر؛ وقوله تعالى: لله الأَمر من قبلُ ومن بعدُ أَي من قبل الأَشياء وبعدها؛ أَصلهما هنا الخفض ولكن بنيا على الضم لأَنهما غايتان، فإِذا لم يكونا غاية فهما نصب لأَنهما صفة؛ ومعنى غاية أَي أَن الكلمة حذفت منها الإِضافة وجعلت غاية الكلمة ما بقي بعد الحذف، وإِنما بنيتا على الضم لأَن إِعرابهما في الإضافة النصب والخفض، تقول رأَيته قبلك ومن قبلك، ولا يرفعان لأَنهما لا يحدَّث عنهما، استعملا ظرفين فلما عدلا عن بابهما حركا بغير الحركتين اللتين كانتا له يدخلان بحق الإِعراب، فأَما وجوبُ بنائهما وذهاب إِعرابهما فلأَنهما عرَّفا من غير جهة التعريف، لأَنه حذف منهما ما أُضيفتا إِليه، والمعنى: لله الأَمر من قبل أَن تغلب الروم ومن بعد ما غلبت. وحكى الأَزهري عن الفراء قال: القراءة بالرفع بلا نون لأَنهما في المعنى تراد بهما الإِضافة إِلى شيء لا محالة، فلما أَدَّتا غير معنى ما أُضيفتا إِليه وُسِمَتا بالرفع وهما في موضع جر، ليكون الرفع دليلاً على ما سقط، وكذلك ما أَشبههما؛ كقوله:

إِنْ يَأْتِ مِنْ تَحْتُ أَجِيْهِ من عَلُ

وقال الآخر:

إِذا أَنا لم أُومَنْ عَلَيْكَ، ولم يكنْ

 

لِقَاؤُك الاّ مـن وَرَاءُ ورَاءُ

فَرَفَعَ إِذ جعله غاية ولم يذكر بعده الذي أُضيف إِليه؛ قال الفراء: وإِن نويت أَن تظهر ما أُضيف إِليه وأَظهرته فقلت: لله الأَمر من قبلِ ومن بعدِ، جاز كأَنك أَظهرت المخفوض الذي أَضفت إِليه قبل وبعد؛ قال ابن سيده: ويقرأُ لله الأَمر من قبلٍ ومن بعدٍ يجعلونهما نكرتين، المعنى: لله الأَمر من تقدُّمٍ وتأَخُّرٍ، والأَوّل أَجود. وحكى الكسائي: لله الأَمر من قبلِ ومن بعدِ، بالكسر بلا تنوين؛ قال الفراء: تركه على ما كان يكون عليه في الإِضافة، واحتج بقول الأَوّل:

بَيْنَ ذِراعَيْ وَجَبْهَةِ الأَسَد

قال: وهذا ليس كذلك لأَن المعنى بين ذراعي الأَسد وجبهته، وقد ذكر أَحد المضاف إِليهما، ولو كان: لله الأَمر من قبل ومن بعد كذا، لجاز على هذا وكان المعنى من قبل كذا ومن بعد كذا؛ وقوله:

ونحن قتلنا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِـيَّةٍ،

 

فما شربوا بَعْدٌ على لَذَّةٍ خَمْرا

إِنما أَراد بعدُ فنوّن ضرورة؛ ورواه بعضهم بعدُ على احتمال الكف؛ قال اللحياني وقال بعضهم: ما هو بالذي لا بُعْدَ له، وما هو بالذي لا قبل له، قال أَبو حاتم: وقالوا قبل وبعد من الأَضداد، وقال في قوله عز وجل: والأَرض بعد ذلك دحاها، أَي قبل ذلك. قال الأَزهري: والذي قاله أَبو حاتم عمن قاله خطأٌ؛ قبلُ وبعدُ كل واحد منهما نقيض صاحبه فلا يكون أَحدهما بمعنى الآخر، وهو كلام فاسد. وأَما قول الله عز وجل: والأَرض بعد ذلك دحاها؛ فإِن السائل يسأَل عنه فيقول: كيف قال بعد ذلك قوله تعالى: قل أَئنكم لتكفرون بالذي خلق الأَرض في يومين؛ فلما فرغ من ذكر الأَرض وما خلق فيها قال: ثم استوى إلى السماء، وثم لا يكون إِلا بعد الأَول الذي ذكر قبله، ولم يختلف المفسرون أَن خلق الأَرض سبق خلق السماء، والجواب فيما سأَل عنه السائل أَن الدَّحو غير الخلق، وإِنما هو البسط، والخلق هو إِلانشاءُ الأَول، فالله عز وجل، خلق الأَرض أَولاً غير مدحوّة، ثم خلق السماء، ثم دحا الأَرض أَي بسطها، قال: والآيات فيها متفقة ولا تناقض بحمد الله فيها عند من يفهمها، وإِنما أَتى الملحد الطاعن فيما شاكلها من الآيات من جهة غباوته وغلظ فهمه وقلة علمه بكلام العرب. وقولهم في الخطابة: أَما بعدُ؛ إِنما يريدون أَما بعد دعائي لك، فإِذا قلت أَما بعدَ فإِنك لا تضيفه إِلى شيء ولكنك تجعله غاية نقيضاً لقبل؛ وفي حديث زيد بن أَرقم: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خطبهم فقال: أَما بعدُ؛ تقدير الكلام: أَما بعدُ حمد الله فكذا وكذا. وزعموا أَن داود، عليه السلام، أَول من قالها؛ ويقال: هي فصل الخطاب ولذلك قال جل وعز: وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب؛ وزعم ثعلب أَن أَول من قالها كعب بن لؤي.
أَبو عبيد: يقال لقيته بُعَيْداتِ بَيْنٍ إذا لقيته بعد حين؛ وقيل: بُعَيْداتِ بَيْنٍ أَي بُعَيد فراق، وذلك إذا كان الرجل يمسك عن إِتيان صاحبه الزمانَ، ثم يأْتيه ثم يمسك عنه نحوَ ذلك أَيضاً، ثم يأْتيه؛ قال: وهو من ظروف الزمان التي لا تتمكن ولا تستعمل إلا ظرفاً؛ وأَنشد شمر:

وأَشْعَثَ مُنْقَدّ القيمصِ، دعَوْتُه

 

بُعَيْداتِ بَيْنٍ، لا هِدانٍ ولا نِكْسِ

ويقال: إِنها لتضحك بُعَيْداتِ بَيْنٍ أَي بين المرَّة ثم المرة في الحين.
وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه كان إذا أَراد البراز أَبعد، وفي آخر: يَتَبَعَّدُ؛ وفي آخر: أَنه، صلى الله عليه وسلم، كان يُبْعِدُ في المذهب أَي الذهاب عند قضاء حاجته؛ معناه إِمعانه في ذهابه إِلى الخلاء. وأَبعد فلان في الأَرض إذا أَمعن فيها. وفي حديث قتل أَبي جهل: هَلْ أَبْعَدُ من رجل قتلتموه؟ قال ابن الأَثير: كذا جاء في سنن أَبي داود معناها أَنهى وأَبلغ، لأَن الشيء المتناهي في نوعه يقال قد أَبعد فيه، وهذا أَمر بعيد لا يقع مثله لعظمه، والمعنى: أَنك استعظمت شأْني واستبعدت قتلي فهل هو أَبعد من رجل قتله قومه؛ قال: والروايات الصحيحة أَعمد، بالميم.

بعر

البَعيرُ: الجَمَل البازِلُ، وقيل: الجَذَعُ، وقد يكون للأُنثى، حكي عن بعض العرب: شربت من لبن بَعيري وصَرَعَتْني بَعيري أَي ناقتي، والجمع أَبْعِرَةٌ في الجمع الأَقل، وأَباعِرُ وأَباعيرُ وبُعْرانٌ وبِعْرانٌ.
قال ابن بري: أَباعِرُ جمع أَبْعِرةٍ، وأَبْعِرَةٌ جمع بَعير، وأَباعِرُ جمع الجمع، وليس جمعاً لبعير، وشاهد الأَباعر قول يزيد بن الصِّقّيل العُقَيْلي أَحد اللصوص المشهورة بالبادية وكان قد تاب:

أَلا قُلْ لرُعْيانِ الأَباعِرِ: أَهْمِلوا

 

فَقَدْ تابَ عَمّا تَعْلَـمـونَ يَزيدُ

وإِنَّ امْرَأً يَنْجو من النار، بَعْدَما

 

تَزَوَّدَ منْ أَعْمالِها، لسَـعـيدُ

قال: وهذا البيت كثيراً ما يتمثل به الناس ولا يعرفون قائله، وكان سبب توبة يزيد هذا أَن عثمان بن عفان وَجَّه إِلى الشام جيشاً غازياً، وكان يزيد هذا في بعض بوادي الحجاز يسرق الشاة والبعير وإِذا طُلب لم يوجد، فلما أَبصر الجيش متوجهاً إِلى الغزو أَخلص التوبة وسار معهم. قال الجوهري: والبعير من الإِبل بمنزلة الإِنسان من الناس، يقال للجمل بَعيرٌ وللناقة بَعيرٌ. قال: وإنما يقال له بعير إذا أَجذع. يقال: رأَيت بعيراً من بعيد، ولا يبالي ذكراً كان أَو أُنثى. وبنو تميم يقولون بِعير، بكسر الباء، وشِعير، وسائر العرب يقولون بَعير، وهو أَفصح اللغتين؛ وقول خالد ابن زهير الهذلي:

فإِن كنتَ تَبْغِي للظُّلامَةِ مَرْكَباً

 

ذَلُولاً، فإِني ليسَ عِنْدِي بَعِيرُها

يقول: إِن كنت تريد أَن أَكون لك راحلة تركبني بالظلم لم أُقرّ لك بذلك ولم أَحتمله لك كاحتمال البعير ما حُمّلَ. وبَعِرَ الجَمَلُ بَعَراً: صار بعيراً. قال ابن بري: وفي البعير سؤال جرى في مجلس سيف الدولة ابن حمدان، وكان السائل ابن خالويه والمسؤُول المتنبي، قال ابن خالويه: والبعير أَيضاً الحمار وهو حرف نادر أَلقيته على المتنبي بين يدي سيف الدولة، وكانت فيه خُنْزُوانَةٌ وعُنْجُهِيَّة، فاضطرب فقلت: المراد بالبعير في قوله تعالى: ولمن جاء به حِمْلُ بَعير، الحمارُ فكسرت من عزته، وهو أَن البعير في القرآن الحمار، وذلك أَن يعقوب وأخوة يوسف، عليهم الصلاة والسلام، كانوا بأرض كنعان وليس هناك إِبل وإنما كانوا يمتارون على الحمير. قال الله تعالى: ولمن جاء به حمل بعير، أَي حمل حمار، وكذلك ذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره. وفي زبور داود: أَن البعير كل ما يحمل، ويقال لكل ما يحمل بالعبرانية بعير، وفي حديث جابر: استغفر لي رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة البعير خمساً وعشرين مرة؛ هي الليلة التي اشترى فيها رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، من جابر جمله وهو في السفر. وحديث الجمل مشهور.
والبَعْرَة: واحدة البَعْرِ. والبَعْرُ والبَعَرُ: رجيع الخُف والظِّلف من الإِبل والشاء وبقر الوحش والظباء إلاّ البقر الأَهلية فإنها تَخْثي وهو خَثْيُها، والجمع أَبْعَارٌ، والأَرنب تَبْعَرُ أَيضاً، وقد بَعَرَتِ الشاةُ والبعير يَبْعَرُ بَعْراً.
والمِبْعَرُ والمَبْعَرُ: مكانُ البَعَرِ من كل ذي أَربع، والجمع مَباعِرُ.
والمِبْعارُ: الشاة والناقة تُباعِرُ حالِبَها. وباعَرَتِ الشاةُ والناقة إِلى حالبها: أَسرعت، والاسمُ البِعارُ، ويُعَدُّ عيباً لأَنها ربما أَلقت بَعَرَها في المِحْلَب.
والبَعْرُ: الفقر التام الدائم، والبَعَرَةُ: الكَمَرَةُ.
والبُعَيْرَةُ: تصغير البَعْرَة، وهي الغَضْبَةُ في الله جلّ ذكره. ومن أَمثالهم: أَنت كصاحب البَعْرَة؛ وكان من حديثه أَن رجلاً كانت له ظِنَّة في قومه فجمعهم يستبرئهم وأَخذ بَعْرَة فقال: إِني رام ببعرتي هذه صاحب ظِنِّتي، فَجَفَلَ لها أَحَدُهُم وقال: لا ترمني بها، فأَقرّ على نفسه.
والبَعَّارُ: لقب رجل. والبَيْعَرَة: موضع. وأَبناء البعير: قوم. وبنو بُعْرَان: حَيٌّ.

بعزج

بَعْزَجَةُ: اسمُ فرس المِقْداد، شهد عليها يوم السَّرْحِ.

بعص

البَعْصُ والتَّبَعُّصُ: الاضطرابُ. وتَبَعْصَصَت الحيةُ: ضُرِبَتْ فَلَوَتْ ذَنَبها. والبُعْصُوصُ والبَعَصُوصُ: الضَّئِيلُ الجسمِ.
والبَعْصُ: نَحافةُ البدَن ودِقّتُه، وأَصله دُودةٌ يقال لها البُعْصُوصةُ: دُوَيْبّة صغيرة كالوزَغةِ لها بَريقٌ من بياضها. قال: وسَبُّ الجواري: يا بُعْصوصةُ كُفِّي ويا وجهَ الكُتَع. ويقال للصبي الصغير والصبيَّة الصغيرة: بُعْصُوصةٌ لصِغَر خَلْقِه وضَعْفِه. والبُعْصُوص من الإِنسان: العظْمُ الصغيرُ الذي بين أَلْيتيه. قال يعقوب: يقال للحيّة إذا قُتِلَتْ فَتَلوّتْ: قد تَبَعْصَصَت وهي تَبَعْصَصُ؛ قال العجاج يصف ناقته:

كأَنّ تَحْتي حيّةً تَبَعْصَصُ

قال ابن الأَعرابي: يقال للجُوَيْرية الضاوِيةِ البُعْصُوصة والعِنْفِصُ والبَطِيطة والحَطِيطةُ.

بعض

بَعْضُ الشيء: طائفة منه، والجمع أَبعاض؛ قال ابن سيده: حكاه ابن جني فلا أَدري أَهو تسمُّح أَم هو شيء رواه، واستعمل الزجاجي بعضاً بالأَلف واللام فقال: وإِنما قلنا البَعْض والكل مجازاً، وعلى استعمال الجماعة لهُ مُسامحة، وهو في الحقيقة غير جائر يعني أَن هذا الاسم لا ينفصل من الإضافة. قال أَبو حاتم: قلت للأصمعي رأَيت في كتاب ابن المقفع: العِلْمُ كثيرٌ ولكن أَخْذُ البعضِ خيرٌ مِنْ تَرْكِ الكل، فأَنكره أَشدَّ الإِنكار وقال: الأَلف واللام لا يدخلان في بعض وكل لأَنهما معرفة بغير أَلف ولامٍ. وفي القرآن العزيز: وكلٌّ أَتَوْه داخِرين. قال أَبو حاتم: ولا تقول العرب الكل ولا البعض، وقد استعمله الناس حتى سيبويه والأَخفش في كُتُبهما لقلة علمهما بهذا النحو فاجْتَنِبْ ذلك فإِنه ليس من كلام العرب. وقال الأَزهري: النحويون أَجازوا الأَلف واللام في بعض وكل، وإِنَّ أَباهُ الأَصمعيُّ. ويقال: جارية حُسّانةٌ يُشْبِه بعضُها بَعْضاً، وبَعْضٌ مذكر في الوجوه كلها.
وبَعّضَ الشيء تَبْعِيضاً فتبَعَّضَ: فرّقه أَجزاء فتفرق.
وقيل: بَعْضُ الشيء كلُّه؛ قال لبيد:

أَو يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفوسِ حِمامُها

قال ابن سيده: وليس هذا عندي على ما ذهب إِليه أَهل اللغة من أَن البَعْضَ في معنى الكل، هذا نقض ولا دليل في هذا البيت لأَنه إِنما عنى ببعض النفوس نَفْسَه. قال أَبو العباس أَحمد بن يحيى: أَجمع أَهل النحو على أَن البعض شيء من أَشياء أَو شيء من شيء إِلاّ هشاماً فإِنه زعم أَن قول لبيد:

أَو يعتلق بعض النفوس حمامها

فادعى وأَخطأَ أَن البَعْضَ ههنا جمع ولم يكن هذا من عمله وإِنما أَرادَ لَبِيدٌ ببعض النفوس نَفْسَه. وقوله تعالى: تَلْتَقِطه بَعْضُ السيّارة، بالتأْنيث في قراءة من قرأ به فإِنه أَنث لأَنّ بَعْضَ السيّارة سَيّارةٌ كقولهم ذهَبتْ بَعْضُ أَصابعه لأَن بَعْض الأَصابع يكون أُصبعاً وأُصبعين وأَصابع. قال: وأَما جزم أَو يَعْتَلِقْ فإِنه رَدَّهُ على معنى الكلام الأَول، ومعناه جزاء كأَنه قال: وإِن أَخرجْ في طلب المال أُصِبْ ما أَمَّلْت أَو يَعْلَق الموتُ نفسي. وقال: قوله في قصة مؤمن آلِ فرعون وما أَجراه على لسانه فيما وعظ به آل فرعون: إِن يَكُ كاذباً فعليه كَذِبُه وإِن يَكُ صادقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الذي يَعِدُكم، إِنه كان وَعَدَهم بشيئين: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فقال: يُصِبْكم هذا العذاب في الدنيا وهو بَعْضُ الوَعْدَينِ من غير أَن نَفى عذاب الآخرة. وقال الليث: بعض العرب يَصِلُ بِبَعْضٍ كما تَصِلُ بما، من ذلك قوله تعالى: وإِن يَكُ صادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الذي يعدكم؛ يريد يصبكم الذي يعدكم، وقيل في قوله بَعْضُ الذي يعدكم أَي كلُّ الذي يعدكم أَي إِن يكن موسى صادقاً يصبكم كل الذي يُنْذِرُكم به وبتوَعّدكم، لا بَعْضٌ دونَ بَعضٍ لأَن ذلك مِنْ فعل الكُهَّان، وأَما الرسل فلا يُوجد عليهم وَعْدٌ مكذوب؛ وأَنشد:

فيا لـيتـه يُعْـفـى ويُقـرِعُ بـينـنـا

 

عنِ المَوتِ، أَو عن بَعْض شَكواه مقْرعُ

ليس يريد عن بَعْضِ شكواه دون بَعْضٍ بل يريد الكل، وبَعْضٌ ضدُّ كلٍّ؛ وقال ابن مقبل يخاطب ابنتي عَصَر:

لَوْلا الحَياءُ ولولا الدِّينُ، عِبْتُكمـا

 

بِبَعْضِ ما فِيكُما إِذْ عِبْتُما عَوَري

أراد بكل ما فيكما فيما يقال. وقال أَبو إِسحق في قوله بَعْضُ الذي يعدكم: من لطيف المسائل أَن النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، إذا وَعَدَ وعْداً وقع الوَعْدُ بأَسْرِه ولم يقع بَعْضُه، فمن أَين جاز أَن يقول بَعْضُ الذي يَعدكم وحَقُّ اللفظ كلُّ الذي يعدكم؟ وهذا بابٌ من النظر يذهب فيه المناظر إِلى إِلزام حجته بأَيسر ما في الأَمر. وليس في هذا معنى الكل وإِنما ذكر البعض ليوجب له الكل لأَن البَعْضَ هو الكل؛ ومثل هذا قول الشاعر:

قد يُدْرِكُ المُتَأَنّي بَعْضَ حاجتِه،

 

وقد يكونُ مع المسْتَعْجِل الزَّلَلُ

لأَن القائل إذا قال أَقلُّ ما يكون للمتأَني إِدراكُ بَعْضِ الحاجة، وأَقلُّ ما يكون للمستعجل الزَّلَلُ، فقد أَبانَ فضلَ المتأَني على المستعجل بما لا يَقْدِرُ الخصمُ أَن يَدْفَعَه، وكأَنّ مؤمنَ آل فرعون قال لهم: أَقلُّ ما يكون في صِدْقه أَن يُصِيبَكم بعضُ الذي يَعِدكم، وفي بعض ذلك هلاكُكم، فهذا تأْويل قوله يُصِبْكم بَعْضُ الذي يَعِدُكم.
والبَعُوض: ضَرْبٌ من الذباب معروف، الواحدة بَعُوضة؛ قال الجوهري: هو البَقّ، وقوم مَبْعُوضُونَ. والبَعْضُ: مَصْدر بَعَضَه البَعُوضُ يَبْعَضُه بَعْضاً: عَضَّه وآذاه، ولا يقال في غير البَعُوض؛ قال يمدح رجلاً بات في كِلّة:

لَنِعْم البَيْتُ بَـيْتُ أَبـي دِثـارٍ،

 

إِذا ما خافَ بَعْضُ القومَ بَعْضا،

قوله بَعْضا: أَي عَضّاً. وأَبو دِثَار: الكِّلة. وبُعِضَ القومُ: آذاهم البَعُوضُ. وأَبْعَضُوا إذا كان في أَرضهم بَعُوضٌ. وأَرض مَبْعَضة ومَبَقّة أَي كثيرة البَعُوضِ والبَقّ، وهو البَعُوضُ؛ قال الشاعر:

يَطِنُّ بَعُوضُ الماء فَوْقَ قَذالهـا،

 

كما اصطَخَبَتْ بعدَ النَجِيِّ خُصومُ

وقال ذو الرمة:

كما ذبّبَتْ عَذْراء، وهي مُشِـيحةٌ،

 

بَعُوض القُرى عن فارِسيٍّ مُرَفّل

مُشيحة: حَذِرة. والمُشِحُ في لغة هذيل: المُجدُّ؛ وإِذا أَنشد الهذلي هذا البيت أَنشده:

كما ذببت عذراء غير مشيحة

وأَنشد أَبو عبيداللّه محمد بن زياد الأَعرابي:

ولَيْلة لم أَدْرِ ما كـراهـا،

 

أُسامِرُ البَعُوضَ في دجاها

كلّ زجُولٍ يُتَّقَى شَـذاهـا،

 

لا يَطْرَبُ السامعُ من غِناها

وقد ورد في الحديث ذكرُ البَعُوض وهو البقّ. والبَعُوضة: موضع كان للعرب فيه يوم مذكور؛ قال متمم بن نويرة يذكر قتلى ذلك اليوم:

على مثل أَصحابِ البعوضة فاخْمُشِي،

 

لَكِ الويلُ،حُرَّ الوجه أَو يَبْكِ مَن بكى

ورَمْل البَعُوضة: معروفة بالبادية.

بعط

البَعْطُ والإِبْعاطُ: الغُلُوّ في الجَهْلِ والأَمْر القَبِيح.
وأَبْعَطَ الرجلُ في كلامه إذا لم يُرْسِلْه على وجهه؛ قال رؤبة:

وقُلْت أَقْوالَ امرِئ لم يُبْعِـطِ:

 

أَعْرِضْ عن الناسِ ولا تَسَخَّطِ

وأَبْعَطَ في السَّوْمِ: تَباعَدَ وتَجاوَزَ القَدْرَ؛ قال ابن بري شاهِدُه قولُ حسّان:

ونَجا أَراهِطُ أَبْعَطُوا، ولَوَ أُنَّهم

 

ثَبَتُوا، لمَا رَجَعُوا إذا بسـلام

وكذلك طمَح في السَّوْمِ وأَشَطَّ فيه، قال ابن الأَعرابي: وكذلك المُعْتَنِزُ والمُبْعِطُ والصُّنْتُوتُ. والفَرْدُ والفَرِدُ والفَرُودُ: الذي يكون وحده. والإِبْعاطُ: أَن تُكَلِّفَ الإِنسانَ ما ليس في قوّته؛ أَنشد ابن الأَعرابي:

ناجٍ يُعَنِّيهِنَّ بالإِبْـعـاطِ،

 

إِذا اسْتدى نَوَّهْنَ بالسِّياطِ

ورواه ثعلب يُغَنِّيهِنّ بالإِبْعاطِ. اسْتدى: افْتَعَل من السَّدْو.
والإِبْعاطُ: الإِبْعادُ، قال: ومشى أَعرابي في صلح بين قوم فقال: لقد أَبْعَطُوا إِبْعاطاً شديداً أَي أَبْعَدُوا ولم يَقْرُبوا من الصلح؛ وقال مجنون بني عامر:

لا يُبْعِطُ النَّقْدَ من دَيْني فيَجْحَدَني،

 

ولا يُحَدّثُني أَنْ سَوْفَ يَقْضِينـي

وروى سلمة عن الفراء أَنه قال: يُبْدلون الدال طاء فيقولون: ما أَبْعَطَ طارَك، يريدون: ما أَبعد دارك، ويقولون: بَعَطَ الشاةَ وشَحَطَها وذَمَطَها وبَذَحَها وذَعَطَها إذا ذبحها. والبَعْطُ والمِبْعَطةُ: الاسْتُ.

بعع

البَعاعُ: الجَهازُ والمَتاعُ. أَلقى بَعَعَه وبَعاعَه أَي ثِقَلَه ونفْسَه، وقيل: بَعاعُه مَتاعُه وجَهازُه. والبَعاعُ: ثِقَلُ السحاب من الماء. أَلقتِ السحابةُ بَعاعَها أَي ماءَها وثِقَلَ مطرِها؛ قال امرؤُ القيس:

وأَلقَى بصَحْراء الغَبِيطِ بَعـاعَـه

 

نُزولَ اليَماني ذي العِيابِ المُخَوَّل

وبَعَّ السحابُ يَبِعُّ بَعّاً وبَعاعاً: أَلَحَّ بِمَطَرِه. وبَعَّ المطرُ من السحابِ: خرج. والبَعاعُ: ما بعَّ من المطر؛ قال ابن مقبل يذكر الغيث:

فأَلقَى بشَرْجٍ والصَّرِيفِ بَعاعَه

 

ثِقالٌ رَواياه مِن المُزْنِ دُلَّـحُ

والبَعْبَعُ: صوت الماء المتَدارِكِ، قال الأَزهري: كأَنه أَراد حكاية صوته إذا خرج من الإِناء ونحو ذلك. وبَعَّ الماءَ بَعّاً إذا صَبَّه؛ ومنه الحديث: أَخذها فبعَّها في البَطْحاء، يعني الخمر صبَّها صبّاً.
والبَعاعُ: شدَّة المطر، ومنهم من يَرويها بالثاء المثلثة من ثَعَّ يَثِعُّ إذا تَقَيَّأَ أَي قذَفَها في البَطْحاء؛ ومنه حديث عليّ، رضي الله عنه:أَلقت السحابُ بَعاعَ ما استقَلَّت به من الحِمْل.
ويقال: أَتيته في عَبْعَبِ شبابه وبَعْبَعِ شبابه وعِهِبَّى شبابه.وأَخرجت الأَرض بَعاعَها إذا أَنبتت أَنواع العُشب أَيام الربيع.
والبَعابِعَةُ: الصَّعالِيكُ الذين لا مال لهم ولا ضَيْعةَ. والبُعَّةُ من أَولاد الإِبل: الذي يُولَدُ بين الرُّبَعِ والهُبَعِ.
والبَعْبَعةُ: حكاية بعض الأَصوات، وقيل: هو تَتابُع الكلام في عَجَلةٍ.

بعق

البُعاقُ: شدّة الصوت، وقد بَعَقَ الرجلُ وغيره وانْبَعَقَ وبعَقَت الإبلُ بُعاقاً. والباعِقُ: المُؤَذن، وقد بَعَقَ بُعاقاً؛ وأنشد:

تَيَمَّمْتُ بالكِدْيَوْنِ كي لا يَفُوتَنـي،

 

من المَقْلةِ البَيْضاء، تَقْرِيظُ باعِق

قال: يعني ترجيع المؤذن إذا رجَّع في أذانه؛ قال الأَزهري: ورواه غيره تفريط ناعق، من نَعَق الرّاعي بغنمه، ولعلهما لغتان. وانْبَعَق الشيء:اندَرأَ مُفاجأَة وأَنت لا تشعُر من حيث لم تحتسبه، وهو الانْبِعاق؛ وأَنشد:

بَيْنما المَرْء آمِـنـاً راعَـه را

 

ئعُ حَتْفٍ، لم يَخْشَ منه انْبِعاقَهْ

والباعِقُ: المطر يُفاجِئ بوابل. ومطر بُعاقٌ وبِعاقٌ: مُنْدفِع بالماء، وقد تَبَعَّق يتَبَعَّق وانْبَعَقَ يَنْبَعِق. وسيْلٌ بُعاق وبِعاق:شديد الدفْعة؛ قال أبو حنيفة: هو الذي يَجْرُف كل شيء. وأرض مَبْعُوقة:أصابها البُعاق. والبعاقُ: المطر الذي يَتبَعَّق بالماء تبعُّقاً؛ وأنشد ابن بري:

تبَعَّقَ فيه الوابِلُ المُتَهَطِّلُ

وبعَقَ الناقةَ: نَحَرَها وأسالَ دمَها. وفي حديث حُذيفة أنه قال: ما بقي من المُنافقين إلا أربعة، فقال رجل: فأَين الذين يُبَعِّقُون لِقاحَنا ويَنقُبون بيوتنا؟ فقال حُذيْفةُ: أُولئك هم الفاسقون؛ قال أبو عبيد:قوله يبعقون لقاحنا يعني أنهم ينْحَرون إبلنا ويُسيلون دِماءها. يقال: انبعق المطرُ إذا سال لكثرته. وفي حديث الاسْتِسقاء: جَمُّ البُعاق؛ هو بالضم، المطر الكثير الغزير الواسع.
وبعقْت الإبلَ: نحرْتُها، وتَبعَّقَت: أفاضَتْ بهاقال الأزهري: وفي نوادر الأَعراب انْبعَق فلان كذا وكذا انْبِعاقاً إذا أَخذه من تلقاء نفسه، فهو مُنْبعِق. وروي عن عمر، رضي الله عنه، أَنه قال: الانبعاق فيما لا ينبغي من شقاشِق الشيطان. وفي الحديث: إن الله يكره الانْبِعاقَ في الكلام، فرحم الله امْرأً أوجَز في كلامه؛ أَي التوسُّعَ فيه والتكثُّر منه، ويروى:التبعُّقَ في الكلام.
والبُعاق، بالضم: سحاب يتصبب بشدّة. وقد انْبعَقَ المُزْن إذا انْبعَجَ بالمطر، وتَبَعَّق مثله؛ قال رؤبة:

وَجُود مَرْوانَ، إذا تَدَفَّقـا،

 

جُودٌ كجُودِ الغَيْثِ، إذ تَبَعَّقا

والبَعْقُ والبَعْجُ: الشَّقُّ. وبعَّقْت زِقَّ الخمر تَبْعِيقاً أي شققْتُه.

بعقط

البُعْقُوط: القصير في بعض اللغات. والبُعْقُوطةُ: دُحْرُوجةُ الجُعَل. ابن بري: البُعْقُوطةُ ضرب من الطير. ورجل بُعْقُوطٌ وبُلْقُوطٌ: قصير، قال: وقال بعضهم ليس البلقوط بثبت.

بعك

بَعَكَهُ بالسيف: ضرب أطرافه. والبَعَكُ: الغلظ والكَزازة في الجسم، ومنه اشتق بَعْكَكٌ؛ عن ابن دريد. وبُعْكُوكةُ القوم: آثارهم حيث نزلوا. وبُعْكُوكة القوم: جماعتهم، وكذلك هي من الإبل؛ عن ثعلب؛ وأنشد:

يخرُجْنَ من بُعْكُوكة الخِلاط

وبُعْكوكةُ الناس: مجتَمعهم. وبُعْكُوكة الشر: وسطه، وحكى اللحياني الفتح في أوائل هذه الحروف وجعلها نوادر، لأن الحكم في فُعْلول أن يكون مضموم الأَول إلا أشياء نوادر جاءت بالضم والفتح، فمنها بَعكوكة، قال: شبهت بالمصادر نحو سار سَيْرورة وحاد حَيْدودة، قال الأَزهري: هذا حرف جاء نادراً على فَعَلولة ولم يجئ في كلامهم مثله إلا صَعْفوق، وهو مذكور في موضعه، وإنما جاء في كلامهم على فُعْلول بضم الفاء مثل بُهْلول وكُهْلول وزُغْلول، قال ابن بري: أصل البُعْكوكة الجَلَبة والاختلاط. وبُعْكُوكة الوادي: وسطه. ووقعنا في بَعْكُوكاءَ ومَعْكُوكاء أي غبار وجلبة وصياح، وقيل:في شر واختلاط، وهي البُعْكُوكة؛ عن السيرافي. والبُعَكوك: شدة الحر.وبَعْكوكاء: موضع. وبَعْكَك: اسم رجل.

بعكن

رَمْلة بَعْكنةٌ: غليظة تشتدُّ على الماشي فيها.

بعل

البَعْلُ: الأَرض المرتفعة التي لا يصيبها مطر إِلا مرّة واحدة في السنة، وقال الجوهري: لا يصيبها سَيْح ولا سَيْل؛ قال سلامة بن جندل:

إِذا ما عَلَونا ظَهْرَ بَعْل عَرِيضةٍ

 

تَخَالُ عليها قَيْضَ بَيْضٍ مُفَلَّق

أَنثها على معنى الأَرض، وقيل: البَعْل كل شجر أَو زرع لا يُسْقى، وقيل: البَعْل والعَذْيُ واحد، وهو ما سفَتْه السماء، وقد اسْتَبْعَل الموضع.
والبَعْلُ من النخل: ما شرب بعروقه من غير سَقْي ولا ماء سماء، وقيل: هو ما اكتفى بماء السماة، وبه فسر ابن دريد ما في كتاب النبي،صلى الله عليه وسلم، لأُكَيْدِر بن عبد الملك: لَكُم الضَّامنة من النَّخْل ولنا الضاحية من البَعْل؛ الضامنة: ما أَطاف به سُورُ المدينة، والضاحية: ما كان خارجاً أَي التي ظهرت وخرجت عن العِمارة من هذا النَّخيل؛ وأَنشد:

أَقسمت لا يذهب عني بَعْلُها

 

أَوْ يَسْتوِي جَثِيثُها وجَعْلُهـا

وفي حديث صدقة النخل: ما سقي منه بَعْلاً فَفِيه العشر؛ هو ما شرب من النخيل بعروقه من الأَرض من غير سَقْي سماء ولا غيرها. قال الأَصمعي: البَعْل ما شرب بعروقه من الأَرض بغير سَقْي من سماء ولا غيرها. والبَعْل: ما أُعْطِي من الإِتَاوة على سَقْي النخل؛ قال عبدالله بن رواحة الأَنصاري:

هُنالك لا أُبالي نَخْلَ بَعْـل

 

ولا سَقْيٍ، وإِنْ عَظُم الإِتَاء

قال الأَزهري: وقد ذكره القُتَيبي في الحروف التي ذكر أَنه أَصلح الغلط الذي وقع فيها وأَلفيته يتعجب من قول الأَصمعي: البَعْل ما شرب بعروقه من الأَرض من غير سقي من سماء ولا غيرها، وقال: ليت شعري، أَنَّى يكون هذا النخل الذي لا يُسْقى من سماء ولا غيرها؟ وتوهم أَنه يصلح غلطاً فجاء بأَطَمّ غلط، وجهل ما قاله الأَصمعي وَحَمله جَهْلُه على التَّخبط فيما لا يعرفه، قال: فرأَيت أَن أَذكر أَصناف النخيل لتقف عليها فَيضِحَ لك ما قاله الأَصمعي: فمن النخيل السَّقِيُّ ويقال المَسْقَوِيُّ، وهو الذي يُسْقَى بماء الأَنهار والعيون الجارية، ومن السَّقِيّ ما يُسْقى نَضْحاً بالدِّلاء والنواعير وما أَشبهها فهذا صنف، ومنها العَذْي وهو ما نبت منها في الأَرض السهلة، فإِذا مُطِرت نَشَّفت السهولة ماء المطر فعاشت عروقها بالثرى الباطن تحت الأَرض، ويجيء ثمرها قَعْقَاعاً لأَنه لا يكون رَيَّان كالسَّقِّيّ، ويسمى التمر إذا جاء كذلك قَسْباً وسَحّاً، والصنف الثالث من النخل ما نبت ودِيُّه في أَرض يقرب ماؤها الذي خلقه الله تعالى تحت الأَرض في رقاب الأَرض ذات النَّزِّ فرَسَخَت عروقُها في ذلك الماء الذي تحت الأَرض واستغنت عن سَقْي السماء وعن إِجْراء ماء الأَنهار وسَقْيِها نَضْحاً بالدلاء، وهذا الضرب هو البَعْل الذي فسره الأَصمعي، وتمر هذا الضرب من التمر أَن لا يكون رَيَّان ولا سَحّاً، ولكن يكون بينهما، وهكذا فسر الشافعي البَعْل في باب القسم فقال: البَعْل ما رَسَخ عُروقه في الماء فاسْتَغْنَى عن أَن يُسْقَى؛ قال الأَزهري: وقد رأَيت بناحية البَيْضاء من بلاد جَذِيمَة عبد القَيْس نَخْلاً كثيراً عروقها راسخة في الماء، وهي مستغنية عن السَّقْي وعن ماء السماء تُسَمَّى بَعْلاً. واستبعل الموضع والنخل: صار بَعْلاً راسخ العروق في الماء مستغنياً عن السَّقْي وعن إِجراء الماء في نَهر أَو عاثور إِليه. وفي الحديث: العَجْوة شِفاء من السُّمِّ ونزل بَعْلُها من الجنة أَي أَصلها؛ قال الأَزهري: أَراد بِبَعْلِها قَسْبَها الراسخة عُروقُه في الماء لا يُسْقَى بنَضْح ولا غيره ويجيء تَمْره يابساً له صوت. واستبْعل النخلُ إذا صار بَعْلاً. وقد ورد في حديث عروة: فما زال وارثه بَعْلِيّاً حتى مات أَي غَنِيّاً ذا نَخْل ومال؛ قال الخطابي: لا أَدري ما هذا إِلا أَن يكون منسوباً إِلى بَعْل النخلِ، يريد أَنه اقتنى نَخْلاً كَثِيراً فنُسِب إِليه، أَو يكون من البَعْل المَالك والرئيس أَي ما زال رئيساً متملكاً. والبَعْل: الذَّكَر من النَّخل. قال الليث: البَعْلُ من النخل ما هو من الغلط الذي ذكرناه عن القُتَبي، زعم أَن البَعْل الذكر من النخل والناس يسمونه الفَحْل؛ قال الأَزهري: وهذا غلط فاحش وكأَنه اعتبر هذا التفسير من لفظ البَعْل الذي معناه الزوج، قال: قلت وبَعْل النخل التي تُلْقَح فَتَحْمِل، وأَما الفُحَّال فإِن تمره ينتقض، وإِنما يلْقَح بطَلْعه طَلْع الإِناث إذا انشقَّ. والبَعْل: الزوج. قال الليث: بَعَل يَبْعَل بُعولة، فهو باعل أَي مُسْتَعْلِج؛ قال الأَزهري: وهذا من أَغاليط الليث أَيضاً وإِنما سمي زوج المرأَة بَعْلاً لأَنه سيدها ومالكها، وليس من الاستعلاج في شيء، وقد بَعَل يَبْعَل بَعْلاً إذا صار بَعْلاً لها. وقوله تعالى: وهذا بَعْلي شيخاً؛ قال الزجاج: نصب شيخاً على الحال، قال: والحال ههنا نصبها من غامض النحو، وذلك إذا قلت هذا زيد قائماً، فإِن كنت تقصد أَن تخبر من لم يَعْرِف زيداً أَنه زيد لم يَجُز أَن تقول هذا زيد قائماً، لأَنه يكون زيداً ما دام قائماً، فإِذا زال عن القيام فليس بزيد، وإِنما تقول للذي يعرف زيداً هذا زيد قائماً فيعمل في الحال التنبيه؛ المعنى: انْتَبِه لزيد في حال قيامه أَو أُشيرُ إِلى زيد في حال قيامه، لأَن هذا إِشارة إِلى من حضر، والنصب الوجه كما ذكرنا؛ ومن قرأَ: هذا بَعْلي شيخٌ، ففيه وجوه: أَحدها التكرير كأَنك قلت هذا بعلي هذا شيخ، ويجوز أَن يجعل شيخ مُبِيناً عن هذا، ويجوز أَن يجعل بعلي وشيخ جميعاً خبرين عن هذا فترفعهما جميعاً بهذا كما تقول هذا حُلْوٌ حامض، وجمع البَعْل الزوجِ بِعال وبُعُول وبُعُولة؛ قال الله عز وجل: وبُعولتهن أَحق بردّهن. وفي حديث ابن مسعود: إِلا امرأَة يَئِسَتْ من البُعولة؛ قال ابن  الأَثير: الهاء فيها لتأْنيث الجمع، قال: ويجوز أَن تكون البُعولة مصدر بَعَلَت المرأَة أَي صارت ذات بَعْل؛ قال سيبويه: أَلحقوا الهاء لتأْكيد التأْنيث، والأُنثى بَعْل وبَعْلة مثل زَوْج وزَوْجة؛ قال الراجز:

شَرُّ قَرِينٍ للكَبِير بَعْلَتُـه

 

تُولِغُ كَلْباً سُؤرَه أَو تَكْفِتُه

وبَعَل يَبْعَل بُعولة وهو بَعْل: صار بَعْلاً؛ قال

يا رُبَّ بَعْلٍ ساءَ ما كان بَعَل

واسْتَبْعَلَ: كبَعَلَ. وتَبَعَّلَت المرأَةُ: أَطاعت بَعْلَها، وتَبَعَّلَت له: تزينتْ. وامرأَة حَسَنَة التَّبَعُّل إذا كانت مُطاوِعة لزوجها مُحِبَّة له. وفي حديث أَسماء الأَشهلية: إذا أَحْسَنْتُنَّ تَبَعُّل أَزواجكن أَي مصاحبتهم في الزوجية والعِشْرة. والبَعْل والتَّبَعُّل: حُسْن العِشْرة من الزوجين.
والبِعال: حديث العَرُوسَيْن. والتَّباعل والبِعال: ملاعبة المرءِ أَهلَه، وقيل: البِعال النكاح؛ ومنه الحديث في أَيام التشريق: إِنها أَيام أَكل وشرب وبِعال. والمُباعَلة: المُباشَرة. ويروى عن ابن عباس، رضي الله عنه: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان إذا أَتى يومُ الجمعة قال: يا عائشة، اليَوْمُ يومُ تَبَعُّل وقِرانٍ؛ يعني بالقِران التزويجَ. ويقال للمرأَة: هي تُباعِل زَوْجَها بِعالاً ومُباعَلة أَي تُلاعبه؛ وقال الحطيئة:

وكَمْ مِن حَصانٍ ذاتِ بَعْلٍ تَرَكْتَها

 

إِذا الليل أَدْجَى، لم تَجِدْ من تُباعِلُه

أَراد أَنك قتلت زوجها أَو أَسرته. ويقال للرجل: هو بَعلُ المرأَة، ويقال للمرأَة: هي بَعْلُه وبَعْلَتُه. وباعلَت المرأَةُ: اتخذت بَعْلاً.
وباعَلَ القومُ قوماً آخرين مُباعلَة وبِعالاً: تَزَوَّجَ بعضهم إِلى بعض.
وبَعْلُ الشيء: رَبُّه ومالِكُه. وفي حديث الايمان: وأَن تَلِدَ الأَمة بَعْلَها؛ المراد بالبعل ههنا المالك يعني كثرة السبي والتسرّي، فإِذا استولد المسلم جارية كان ولدها بمنزلة ربها.
وبَعْلٌ والبَعْل جميعاً: صَنَم، سمي بذلك لعبادتهم إِياه كأَنه رَبُّهم. وقوله عز وجل: أَتدعون بَعْلاً وتَذَرُون أَحسن الخالقين؛ قيل: معناه أَتدعون ربّاً، وقيل: هو صنم؛ يقال: أَنا بَعْل هذا الشيء أَي رَبُّه ومالكه، كأَنه قال: أَتدعون رَبّاً سوى الله. وروي عن ابن عباس: أَن ضالَّة أُنْشِدَت فجاء صاحبها فقال: أَنا بَعْلُها، يريد ربها، فقال ابن عباس: هو من قوله أَتدعون بعلاً أَي رَبّاً. وورد أَن ابن عباس مَرَّ برجلين يختصمان في ناقة وأَحدهما يقول: أَنا والله بَعْلُها أَي مالكها ورَبُّها.
وقولهم: مَنْ بَعْلُ هذه الناقة أَي مَنْ رَبُّها وصاحبها. والبَعْلُ: اسم مَلِك. والبَعْل: الصنم مَعْموماً به؛ عن الزجاجي، وقال كراع: هو صَنَم كان لقوم يونس، صلى الله على نبينا وعليه؛ وفي الصحاح: البَعْل صنم كان لقوم إِلياس، عليه السلام، وقال الأَزهري: قيل إِن بَعْلاً كان صنماً من ذهب يعبدونه.
ابن الأَعرابي: البَعَل الضَّجَر والتَّبَرُّم بالشيء؛ وأَنشد:

بَعِلْتَ، ابنَ غَزْوانٍ، بَعِلْتَ بصاحبٍ

 

به قَبْلَكَ الإِخْوَانُ لم تَكُ تَبْـعَـل

وبَعِل بِأَمره بَعَلاً، فهو بَعِلٌ: بَرِمَ فلم يدر كيف يصنع فيه. والبَعَل: الدَّهَش عند الرَّوع. وبَعِل بَعَلاً: فَرِق ودَهِشَ، وامرأَة بَعِلة. وفي حديث الأَحنف: لما نَزَل به الهَياطِلَة وهم قوم من الهند بَعِل بالأَمر أَي دَهِش، وهو بكسر العين. وامرأَة بَعِلة: لا تُحْسِن لُبْسَ الثياب. وباعَله: جالَسه. وهو بَعْلٌ على أَهله أَي ثِقْلٌ عليهم. وفي الحديث: أَن رجلاً قال للنبي،صلى الله عليه وسلم: أُبايعك على الجهاد، فقال: هل لك من بَعْلٍ؟ البَعْل: الكَلُّ؛ يقال: صار فلان بَعْلاً على قومه أَي ثِقْلاً وعِيَالاً، وقيل: أَراد هل بقي لك من تجب عليك طاعته كالوالدين. وبَعَل على الرجل: أَبى عليه. وفي حديث الشورى: فقال عمر قوموا فتشاوروا، فمن بَعَل عليكم أَمرَكم فاقتلوه أَي من أَبى وخالف؛ وفي حديث آخر: من تأَمَّر عليكم من غير مَشُورة أَو بَعَل عليكم أَمراً؛ وفي حديث آخر: فإِن بَعَل أَحد على المسلمين، يريد شَتَّت أَمرهم، فَقدِّموه فاضربوا عنقه.
وبَعْلَبَكُّ: موضع، تقول: هذا بَعْلَبَكُّ ودخلت بَعْلَبَكَّ ومررت ببَعْلَبَكَّ، ولا تَصْرف،ومنهم من يضيف الأَول إِلى الثاني ويُجري الأَول بوجوه الإِعراب؛ قال الجوهري: القول في بعلبك كالقول في سامِّ أَبْرَص؛ قال ابن بري: سامُّ أَبرص اسم مضاف غير مركب عند النحويين.

بعلبك

الأَزهري في الرباعي: بَعْلبكّ اسم بلد، وهما اسمان جعلا اسماً واحداً فأُعطيا إعراباً واحداً وهو النصب، يقال: دخلت بَعْلَبَكّ ومررت ببَعْلَبَكَّ وهذه بَعْلَبَكَّ، ومثله حَضْرَمَوْت ومَعْدي كربَ، قال:والنسبة إليه بَعْليٌّ، وإن شئت بَكِّيّ، على ما ذكر في عَبْد شَمْس.

بعنق

عُقاب عَقَنْباةٌ وعَبَنْقاةٌ وقَعَنْباة وبَعَنْقاةٌ: حَديدة المخالب، وقيل: هي السريعة الخَطْف المُنكَرة؛ وقال ابن الأَعرابي: كل ذلك على المبالغة كما قالوا أَسَدٌ أَسِدٌ وكَلْبٌ كَلِبٌ.
الأَزهري: اعْبَنْقَى وابْعَنْقَى إذا ساء خلقُه.

بغا

بَغَى الشيءَ بَغْواً: نَظَراً إليه كيف هو. والبَغْوُ: ما يخرج من زَهْرةِ القَتادِ الأَعْظَمِ الحجازي، وكذلك ما يخرج من زَهْرَة العُرْفُط والسَّلَم. والبَغْوَةُ: الطَّلْعة حين تَنْشَقُّ فتخرج بيضاء رَطْبَةً. والبَغْوة: الثمرة قبل أَن تَنْضَج؛ وفي التهذيب: قبل أَن يَسْتَحْكِم يُبْسُها، والجمع بَغْوٌ، وخص أَبو حنيفة بالبَغْوِ مَرَّةً البُسَر إذا كَبِرَ شيئاً، وقيل: البَغْوَة التمْرة التي اسودّ جوفُها وهي مُرْطِبة. والبَغْوة: ثمرةُ العِضاه، وكذلك البَرَمَةُ. قال ابن بري: البَغْوُ والبَغْوَة كل شجر غَضٍّ ثَمرهُ أَخْضَر صغير لم يَبْلُغْ. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه مرَّ برجل يقطع سَمُراً بالبادية فقال: رَعَيْتَ بَغْوَتَها وبَرَمَتَها وحُبْلَتها وبَلَّتها وفَتْلَتَها ثم تَقْطَعُها؛ قال ابن الأَثير: قال القتيبي يرويه أَصحاب الحديث مَعْوَتَها، قال: وذلك غلط لأَن المَعْوَةَ البُسْرَة التي جرى فيها الإرْطابُ، قال: والصواب بَغْوَتَها، وهي ثمرة السَّمُرِ أول ما تخرج، ثم تصير بعد ذلك بَرَمَةً ثم بَلَّة ثم فَتْلة. والبُغَةُ: ما بين الرُّبَع والهُبَع؛ وقال قطرب: هو البُعَّة، بالعين المشدّدة، وغلطوه في ذلك. وبَغَى الشيءَ ما كان خيراً أَو شرّاً يَبْغِيه بُغاءً وبُغىً؛ الأَخيرة عن اللحياني والأُولى أَعرف:طَلَبَه؛ وأَنشد غيره:

فلا أَحْبِسَنْكُم عن بُغَى الخَيْر، إنـي

 

سَقَطْتُ على ضِرْغامةٍ، وهو آكِلي

وبَغَى ضالَّته، وكذلك كل طَلِبَة، بُغاءً، بالضم والمد؛ وأَنشد الجوهري:

لا يَمْنَعَنَّك من بُـغـا

 

ءِ الخَيْرِ تَعْقادُ التَّمائم

وبُغايةً أَيضاً. يقال: فَرِّقوا لهذه الإبلِ بُغياناً يُضِبُّون لها أَي يتفرَّقون في طلبها. وفي حديث سُراقة والهِجْرةِ: انْطَلِقوا بُغياناً أَي ناشدين وطالبين، جمع باغ كراع ورُعْيان. وفي حديث أَبي بكر، رضي الله عنه، في الهجرة: لقيهما رجل بكُراعِ الغَمِيم فقال: من أَنتم؟ فقال أَبو بكر: باغٍ وهادٍ؛ عَرَّضَ بِبُغاء الإبل وهداية الطريق، وهو يريد طلبَ الدِّينِ والهدايةَ من الضلالة. وابتغاه وتَبَغَّاه واسْتَبْغاه، كل ذلك:طلبه؛ قال ساعدة ابن جُؤيَّة الهُذَلي:

ولكنَّما أَهلـي بـوادٍ، أَنِـيسُـه

 

سِباغٌ تَبَغَّى الناسَ مَثْنى ومَوْحَدا

وقال:

أَلا مَنْ بَيَّنَ الأَخَـوَيْ

 

نِ، أُمُّهما هي الثَّكْلَى

تُسائلُ من رَأَى ابْنَيْها،

 

وتَسْتَبْغِي فما تُبْغَـى

جاء بهما بعد حرف اللين المعوَّض مما حذف، وبَيَّنَ بمعنى تَبَيَّنَ، والاسم البُغْيَةُ. وقال ثعلب: بَغَى الخَيْرَ بُغْيَةً وبِغْيَةً، فجعلهما مصدرين. ويقال: بَغَيْتُ المال من مَبْغاتِه كما تقول أَتيت الأَمر من مَأتاته، يريد المَأْتَي والمَبْغَى. وفلان ذو بُغاية للكسب إذا كان يَبغِي ذلك. وارْتَدَّتْ على فلان بُغْيَتُه أَي طَلِبَتُه، وذلك إذا لم يجد ما طَلَب. وقال اللحياني: بَغَى الرجلُ الخير والشر وكلَّ ما يطلبه بُغاءً وبِغْيَة وبِغىً، مقصور. وقال بعضهم: بُغْيَةً وبُغىً.
والبُغْيَةُ: الحاجة. الأَصمعي: بَغَى الرجلُ حاجته أَو ضالته يَبْغيها بُغاءً وبُغْيَةً وبُغايةً إذا طلبها؛ قال أَبو ذؤيب:

بغايةً إنما تَبْغي الصحاب من ال

 

فِتْيانِ في مثله الشُّمُّ الأَناجِـيجُ

والبَغِيَّةُ: الطَّلِبَةُ، وكذلك البِغْية. يقال: بَغِيَّتي عندك وبَغْيتي عندك. ويقال: أَبْغِني شيئاً أَي أَعطني وأَبْغِ لي شيئاً. ويقال:اسْتَبْغَيْتُ القوم فَبَغَوْا لي وبَغَوْني أَي طَلَبوا لي. والبِغْية والبُغْيَةُ والبَغِيَّةُ: ما ابْتُغِي. والبَغِيّةُ: الضالة المَبْغِيَّة.والباغي: الذي يطلب الشيء الضالَّ، وجمعه بُغاة وبُغْيانٌ؛ قال ابن أَحمر:

أَو باغيان لبُعْرانٍ لنا رَقصَتْ،

 

كي لا تُحِسُّون من بُعْرانِنا أَثَرَا

قالوا: أَراد كيف لا تُحِسُّونَ. والبِغْية والبُغْية: الحاجة المَبْغِيَّة، بالكسر والضم، يقال: ما لي في بني فلان بِغْيَة وبُغْية أَي حاجة، فالبِغْيَة مثل الجلْسة التي تَبْغِيها، والبُغْية الحاجة نفسها؛ عن الأَصمعي. وأَبغاه الشيءَ: طلبه له أَو أَعانه على طلبه، وقيل: بَغاه الشيءَ طلبه له، وأَبغاه إياه أَعانه عليه. وقال اللحياني: اسْتَبْغَى القومَ فَبَغَوْه وبغَوْا له أَي طلبوا له. والباغي: الطالِبُ، والجمع بُغاة وبُغْيانٌ. وبَغَيْتُك الشيءَ: طلبته لك؛ ومنه قول الشاعر:

وكم آمِلٍ من ذي غِنىً وقَرابةٍ

 

لِتَبْغِيَه خيراً، وليس بفاعِـل

وأبْغَيْتُك الشيءَ: جعلتك له طالباً. وقولهم: يَنْبَغِي لك أَن تفعل كذا فهو من أَفعال المطاوعة، تقول: بَغَيْتُه فانْبَغَى، كما تقول: كسرته فانكسر. وفي التنزيل العزيز: يَبْغُونكم الفِتْنة وفيكم سَمَّاعُون لهم؛ أَي يَبْغُون لكم، محذوف اللام؛ وقال كعب بن زهير:

إذا ما نُتِجْنا أَرْبَعاً عامَ كَفْأَةٍ،

 

بَغاها خَناسيراً فأَهْلَكَ أَرْبعا

أَي بَغَى لها خَناسير، وهي الدواهي، ومعنى بَغَى ههنا طَلَب. الأَصمعي: ويقال ابْغِني كذا وكذا أَي أطلبه لي، ومعنى ابْغِني وابْغِ لي سواء، وإذا قال أَبْغِني كذا وكذا فمعناه أَعِنِّي على بُغائه واطلبه معي. وفي الحديث: ابْغِني أَحجاراً أَسْتَطبْ بها. يقال: ابْغِني كذا بهمزة الوصل أَي اطْلُبْ لي. وأَبْغِني بهمزة القطع أَي أَعنَّي على الطلب. ومنه الحديث: ابْغُوني حَديدةً أَسْتَطِبْ بها، بهمز الوصل والقطع؛ هو من بَغَى يَبْغِي بُغاءً إذا طلب. وفي حديث أَبي بكر، رضي الله عنه: أَنه خرج في بُغاء إبل؛ جعلوا البُغاء على زنة الأَدْواء كالعُطاس والزُّكام تشبيهاً لشغل قلب الطالب بالداء. الكسائي: أَبْغَيتُك الشيءَ إذا أَردت أَنك أَعنته على طلبه، فإذا أَردت أَنك فعلت ذلك له قلت قد بَغَيْتُك، وكذلك أعْكَمْتُك أَو أَحْمَلْتُك. وعَكَمْتُك العِكْم أَي فعلته لك. وقوله: يَبْغُونَها عِوَجاً؛ أَي يَبْغُون للسبيل عوجاً، فالمفعول الأَول منصوب بإسقاط الخافض؛ ومثله قول الأَعشى:

حتى إذا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ صَبَّحها

 

ذُؤالُ نَبْهانَ، يَبْغِي صَحْبَه المُتَعا

أَي يبغي لصحبه الزادَ؛ وقال واقِدُ بن الغِطرِيف:

لئن لَبَنُ المِعْزَى بماء مَوَيْسِلِ

 

بَغانيَ داءً، إنني لَـسَـقِـيمُ

وقال الساجع: أَرْسِل العُراضاتِ أَثَراً يَبْغِينك مَعْمَراً أَي يَبْغِينَ معمراً. يقال: بَغَيتُ الشيءَ طلبته، وأَبْغَيْتُك فَرساً أَجْنَبْتُك إياه، وأَبْغَيْتُك خيراً أَعنتك عليه. الزجاج: يقال انْبَغَى لفلان أَن يفعل كذا أَي صَلَحَ له أَن يفعل كذا، وكأَنه قال طَلَبَ فِعْلَ كذا فانْطَلَبَ له أَي طاوعه، ولكنهم اجْتزَؤوا بقولهم انْبَغَى. وانْبَغى الشيءُ: تيسر وتسهل. وقوله تعالى: وما علَّمناه الشعر وما ينبغي له؛ أَي ما يتسهل له ذلك لأَنا لم نعلمه الشعر. وقال ابن الأَعرابي: وما ينبغي له وما يَصْلُح له. وإنه لذُو بُغايةٍ أَي كَسُوبٌ.والبِغْيةُ في الولد: نقِيضُ الرِّشْدَةِ. وبَغَتِ الأَمة تَبْغِي بَغْياً وباغَتْ مُباغاة وبِغاء، بالكسر والمدّ، وهي بَغِيٌّ وبَغُوٌ: عَهَرَتْ وزَنَتْ، وقيل: البَغِيُّ الأَمَةُ، فاجرة كانت أَو غير فاجرة، وقيل: البَغِيُّ أَيضاً الفاجرة، حرة كانت أَو أَمة. وفي التنزيل العزيز: وما كانت أُمُّكِ بغيّاً؛ أَي ما كانت فاجرة مثل قولهم ملْحَفَة جَدِيدٌ؛ عن الأَخفش، وأُم مريم حرَّة لا محالة، ولذلك عمَّ ثعلبٌ بالبِغاء فقال: بَغَتِ المرأَةُ، فلم يَخُصَّ أَمة ولا حرة. وقال أَبو عبيد: البَغايا الإماءُ لأَنهنَّ كنَّ يَفْجُرْنَ. يقال: قامت على رؤُوسهم البَغايا، يعني الإماءَ، الواحدة بَغِيٌّ، والجمع بغايا. وقال ابن خالويه:البِغاءُ مصدر بَغَتِ المرأَة بِغاءً زَنَت، والبِغاء مَصْدَرُ باغت بِغاء إذا زنت، والبِغاءُ جمع بَغِيٍّ ولا يقال بغِيَّة؛ قال الأَعشى:

يَهَبُ الْجِلَّةَ الجَراجِرَ، كالبُسْ

 

تانِ، تَحْنو لدَرْدَقٍ أَطـفـالِ

والبَغايا يَرْكُضْنَ أَكْسِيةَ الإضْ

 

رِيجِ والشَّرْعَبـيَّ ذا الأَذْيالِ

أَراد: ويَهَبُ البغايا لأَن الحرة لا توهب، ثم كثر في كلامهم حتى عَمُّوا به الفواجر، إماءً كنّ أَو حرائر. وخرجت المرأَة تُباغِي أَي تُزاني.
وباغَتِ المرأَة تُباغِي بِغاءً إذا فَجَرَتْ. وبغَتِ المرأَةُ تَبْغِي بِغاء إذا فَجرَت. وفي التنزيل العزيز: ولا تُكْرِهوا فَتياتِكم على البِغاء؛ والبِغاء: الفُجُور، قال: ولا يراد به الشتم، وإن سُمِّينَ بذلك في الأَصل لفجورهن. قال اللحياني: ولا يقال رجل بَغيّ. وفي الحديث: امرأَة بَغِيّ دخلت الجنة في كَلْب، أَي فاجرة، ويقال للأَمة بَغِيٌّ وإن لم يُرَدْ به الذَّم، وإن كان في الأَصل ذمّاً، وجعلوا البِغاء على زنة العيوب كالحِرانِ والشِّرادِ لأَن الزناعيب. والبِغْيةُ: نقيض الرِّشْدةِ في الولد؛ يقال: هو ابن بِغْيَةٍ؛ وأَنشد:

لدَى رِشْدَةٍ من أُمِّـه أَو بَـغِـيَّةٍ،

 

فيَغلِبُها فَحْلٌ، على النسل، مُنْجِب

قال الأَزهري: وكلام العرب هو ابن غَيَّة وابن زَنيَة وابن رَشْدَةٍ، وقد قيل: زِنْيةٍ ورِشْدةٍ، والفتح أَفصح اللغتين، وأَما غَيَّة فلا يجوز فيه غير الفتح. قال: وأَما ابن بِغْية فلم أَجده لغير الليث، قال: ولا أُبْعِدُه عن الصواب.
والبَغِيَّةُ: الطليعةُ التي تكون قبل ورودِ الجَيْش؛ قال طُفَيل:

فأَلْوَتْ بَغاياهُم بنـا، وتـبـاشَـرَتْ

 

إلى عُرْضِ جَيْشٍ، غَيرَ أَنْ لم يُكَتَّبِ

أَلْوَتْ أَي أَشارت. يقول: ظنوا أَنَّا عِيرٌ فتباشروا علم يَشْعُروا إلا بالغارة، وقيل: إن هذا البيت على الإماء أَدَلُّ منه على الطَّلائع؛ وقال النابغة في البغايا الطَّلائع:

على إثْرِ الأَدِلَّةِ والبَغـايا،

 

وخَفْقِ الناجِياتِ من الشآمِ

ويقال: جاءت بَغِيَّةُ القوم وشَيِّفَتُهم أَي طَلِيعَتُهم. والبَغْيُ: التَّعَدِّي. وبَغَى الرجلُ علينا بَغْياً: عَدَل عن الحق واستطال.الفراء في قوله تعالى: قل إنما حرَّم ربِّي الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن والإثم والبَغْيَ بغير الحق، البَغْي الإستطالة على الناس؛ وقال الأَزهري:معناه الكبر، والبَغْي الظُّلْم والفساد، والبَغْيُ معظم الأَمر. الأَزهري: وقوله فمن اضْطُر غيرَ باغِ ولا عادٍ، قيل فيه ثلاثة أَوجه: قال بعضهم: فمن اضْطُرَّ جائعاً غير باغٍ أَكْلَها تلذذاً ولا عاد ولا مجاوزٍ ما يَدْفَع به عن نفسه الجُوعَ فلا إثم عليه، وقيل: غير باغٍ غير طالب مجاوزة قدر حاجته وغيرَ مُقَصِّر عما يُقيم حالَه، وقيل: غير باغ على الإمام وغير مُتَعدٍّ على أُمّته. قال: ومعنى البَغْي قصدُ الفساد. ويقال: فلان يَبْغي على الناس إذا ظلمهم وطلب أَذاهم. والفِئَةُ الباغيةُ: هي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لعَمَّار:وَيْحَ ابنِ سُمَيَّة تَقْتله الفئةُ الباغية، وفي التنزيل: فلا تَبْغُوا عليهن سبيلاً؛ أي إن أَطَعْنكم لا يَبْقَى لكم عليهن طريقٌ إلا أَن يكون بَغْياً وجَوْراً، وأَصلُ البَغْي مجاوزة الحدّ. وفي حديث ابن عمر: قال لرجل أَنا أُبغضك، قال: لِمَ؟ قال: لأَنك تَبْغِي في أَذانِكَ؛ أَراد التطريب فيه، والتمديد من تجاوُز الحد. وبَغَى عليه يَبْغِي بَغْياً: علا عليه وظلمه. وفي التنزيل العزيز: بَغَى بعضُنا على بعض. وحكى اللحياني عن الكسائي: ما لي وللبَغِ بعضُكم على بعض؛ أَراد وللبَغْي ولم يعلله؛ قال: وعندي أَنه استثقل كسرة الإعراب على الياء فحذفها وأَلقى حركتها على الساكن قبلها. وقوم بُغاء وتَباغَوْا: بَغَى بعضُهم على بعض؛ عن ثعلب. وبَغَى الوالي:ظلم. وكلُّ مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء بَغْيٌ. وقال اللحياني: بَغَى على أَخيه بَغْياً حسده. وفي التنزيل العزيز: ثم بُغِيَ عليه ليَنْصُرَنَّه الله، وفيه: والذين إذا أَصابهم البَغْيُ هم ينتصرون.
والبَغْيُ: أَصله الحسد، ثم سمي الظلم بَغْياً لأَن الحاسد يظلم المحسود جُهْدَه إراغَةَ زوالِ نعمةِ الله عليه عنه. وبَغَى بَغْياً: كَذَب. وقوله تعالى: يا أَبانا ما نَبْغي هذه بضاعَتُنا؛ يجوز أَن يكون ما نَبْتَغي أَي ما نطلب، فما على هذا إستفهام، ويجوز أَن يكون ما نكْذب ولا نَظْلِم فما على هذا جَحْد. وبَغَى في مِشْيته بَغْياً: اخْتال وأَسرع. الجوهري:والبَغْيُ اخْتِيالٌ ومَرَحٌ في الفَرس. غيره: والبَغْيُ في عَدْوِ الفرس اختيالٌ ومَرَح. بَغَى بَغْياً: مَرِحَ واختال، وإنه ليَبْغِي في عَدْوِه.
قال الخليل: ولا يقال فرس باغٍ. والبَغْيُ: الكثير من المَطَر. وبَغَتِ السماء: اشتد مطرها؛ حكاه أَبو عبيد. وقال اللحياني: دَفَعْنا بَغْيَ السماء عنا أَي شدَّتَها ومُعْظَم مطرها، وفي التهذيب: دَفَعْنا بَغْيَ السماء خَلفَنا. وبَغَى الجُرحُ يَبْغِي بَغْياً: فَسَدَ وأَمَدَّ ووَرِمَ وتَرامَى إلى فساد. وبَرِئ جُرْحُه على بَغْي إذا برئ وفيه شيء من نَغَلٍ. وفي حديث أَبي سَلَمة: أَقام شهراً يداوي جُرْحَه فَدَمَلَ على بَغْي ولا يَدْري به أَي على فساد. وجَمَل باغٍ: لا يُلْقِح؛ عن كراع. وبَغَى الشيءَ بَغْياً: نظر إليه كيف هو. وبغاه بَغْياً: رَقبَه وانتَظره؛ عنه أَيضاً. وما يَنْبَغِي لك أَن تَفْعَل وما يَبْتَغِي أَي لا نَوْلُكَ. وحكى اللحياني: ما انْبَغَى لك أَن تفعل هذا وما ابْتَغَى أَي ما ينبغي. وقالوا: إنك لعالم ولا تُباغَ أَي لا تُصَبْ بالعين، وأَنتما عالمان ولا تُباغَيا، وأَنتم علماء ولا تُباغَوْا. ويقال للمرأَة الجميلة: إنك لجميلة ولا تُباغَيْ، وللنساء: ولا تُباغَيْنَ. وقال: والله ما نبالي أَن تُباغيَ أَي ما نبالي أَن تصيبك العين. وقال أَبو زيد: العرب تقول إنه لكريم ولا يُباغَهْ، وإنهما لكريمان ولا يُباغَيا، وإنهم لكرام ولا يُباغَوْا، ومعناه الدعاء له أَي لا يُبْغَى عليه؛ قال: وبعضهم لا يجعله على الدعاء فيقول لا يُباغَى ولا يُباغَيان ولا يُباغَون أَي ليس يباغيه أَحد، قال:وبعضهم يقول لا يُباغُ ولا يُباغان ولا يُباغُونَ. قال الأَزهري: وهذا من البَوْغِ، والأَول من البَغْي، وكأَنه جاء مقلوباً. وحكى الكسائي: إنك لعالم ولا تُبَغْ، قال: وقال بعض الأَعراب مَنْ هذا المَبُوغُ عليه؟ وقال آخر: مَن هذا المَبيغُ عليه؟ قال: ومعناه لا يُحْسَدُ. ويقال: إنه لكريم ولا يُباغُ؛ قال الشاعر:

إِما تَكَرّمْ إنْ أَصَبْتَ كَريمةً،

 

فلقد أَراك، ولا تُباغُ، لَئِيما

وفي التثنية: لا يُباغانِ، ولا يُباغُونَ، والقياس أَن يقال في الواحد على الدعاء ولا يُبَغْ، ولكنهم أَبوا إلاَّ أَن يقولوا ولا يُباغْ. وفي حديث النَّخَعِي: أَن إبراهيم بن المُهاجِر جُعِلَ على بيت الوَرِقِ فقال النخعي ما بُغِي له أَي ما خير له.

بغبر

ابن الأَعرابي: البُغْبُور الحجَر الذي يذبح عليه القربان للصنم.
والبُغبُورُ: مَلِكُ الصِّين.

بغت

البَغْتُ والبَغْتَةُ: الفَجْأَة، وهو أَن يَفْجَأَكَ الشيءُ. وفي التنزيل العزيز: ولَتَأْتِيَنَّهم بَغْتَةً أَي فجأَةً؛ قال يَزيد بن ضَبَّةَ الثَّقَفِيُّ:

ولكنَّهم ماتُوا، ولـم أَدْرِ، بَـغْـتَةً،

 

وأَفْظَعُ شيءٍ، حينَ يَفْجَؤُكَ، البَغْتُ

وقد بَغَتَه الأَمرُ يَبْغَتُه بَغْتاً: فَجِئَه.
وباغَتَه مُباغَتةً وبِغاتاً: فاجأَه. وقوله عز وجل: فأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً أَي فَجْأَة.
والمُباغَتةُ: المُفاجأَة.
وتكرَّر ذِكر البَغْتةِ في الحديث. ولَقِيتُه بَغْتةً أَي فَجْأَةً؛ ويقال: لَسْتُ آمَنُ من بَغَتَاتِ العَدُوِّ أَي فَجَآتِه.
والباغُوتُ، أَعجمي مُعَرَّبٌ: عيدٌ للنصارى. وفي حديث صُلْح نَصارَى الشام: ولا يُظْهِرُوا باغوتاً؛ قال ابن الأَثير: كذا رواه بعضهم، وقد روي باعوثاً، بالعين المهملة والثاء المثلثة، وسيأْتي ذِكره. والباغُوتُ: اسم موضع؛ قال النابغة:

لَيْسَتْ تَرَى حَوْلَها شَخْصاً، وراكِبُها

 

نَشْوانُ، في جُوَّةِ الباغُوتِ، مَخْمُورُ

بغث

البَغَثُ والبُغْثة: بياضٌ يَضرِبُ إِلى الخُضرة؛ وقيل: بياض يَضرِبُ إلىِ الحُمْرة، الذكر أَبْغَثُ، والأُنثَى بَغْثاء. والأَبغَثُ: طائرٌ غَلَبَ عليه غَلَبَة الأَسماء، وأَصلُه الصفةُ للونه.
التهذيب: البُغَاثُ والأَبغَثُ من طير الماء، كلون الرماد، طويل العُنق؛ والجمع البُغْثُ والأَبَاغِثُ؛ قال أَبو منصور: جَعَلَ الليثُ البُغاثَ والأَبغَثَ شيئاً واحداً، وجعلهما معاً من طير الماء، قال: والبُغاثُ، عندي، غيرُ الأَبغَثِ؛ فأَما الأَبغَثُ، فهو من طير الماء، معروف، وسمي أَبْغَثَ لِبُغْثَتِه، وهو بياض إِلى الخُضرة؛ وأَما البُغاثُ: فكلُّ طائر ليس من جوارح الطير؛ يقال: هو اسم للجنس من الطير الذي يُصادُ. والأَبْغَثُ: قريبٌ من الأَغْبَر. ابن سيده: وبَغاثُ الطير وبُغاثها: أَلائِمها وشِرارُها، وما لا يصيد منها، واحدتُها بَغاثة، بالفتح، الذَّكر والأُنثى في ذلك سواء. وقال بعضهم: من جعل البَغاثَ واحداً، فجمعه بِغْثانٌ، مثل غَزال وغِزلانٍ؛ ومنقال للذكر والأُنثى بَغاثة، فجمعه بَغاثٌ، مثل نَعامة ونَعام، وتكون النعامة للذكر والأُنثى؛ سيبويه: بُغاثٌ، بالضم، وبِغثانٌ، بالكسر. وفي حديث جعفر بن عمرو: رأَيت وَحْشِيّاً، فإِذا شَيْخٌ مثلُ البَغَاثة: هي الضعيف من الطير، وجمعها بَغاثٌ. وفي حديث عطاء: في بُغَاثِ الطيرِ مُدٌّ أَي إذا صادَه المحرم: وفي حديث المُغِيرة يصف امرأَة: كأَنها بَغاثٌ؛ والبَغَاثُ طائرٌ أَبيض، وقيل: أَبْغَثُ إِلى الغُبْرى، بطيءُ الطيرانِ، صغير دُوَيْنَ الرَّخَمَة. قال ابن بري قول الجوهري عن ابن السكين: البَغاثُ طائرٌ أَبْغَثُ إِلى الغُبْرةِ دون الرَّخَمة، بطيءُ الطيران؛ قال: هذا غلط من وجهين أَحدهما أَنَّ البَغَاثَ اسم جنس، واحدته بَغاثة، مثل حَمام وحَمامة، وأَبْغَثُ صفة بدليل قولهم: أَبْغَثُ بَيِّنُ البُغْثَة، كما تقول: أَحْمَر بَيِّنُ الحُمْرة؛ وجمعه: بُغْثٌ، مثل أَحْمَر وحُمر؛ قال: وقد يجمع على أَباغِثَ لمَّا اسْتُعمِل استِعمالَ الأَسماء، كما قالوا: أَبْطَحُ وأَباطِحُ، وأَجْرَعُ وأَجَارِعُ؛ والوجه الثاني: أَن البُغَاثَ ما لا يصيد من الطير، وأَما الأَبْغَثُ من الطير، فهو ما كان لونه أَغْبَر، وقد يكون صائداً وغير صائد. قال النضر بن شميل: وأَما الصُّقورُ فمنها أَبْغَثُ وأَحْوَى، وأَخْرَجُ وأَبيض، وهو الذي يَصيدُ به الناسُ على كل لون، فجَعَل الأَبْغَثَ صفة لِمَا كان صائداً أشو غير صائد، بخلاف البَغاثِ الذي لا يكون منه شيءٌ صائداً؛ وقيل: البَغَاث أَولادُ الرَّخَم والغِرْبان. وقال أَبو زيد: البَغاثُ الرَّخَمُ، واحدتُها بَغاثة؛ قال: وزعم يونس أَنه يقال له البِغاثُ والبُغاثُ، بالكسر والضم، الواحدة: بِغاثة وبُغاثة. والبُغاثُ: طير مثلُ السَّوَادِقِ لا يصيد؛ وفي التهذيب: كالباشِقِ لا يَصِيدُ شيئاً من الطير، الواحدة بُغاثة، ويجمع على البِغْثان؛ قال عباس بن مِرْداس:

بغاثُ الطَيْر أَكثَرُها فِراخاً،

 

وأُمُّ الصَّقْرِ مِقْلاةٌ نَـزُورُ

وفي المثل:

إِنَّ البِغاثَ بأَرضنا يَسْتَنْسِرُ

يُضربُ مثلاً للَّئيم يرتفع أَمره؛ وقيل: معناه أَي من جاوَرَنا عَزَّ بِنا. قال الأَزهري: سمعناه بكسر الباء، قال: ويقال بَغاث، بفتح الباء؛ قال: والبَغاثُ الطير الذي يُصاد ويَسْتَنْسِرُ أَي يصير كالنَّسْر الذي يَصيدُ ولا يُصاد.
والبَغْثاءُ من الضأْن، مثل الرَّقْطاء: وهي التي فيها سواد وبياض، وبياضها أَكثر من سوادها.
والبَغِيثُ: الطعامُ المخلوطُ يُغَشُّ بالشَّعير كاللَّغِيثِ، عن ثعلب، وهو مذكور في موضعه؛ قال الشاعر:

إِنَّ البَغِيثَ واللَّغيثَ سِيَّان

والبَغْثاءُ: أَخلاطُ الناس. ودَخَلَ في بَغْثاءِ الناس وبَرْشاءِ الناس أَي جماعتهم.
وبُغاثٌ: موضع، عن ثعلب. الليث: يومُ بُغاثٍ: يومُ وَقْعَةٍ كانت بين الأَوْس والخَزْرج؛ قال الأَزهري: إِنما هو بُعاث، بالعين، وقد مرَّ تفسيره، وهو من مشاهير أَيام العرب، ومن قال بُغاث، فقد صحَّف.
والأَبْغَثُ: مكانٌ ذو رمل وحجارة.

بغثر

بَغْثَرَ طعامَه: فَرَّقَه. وتقول: ركب القوم في بَغْثَرَةٍ أَي في هَيْجٍ واختلاطٍ. وبَغْثَرَ متاعه وبَعْثَرَهُ إذا قلبه.
والبَغْثَرَةُ: خُبْثُ النَّفْسِ. تقول: ما لي أَراك وقد تَبَغْثَرَتْ نَفْسُه أَي خَبُثَتْ وغَثَتْ. وفي حديث أَبي هريرة: إذا لم أَرك تَبَغْثَرَتْ نفسي أَي غَثَتْ، ويروى تبعثرت، بالعين، وقد تقدم. وأَصبح فلانٌ مُتَبَغْثِراً أَي مُتَمَقِّساً، وربما جاء بالعين؛ قال الجوهري: ولا أَرويه عن أَحد.
والبَغْثَرُ: الأَحمق الضعيف، والأُنثى بَغْثَرَةٌ.
التهذيب: والبَغْثَرُ من الرجال الثَّقِيلُ الوخِمُ؛ وأَنشد:

ولم نَجِدْ بَغْثَراً كَهَاماً

وبَغْثَرٌ: اسم شاعر؛ عن ابن الأَعرابي، ونسبه فقال: وهو بغثر بن لقيط بن خالد بن نضلة.

بغثم

بَغْثَمٌ: اسمٌ.

بغج

بَغَجَ الماءَ: كَغَبَجَهُ؛ والبُغْجَةُ كالغُبْجَةِ.

بغدد

بَغْدادُ وبغداذ وبغذاد وبغذاذ وبَغْدِينُ وبغدان ومَغْدان: كلها اسم مدينة السلام، وهي فارسية معناه عطاء صنم، لأَن بغ صنم، وداد وأَخواتها عطية، يذكر ويؤنث؛ وأَنشد الكسائي:

فيا لَيْلَةً، خُرْسَ الدَّجـاجِ، طَـويلةً

 

ببغدانَ، ما كانت عن الصُّبح تَنْجَلي

قال: يعني خُرْساً دَجاجُها؛ قال الأَزهري: الفصحاء يقولون بغداد، بدالين، وقالوا بغ صنم، وداد بمعنى دوّد، وحرَّفوه عن الذال إِلى الدال لأَن داذ بالفارسية معناه أُعطي، وكرهوا أَن يجعلوا للصنم عطاء وقالوا داد. ومن قال: دان فمعناه ذل وخضع، وقولهم تبغدد فلان: مُوَلَّد.

بغدذ

بَغْدادُ وبَغداذُ وبَغذادُ وبَغْدانُ، بالنون، ومغَدانُ، بالميم، معرّب يذكر ويؤنث: مدينة السلام.

بغدن

بَغْداذ وبَغْذاد وبَغْذاذ وبَغْدانُ، بالنون، وبَغْدينُ ومَغْدان: مدينة السلام، معرّب، تذكَّر وتؤَنث؛ وأَنشد الكسائي:

فيا ليلةً خُرْسَ الـدَّجـاجِ طـويلةً

 

بِبَغْدانَ، ما كادَتْ عن الصبح تَنْجَلي

قال: يعني خرساً دجاجُها.

بغذد

بغذاد: مدينة السلام، بذال معجمة أَوّلاً ودال مهملة آخراً، وقد تقدّم ذكرها، والاختلاف في اسمها.

بغذذ

بغذاذ: مدينة السلام وفيها اختلاف ذكر في بغدذ.

بغز

البَغْزُ: الضرب بالرِّجل أَو العصا. والباغِزُ: المقيم على الفجور، وقيل: هو منه؛ قال ابن دريد: ولا أَحقُّه. والبَغْزُ: النَّشاطُ في الإِبل خاصة. والباغِزُ: مثل ذلك، اسم كالكاهِلِ؛ قال ابن مقبل:

واسْتَحْمل السَّيْرَ مِنِّي عِرْمِساً أُجُداً

 

تَخالُ باغِزَها باللَّيْلِ مَجْـنُـونـا

قال الأَزهري: جعل الليث البَغْزَ ضَرْباً بالرِّجْلِ وحَثّاً وكأَنه جعل الباغِزَ الراكبَ الذي يَركُضُها بِرِجْلهِ.
وقال غيره: بَغَزَتِ الناقةُ إذا ضربتْ برجلها الأَرضَ في سيرها نشاطاً. وقال أَبو عمرو في قوله تخال باغزها أَي نشاطها. وقد بَغَزها باغِزُها أَي حَرّكها محرِّكها من النشاط. وقال بعض العرب: ربما ركبت الناقَةَ الجوادَ فَبَغَزَها باغِزُها فتجري شوطاً وقد تَقَحَّمَتْ بي فَلأْياً ما أَكُفُّها فيقال لها باغِزٌ من النشاط.
والباغِزِيَّةُ: ضرب من الثياب. قال أَبو عمرو: الباغِزية ثياب، ولم يزد على هذا؛ قال الأَزهري: ولا أَدري أَي جنس هي من الثياب.

بغس

البَغْسُ: السَّوادُ؛ يَمانِيَةٌ.

بغسل

الأَزهري: بَغْسَل الرجلُ إذا أَكثر الجماع.

بغش

البَغْشُ والبَغْشة: المَطَرُ الضعيف الصغِيرُ القَطْر، وقيل: هما السحابة التي تَدْفع مطَرها دُفْعة، بَغَشَتْهم السماء تَبْغَشُهم بَغْشاً، وقيل البغشة المطَرَة الضعيفة وهي فوق الطِّشَّة؛ ومَطَرٌ باغِشٌ، وبُغِشَت الأَرضُ، فهي مَبْغوشة. ويقال: أَصابتهم بَغْشَة من المطر أَي قليل من المطر. الأَصمعي: أَخَفُّ المطر وأَضعفُه الطَّلُّ ثم الرَّذاذُ ثم البَغْشُ. وفي الحديث عن أَبي المليح الهذلي عن أَبيه قال: كُنَّا مع النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، ونَحْن في سَفَر فأَصابنا بَغْشٌّ من مطر، فنادى منادي النبي، صلى اللَّه عليه وسلم: أَن من شاء أَن يُصَلِّيَ في رَحْله فَلْيَفْعَلْ، وفي رواية: فأَصابنا بُغَيْش، تصْغير بَغْش وهو المطر القليل، أَوّلُه الطّل ثم الرّذَاذُ ثم البَغْش، وقد بَغَشَت السماء تبْغَش بَغْشاً.

بغض

البُغْض والبِغْضةُ: نَقِيضُ الحبّ؛ وقول ساعدة بن كؤية:

ومن العَوادِي أَنْ تَفُتْك بِبِغْضةٍ،

 

وتَقاذُفٍ منها، وأَنّكَ ترْقُـب

قال ابن سيده: فسّره السُّكَّري فقال: بِبِغضةٍ بقوم يبغضونك، فهو على هذا جمع كغِلْمة وصِبْية، ولولا أَن، المعهود من العرب أَن لا تتشكّى من محبوب بِغْضةً في أَشعارها لقلنا: إِن البِغْضة هنا الإِبْغاض، والدليل على ذلك أَنه قد عطف عليها المصدرَ وهو قوله: وتَقاذُفٍ منها، وما هو في نية المصدر وهو قوله: وأَنك تَرْقُب.
وبَغُضَ الرجلُ، بالضم، بَغاضةً أَي صارَ بَغِيضاً. وبَغَّضَه اللّهُ إِلى الناس تَبْغِيضاً فأَبْغَضُوه أَي مَقَتُوه.
والبَغْضاءُ والبَغاضةُ، جميعاً: شدة البغْضِ، وكذلك البِغْضة، بالكسر؛ قال معقل بن خويلد الهذلي:  

أَبا مَعْقلٍ، لا تُوطِئَنْك بَـغـاضَـتـي

 

رؤوسَ الأَفاعي من مَراصِدِها العُرْم

وقد أَبْغَضه وبَغَضَه؛ الأَخيرة عن ثعلب وحده. وقال في قوله عزّ وجلّ: إِني لِعَمَلِكم من القَالِينَ، أَي الباغِضِين، فدل هذا على أَن بَغَضَ عنده لغة. قال: ولولا أَنها لغة عنده لقال من المُبْغِضِين. والبَغُوضُ: المُبغِض؛ أَنشد سيبويه:

ولكن بَغُوضٌ أَن يقالَ عَدِيمُ

وهذا أَيضاً مما يدل على أَن بَغَضْته لغة لأَن فَعُولاً إِنما هي في الأَكثر عن فاعِلٍ لا مُفْعِل، وقيل: البَغيض المُبْغِض والمُبْغَض جميعاً ضدٌّ. والمُباغَضةُ: تَعاطِي البَغْضاء؛ أَنشد ثعلب:

يا رُبَّ مَولىً ساءَني مُباغِضِ،

عليَّ ذي ضِغْنٍ وضَبٍّ فارضِ،

له كقُروء الحائِضِ

والتَّباغُضُ: ضد التَّحابّ. ورجل بَغِيض وقد بَغُضَ بَغاضةً وبَغِضَ، فهو بَغِيضٌ. ورجل مُبَغَّضٌ: يُبْغَضُ كثيراً. ويقال: هو محبوب غير مُبَغَّضِ، وقد بُغِّض إِليه الأَمرُ وما أَبْغَضَه إِليّ، ولا يقال ما أَبْغَضَني له ولا ما أَبْغَضَه لي؛ هذا قول أَهل اللغة. قال ابن سيده: وحكى سيبويه: ما أَبْغَضَني له وما أَبْغَضَه إِلي، وقال: إذا ما أَبْغَضَني له فإِنما تخبر أَنك مُبْغَضٌ له، وإِذا قلت ما أَبْغَضَه إِليّ فإِنما تخبر أَنه مُبْغَضٌ عندك. قال أَبو حاتم: من كلام الحشو أَنا أُبْغِض فلاناً وهو يُبْغِضني. وقد بَغُضَ إِلي أَي صار بَغِيضاً. وأَبْغِضْ به إِليَّ أَي ما أَبْغَضَه. الجوهري: قولهم ما أَبْغَضَه لي شاذ لا يقاس عليه؛ قال ابن بري: إِنما جعله شاذّاً لأَنه جعله من أَبْغَضَ، والتعجب لا يكون من أَفْعَل إِلا بأَشَدّ ونحوه، قال: وليس كما ظنّ بل هو من بَغُضَ فلان إِليَّ، قال: وقد حكى أَهل اللغة والنحو: ما أَبْغَضَني له إذا كنتَ أَنت المُبغِضَ له، وما أَبْغَضَني إِليه إذا كان هو المُبْغِضَ لك. وفي الدعاء: نَعِمَ اللّهُ بك عَيْناً وأَبْغَضَ بِعَدوِّك عَيْناً، وأَهل اليمن يقولون: بَغُضَ جَدُّك كما يقولون عَثَرَ جَدُّك.
وبَغِيض: أَبو قبيلة، وقيل: حيّ من قيس، وهو بَغِيض بن رَيْث بن غَطفان بن سعد بن قيس عَيْلان.

بغغ

البَغْبَغةُ والبَغْباغُ: حكاية بعض الهَدِير؛ قال:

برَجْسِ بَغْباغِ الهَدِيرِ البَهْبهِ

والبُغَيْبِغُ، على لفظ التصغير: التَّيْسُ من الظِّباء إذا كان سَمِيناً. وبَغَّ الدمُ إذا هاجَ. ومَشْرَبٌ بُغَيْبِغٌ: كثير الماءِ. وماءٌ بُغَيْبِغٌ: قَرِيبُ الرِّشاءِ. والبُغَيْبِغُ: البِئرُ القَرِيبُ الرّشاءِ. ابن الأَعرابي: بئْرٌ بُغْبُغٌ وبُغَيْبِغٌ قريب الرشاء؛ قال الشاعر:

يا رُبَّ ماءٍ لَك بالأَجْـبـالِ

 

أَجبالِ سَلْمَى الشُّمَّخِ الطِّوالِ

بُغَيْبِغٍ يُنْزَعُ بـالـعِـقـالِ

 

طامٍ عليه ورقُ الـهـدالِ

لقرب رِشائه يعني أَنه يُنزع بالعِقال لقِصَر الماء لأَن العقال قصير؛ وقال أَبو محمد الحَذْلَمِي:

فَصَيَّحَتْ بُغَيْبِـغـاً تُـعـادِيهْ

 

ذا عَرْمَضٍ تَخْضَرُّ كَفُّ عافِيهْ

عافِيه: وارِدُه.
والبُغَيْبِغةُ: ضَيْعةٌ بالمدينة لآل جعفر. التهذيب: وبُغَيْبِغةُ ماءٌ لآل روسل الله، صلى الله عليه وسلم، وهي عين كثيرة النخل غزيرة الماء.
والبَغْبَغةُ: شُرْبُ الماء. والمُبَغْبِغُ: السرِيعُ العَجِلُ؛ وأَنشد ابن بري لرؤبة:

يَشْتَقُّ بَعْدَ الطَّلَقِ المُبَغْبِغِ

بغل

البَغْل: هذا الحيوان السَّحّاج الذي يُرْكَب، والأُنثى بَغْلة، والجمع بِغَال، ومَبْغُولاء اسم للجمع. والبَغّال: صاحب البِغَال؛ حكاها سيبويه وعُمارة بن عقيل؛ وأَما قول جرير:

من كل آلِفَةِ المواخر تَتَّقِي

 

بِمُجَرَّدٍ، كَمُجَرَّدِ البَغّـال

فهو البَغْل نفسه. ونَكَح فيهم فبَغَلهم وبَغَّلَهم: هَجَّن أَولادهم.
وتزوَّج فلان فلانة فَبَغَّل أَولادَها إذا كان فيهم هُجْنة، وهو من البَغْل لأَن البَغْلَ يَعْجَز عن شَأْوِ الفَرس. والتَّبْغيل من مَشْي الإِبلِ: مَشْيٌ فيه سَعَة، وقيل: هو مشيء فيه اختلاف واختلاط بين الهَمْلَجَة والعَنَق؛ قال ابن بري شاهده:  

فيها، إذا بَغَّلَتْ، مَشْيٌ ومَحْقَرةٌ

 

على الجِيَاد، وفي أَعناقها خَدَب

وأَنشد لأَبي حَيَّة النُّمَيري:

نَضْح البَرِيِّ وفي تَبْغِيلها زَوَرُ

وأَنشد للراعي:

رَبِذاً يُبَغِّل خَلْفَها تَبْغِيلا

وفي قصيد كعب بن زهير:

فيها على الأَيْنِ إِرْقال وتَبْغِيل

هو تَفْعِيل من البَغْل كأَنه شبه سيرها بسير البغل لشدَّته.

بغم

بُغَامُ الظَّبْيَة: صَوْتُها. بَغَمَتِ الظَّبْيةُ تَبْغَمُ وتَبْغِمُ وتَبْغُمُ بُغاماً وبُغُوماً، وهي بَغُومٌ: صاحتْ إلى ولَدها بأَرْخَم ما يكون من صوْتها. وبَغَمْتُ الرجلَ إذا لم تُفْصِح له عن معنى ما تُحَدِّثه به؛ قال ذوالرمة:

لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إلاّ ما تَخَوَّنَهُ،

 

داعٍ يُنادِيهِ باسْمِ الماء مَبْغُـومُ

وَضَع مَفْعولاً مكان فاعِل. والمَبْغُومُ: الولد، وأُمُّه تَبْغُمُه أَي تَدْعوه، والبَقَرةُ تَبْغُم، وقوله داعٍ يُناديه حكى صوْت الظَّبْية إذا صاحت ماءْ ماءْ، وداعٍ هو الصوْتُ، مَبْغُوم يقال بُغام مَبْغُوم كقولك قوْلٌ مَقُول، يقول: لا يَرْفَع طَرْفه إلاّ إذا سمع بُغام أُمِّه.
وبُغامُ الناقة: صَوْتٌ لا تُفْصِح به؛ ومنه قول ذِي الخِرَق:

حَسِبْتَ بُغامَ رَاحِلَتي عَنـاقـاً،

 

وما هِيَ، وَيْبَ غَيْرِك، بالعَناقِ

وباغَمَ فلان المرأةَ مُباغَمةً إذا غازَلها بكلامه؛ قال الأخطل:

حَثُّوا المَطِيَّ فَوَلَّوْنا مَناكِـبَـهـا،

 

وفي الخُدُورِ، إذا باغَمْتَها، صُوَرُ

وبَغَمتِ الناقة تَبْغِمُ، بالكسر، بُغاماً: قَطَّعَتِ الحَنِينَ ولم تَمُدَّه ويكون ذلك للبعير؛ أَنشد ابن الأَعرابي:

بِذِي هِبابٍ دائبٍ بُغامُهُ

وقال ذو الرمة:

أُنِيخَتْ، فأَلْقَتْ بَلْدَةً فَوق بَلْـدةٍ

 

قَلِيلٍ بها الأَصْواتُ، إلاَّ بُغامُها

وفي الحديث: كانت إذا وَضَعَت يَدَها على سَنامِ بعيرٍ أَو عَجُزه رفَع بُغامَه؛ البُغامُ: صوْت الإِبل. والمُباغَمةُ: المُحادثةُ بصَوْتٍ رَخِيمٍ؛ قال الكميت:

يَتَقَنَّصْنَ لي جآذِرَ كالـدّرِّ،

 

يُباغِمْنَ من وَراء الحِجاب

وامرأَة بَغُومٌ: رَخِيمةُ الصَّوْت. وقال بعضهم: ما كان من الخُفِّ خاصة فإنه يقال لصَوْته إذا بَدا البُغامُ، وذلك لأَنه يُقَطِّعه ولا يَمُدُّه. وبَغَم الثَّيْتَلُ والأَيِّل يَبْغَم: صوَّت، وربما اسْتُعْمِل البُغامُ في البَقَرَة؛ قال لبيد يصف بقرةَ وَحْشٍ:

خَنْساء ضَيَّعَتِ الفَرِيرَ، فلـم يَرِمْ

 

عُرْضَ الشَّقائقِ طَرْفُها وبُغامُها

وتَبَغَّم في ذلك كله: كَبَغَم؛ قال كثيِّر عزَّة:

إذا رُحِلَتْ منها قَلُوصٌ تَبَغَّمَتْ،

 

تَبَغُّمَ أُمِّ الخِشْفِ تَبْغِي غَزالَها

وبَغَمَ بَغْماً: كَنَغَمَ نَغْماً؛ عن كراع؛ قال ابن دُريد: وأَحسَبُهُم قد سَمَّوْا بَغُوماً.

بغنق

البُغْنُوق: موضع.

بقث

بَقَثَ أَمرَه وحديثَه، وطعامَه وغيره ذلك: خَلَطَه.

بقح

البَقِيحُ: البَلَحُ، عن كراع؛ قال ابن سيده: ولست منه على ثقة.

بقر

البَقَرُ: اسم جنس. ابن سيده: البَقَرَةُ من الأَهلي والوحشي يكون للمذكر والمؤنث، ويقع على الذكر والأُنثى؛ قال غيره: وإِنما دخلته الهاء على أَنه واحد من جنس، والجمع البَقَراتُ. قال ابن سيده: والجمع بَقَرٌ وجمع البَقَرِ أَبْقَرُ كزَمَنٍ وأَزْمُنٍ؛ عن الهجري، وأَنشد لمقبل بن خويلد الهذلي:

كأَنَّ عَرُوضَيْهِ مَحَجَّةُ أَبْـقُـرٍ

 

لَهُنَّ، إذا ما رُحْنَ فيها، مَذاعِقُ

فأَما بَقَرٌ وباقِرٌ وبَقِيرٌ وبَيْقُورٌ وباقُورٌ وباقُورةٌ فأَسماء للجمع؛ زاد الأَزهري: وبَواقِر؛ عن الأَصمعي، قال: وأَنشدني ابن أَبي طرفة:

وسَكَّنْتُهُمْ بالقَوْلِ، حَتَّى كَأَنَّهُمْ

 

بَواقِرُ جُلْحٌ أَسْكَنَتْها المَراتِعُ

وأَنشد غير الأَصمعي في بيقور:

سَلَعٌ مَّا، ومِثلُه عُشَرٌ مَّـا

 

عائلٌ مَّا، وعالَتِ البَيْقُورا

وأَنشد الجوهري للورل الطائي:

لا دَرَّ دَرُّ رِجَالٍ خَابَ سَعْـيُهُـمُ

 

يَسْتَمْطِرُونَ لَدَى الأَزمَات بالعُشَرِ

أَجاعِلٌ أَنْتَ بَيْقُوراً مُسَلَّـعَةً

 

ذَرِيعَةً لك بَيْنَ اللهِ والْمَطَرِ؟

وإِنما قال ذلك لأَن العرب كانت في الجاهلية إذا استسقوا جعلوا السَّلَعَةَ والعُشَرَ في أَذناب البقر وأَشعلوا فيه النار فتضج البقر من ذلك ويمطرون.
وأَهل اليمن يسمون البَقَرَ: باقُورَةً. وكتب النبي، صلى الله عليه وسلم، في كتاب الصدقة لأَهل اليمن: في ثلاثين باقورةً بَقَرَةٌ.
الليث: الباقر جماعة البقر مع رعاتها، والجامل جماعة الجمال مع راعيها.
ورجلٌ بَقَّارٌ: صاحب بقر.
وعُيونُ البَقَرِ: ضَرْبٌ من العنب.
وبَقِرَ: رَأَى بَقَرَ الوحش فذهب عقله فرحاً بهن.
وبَقِرَ بَقَراً وبَقَرَاً، فهو مَبْقُور وبَقِيرٌ: شُقه. وناقة بَقِيرٌ: شُقَّ بطنها عن ولدها أَيَّ شَقٍّ؛ وقد تَبَقَّر وابْتَقَر وانْبَقَر؛ قال العجاج:

تُنْتَجُ يَرْمَ تُلْقِحُ انْبِقَارا

وقال ابن الأَعرابي في حديث له: فجاءت المرأَة فإِذا البيت مِبْقُورٌ أَي منتثر عَتَبَتُهُ وعِكْمُه الذي فيه طعامه وكل ما فيه.
والبِقِيرُ والبَقِيرةُ: بُرْدٌ يُشَقُّ فَيُلْبَسُ بلا كُمَّيْنِ ولا جَيْب، وقيل: هو الإِتْبُ. الأَصمعي: البَقِيرةُ أَن يؤْخذ بُرد فيشق ثم تلقيه المرأَة في عنقها من غير كمين ولا جيب، والإِتْبُ قميص لا كمين له تلبسه النساء. التهذيب: روى الأَعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في حديث هدهد سليمان قال: بينما سليمان في فلاة احتاج إِلى الماء فدعا الهدهد فَبَقَر الأَرضَ فأَصاب الماء، فدعا الشياطين فسلخوا مواضع الماء كما يسلخ الإِهاب فخرج الماء؛ قال الأَزهري: قال شمر فيما قرأْت بخطه معنى بَقَرَ نظر موضع الماء فرأَى الماء تحت الأَرض فأَعلم سليمان حتى أَمر بحفره؛ وقوله فسلخوا أَي حفروا حتى وجدوا الماء.
وقال أَبو عدنان عن ابن نباتة: المُبَقِّرُ الذي يخط في الأَرض دَارَةً قدر حافر الفرس، وتدعى تلك الدارة البَقْرَةَ؛ وأَنشد غيره:

بِها مِثْلُ آثَارِ المُبَقِّر مَلْعب

وقال الأَصمعي: بَقَّرَ القومُ ما حولهم أي حفروا واتخذوا الركايا.
والتبقر: التوسع في العلم والمال. وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي الباقر، رضوان الله عليهم، لأَنه بقر العلم وعرف أَصله واستنبط فرعه وتَبقَّر في العلم. وأَصل البقر: الشق والفتح والتوسعة. بَقَرْتُ الشيءَ بَقْراً: فتحته ووسعته. وفي حديث حذيفة: فما بال هؤلاء الذين يَبْقُرونَ بيوتنا أَي يفتحونها ويوسعونها؛ ومنه حديث الإِفك: فَبَقَرْتُ لها الحديث أَي فتحته وكشفته. وفي الحديث: فأَمر ببقرة من نحاس فأُحميت؛ قال ابن الأَثير: قال الحافظ أَبو موسى: الذي يقع لي في معناه أَنه لا يريد شيئاً مصوغاً على صورة البقرة، ولكنه ربما كانت قِدْراً كبيرةً واسعةً فسماها بَقَرَةً مأْخوذاً من التَّبَقُّرِ التَّوَسُّع، أَو كان شيئاً يسع بقرة تامّة بِتَوابلها فسميت بذلك. وقولهم: ابْقُرْها عن جَنينها أَي شُقَّ بطنها عن ولدها، وبَقِرَ الرجل يَبْقَرُ بَقَراً وبَقْراً، وهو أَن يَحْسِرَ فلا يكاد يُبصر؛ قال الأَزهري: وقد أَنكر أَبو الهيثم فما أَخبرني عنه المنذري بَقْراً، بسكون القاف؛ وقال: القياس بَقَراً على فَعَلاً لأَنه لازم غير واقع.
الأَصمعي: بَيْقَرَ الفرسُ إذا خَامَ بيده كما يَصْفِنُ برجله. والبَقِير: المُهْرُ يولد في ماسكَةٍ أَو سَلىً لأَنه يشق عليه. والبَقَرُ: العيال. وعليه بَقَرَةٌ من عيالٍ ومالٍ أَي جماعةٌ. ويقال: جاء فلان يَجُرُّ بَقَرَةً أَي عيالاً. وتَبَقَّرَ فيها وتَبَيْقَرَ: توسع. وروي عن النبي،صلى الله عليه وسلم، أَنه نهى عن التَّبَقُّر في الأَهل والمال؛ قال أَبو عبيد: قال الأَصمعي يريد الكثرة والسَّعة، قال: وأَصل التَّبَقُّرِ التوسعُ والتَّفَتُّح؛ ومنه قيل: بَقَرْتُ بطنه إنما هو شْققته وفتحته. ومنه حديث أُم سليم: إن دنا مني أَحد من المشركين بَقَرْتُ بَطْنَهُ. قال أَبو عبيد: ومن هذا حديث أَبي موسى حين أَقبلت الفتنة بعد مقتل عثمان، رضي الله عنه، فقال إِن هذه الفتنة باقرة كداء البطن لا يُدْرَى أَنَّى يُؤْتى لَهُ؛ إِنما أَراد أَنها مفسدة للدين ومفرقة بين الناس ومُشَتِّتَةٌ أُمورهم، وشبهها بوجع البطن لأَنه لا يُدْرَى ما هاجه وكيف يُدَاوَى ويتأَتى له. وبَيْقَرَ الرجلُ: هاجر من أَرض إِلى أَرض. وبَيْقَرَ: خرج إلى حيث لا يَدْرِي. وبَيْقَرَ: نزل الحَضَرَ وأَقام هناك وترك قومه بالبادية، وخص بعضهم به العراق، وقول امرئ القيس:

أَلا هَلْ أَتَاهَا، والحـوادثُ جَـمَّةٌ

 

بأَنَّ امْرَأَ القَيْسِ بِنَ تَمْلِكَ بَيْقَرا؟

يحتمل جميع ذلك. وبَيْقَرَ: أَعْيَا. وبَيْقَر: هلَك. وبيقر: مشَى مِشْيَةَ المُنَكِّسِ. وبَيْقَرَ: أَفسد؛ عن ابن الأَعرابي، وبه فسر قوله:

وقد كانَ زَيْدٌ، والقُعُودُ بأَرْضِهِ

 

كَرَاعِي أُنَاسٍ أَرْسَلُوه فَبيْقرَا

والبيقرة: الفساد. وقوله: كراعي أُناس أَي ضيع غنمه للذئب؛ وكذلك فسر بالفساد قوله:

يا مَنْ رَأَى النُّعْمانَ كانَ حِيَرَا

 

فَسُلَّ مِنْ ذلك يَوْمَ بَـيْقَـرَا

أَي يوم فساد. قال ابن سيده: هذا قول ابن الأَعرابي جعله اسماً؛ قال: ولا أَدري لترك صرفه وجهاً إِلاَّ أَن يضمنه لضمير ويجعله حكاية، كما قال:

نُبِّئْتُ أَخْوالي بَني يَزِيدُ

 

بَغيْاً علينا لَهُمْ فَـدِيدُ

ضمن يزيد الضمير فصار جملة فسمي بها فحكي؛ ويروى: يوماً بيقرا أَي يوماً هلك أَو فسد فيه ملكه. وبَقِرَ الرجل، بالكسر، إذا أَعيا وحَسَرَ، وبَيْقَرَ مثله. ابن الأَعرابي: بيقر إذا تحير. يقال: بَقِرَ الكلب وبَيْقَر إذا رأَى البَقَرَ فتحير، كما يقال غَزِلَ إذا رأَى الغزال فَلَهِيَ.
وبَيْقَرَ: خرج من بلد إلى بلد. وبَيْقَر إذا شك، وبَيْقَرَ إذا حَرَصَ على جمع المال ومنعه. وبَيْقَر إذا مات، وأَصْلُ البَيْقَرَة الفساد.
وبَيْقَرَ الرجل في ماله إذا أَسرع فيه وأَفسده. ورورى عمرو عن أَبيه: البَيْقَرَة كثرة المتاع والمال. أَبو عبيدة: بَيْقَرَ الرجل في العَدْو إذا اعتمد فيه. وبَيْقَر الدار إذا نزلها واتخذها منزلاً.
ويقال: فتنة باقرة كداء البطن، وهو الماء الأَصفر. وفي حديث أَبي موسى: سمعت رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: سيأْتي على الناس فتْنَةٌ باقِرَةٌ تَدَعُ الحليمَ حَيْرانَ؛ أَي واسعَةٌ عظيمةٌ. كفانا الله شرها. والبُقَّيْرَى، مثال السُّمَّيْهى: لعبة الصبيان، وهي كومة من تراب وحولها خطوط. وبَقَّرَ الصبيانُ: لعبوا البُقَّيْرَى، يأْتون إِلى موضع قد خبئ لهم فيه شيء فيضربون بأَيديهم بلا حفر يطلبونه؛ قال طفيل الغَنَوِيُّ يصف فرساً:

أَبَنَّتْ فما تَنْفَكُّ حَوْلَ مُتَالِعٍ

 

لها مِثلُ آثارِ المُبَقِّرِ مَلْعَبُ

قال ابن بري: قال الجوهري: في هذا البيت يصف فرساً، وقوله ذلك سهو وإِنما هو يصف خيلاً تلعب في هذا الموضع، وهو ما حول متالع، ومتالع: اسم جبل. والبُقَّارُ: تراب يجمع بالأَيدي فيجعل قُمَزاً قَمزاً ويلعب به، جعلوه اسماً كالقِذَافِ؛ والقُمَزُ كأَنها صوامع، وهو البُقَّيْرَى؛ وأَنشد:

نِيطَ بِحَقْويَها خَمِيسٌ أَقْمَرُ

 

جَهْمٌ، كبُقَّارِ الوليدِ، أَشْعَرُ

والبقار: اسم واد؛ قال لبيد:

فَبَاتَ السَّيلُ يَرْكبُ جانِبَيْهِ

 

من البَقَّارِ، كالعَمِدِ الثَّقَال

والبَقَّارُ: موضع.
والبَيْقرَةُ: اسراع يطأْطئ الرجل فيه رأْسه؛ قال المثَقِّبُ العَبْدِيّ، ويروى لِعَدِيِّ بن ودَاع:

فَباتَ يَجْتَابُ شُقارَى، كمـا

 

بَيْقَرَ منْ يَمْشِي إِلى الجَلْسَدِ

وشُقارَى، مخفف من شُقَّارَى: نبت، خففه للضرورة، ورواه أَبو حنيفة في كتابه النبات: من يمشي إلى الخَلَصَة، قال: والخَلَصَةُ الوَثَنُ، وقد تقدم في فصل جسد.
والبَيْقَرانُ: نَبْتٌ. قال ابن دريد: ولا أَدري ما صحته.
وبَيْقُور: موضع، وذو بَقَرٍ: موضع.
وجاد بالشُّقَّارَى والبُقَّارَى أَي الداهية.

بقط

في الأَرض بَقْطٌ من بَقْل وعُشْبٍ أَي نَبْذُ مَرْعىً. يقال: أَمْسَيْنا في بُقْطةٍ مُعْشِبةٍ أَي في رُقْعةٍ من كلإٍ، وقيل: البَقْطُ جمعه بُقوطٌ، وهو ما ليس بمجتمع في موضع ولا منه ضَيْعةٌ كاملة، وإِنما هو شيء متفرّق في الناحية بعد الناحية.
والعرب تقول: مررت بهم بَقْطاً بَقْطاً، بإِسكان القاف، وبقَطاً بقَطاً، بفتحها، أَي متفرّقين؛ وذهبوا في الأَرض بَقْطاً بَقْطاً أَي متفرقين.
وحكى ثعلب أَن في بني تميم بَقْطاً من ربيعة أَي فِرْقةً أَو قِطْعةً. وهم بَقَطٌ في الأَرض أَي متفرّقون؛ قال مالك بن نويرة:

أَيتُ تَمِيماً قد أَضاعَـتْ أُمـورَهـا،

 

فهم بَقَطٌ في الأَرض، فَرْثٌ طَوائفُ

فأَمّا بَنُو سَعْدٍ فبـالـخَـطِّ دارُهـا،

 

فَبابانُ منهم مأْلَفٌ فـالـمَـزالِـفُ

أَي منتشرون متفرقون.
أَبو تراب عن بعض بني سليم: تَذَقَّطْتُه تَذَقُّطاً وتَبَقَّطْتُه تَبَقُّطاً إذا أَخذته قليلاً قليلاً. أَبو سعيد عن بعض بني سليم: تَبَقَّطْتُ الخبَر وتسَقَّطْتُه وتَذَقَّطْتُه إذا أَخذته شيئاً بعد شيء.
وبَقَطُ الأَرض: فِرْقةٌ منها.
قال شمر: روى بعض الرواة في حديث عائشة، رضي اللّه عنها: فواللّهِ ما اختلفوا في بُقْطةٍ إِلا طارَ أَبي بحَظِّها؛ قال: والبُقْطةُ البُقْعةُ من بِقاعِ الأَرض، تقول: ما اختلفوا في بُقْعةٍ من البِقاع، ويقع قول عائشة على البُقْطةِ من الناس وعلى البقطة من الأَرض، والبُقْطةُ من الناس: الفِرْقةُ، قال: ويمكن أَن تكون البُقطة في الحديث الفرقة من الناس، ويقال إِنها النقطة، بالنون، وسيأْتي ذكرها.
وبَقَطَ الشيءَ: فرّقه. ابن الأَعرابي: القَبْطُ الجمع، والبَقْطُ التفْرِقةُ. وفي المثل: بَقِّطِيه بِطِبِّكِ؛ يقال ذلك للرجل يؤمر بإحكام العَمَلِ بعلمه ومعرفته، وأَصله أَن رجلاً أَتى هَوىً له في بيتها فأَخذه بطنُه فقَضى حاجتَه فقالت له: ويْلَك ما صَنَعْتَ؟ فقال: بَقِّطِيه بِطِبِّك أَي فِرِّقيه برِفْقِكِ لا يُفْطَنُ له، وكان الرجل أَحْمَقَ، والطِّبُّ الرِّفْق. اللحياني: بَقَّطَ مَتاعَه إذا فرَّقه.
التهذيب: البُقَّاطُ ثُفْلُ الهَبِيدِ وقِشْرُه؛ قال الشاعر يصف القانِصَ وكِلابَه ومَطْعَمَه من الهبيد إذا لم ينل صيداً:

إِذا لم يَنَلْ منْهُنّ شيْئاً فقَصْرُه،

 

لَدى حِفْشِه من الهَبِيدِ، جَرِيم

تَرى حَوْلَه البُقَّاطَ مُلْقىً كأَنَّه

 

غَرانِيقُ نخل، يَعْتَلِين، جُثوم

والبَقْطُ: أَن تُعطي الجنَّة على الثلُثِ أَو الرُّبع. والبَقْطُ: ما سقَط من التمر إذا قُطع يُخْطِئُه المِخْلَبُ، والمِخْلَبُ المِنْجَلُ بلا أَسنان. وروى شمر بإِسناده عن سعيد بن المسيب أَنه قال: لا يصلح بَقْطُ الجِنانِ. قال شمر: سمعت أَبا محمد يروي عن ابن المظَفَّر أَنه قال: البَقْطُ أَن تُعطي الجِنانَ على الثلث أَو الربع. وبَقَطُ البيتِ: قُماشُه.
أَبو عمرو: بَقَّطَ في الجبل وبَرْقَطَ وتَقَدْقَدَ في الجبل إذا صَعَّدَ. وفي حديث علي، رضوان اللّه عليه: أَنه حمل على عسكر المشركين فما زالوا يُبَقِّطُون أَي يتعادَوْن إِلى الجبال متفرّقين. والبَقْطُ: التفْرِقةُ.

بقع

البَقَعُ والبُقْعةُ: تَخالُفُ اللَّوْنِ. وفي حديث أَبي موسى: فأَمر لنا بذَوْذٍ بُقْعِ الذُّرَى أَي بيض الأَسنمة جمع أَبْقع، وقيل: الأَبقع ما خالَط بياضَه لونٌ آخر. وغُراب أَبقع: فيه سواد وبياض، ومنهم من خص فقال: في صدره بياض. وفي الحديث: أَنه أَمر بقتل خمس من الدوابّ وعَدَّ منها الغُرابَ الأَبْقَعَ، وكَلْب أَبْقَع كذلك. وفي حديث أَبي هريرة، رضي الله عنه: يُوشِكُ أَن يَعْمَلَ عليكم بُقْعانُ أَهل الشام أَي خدَمُهم وعَبِيدُهم وممالِيكُهم؛ شبَّههم لبَياضهم وحُمْرتهم أَو سوادهم بالشيء الأَبْقَع يعني بذلك الرُّوم والسُّودان. وقال: البَقْعاء التي اختلطَ بياضها وسوادها فلا يُدْرَى أَيُّهما أَكثر، وقيل: سُمُّوا بذلك لاختلاط أَلوانهم فإِنَّ الغالب عليها البياضُ والصُّفرة؛ وقال أَبو عبيد: أَراد البياض لأَنَّ خدم الشام إِنما هم الروم والصَّقالِية فسماهم بُقْعاناً للبياض، ولهذا يقال للغراب أَبْقَعُ إذا كان فيه بياض، وهو أَخْبَثُ ما يكون من الغربان، فصار مثلاً لكل خَبِيث؛ وقال غير أَبي عبيد: أَراد البياض والصفرة، وقيل لهم بُقعان لاختلاف أَلوانهم وتَناسُلِهم من جنسين؛ وقال القُتَيْبي: البقعان الذين فيهم سواد وبياض، ولا يقال لمن كان أَبيض من غير سواد يخالطه أَبْقع، فكيف يَجعل الرومَ بقعاناً وهم بَيض خُلَّص؟ قال: وأُرَى أَبا هريرة أَراد أَن العرب تَنْكِحُ إِماءَ الرُّوم فتُستعْمَل عليكم أَولادُ الإِماء، وهم من بَني العرب وهم سُود ومن بني الروم وهم بِيض، ولم تكن العرب قبل ذلك تَنكِح الرُّوم إِنما كان إِماؤُها سُوداناً، والعرب تقول: أَتاني الأَسود والأَحمر؛ يريدون العرب والعجم، ولم يرد أَنَّ أَولاد الإِماء من العرب بُقْع كبُقْعِ الغِربانِ، وأَراد أَنهم أَخذوا من سواد الآباء وبياض الأُمَّهات. ابن الأَعرابي يقال للأَبرص الأَبقع والأَسْلَع والأَقْشَر والأَصْلَخ والأَعْرَم والمُلَمَّعُ والأَذْمَلُ، والجمع بُقْع.
والبَقَعُ في الطير والكلاب: بمنزلة البَلَقِ في الدوابّ؛ وقول الأَخطل:

كُلُوا الضَّبَّ وابنَ العَيْرِ، والباقِع الذي

 

يَبِيتُ يَعُسُّ الليلَ بينَ الـمَـقـابِـرِ

قيل: الباقِعُ الضَّبُع، وقيل الغراب، وقيل كَلب أَبْقع، كلُّ ذلك قد قيل، وقال ابن بري: الباقِعُ الظَّرِبانُ، وأَورد هذا البيتَ بيتَ الأَخطل، وقالوا للضبع باقِع، ويقال للغراب أَبْقع، وجمعه بُقْعان لاختلاف لونه.
ويقال: تَشاتَما فتَقاذَفا بما أَبقى ابن بُقَيْعٍ، قال: وابن بُقَيْع الكلب وما أَبقى من الجِيفة. والأَبقعُ: السَّرابُ لتلَوُّنه؛ قال:

وأَبْقَع قد أَرَغْتُ به لِصَحْبي

 

مَقِيلاً، والمَطايا في بُراها

وبَقَّع المطرُ في مواضع من الأَرض: لم يَشْمَلْها. وعام أَبْقَع: بَقَّع فيه المطر. وفي الأَرض بُقَع من نَبْت أَي نُبَذٌ؛ حكاه أَبو حنيفة.
وأَرض بقِعة: فيها بُقَع من الجَراد. وأَرض بَقِعة: نبتها مُتَقطع. وسَنة بَقْعاء أَي مُجْدِبة، ويقال فيها خِصْب وجَدْب.
وبُقِعَ الرجل: إذا رُميَ بكلام قَبِيح أَو بُهْتان، وبُقِع بقَبِيح:فُحِشَ عليه.
ويقال: عليه خُرْءُ بِقاع، وهو العَرَقُ يُصِيب الإِنسانَ فيَبْيَضُّ على جلده شبه لُمَعٍ. أَبو زيد: أَصابه خُرء بَقاعِ وبِقاعٍ وبِقاعَ يا فتى، مصروف وغير مصروف، وهو أَن يصيبه غبار وعرَقٌ فيبقى لُمَعٌ من ذلك على جسده. قال: وأَرادوا ببقاع أَرضاً. وفي حديث أَبي هريرة رضي الله عنه: أَنه رأَى رجلاً مُبَقَّع الرجلين وقد توَضّأَ؛ يريد به مواضع في رجليه لم يُصِبها الماء فحالف لونُها لونَ ما أَصابه الماء. وفي حديث عائشة: إِني لأَرى بُقَعَ الغسل في ثوبه؛ جمع بُقْعة. وإِذا انْتَضح الماء على بدن المُسْتَقِي من الرَّكيَّةِ على العَلَقِ فابتَلَّ مواضعُ من جسده قيل: قد بَقَّعَ، ومنه قيل للسُّقاة: بُقْعٌ؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:

كُفُوا سَنِتِين بالأَسْيافِ بُقْعـاً

 

على تِلْكَ الجِفارِ مِنَ النَّفِيِّ

السَّنِتُ: الذي أَصابته السنة، والنَّفِيُّ: الماء الذي يَنْتضِحُ عليه.البَقْعةُ والبُقْعةُ، والضم أَعْلى: قِطْعة من الأَرض على غير هيئة التي بجَنبها، والجمع بُقَع وبِقاع. والبَقيعُ: موضع فيه أَرُوم شجر من ضُروب شَتَّى، وبه سمى بَقِيع الغَرْقد، وقد ورد في الحديث، وهي مَقْبَرَةٌ بالمدينة، والغَرْقَدُ: شجر له شوك كان ينبت هناك فذهب وبقي الاسم لازماً للموضع. والبَقِيعُ من الأَرض المكان المتسع ولا يسمَّى بَقِيعاً إِلا وفيه شجر.
وما أَدري أَين سَقَعَ وبَقَعَ أَي أَين ذهب كأَنه قال إِلى أَي بُقْعة من البقاع ذهب، لا يُستعمل إِلا في الجَحْد. وانْبَقَع فلان انْبِقاعاً إذا ذهب مُسْرِعاً وعَدا، قال ابن أَحمر:

كالثَّعْلَبِ الرَّائحِ المَمْطُورِ صُبْغَتُه

 

شَلَّ الحَوامِلُ منه، كيف يَنْبَقِعُ؟

شلّ الحوامل منه دعاء عليه، أَي تَشَلُّ قوائمه.
وتَبِعَتْهم الداهية أَصابَتْهم. والباقِعة: الداهيةُ، والباقعة: الرجل الداهية. ورجل باقِعةٌ: ذو دَهْيٍ. ويقال: ما فلان إِلاَّ باقِعةٌ من البَواقِع؛ سمي باقعة لحُلوله بِقاعَ الأَرض وكثرة تَنْقِيبه في البلاد ومعرفته بها، فشُبِّه الرجل البصير بالأُمور الكثيرُ البحث عنها المُجَرِّبُ لها به، والهاء دخلت في نعت الرجل للمبالغة في صفته، قالوا: رجل داهيةٌ وعَلاَّمة ونسَّابة. والباقعة: الطائر الحَذِرُ إذا شرب الماء نظر يَمْنَةً ويَسْرَة. قال ابن الأَنباري في قولهم فلان باقِعةٌ: معناه حَذِر مُحتال حاذق. والباقِعة عند العرب: الطائر الحَذِر المُحْتال الذي يشرب الماء من البقاع، والبقاع مواضع يَسْتَنْقِعُ فيها الماء، ولا يَرِدُ المَشارِعَ والمِياهَ المَحْضُورة خوفاً من أَن يُحْتالَ عليه فيُصاد ثم شُبِّه به كلُّ حَذِرٍ مُحْتال. وفي الحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،قال لأَبي بكر، رضي الله عنه: لقد عَثَرْتَ من الأَعْرابِ على باقِعةٍ؛ هو من ذلك؛ وذكر الهَروِيّ أَن عليّاً، رضي الله عنه، هو القائل ذلك لأَبي بكر؛ ومنه الحديث: ففاتَحْتُه فإِذا هو باقِعةٌ أَي ذَكِيٌّ عارِفٌ لا يَفُوتُه شيء. وجارية بُقَعةٌ: كقُبَعة.
والبَقْعاء من الأَرض: المَعزاء ذاتُ الحَصى الصِّغار. وهارِبةُ البَقْعاء: بَطن من العرب. وبَقْعاء: موضع مَعرِفة، لا يدخلها الأَلف واللام، وقيل: بَقْعاء اسم بلد، وفي التهذيب: بَقْعاء قرية من قرى اليمامة؛ ومنه قوله:

ولكنِّي أَتانِـي أَنَّ يَحْـيَى

 

يُقالُ: عليه في بَقْعاء شَرُّ

وكان اتُّهِمَ بامرأَة تسكن هذه القرية. وبَقْعاء المَسالِح: موضع آخر ذكره ابن مقبل في شعره. وفي الحديث ذكر بُقْعٍ، بضم الباء وسكون القاف: اسم بئر بالمدينة وموضع بالشام من ديار كَلْب، به استقرّ طلْحةُ بن خُوَيْلِد الأَسدِيُّ لما هرَبَ يومَ بُزاخةَ.
وقالوا: يَجْرِي بُقَيْعٌ ويُذَمُّ؛ عن ابن الأَعرابي، والأَعرف بُلَيْق، يقال هذا للرجل يُعِينُك بقليل ما يقدر عليه وهو على ذلك يُذَمُّ.
وابْتُقِعُ لونُه وانْتُقِع وامْتُقِع بمعنىً واحد.
وفي حديث الحَجاج: رأَيت قوماً بُقْعاً. قيل: ما البُقْع؟ قال: رقَّعُوا ثيابهم من سوء الحال، شبه الثياب المُرَقَّعة بلَوْن الأَبقع.

بقق

البَقُّ: البَعُوض، واحدته بَقَّة. وأَنشد ابن بري لعبد الرحمن بن الحَكَم، وقيل لزُفَر بن الحرث:

أَلا إنَّما قَيْسُ بن عَيْلانَ بَـقّةٌ،

 

إذا وَجَدَتْ رِيحَ العصيرِ تَغَنَّتِ

وقيل: هي عِظامُ البعُوض؛ قال جرير:

أَغَرّ من البُلْقِ العِتاقِ يَشُـقُّـه

 

أَذى البَقِّ، إلا ما احْتَوَى بالقَوائِم

وقال رؤبة:

يَمْصَعْنَ بالأَذْناب من لَوحٍ وبَقّْ

وأَنشد ابن بري لبعض الأَعراب يهجو قوماً قصَّروا في ضِيافتِه:

يا حاضِرِي الماءِ، لا مَعْروفَ عندكمُ،

 

لكن أَذاكمْ عـلـينـا رائحٌ غـادِي

بِتْنا عُذُوباً، وبات البَقُّ يَلْـسَـبُـنـا،

 

نَشْوِي القَراحَ كأَن لا حَيَّ بالـوادِي

إنِّي لَمِثْلُكُمُ في مِثـلِ فِـعْـلِـكُـمُ،

 

إنْ جِئْتُكمْ، أبَـداً، إلاّ مَـعِـي زادي

ومعنى نَشْوِي القراح أَي نسخِّن الماءَ البارد بالنار لأَن البارد مُضِرّ على الجُوع، ويقال: البقُّ الدَّارِجُ في حِيطان البيوت، وقيل: هي دُوَيْبَة مثل القملة حمراء منتنة الريح تكون في السُّرُر والجُدُر، وهي التي يقال لها بنات الحصير إذا قتلتها شمَمت لها رائحة اللَّوْز المُرّ؛ قال:

إلى بَلَدٍ لا بَقَّ فيه ولا أذىً،

 

ولا نبَطِيَّاتٍ يُفَجِّرْنَ جَعْفَرا

وبَقَّ المكانُ وأبقَّ: كثر بقُّه. وأَرضٌ مُبِقَّةٌ: كثيرة البقّ.
وبَقَّ النَّبْتُ بُقوقاً، وذلك حين يَطلُع. وأَبقَّ الوادي إذا أَخرج نباته؛ قال الراعي:

رَعَتْ من خُفافٍ حين بَقَّ عِيابَه،

 

وحَلَّ الرَّوايا كلُّ أسْحَمَ ماطِـرِ

وقال بعضهم: بقَّ عِيابَه أي نشرها. وبقَّ الرجلُ يَبِقُّ ويَبُقُّ بَقّاً وبَقَقاً وبَقِيقاً وأبَقَّ وبَقْبَقَ: كثُرَ كلامُه. وبقَّ علينا كلامَه: أَكثره، وبقَّ كلاماً وبقَّ به. ورجل مِبَقٌّ وبَقاقٌ وبَقْباقٌ:كثير الكلام، أَخطأ أَو أَصاب، وقيل: كثير الكلام مُخلِّط. ويقال: بَقْبَقَ علينا الكلام أي فرَّقه. وبقَّت المرأَة وأبقَّت: كثُر ولدُها. قال سيبويه: بقَّت ولداً وبقَّت كلاماً كقولك نثَرتْ ولداً ونثَرتْ كلاماً.
وامرأَة مُبَقَّةٌ: مِفْعَلةٌ من ذلك؛ قال:

إنَّ لنـا لَـكَـنَّـهْ

 

مِبَقَّةً مِـفَـنَّـهْ،

مِنْتِيجةً مِـعَـنَّـهْ،

 

سِمْعَنَّةً نِظْـرَنَّـهْ

كالذئب وَسْطَ القُنَّهْ،

 

إلاَّ تَرَهْ تَظُـنَّـهْ

وأَبقَّ ولدُ فلان إبْقاقاً إذا كثروا. ورجل بَقاقٌ وبَقاقةٌ أَي كثير الكلام، والهاء للمبالغة، وكذلك بَقْباق وبقْباقةٌ وفَقْفاق وفَقْفاقةٌ وذَقْذاقٌ وذَقْذاقةٌ وثَرْثارٌ وثَرْثارةٌ وبَرْبارٌ وبَرْبارةٌ، كل ذلك الكثير الكلام. ورجل بَقْباقٌ: هَذِرٌ؛ قال:

وقد أَقُودُ بالدَّوَى الـمُـزَمَّـلِ،

 

أَخْرَسَ في السَّفْرِ بَقاقَ المَنْزِلِ

وكذلك البَقْباقُ؛ يقول: إذا سافر فلا بَيان له، وإِذا أَقام بالمنزل كثُر كلامه، والدَّوَى: الرجل الأَحمق، والمُزَمَّل: المُدَثَّر، والمفعول محذوف تقديره أَقود البعير بالدَّوى، وأَخرسَ حال من الدَّوى، وكذلك بقاق، يصفه بكثرة كلامه في بيته وعِيِّه في المجالس. وبقَّت السماءُ بَقّاً وأبقَّت: كثر مطرها وتتابع وجاءَت بمطر شديد. وبقَّ يَبُقُّ بَقّاً: أوسع من العطيَّة. وبَقَّ لنا العَطاءَ: أَوسَعه؛ قال:

وبَسطَ الخيْرَ لنا وبَـقَّـه،

 

فالخلقُ طُرّاً يأْكلون رِزقَه

وبقَّ فلان مالَه أي فرَّقه؛ قال الراجز:

أَم كتَم الفَضْلَ الذي قد بقَّه،

 

في المسلِمين، جِلَّه ودِقَّه

والبَقُّ: الواسعُ العريض: قال الأَخطل:

تَجِدْ أثَراً بَقّاً وعِزّاً خُنابِسا

وبقَّ الشيءَ يبُقُّه: أَخرج ما فيه؛ وأَنشد بيت الراعي:

رعت بخفاف حين بقَّ عيابه،

 

وحلَّ الروايا كل أَسحمَ هاطِلِ

والبَقاقُ: أَسقاط ما في البيت من المَتاع. قال صاحب العين: بلغنا أنَّ عالماً من علماءِ بني إسرائيل وضع للناس سبعين كتاباً من الأَحكام وصُنوف العلم، فأَوحى الله إلى نبي من أَنبيائهم أن قل لفلان إنك قد ملأْت الأَرض بَقاقاً، وإِن الله لم يَقبل من بَقاقِك شيئاً؛ قال الأَزهري: البَقاق كثرة الكلام، ومعنى الحديث أَن الله تعالى لم يقبل مما أَكثرت شيئاً.
وفي الحديث: أَنه، عليه الصلاة والسلام، قال لأَبي ذر، رضي الله عنه: ما لي أَراك لَقّاً بقّاً؟ كيف بك إذا أَخرجوك من المدينة؟ يقال: رجل لَقاقٌ بقَاقٌ أَي كثير الكلام، ويروى لَقاً بَقاً، بوزن عَصا، وهو تبع للقا المَرْمِيّ المَطْرُوح. ويقال للكثير الكلام: بَقْباقٌ. ابن الأَعرابي:البَقَقةُ الثَّرْثارُون. وبَقَّ الخبرَ بَقّاً: نَشَره وأرسله.والبَقْبَقةُ: حكاية صوت كما يُبَقْبِق الكوزُ في الماء. يقال: بَقْبَقَ الكوزُ بالماءِ أَي صوَّت. وبَقْبَقَتِ القِدر: غَلَت.
وبَقَّةُ: موضع بالعراق قريب من الحِيرة كان به جَذِيمة الأَبرش قيل إِنه على شاطئ الفُرات؛ قال عَديّ بن زيد:

دَعا بالبَقَّةِ الأُمراءَ يَوْمـاً

 

جَذِيمةُ، يَسْتَشِير النَّاصِحِينا

ومنه المثل: خلَّفْتَ الرأْيَ ببقَّةَ، وهذا قول قَصِير بن سَعْد اللَّخْمِيّ لجَذِيمة الأَبْرشِ حين أَشار عليه أَن لا يَسِير إلى الزَّبَّاء، فلما نَدِم على سيره قال قصير ذلك. وبَقَة: اسم امرأة؛ وأنشد الأَحمر:

يَوْمُ أَدِيمِ بَـقَّةَ الـشَّـــرِيمِ

 

أفْضَلُ من يومِ احْلِقِي وقُومِي

أَراد بقوله احلقي وقومي في الشدَّة. ورقَّصَت امرأَة طِفْلها فقالت: حُزُّقُّةٌ حُزُّقَّه تَرَقَّ عيْنَ بَقَّه؛ قيل: بقَّة اسم حِصْن، أَرادت اصعَد عينَ بقَّة أَي اعلُها، وقيل: إِنها شبَّهت طِفْلَها بالبَقَّة لصِغر جُثَّته؛ وقوله:

أَلم تَسْمَعا بالبَقَّتَيْنِ المُنادِيا

أَراد بقَّةَ الحِصْن ومكاناً آخر معها كما قال:

ومَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَـرْتَـيْنْ

 

قَطَعْتُه بالسَّمْتِ لا بالسَّمْتَيْنْ

بقل

بَقَلَ الشيءُ: ظهَر. والبَقْل: معروف؛ قال ابن سيده: البَقْل من النبات ما ليس بشجر دِقًّ ولا جِلًّ، وحقيقة رسمه أَنه ما لم تبق له أُرومة على الشتاء بعدما يُرْعى، وقال أَبو حنيفة: ما كان منه ينبت في بَزْره ولا ينبت في أُرومة ثابتة فاسمه البقْل، وقيل: كل نابتة في أَول ما تنبت فهو البَقْل، واحدته بَقْلة، وفَرْقُ ما بين البَقْل ودِقِّ الشجر أَن البقل إذا رُعي لم يبق له ساق والشجر تبقى له سُوق وإِن دَقَّت. وفي المثل: لا تُنْبِتُ البَقْلَة إِلا الحَقْلة؛ والحَقْلَة: القَراح الطَّيِّبة من الأَرض.
وأَبْقَلَت: أَنبتت البَقْل، فهي مُبْقِلة. والمُبْقِلة: ذات البَقْل.
وأَبْقَلَت الأَرضُ: خَرَجَ بَقْلها؛ قال عامر بن جُوَين الطائي:

فلا مُزْنَةٌ ودَقَتْ وَدْقَها

 

ولا أَرْض أَبْقَل إِبْقَالَها

ولم يقل أَبْقَلت لأَن تأْنيث الأَرض ليس بتأْنيث حقيقي. وفي وصف مكة: وأَبْقَل حَمْضُها، هو من ذلك. والمَبْقَلة: موضع البَقْل؛ قال دُوَاد بن أَبي دُوَاد حين سأَله أَبوه: ما الذي أَعاشك؟ قال:

أَعاشَني بَعْدَك وادٍ مُبْقِلُ

 

آكُلُ من حَوْذانِه وأَنْسِلُ

قال ابن جني: مكان مُبْقِل هو القياس، وباقل أَكثر في السماع، والأَوَّل مسموع أَيضاً. الأَصمعي: أَبْقَل المكانُ فهو باقل من نبات البَقْل، وأَوْرَسَ الشجرُ فهو وارس إذا أَوْرَق، وهو بالأَلف. الجوهري: أَبْقَل الرِّمْت إذا أَدْبَى وظهرت خُضْرة ورقه، فهو باقل. قال: ولم يقولوا مُبْقِل كما قالوا أَوْرَسَ فهو وارس، ولم يقولوا مورِس، قال: وهو من النوادر، قال ابن بري: وقد جاء مُبْقِل؛ قال أَبو النجم:

يَلْمَحْنَ من كل غَميسٍ مُبْقِل

قال: وقال ابن هَرْمة:

لَرُعْت بصَفْراءِ السُّحالةِ حُرَّةً

 

لها مَرْتَعٌ بين النَّبِيطَينِ مُبْقِل

قال: وقالوا مُعْشِب؛ وعليه قول الجعدي:

على جانِبَيْ حائر مُفْرد

 

بَبَرْثٍ، تَبَوَّأْتُه مُعْشِب

قال ابن سيده: وبَقَل الرِّمْثُ يَبْقُل بَقْلاً وبُقُولاً وأَبْقَل، فهو باقل، على غير قياس كلاهما: في أَول ما ينبت قبل أَن يخضرَّ. وأَرض بَقِيلة وبَقِلة مُبْقِلة؛ الأَخيرة على النسب أَي ذات بَقْل؛ ونظيره: رجل نَهِرٌ أَي يأْتي الأُمور نهاراً. وأَبقل الشجرُ إذا دنت أَيام الربيع وجرى فيها الماء فرأَيت في أَعراضها مثل أَظفار الطير؛ وفي المحكم: أَبْقَل الشجرُ خرج في أَعراضه مثل أَظفار الطير وأَعْيُنِ الجَرَادِ قبل أَن يستبين ورقه فيقال حينئذ صار بَقْلة واحدة، واسم ذلك الشيء الباقل. وبَقَل النَّبْتُ يَبْقُل بُقولاً وأَبْقَل: طَلَع، وأَبْقَله الله. وبَقَل وجهُ الغلام يَبْقُل بَقْلاً وبُقُولاً وأَبقل وبَقَّل: خَرَجَ شعرُه، وكره بعضهم التشديد؛ وقال الجوهري: لا تَقُلْ بَقَّل، بالتشديد. وأَبقله الله: أَخرجه، وهو على المثل بما تقدم. الليث: يقال للأَمرد إذا خرج وجهه: قد بَقَل. وفي حديث أَبي بكر والنسَّابة: فقامَ إِليه غلام من بني شيبان حين بَقَل وجهُه أَي أَول ما نبتت لحيته. وبقَلَ نابُ البعير يَبْقُل بُقولاً: طَلَع، على المثل أَيضاً، وفي التهذيب: بَقَل نابُ الجمل أَول ما يطلع، وجَمَلٌ باقل الناب. والبُقْلة: بَقْل الرَّبِيع؛ وأَرض بَقِلة وبَقيلة ومَبْقَلة ومَبْقُلة وبَقَّالة، وعلى مثاله مَزْرَعَة ومَزْرُعَة وزَرَّاعة. وابْتَقَل القومُ إذا رَعَوا البَقْل. والإِبل تَبْتَقِل وتَتَبَقَّل، وابْتَقَلَت الماشية وتَبَقَّلت: رَعَت البَقْل، وقيل: تَبَقُّلُها سِمَنُها عن البَقْل.
وابْتَقَلَ الحمار: رَعَى البَقْل؛ قال مالك بن خويلد الخُزاعي الهذلي:

اللهِ يَبْقَى على الأَيَّامِ مُبْتَقِـلٌ

 

جَوْنُ السَّرَاةِ رَبَاعٍ سِنُّه غَرِدُ

أَي لا يَبْقَى، وتَبَقَّل مثله؛ قال أَبو النجم:

كُوم الذُّرَى من خَوَل المُخَوَّل

تَبَقَّلتْ في أَوَّل التَّبَقُّل،

بَيْنَ رِمَاحَيْ مالِكٍ ونَهْشَل

وتَبَقَّل القومُ وابْتَقَلُوا وأَبْقَلوا: تَبَقَّلت ماشيتُهم. وخَرَجَ يَتَبَقَّل أَي يطلب البَقْل. وبَقْلة الضَّبّ: نَبْت؛ قال أَبو حنيفة: ذكرها أَبو نصر ولم يفسرها. والبَقْلة: الرِّجْلة وهي البَقْلة الحَمْقاء. ويقال: كُلُّ نَبات اخْضَرَّت له الأَرضُ فهو بَقْل؛ قال الحرثبن دَوش الإِيادِيّ يخاطب المُنْذِر بنَ ماء السماء:

قَوْمٌ إذا نَبَتَ الرَّبِيعُ لهم

 

نَبَتَتْ عَدَاوتُهم مع البَقْل

الجوهري: وقولُ أَبي نُخَيْلة:

بَرِّيَّةٌ لم تأْكل المُـرَقَّـقـا

 

ولم تَذُقْ من البُقُول الفُسْتُقا

قال: ظَنَّ هذا الأَعرابي أَن الفُسْتُق من البَقْل، قال: وهكذا يُرْوى البَقْل بالباء، قال: وأَنا أَظنه بالنون لأَن الفُسْتُق من النَّقْل وليس من البَقْل.
والباقِلاءُ والباقِلَّى: الفُول، اسم سَوادِيٌّ، وحَمْلُه الجَرْجَر، إذا شدَّدت اللام قَصَرْت، وإِذا خَفَّفْت مَدَدْت فقلت الباقلاء، واحدته باقِلاَّة وباقِلاَّءَة، وحكى أَبو حنيفة الباقِلَى، بالتخفيف والقصر، قال: وقال الأَحمر واحدة الباقِلاء باقلاء، قال ابن سيده: فإِذا كان ذلك فالواحد والجمع فيه سواء، قال: وأَرى الأَحمر حكى مثل ذلك في الباقلَّى.
قال: والبُوقَالُ، بضم الباء، ضَرْب من الكِيزَان، قال: ولم يفسِّر ما هو ففسرناه بما عَلِمْنا.
وباقِلٌ: اسم رجل يضرب به المثل في العِيِّ؛ قال الأُموي: من أَمثالهم في باب التشبيه: إِنه لأَعْيَا من باقل، قال: وهو اسم رجل من ربيعة وكان عَييّاً فَدْماً؛ وإِياه عَنى الأُرَيْقِط في وَصْف رَجُل مَلأَ بطنَه حتى عَيِيَ بالكلام فقال يَهْجُوه، وقال ابن بري: هو لحميد الأَرْقَط:

أَتَانَا، وما دانـاه سَـحْـبـانُ وائلٍ

 

بَيَاناً وعِلْماً بِـالـذي هـو قـائل،

يَقُول، وقد أَلْقَى المَرَاسِيَ للقِـرَى

 

أَبِنْ ليَ ما الحَجَّاجُ بالناس فاعـل

فَقُلْتُ: لعَمْرِي، ما لهذا طَرَقْتَـنـا

 

فكُلْ، ودَعِ الإِرْجافَ، ما أَنت آكل

تُدَبِّل كَـفَّـاه ويَحْـدُر حَـلْـقُـه،

 

إِلى البَطْنِ، ما ضُمَّتْ عليه الأَنامل

فما زال عند اللقم حتـى كـأَنَّـه

 

من العِيِّ لما أَن تَكَـلَّـم، بـاقـل

قال: وسَحْبان هو من ربيعة أَيضاً من بني بكْر كان لَسِناً بليغاً؛ قال الليث: بلغ من عِيِّ باقل أَنه كان اشترى ظَبْياً بأَحد عشر دِرْهماً، فقيل له: بِكَم اشتريت الظبي؟ ففتح كفيه وفرَّق أَصابعه وأَخرج لسانه يشير بذلك إِلى أَحد عشر فانفلت الظبي وذهب فضربوا به المثل في العِيّ.
والبَقْل: بطن من الأَزْد وهم بَنُو باقل. وبَنُو بُقَيْلة: بطن من الحِيرَة. ابن الأَعرابي: البُوقالة الطِّرْجهَارَة.

بقم

البُقامةُ: الصُّوفةُ يُغْزَل لُبُّها ويَبْقَى سائرُها، وبُقامةُ النَّادِف: ما سقَط من الصُّوفِ لا يقْدر على غَزْلِه، وقيل: البُقامةُ ما يُطَيِّره النجَّادُ؛ وقوله أَنشده ثعلب:

إذا اغْتَزَلَتْ من بُقام الفَرِيرِ،

 

فَيا حُسْنَ شَمْلَتها شَمْلَـتـا،

ويا طِيبَ أَرْواحِها بالضُّحَى،

 

إذا الشَّمْلَتان لهَا ابتُـلَّـتَـا

قال ابن سيده: يجوز أَن يكون البُقامُ هنا جمع بُقامَة، وأَن يكون لغة في البُقامةِ، قال: ولا أَعرفها، وأَن يكون حذف الهاء للضرورة؛ وقوله شَمْلَتا كأَنَّ هذا يقول في الوَقْف شَمْلَت ثم أَجْراها في الوَصْل مُجْراها في الوَقْف. وما كان فُلان إلاَّ بُقامَةً من قِلَّة عَقْلِه وضعفه شُبِّه بالبُقامة من الصُّوف. وقال اللحياني: يقال للرجل الضعيف: ما أَنت إلا بُقامةٌ، قال فلا أَدري أَعَنَى الضعيفَ في عَقْله أَمِ الضعِيفَ في جسمه. التهذيب: روى سلمة عن الفراء البُقامةُ ما تَطاير من قَوْس الندَّاف من الصُّوف.
والبَقَّمُ: شَجر يُصْبغ به، دَخِيل معرَّب؛ قال الأَعشى:

بكأسٍ وإبْرِيقٍ كأَنَّ شَـرابَـهـا،

 

إذا صُبَّ في المِسْحاة، خالَطَ بَقَّمَا

الجوهري: البَقَّمُ صِبْغ معروف وهو العَنْدَمُ؛ قال العجاج:

بِطَعْنَةٍ نَجْلاءَ فيها أَلَمُهْ،

يَجِيشُ ما بين تَراقِيه دَمُهْ،

كمِرْجَل الصَّبَّاغ جاش بَقَّمُهْ

قال الجوهري: قلتُ لأَبي عليٍّ الفَسَوِيّ أَعربيّ هو؟ فقال: معرَّب، قال: وليس في كلامهم اسم على فَعَّل إلاَّ خمسة: خَضَّم بن عَمرو بن تميم وبالفعل سمِّي، وبَقَّم لهذا الصِّبْغ، وشَلَّم موضع الشام، وقيل هو بَيْت المَقْدِس وهُما أَعجميان، وبَذَّر اسم ماء من مياه العرَب، وعَثَّر موضع؛ قال: ويحتمل أَن يكونا سمِّيا بالفعْل، فثَبَت أَن فَعَّل ليس في أُصول أَسمائهم وإنما يختصُّ بالفِعْل فإذا سمَّيْت به رجلاً لم يَنصرف في المَعْرفة للتعريف ووزن الفِعْل، وانْصَرَف في النَّكِرة؛ وقال غيره: إِنما عَلِمْنا من بَقَّم أَنه دَخِيل معرَّب لأَنه ليس للعرب بناء على حُكْم فَعَّل، قال: فلو كانت بَقَّم عربيَّة لوُجِدَ لها نظير إلا ما يقال بَذَّر وخَضَّم، هم بَنو العَنْبر من عَمرو بن تميم، وحكي عن الفراء: كل فَعَّل لا يَنصرف إلا أَن يكون مؤنثاً قال ابن بري: وذكر أَبو منصور بن الجَوالِيقِي في المعرَّب: تَوَّج موضع، وكذلك خَوَّد؛ قال جرير:

أَعْطوا البَعِيثَ جَفَّةً ومِنْسَجا،

 

وافْتَحَلُوه بَقَراً بِـتَـوَّجَـا

وقال ذو الرمة:

وأَعْيُن العِينِ بأَعْلى خَوَّدَا

وشمَّر: إسم فرس؛ قال:

وجَدِّيَ يا حَجَّاجُ فارِسُ شَمَّرَا

والبُقْمُ: قَبيلةٌ.

بقن

الأَزهري: أَما بقن فإن الليث أَهمله، وروى ثعلب عن ابن الأَعرابي: أَبْقَن إذا أَخضَبَ جَنابُه واخضرَّت نِعالُه. والنِّعالُ: الأَرضون الصُّلبة.

بقي

في أَسماء الله الحسنى الباقي: هو الذي لا ينتهي تقدير وجوده في الإستقبال إلى آخر ينتهي إليه، ويعبر عنه بأَنه أَبديّ الوجود. والبَقاء:ضدّ الفَناء، بَقِيَ الشيءُ يَبْقَى بَقاءً وبَقَى بَقْياً، الأَخيرةُ لغة بلحرث بن كعب، وأَبقاه وبَقَّاه وتَبَقَّاه واسْتَبْقاه، والاسم البَقْيَا والبُقْيَا. قال ابن سيده: وأَرى ثعلباً قد حكى البُقْوَى، بالواو وضم الباء. والبَقْوَى والبَقْيا: إسمان يوضعان موضع الإبْقاء، إن قيل: لم قلبت العرب لام فَعْلَى إذا كانت اسماً وكان لامها ياء واواً حتى قالوا البَقْوَى وما أَشبه ذلك نحو التَّقْوَى والعَوَّى فالجواب: أَنهم إنما فعلوا ذلك في فَعْلى لأَنهم قد قلبوا لام الفُعْلَى، إذا كانت اسماً وكانت لامها واواً، ياء طلباً للخفة، وذلك نحو الدُّنْيا والعُلْيا والقُصْيا، وهي من دَنَوْتُ وعَلَوْتُ وقَصَوْت، فلما قلبوا الواو ياء في هذا وفي غيره مما يطول تعداده عوَّضوا الواو من غلبة الياء عليها في أَكثر المواضع بأَن قلبوها في نحو البَقْوَى والثَّنْوَى واواً، ليكون ذلك ضرباً من التعويض ومن التكافؤ بينهما. وبقي الرجلُ زماناً طويلاً أَي عاش وأَبقاه الله. الليث: تقول العرب نَشَدْتُك الله والبُقْيَا؛ هو الإبقاء مثل الرَّعْوى والرُّعْيا من الإرْعاء على الشيء، وهو الإبْقاء عليه. والعرب تقول للعدوّ إذا غَلَبَ: البَقِيَّةَ أَي أَبْقُوا علينا ولا تستأْصلونا؛ ومنه قول الأَعشى:

قالوا البَقِيَّة والخَطِّيُّ يأْخُذُهم

وفي حديث النجاشي والهجرة: وكان أَبْقَى الرجلين فينا أَي أَكثر إبقاء على قومه، ويروى بالتاء من التُّقى. والباقِيةُ توضع موضع المصدر. ويقال:ما بَقِيَتْ منهم باقِيةٌ ولا وَقاهم الله من واقِيَة. وفي التنزيل العزيز: فهل تَرى لهم من باقية؛ قال الفراء: يريد من بَقاء. ويقال: هل ترى منهم باقياً، كل ذلك في العربية جائز حسن، وبَقِيَ من الشيء بَقِيَّةٌ. وأَبْقَيْتُ على فلان إذا أَرْعَيْتَ عليه ورَحِمْتَه. يقال: لا أَبْقَى اللهُ عليك إن أَبْقَيْتَ عليَّ، والإسم البُقْيَا؛ قال اللَّعِين:

سَأَقْضِي بين كَلْبِ بَني كُلَيْبٍ،

 

وبَيْنَ القَيْنِ قَيْنِ بَني عِقَـالِ

فإنَّ الكلبَ مَطْعَمُه خَبـيثٌ،

 

وإنَّ القَيْنَ يَعْمَلُ في سِفَـالِ

فما بُقْيَا عليّ ترَكْتُمـانـي،

 

ولكنْ خِفْتُما صَرَدَ النِّـبـالِ

وكذلك البَقْوى، بفتح الباء. ويقال: البُقْيَا والبَقْوَى كالفُتْيا والفَتْوَى؛ قال أَبو القَمْقام الأَسَدِيُّ:

أُذَكِّرُ بالبَقْوَى على ما أَصابَني،

 

وبَقْوايَ أَنِّي جاهِدٌ غَير مُؤتَلي

واسْتَبْقَيتُ من الشيء أَي تركت بعضه. واسْتبقاه: اسْتَحْياه، وطيِّءٌ تقول بَقَى وبَقَتْ مكان بَقِيَ وبَقيَتْ، وكذلك أَخواتها من المعتل؛ قال البَولاني:

تَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بالحَضِيضِ، وتَصْ

 

طادُ نُفُوساً بُنَتْ على الكَـرَمِ

أَي بُنِيَتْ، يعني إذا أَخطأَ يُورِي النارَ. والبقيَّةُ: كالبَقْوَى.
والبِقيَّة أَيضاً: ما بقي من الشيء. وقوله تعالى: بَقِيَّةُ الله خير لكم. قال الزجاج: معناه الحالُ التي تبقى لكم من الخير خير لكم، وقيل: طاعة الله خير لكم. وقال الفراء: يا قوم ما أُبقي لكم من الحلال خير لكم، قال: ويقال مراقبة الله خير لكم. الليث: والباقي حاصل الخَراج ونحوه، ولغة طيء بَقَى يَبْقى، وكذلك لغتهم في كل ياء انكسر ما قبلها، يجعلونها أَلفاً نحو بَقَى ورَضَى وفَنَى؛ وقوله عز وجل: والباقياتُ الصالحاتُ خير عند ربك ثواباً؛ قيل: الباقيات الصالحات الصلوات الخمس، وقيل هي الأَعمال الصالحة كلها، وقيل: هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أَكبر.قال: والباقيات الصالحات، والله أَعلم، كل عمل صالح يَبْقَى ثوابه.
والمُبْقِياتُ من الخيل: التي يَبْقَى جَريُها بعد انقطاع جَرْي الخيل؛ قال الكَلْحَبةُ اليَرْبوعِيُّ:

فأَدْرَكَ إبْقاءَ العَرادَةِ ظَلْعُهـا،

 

وقد جَعَلَتْني من حزِيمةَ إصْبَعا

وفي التهذيب: المُبْقِياتُ من الخيل هي التي تُبْقِي بعضَ جَريها تَدَّخِره. والمُبْقِياتُ: الأَماكن التي تُبقِى ما فيها من مناقع الماء ولا تشربه؛ قال ذو الرمة:

فلما رَأَى الرَّائي الثُّرَيَّا بسُدْفةٍ،

 

ونَشَّتْ نِطافُ المُبْقِياتِ الوقائع

واسْتَبْقى الرجلَ وأَبقى عليه: وجب عليه قتل فعفا عنه. وأَبْقيْتُ ما بيني وبينهم: لم أُبالغ في إفساده، والإسم البَقِيَّةُ؛ قال:

إنْ تُذْنِبُوا ثم تأْتِيني بَقِيَّتُكم،

 

فما عليَّ بذَنْبٍ منكُم فَوْتُ

أَي إبقاؤكم: ويقال: اسْتَبْقَيْتُ فلاناً إذا وجب عليه قتل فعفوت عنه.
وإذا أَعطيت شيئاً وحَبَسْتَ بعضَه قلت: استبقيت بعضه. واسْتَبْقَيْتُ فلاناً: في معنى العفو عن زلله واسْتِبْقاء مودَّته؛ قال النابغة:

ولَسْتَ بمُسْتَبْقِ أَخـاً لا تَـلُـمُّـه

 

على شَعَثٍ، أَيُّ الرجالِ المُهَذَّبُ؟

وفي حديث الدعاء: لا تُبْقِي على من يَضْرَعُ إليها، يعني النار. يقال:أَبْقَيْت عليه أُبْقِي إبْقاءً إذا رحمته وأَشفقت عليه. وفي الحديث:تَبَقَّهْ وتوَقَّهْ؛ هو أَمر من البقاء والوِقاء، والهاء فيهما للسكت، أَي اسْتَبْق النفسَ ولا تُعَرِّضْها للهَلاك وتحرّز من الآفات. وقوله تعالى: فلولا كان من القرون من قبلكم أُولو بَقِيَّة ينهون عن الفساد؛ معناه أُولو تمييز، ويجوز أُولوا بقية أُولو طاعة؛ قال ابن سيده: فسر بأَنه الإبقاء وفسر بأَنه الفَهْم، ومعنى البَقِيَّة إذا قلت فلان بَقِيَّة فمعناه فيه فَضْل فيما يُمْدَحُ به، وجمع البَقِيَّة بقايا. وقال القتيبي: أُولو بَقِيَّة من دِينِ قوم لهم بَقِيَّة إذا كانت بهم مُسْكَة وفيهم خير. قال أَبو منصور: البَقيَّة اسم من الإبْقاء كأَنه أَراد، والله أَعلم، فلولا كان من القرون قوم أُولوا إبقاء على أَنفسهم لتمسكهم بالدين المرضي، ونصب إلا قليلاً لأَن المعنى في قوله فلولا كان فما كان، وانتصاب قليلاً على الانقاع من الأَول. والبُقْيَا أَيضاً: الإبْقاءُ؛ وقوله أَنشده ثعلب:

فلولا اتِّقاءُ الله بُقْيايَ فيكمـا،

 

لَلُمْتُكما لَوْماً أَحَرَّ من الجَمْرِ

أَراد بُقْيايَ عليكما، فأَبدل في مَكانَ على، وأَبدل بُقْيايَ من اتقاء الله. وبَقَاهُ بَقْياً: انتظره ورَصَدَه، وقيل: هو نظرك إليه؛ قال الكُمَيْت وقيل هو لكثير:

فما زلْتُ أَبْقِي الظُّعْنَ، حتى كأَنها

 

أَواقِي سَدىً تَغْتالهُنَّ الـحَـوائِكُ

يقول: شبهت الأَظْعَان في تباعدها عن عيني ودخولها في السراب بالغزل الذي تُسْديه الحائكةُ فيتناقص أَوَّلاً فأَوّلاً. وبَقَيْتُه أَي نظرت إليها وترقبته. وبَقِيَّةُ الله: انتظارُ ثوابه؛ وبه فسر أَبو عليّ قوله:بقيةُ الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، لأَنه وإنما ينتظر ثوابه من آمن به.
وبَقِيَّةُ: اسم. وفي حديث معاذ: بَقَيْنا رسولَ الله وقد تأَخر لصلاة العَتَمة، وفي نسخة: بَقَيْنا رسولَ الله في شهر رمضان حتى خَشينا فوتَ الفَلاح أَي انتظرناه. وبَقَّيْتُه، بالتشديد، وأَبقيَته وتَبَقَّيْتُه كله بمعنى. وقال الأَحمر في بَقَيْنا: انتظرنا وتبصرنا؛ يقال منه: بَقَيْتُ الرجلَ أَبْقِيه أَي انتظرته ورَقَبْتُه؛ وأَنشد الأَحمر:

فهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائداتِها،

جُنْحُ النَّواصِي نَحْوَ أَلْوِياتِها،

كالطَّير تَبقي مُتَداوِماتِها

يعني تنظر إليها. وفي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، وصلاة الليل:فبَقَيْتُ كيف يصلي النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وفي رواية: كراهة أَن يَرَى أَني كنت أَبْقِيه أَي أَنْظُره وأَرْصُده. اللحياني: بَقَيْتُه وبَقَوْتُه نظرت إليه، وفي المحكم: بَقَاه بعينه بَقَاوَةً نظر إليه؛ عن اللحياني. وبَقَوْتُ الشيءَ: انتظرته، لغة في بَقَيْتُ، والياء أَعلى.
وقالوا: ابْقُهْ بَقْوَتَك مالَك وبَقَاوَتَك مالَك أَي احفظه حفْظَك مالَك.

بكأ

بَكَأَتِ الناقةُ والشاةُ تَبْكَأُ بَكْأً وبَكُؤَتْ تَبْكُؤُ بَكاءَةً وبُكُوءاً، وهي بَكِيءٌ وبَكِيئةٌ: قلَّ لبنُها؛ وقيل انقطع. وفي حديث عليٍّ: دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأَنا على المَنامةِ، فقامَ الى شاة بَكِيءٍ، فَحلَبها. وفي حديث عُمَر أَنه سأَل جَيْشاً: هل ثَبتَ لكم العَدوّ قَدْرَ حَلْبِ شاةٍ بَكيئةٍ؟ قال سلامة بن جندل:

وَشدّ كَوْرٍ على وَجْنـاء نـاجِـيةٍ،

 

وَشدّ سَرْجٍ على جَرْداءَ سُرْ حُوبِ

يقالُ مَحْبِسُها أَدْنى لِمَرْتَـعِـهـا،

 

ولو نُفادِي بِبَكْءٍ كلَّ مَـحْـلُـوب

أَراد بقوله مَحْبِسُها اي مَحْبِسُ هذه الإِبل والخيل على الجَدْب، ومقابلة العدوّ على الثَّغْر أَدنى وأَقربُ من أَن تَرتعَ وتُخْصِب وتُضَيِّعَ الثغر في إِرسالِها لتَرْعى وتُخْصِب. وناقةٌ بَكيئةٌ وأَيْنُقٌ بِكاء، قال:

فَلَيَأْزِلَنَّ وتَبْكُؤُنَّ لِقاحُه،

 

ويُعَلِّلَنَّ صَبِيَّه بِسَمارِ

السَّمارُ: اللبن الذي رُقِّق بالماء. قال أَبو منصور: سَماعُنا، في غريب الحديث، بَكُؤَتْ تَبْكُؤُ، قال: وسمعنا في المصنف لشمر عن أَبي عُبيد عن أَبي عَمْرو: بَكَأَتِ الناقةُ تَبْكَأُ. قال أَبو زيد: كل ذلك مهموز. وفي حديث طاؤوس: مَن مَنَحَ مَنِيحةَ لَبن فله بكُلّ حَلْبةٍ عشرُ حَسَناتٍ غَزُرَتْ أَو بَكَأَتْ. وفي حديث آخر: مَن مَنَحَ مَنِيحةَ لبن بكِيئةً كانت أَو غَزِيرةً. وأَما قوله:

أَلا بَكَرَتْ أُمُّ الكِلابِ تلُومُنِي،تَقُولُ: أَلا قَدْ أَبْكَأَ الدَّرَّ حَالِبُهْ

فزعم أَبو رِياش أَنّ معناه وجدَ الحالِبُ الدَّرَّ بَكِيئاً، كما تقول أَحْمَدَه: وجَده حَمِيداً. قال ابن سيده: وقد يجوز عندي أَن تكون الهمزة لتعدية الفعل أَي جعله بَكِيئاً، غير أَني لم أَسمع ذلك من أَحد، وإِنما عاملت الأَسبق والأَكثر.
وبَكأَ الرجُل بَكاءَةً، فهو بَكِيءٌ من قوم بِكاء: قلَّ كلامُه خِلْقةً. وفي الحديث: إِنّا مَعْشر النُّبَآءِ بِكاءٌ. وفي رواية: نحنُ مَعاشِرَ الأَنبياء فينا بُكْءٌ وبُكاءٌ: أَي قِلَّة كلامٍ إِلاَّ فيما نحتاج إليه. بَكُؤَتِ النَّاقةُ: إذا قلَّ لبنُها؛ ومَعاشِرَ منصوب على الاختصاص.
والاسمُ البُكْءُ.
وبَكِئ الرَّجل: لم يُصِبْ حاجته.
والبُكْءُ: نبت كالجَرْجِير، واحدته بُكْأَةٌ.

بكا

البُكاء يقصر ويمد؛ قاله الفراء وغيره، إذا مَدَدْتَ أَردتَ الصوتَ الذي يكون مع البكاء، وإذا قَصرت أَردتَ الدموع وخروجها؛ قال حسان بن ثابت، وزعم ابن إسحق أَنه لعبد الله بن رواحة وأَنشده أَبو زيد لكعب بن مالك في أَبيات:

بَكَتْ عيني، وحقَّ لها بُكاهـا،

 

وما يُغْني البُكاءُ ولا العَـويلُ

على أَسَد الإلهِ غَداةَ قـالـوا:

 

أَحَمْزَةُ ذاكم الرجلُ القتـيلُ؟

أُصِيبَ المسلمون به جمـيعـاً

 

هناك، وقد أُصيب به الرسولُ

أَبا يَعْلى لك الأَركانُ هُـدَّتْ،

 

وأَنتَ الماجدُ البَرُّ الوصـولُ

عليك سلامُ ربك في جِنـانٍ،

 

مُخالطُهـا نَـعـيمٌ لا يزولُ

قال ابن بري: وهذه من قصيدة ذكرها النحاس في طبقات الشعراء، قال:والصحيح أَنها لكعب بن مالك؛ وقالت الخنساء في البكاء الممدود ترثي أَخاها:

دَفَعْتُ بك الخُطوبَ وأَنت حيٌّ،

 

فمن ذا يَدْفَعُ الخَطْبَ الجَليلا؟

إذا قَبُحَ البُكاء علـى قَـتـيل،

 

رأَيتُ بكاءَك الحَسَنَ الجمـيلا

وفي الحديث: فإن لم تجدوا بُكاءً فَتَبَاكَوْا أَي تَكَلَّفُوا البُكاء، وقد بَكَى يَبْكِي بُكاءً وبُكىً؛ قال الخليل: من قصره ذهب به إلى معنى الحزن، ومن مدّة ذهب به إلى معنى الصوت، فلم يبالِ الخليلُ اختلافَ الحركة التي بين باء البكا وبين حاء الحزن، لأَن ذلك الخَطَر يسير. قال ابن سيده:،هذا هو الذي جَرَّأَ سيبويه على أَن قال وقالوا النَّضْرُ، كما قالوا الحَسَنُ، غير أَن هذا مسكَّن الأَوسط، إلا أَن سيبويه زاد على الخليل لأَن الخليل مَثَّلَ حركة بحركة وإن اختلفتا، وسيبويه مَثَّلَ ساكن الأَوسط بمتحرك الأَوسط، ولا محالة أَن الحركة أَشبه بالحركة وإن اختلفتا من الساكن بالمتحرك، فَقَصَّرَ سيبويه عن الخليل، وحُقَّ له ذلك، إذا الخليل فاقد النظير وعادم المثيل؛ وقول طرفة:

وما زال عني ما كَنَنْتُ يَشُوقُنـي،

 

وما قُلْتُ حتى ارْفَضَّتِ العينُ باكيا

فإنه ذكَّر باكياً وهي خبر عن العين، والعين أُنثى، لأَنه أَراد حتى ارفضت العين ذات بكاء، وإن كان أَكثر ذلك إنما هو فيما كان معنى فاعل لا معنى مفعول، فافهم، وقد يجوز أَن يذكر على إرادة العضو، ومثل هذا يتسع فيه القول؛ ومثله قول الأَعشى:

أَرَى رَجُلاً منهم أَسِيفاً، كأَنما

 

يَضُمُّ إلى كَشْحَيْهِ كَفّاً مُخَضَّبا

أَي ذاتَ خضاب، أَو على إرادة العضو كما تقدم؛ قال: وقد يجوز أَن يكون مخضباً حالاً من الضمير الذي في يضم. وبَكَيْتُه وبَكَيْتُ عليه بمعنى.قال الأَصمعي: بَكَيْت الرجلَ وبَكَّيْته، بالتشديد، كلاهما إذا بَكَيْتَ عليه، وأَبْكَيته إذا صنعت به ما يُبْكِيه، قال الشاعر:

الشمسُ طالعة، ليستْ بكاسفةٍ،

 

تُبْكي عليكَ نُجومَ الليل والقَمرا

واسْتَبْكَيْتُه وأَبْكَيْتُه بمعنى. والتِّبْكاء: البُكاء؛ عن اللحياني. وقال اللحياني: قال بعض نساء الأَعراب في تأْخيذ الرجال أَخَّذتُه في دُبَّاء مُمَلأٍ من الماء مُعَلَّقٍ بتِرْشاء فلا يَزَلْ في تِمْشاء وعينُه في تِبْكاء، ثم فسره فقال: التِّرشاءُ الحَبْلُ، والتِّمْشاء المَشيُ، والتِّبْكاءُ البُكاء، وكان حكم هذا أَن يقول تَمْشاء وتَبْكاء لأَنهما من المصادر المبنية للتكثير كالتَّهْذار في الهَذْر والتَّلْعاب في اللَّعب، وغير ذلك من المصادر التي حكاها سيبويه، وهذه الأُخْذَة قد يجوز أَن تكون كلها شعراً، فإذا كان كذلك فهو من مَنْهوك المنسرح؛ وبيته:

صَبْراً بني عَبْد الدارْ

وقال ابن الأَعرابي: التَّبكاء، بالفتح، كثرة البُكاء؛ وأَنشد:

وأقْرَحَ عَيْنَـيَّ تَـبْـكـاؤُه،

 

وأَحدَثَ في السَّمْعِ مِنِّي صَمَمْ

وباكَيْتُ فلاناً فَبَكَيْتُه إذا كنتَ أَكثرَ بُكاءً منه. وتَباكى:تَكَلَّف البُكاءَ. والبَكِيُّ: الكثير البُكاء، على فعيل. ورجل باك، والجمع بُكاة وبُكِيٌّ، على فُعُول مثل جالس وجُلُوس، إلاّ أَنهم قلبوا الواو ياء. وأَبْكَى الرجلَ: صَنَع به ما يُبْكيه. وبَكَّاه على الفَقيدِ:هَيَّجه للبكاء عليه ودعاه إليه؛ قال الشاعر:

صَفيَّةُ قُومي ولا تَقْعُدِي،

 

وبَكِّي النساءَ على حَمْزه

ويروى: ولا تَعْجزي، هكذا روي بالإسكان، فالزاي على هذا هو الرويّ لا الهاء لأَنها هاء تأنيث، وهاء التأْنيث لا تكون رويّاً، ومن رواه مطلقاً قال: على حمزة، جعل التاء هي الرويّ واعتقدها تاء لا هاء لأَن التاء تكون رويّاً، والهاء لا تكون البتة رويّاً. وبَكَاه بُكاءً وبَكَّاه، كلاهما:بَكَى عليه ورثاه؛ وقوله أَنشده ثعلب:

وكنتُ مَتَى أَرى زِقّاً صَريعاً،

 

يُناحُ على جَنازَتِه، بَـكَـيْتُ

فسره فقال: أَراد غَنَّيْتُ، فجعل البكاء بمنزلة الغِناء، واستجاز ذلك لأَن البُكاء كثيراً ما يَصْحَبه الصوت كما يصحب الصوت الغناء.والبَكَى، مقصور: نبت أَو شجر، واحدته بَكاة. قال أَبو حنيفة: البَكاة مثلُ البَشامة لا فرق بينهما إلا عند العالم بهما، وهما كثيراً ما تنبتان معاً، وإذا قطعت البَكاة هُريقت لبناً أَبيض؛ قال ابن سيده: وقضينا على أَلف البُكَى بالياء لأَنها لام لوجود ب ك ي وعدم ب ك و، والله أَعلم.

بكت

بَكَتَه يَبْكُتُه بَكْتاً، وبَكَّتَه: ضَرَبه بالسيف والعصا ونحوهما. والتَّبْكِيتُ: كالتَّقْرِيعِ والتَّعْنِيفِ. الليث: بَكَّته بالعصا تَبْكِيتاً، وبالسيف ونحوه؛ وقال غيره: بَكَّتَه تَبْكِيتاً إذا قَرَّعَه بالعَذْل تَقْريعاً. وفي الحديث: أَنه أُتِيَ بِشَارِبٍ، فقال: بَكِّتُوه؛ التَّبْكِيتُ: التَّقْرِيعُ والتَّوْبيخُ، يقال له: يا فاسق، أَما اسْتَحَيْتَ؟ أَما اتَّقَيْتَ اللَّهَ؟ قال الهَرَوِيّ: ويكون باليد وبالعصا ونحوه.
وبَكَتَه بالحُجَّة أَي غَلَبه. وبَكَتَه يَبْكُتُه بَكْتاً، وبَكَّتَه: كلاهما استقبله بما يَكْرَه.
الأَصمعي: التَّبْكِيتُ والبَلْغُ أَن يَسْتَقْبِلَ الرجلَ بما يَكْرَه.
وقيل في تفسير قوله تعالى: وإِذا المُوْءُودةُ سُئِلَتْ بأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟ تُسْأَلُ تَبْكِيتاً لوائِدِها.

بكر

البُكْرَةُ: الغُدْوَةُ. قال سيبويه: من العرب من يقول أَتيتك بُكْرَةً؛ نَكِرَةٌ مُنَوَّنٌ، وهو يريد في يومه أَو غده. وفي التنزيل العزيز: ولهم زرقهم فيها بُكرة وعشيّاً. التهذيب: والبُكْرَةُ من الغد، ويجمع بُكَراً وأَبْكاراً، وقوله تعالى: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عذابٌ مُسْتَقِرّ؛ بُكْرَةٌ وغُدْوَةٌ إذا كانتا نكرتين نونتا وصرفتا، وإذا أَرادوا بهما بكرة يومك وغداة يومك لم تصرفهما، فبكرة ههنا نكرة. والبُكُور والتَّبْكيرُ: الخروج في ذلك الوقت. والإبْكارُ: الدخول في ذلك الوقت.
الجوهري: وسِيرَ علي فرسك بُكْرَةً وبَكَراً كما تقول سَحَراً. والبَكَرُ: البُكْرَةُ.
وقال سيبويه: لا يُستعمل الا ظرفاً. والإبْكارُ: اسم البُكْرَةِ الإصباح، هذا قول أَهل اللغة، وعندي أَنه مصدر أَبْكَرَ.
وبَكَرَ على الشي وإِليه يَبْكُرُ بُكُوراً وبكَّرَ تَبْكِيراً وابْتَكَرَ وأَبْكَرَ وباكَرَهُ: أَتاهُ بُكْرةً، كله بمعنى. ويقال: باكَرْتُ الشيء إذا بكَّرُت له؛ قال لبيد:

باكَرْتُ جاجَتَها الدجاجَ بِسُحْرَةٍ

معناه بادرت صقيع الديك سحراً إِلى حاجتى. ويقال: أَتيته باكراً، فمن جعل الباكر نَعْتاً قال للأُنثى باكِرَةٌ، ولا يقال بَكُرَ ولا بَكِرَ إذا بَكَّرَ، ويقال: أَتيته بُكرة، بالضم، أَي باكِراً، فإِن أَردت به بُكْرَةَ يوم بعينه، قلت: أَتيته بُكْرَةَ، غير مصروف، وهي من الظروف التي لا تتمكن. وكل من بادر إلى شيء، فقد أَبكر عليه وبَكَّرَ أَيَّ وَقْتٍ كانَ.
يقال: بَكِّرُوا بصلاة المغرب أَي صَلُّوها عند سقوط القُرْص. وقوله تعالى: بالعَشِيِّ والإِبْكارِ؛ جعل الإِبكار وهو فعل يدل على الوقت وهو البُكْرَةُ، كما قال تعالى: بالغُدوّ والآصال؛ جعل الغدوّ وهو مصدر يدل على الغداة.
ورجل بَكُرٌ في حاجته وبَكِرٌ، مثل حَذُرٍ وحَذِرٍ، وبَكِيرٌ؛ صاحب بُكُورٍ قَوِيٍّ على ذلك؛ وبَكِرٌ وبَكِيرٌ: كلاهما على النسب إِذ لا فعل له ثلاثياً بسيطاً. وبَكَرَ الرجلُ: بَكَّرَ.
وحكى اللحياني عن الكسائي: جِيرانُك باكِرٌ؛ وأَنشد:

يا عَمْرُو، جِيرانُكُمُ باكِرُ

 

فالقلبُ لا لاهٍ ولا صابِرُ

قال ابن سيده: وأُراهم يذهبون في ذلك إِلى معنى القوم والجمع لأن لفظ الجمع واحد، إِلاَّ أَن هذا إِنما يستعمل إذا كان الموصوف معرفة لا يقولون جِيرانٌ باكِرٌ؛ هذا قول أَهل اللغة؛ قال: وعندي أَنه لا يمتنع جِيرانٌ باكِرٌ كما لا يمتنع جِيرانُكُمْ باكِرٌ. وأَبْكَرَ الوِرْدَ والغَداءَ إِبْكاراً: عاجَلَهُما. وبَكَرْتُ على الحاجة بُكُوراً وغَدَوْتُ عليها غُدُوّاً مثل البُكُورِ، وأَبْكَرْتُ غيري وأَبْكَرْتُ الرجلَ على صاحبه إِبكاراً حتى بَكَرَ إِليه بُكُوراً. أَبو زيد: أَبْكَرْتُ على الوِرْدِ إِبْكاراً، وكذلك أَبكرت الغداء. وأَبْكَرَ الرجلُ: وردت إِبله بُكْرَةً.
ابن سيده: وبَكَّرَهُ على أَصحابه وأَبْكَرةً عليهم جعله يَبْكُرُ عليهم.
وبَكِرَ: عَجِلَ. وبَكَّرَ وتَبَكَّرَ وأَبْكَرَ: تقدّم.
والمُبْكِرُ والباكُورُ جميعاً، من المطر: ما جاء في أَوَّل الوَسْمِيِّ. والباكُورُ من كل شيء: المعَجَّلُ المجيء والإِدراك، والأُنثى باكورة؛ وباكورة الثمرة منه. والباكورة: أَوَّل الفاكهة. وقد ابْتَكَرْتُ الشيءَ إذا استوليت على باكورته. وابْتَكَرَ الرجلُ: أَكل باكُورَةَ الفاكهة.
وفي حديث الجمعة: من بَكَّرَ يوم الجمعة وابْتَكَرَ فله كذا وكذا؛ قالوا: بَكَّرَ أَسرع وخرج إِلى المسجد باكراً وأَتى الصلاة في أَوّل وقتها؛ وكل من أَسرع إِلى شيء، فقد بَكَّرَ إِليه.
وابْتَكَرَ: أَدرك الخُطْبَةَ من أَوَّلها، وهو من الباكورة. وأَوَّلُ كُلِّ شيء: باكُورَتُه. وقال أَبو سعيد في تفسير حديث الجمعة: معناه من بكر إِلى الجمعة قبل الأَذان، وإِن لم يأْتها باكراً، فقد بَكَّرْ؛ وأَما ابْتِكارُها فأَنْ يُدْرِكَ أَوَّلَ وقتها، وأَصلُه من ابْتِكارِ الجارية وهو أَخْذُ عُذْرَتها، وقيل: معنى اللفظين واحد مثل فَعَلَ وافْتَعَلَ، وإِنما كرر للمبالغة والتوكيد كما قالوا: جادٌّ مُجِدُّ. قال: وقوله غَسَلَ واغْتَسَلَ، غَسَل أَي غسل مواضع الوضوء، كقوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم؛ واغتسل أَي غسل البدن. والباكور من كل شيء: هو المُبَكِّرُ السريع الإِدْراكِ، والأُنثى باكُورَةٌ. وغيث بَكُورٌ: وهو المُبَكِّرُ في أَوَّل الوَسْمِيّ، ويقال أَيضاً: هو الساري في آخر الليل وأَول النهار؛ وأَنشد:

جَرَّرَ السَّيْلُ بها عُثْنُونَهُ

 

وتَهادَتْها مَداليجٌ بُكُـرْ

وسحابة مِدْلاجٌ بَكُورٌ. وأَما قول الفرزدق: أَو أَبْكارُ كَرْمٍ تُقْطَفُ؛ قال: واحدها بِكْرٌ وهو الكَرْمُ الذي حمل أَوّل حمله.
وعَسَلٌ أَبْكارٌ: تُعَسِّلُه أَبْكارُ النحل أَي أَفتاؤها ويقال: بل أَبْكارُ الجواري تلينه. وكتب الحجاج إِلى عامل له: ابعثْ إِلَيَّ بِعَسَلِ خُلاَّر، من النحل الأَبكار، من الدستفشار، الذي لم تمسه النار؛ يريد بالأَبكار أَفراخ النحل لأَن عسلها أَطيب وأَصفى، وخلاّر: موضع بفارس، والدستفشار: كلمة فارسية معناها ما عَصَرَتْهُ الأَيْدِي؛ وقال الأَعشى:

تَنَحَّلَها، مِنْ بَكارِ القِطاف

 

أُزَيْرقُ آمِنُ إِكْسَادِهَـا

بكار القطاف: جمع باكر كما يقال صاحِبٌ وصِحابٌ، وهو أَول ما يُدْرِك.
الأَصمعي: نار بِكْرٌ لم تقبس من نار، وحاجة بِكْرٌ طُلبت حديثاً.
وأَنا آتيك العَشِيَّةَ فأُبَكِّر أَي أُعجل ذلك؛ قال:

بَكَرَتْ تَلُومُكَ، بَعْدَ وَهْنٍ في النِّدَى

 

بَسْلٌ عَلَيْكِ مَلامَتِي وعِـتـابـي

فجعل البكور بعد وهن؛ وقيل: إِنما عنى أَوَّل الليل فشبهه بالبكور في أَول النهار. وقال ابن جني: أَصل ب ك ر إِنما هو التقدم أَيَّ وقت كان من ليل أَو نهار، فأَما قول الشاعر: بكرت تلومك بعد وهن فوجهه أَنه اضطر فاستعمل ذلك على أَصل وضعه الأَول في اللغة، وترك ما ورد به الاستعمال الآن من الاقتصار به على أَول النهار دون آخره، وإِنما يفعل الشاعر ذلك تعمداً له أَو اتفاقاً وبديهة تهجم على طبعه. وفي الحديث؛ لا يزال الناس بخير ما بَكَّرُوا بصلاة المغرب؛ معناه ما صلَّوها في أَول وقتها؛ وفي رواية: ما تزال أُمتي على سُنَّتي ما بَكَّرُوا بصلاة المغرب. وفي حديث آخر: بَكِّرُوا بالصلاة في يوم الغيم، فإِنه مَن ترك العصر حبط عمله؛ أَي حافظوا عليها وقدّموها. والبِكِيرَةُ والباكُورَةُ والبَكُورُ من النخل، مثل البَكِيرَةِ: التي تدرك في أَول النخل، وجمع البَكُورِ بُكُرٌ؛ قال المتنخل الهذلي:

ذلك ما دِينُك، إِذ جُنِّبَتْ

 

أَحْمالُها كالبُكُرِ المُبْتِلِ

وصف الجمع بالواحد كأَنه أَراد المُبْتِلَةَ فحذف لأَن البناء قد انتهى، ويجوز لأَن يكون المُبْتِل جمع مُبْتِلَة، وإِن قلّ نظيره، ولا يجوز أَن يعني بالبُكُرِ ههنا الواحدة لأَنه إِنما نعت حُدوجاً كثيرة فشبهها بنخيل كثيرة، وهي المِبْكارُ؛ وأَرْضٌ مِبْكار: سريعة الإِنبات؛ وسحابة مِبكار وبَكُورٌ: مِدْلاجٌ من آخر الليل؛ وقوله:

إِذا وَلَدَتْ قَرَائبُ أُمِّ نَبْـلٍ

 

فذاكَ اللُّؤْمُ واللَّقَحُ البَكُورُ

أَي إِنما عجلت بجمع اللؤْم كما تعجل النخلة والسحابة.
وبِكرُ كُلِّ شيء: أَوّله؛ وكُلُّ فَعْلَةٍ لم يتقدمها مثلها، بِكْرٌ.
والبِكْرُ: أَوَّل ولد الرجل، غلاماً كان أَو جارية. وهذا بِكْرُ أَبويه أَي أَول ولد يولد لهما، وكذلك الجارية بغير هاء؛ وجمعهما جميعاً أَبكار.
وكِبْرَةُ ولد أَبويه: أَكبرهم. وفي الحديث: لا تُعَلِّمُوا أَبْكارَ أَولادكم كُتُبَ النصارى؛ يعني أَحداثكم. وبِكْرُ الرجل بالكسر: أَوّل ولده، وقد يكون البِكْرُ من الأَولاد في غير الناس كقولهم بِكْرُ الحَيَّةِ.
وقالوا: أَشدّ الناس بِكْرٌ ابنُ بِكْرَيْن، وفي المحكم: بِكْرُ بِكْرَيْن؛ قال:

يا بِكْرَ بِكْرَيْنِ، ويا خِلْبَ الكَبِـدْ

 

أَصبَحتَ مِنِّي كذراع مِنْ عَضُدْ

والبِكْرُ: الجارية التي لم تُفْتَضَّ، وجمعها أَبْكارٌ. والبِكْرُ من النساء: التي لم يقربها رجل، ومن الرجال: الذي لم يقرب امرأَة بعد؛ والجمع أَبْكارٌ. ومَرَةٌ بِكْرٌ: حملت بطناً واحداً. والبِكْرُ: العَذْراءُ، والمصدر البَكارَةُ، بالفتح. والبِكْرُ: المرأَة التي ولدت بطناً واحداً، وبِكْرُها ولدها، والذكر والأُنثى فيه سواء؛ وكذلك البِكْرُ من الإِبل.
أَبو الهيثم: والعرب تسميى التي ولدت بطناً واحداً بِكْراً بولدها الذي تَبْتَكْرُ به، ويقال لها أَيضاً بِكْرٌ ما لم تلد، ونحو ذلك قال الأَصمعي: إِذا كان أَوّّل ولد ولدته الناقة فهي بِكْرٌ. وبقرة بِكْرٌ: فَتِيَّةٌ لم تَحْمِلْ. ويقال: ما هذا الأَمر منك بِكْراً ولا ثِنْياً؛ على معنى ما هو بأَوّل ولا ثان؛ قال ذو الرمة:

وقُوفاً لَدَى الأَبْوابِ، طُلابَ حـاجَةٍ

 

عَوانٍ من الحاجاتِ، أَو حاجَةً بِكْرَا

أَبو البيداء: ابْتَكَرَتِ الحاملُ إذا ولدت بِكْرَها، وأَثنت في الثاني، وثَلَّثَتْ في الثالث، وربعت وخمست وعشرت. وقال بعضهم: أَسبعت وأَعشرت وأَثمنت في الثامن والسابع والعاشر. وفي نوادر الأَعراب: ابْتَكَرَتِ المرأَةُ ولداً إذا كان أَول ولدها ذكراً، واثْتَنَيَتْ جاءت بولدٍ ثِنْيٍ، واثْتَنَيْتُ وَلَدَها الثالث، وابْتَكَرْتُ أَنا واثْنَيَلتُ واثْتَلَثْتُ. والبِكْرُ: النَّاقَةُ التي ولدت بطناً واحداً، والجمع أَبْكارٌ؛ قال أَبو ذؤيب الهذلي:

وإِنَّ حَدِيثاً مِنْكِ لَوْ تَـبْـذُلِـينَـهُ

 

جَنَى النَّحْلِ في أَلْبانِ عُودٍ مَطافِلِ

مَطافِيلِ أَبْكارٍ حَدِيثٍ نِتَـاجُـهـا

 

تُشابُ بماءٍ مثلِ ماءِ المَفَاصِـلِ

وبِكْرُها أَيضاً: وَلَدُها، والجمع أَبْكارٌ وبِكارٌ. وبقرة بِكْرٌ: لم تَحْمِلْ، وقيل: هي الفَتِيَّةُ.
وفي التنزيل: لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ؛ أَي ليست بكبيرة ولا صغيرة، ومعنى ذلك: بَيْنَ البِكْرِ والفارِضِ؛ وقول الفرزدق:

إِذا هُنَّ ساقَطْنَ الحَدِيثَ، كَأَنَّهُجَنعى النَّحْل أَوْ أَبْكارُ كَرْمٍ تُقَطَّفُ

عني الكَرْمَ البِكْرَ الذي لم يحمل قبل ذلك؛ وكذلك عَمَلُ أَبْكار، وهو الذي عملته أَبْكار النحل. وسحابة بكْرٌ: غَزيرَةٌ بمنزلة البكْرِ من النساء؛ قال ثعلب: لأَن دمها أَكثر من دم الثيِّب، وربما قيل: سَحابٌ بكْرٌ؛ أَنشد ثعلب:

ولَقَدْ نَظَرْتُ إِلى أَغَرَّ مُشَهَّرٍ

 

بِكْرٍ تَوَسَّنَ في الخَمِيلَةِ عُونَا

وقول أَبي ذؤيب:

وبِكْرٍ كُلَّمَا مُسَّتْ أَصَاتَـتْ

 

تَرَنُّمَ نَغْمِ ذي الشُّرُعِ العَتِيقِ

إِنما عنى قوساً أَوَّل ما يرمي عنها، شبه ترنمها بنغم ذي الشُّرُع وهو العود الذي عليه أَوتار. والبِكْرُ: الفَتِيُّ من الإِبل، وقيل: هو الثَّنيُّ إِلى أَن يُجْذِعَ، وقيل: هو ابن المخاض إِلى أَن يُثْنِيَ، وقيل: هو ابن اللَّبُونِ، والحِقُّ والجَذَعُ، فإِذا أَثْنى فهو جَمَلٌ وهي ناقة، وهو بعير حتى يَبْزُلَ، وليس بعد البازل سِنُّ يُسَمَّى، ولا قبل الثَّنهيِّ سنّ يسمى؛ قال الأَزهري: هذا قول ابن الأَعرابي وهو صحيح؛ قال: وعليه شاهدت كلام العرب، وقيل: هو ما لم يَبْزُلْ، والأُنثى بِكْرَةٌ، فإِذا بَزَلا فجمل وناقة، وقيل: البِكْرُ ولد الناقة فلم يُحَدَّ ولا وُقِّتَ، وقيل: البِكْرُ من الإِبل بمنزلة الفَتِيِّ من الناس، والبِكْرَةُ بمنزلة الفتاة، والقَلُوصُ بمنزلة الجارية، والبَعِيرُ بمنزلة الإِنسان، والجملُ بمنزلةِ الرجلِ، والناقةُ بمنزلةِ المرأَةِ، ويجمع في القلة على أَبْكُرٍ. قال الجوهري: وقد صغره الراجز وجمعه بالياء والنون فقال:

قَدْ شَرِبَتْ إِلاَّ الدُّهَيْدِهِينَا

 

قُلَيِّصَاتٍ وأُبَيْكِـريِنَـا

وقيل في الأُنثى أَيضاً: بِكْرٌ، بلا هاء. وفي الحديث: اسْتَسْلَفَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، من رجل بَكْراً؛ البَكر، بالفتح: الفَتِيُّ من الإِبل بمنزلة الغلام من الناس، والأُنثى بَكْرَةٌ، وقد يستعار للناس؛ ومنه حديث المتعة: كأَنها بَكْرَةٌ عَيْطاء أَي شابة طويلة العنق في اعتدال. وفي حديث طهفة: وسقط الأُملوج من البكارة؛ البِكارة، بالكسر: جمع البَكْرِ، بالفتح؛ يريد أَن السِّمَنَ الذي قد علا بِكَارَةَ الإِبل بما رعت من هذا الشجر قد سقط عنها فسماه باسم المرعى إِذ كان سبباً به؛ وروى بيت عمرو بن كلثوم:

ذِراعَيْ عَيْطَلٍ أَدْماءَ بَـكْـرٍ

 

غذاها الخَفْضُ لم تَحْمِلْ جَنِينَا

قال ابن سيده: وأَصح الروايتين بِكر، بالكسر، والجمع القليل من كل ذلك أَبْكارٌ؛ قال الجوهري: وجمع البَكْرِ بِكارٌ مثل فَرْخٍ وفِرَاخٍ، وبِكارَةٌ أَيضاً مثل فَحْلٍ وفِحالَةٍ؛ وقال سيبويه في قول الراجز:

قليِّصات وأُبيكرينا

جمعُ الأَبْكُرِ كما تجمع الجُزُرَ والطُّرُقَ، فتقول: طُرُقاتٌ وجُزُراتٌ، ولكنه أَدخل الياء والنون كما أَدخلهما في الدهيدهين، والجمع الكثير بُكْرانٌ وبِكارٌ وبَكارَةٌ، والأُنثى بَكْرَةٌ والجمع بِكارٌ، بغير هاء، كعَيْلَةٍ وعِيالٍ. وقال ابن الأَعرابي: البَكارَةُ للذكور خاصة، والبَكارُ، بغير هاء للإناث. وبَكْرَةُ البئر: ما يستقى عليها، وجمعها بَكَرٌ بالتحريك، وهو من شواذ الجمع لأَن فَعْلَةً لا تجمع على فَعَلٍ إِلاَّ أَحرفاً مثل حَلْقَةٍ وحَلَقٍ وحَمْأَةٍ وحَمَإِ وبَكْرَةٍ وبَكَرٍ وبَكَرات أَيضاً؛ قال الراجز:

والبَكَرَاتُ شَرُّهُنَّ الصَّائِمَهْ

يعني التي لا تدور. ابن سيده: والبَكْرَةُ والبَكَرَةُ لغتان للتي يستقى عليها وهي خشبة مستديرة في وسطها مَحْزُّ للحبل وفي جوفها مِحْوَرٌ تدور عليه؛ وقيل: هي المَحَالَةُ السَّريعة. والبَكَراتُ أَيضاً: الحَلَقُ التي في حِلْيَةِ السَّيْفِ شبيهة بِفَتَخِ النساء. وجاؤوا على بَكْرَةِ أَبيهم إذا جاؤوا جميعاً على آخرهم؛ وقال الأَصمعي: جاؤوا على طريقة واحدة؛ وقال أَبو عمرو: جاؤوا بأَجمعهم؛ وفي الحديث: جاءت هوازنُ على بَكْرَةِ أَبيها؛ هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفير العدد وأَنهم جاؤوا جميعاً لم يتخلف منهم أَحد. وقال أَبو عبيدة: معناه جاؤوا بعضهم في إِثر بعض وليس هناك بَكْرَةٌ في الحقيقة، وهي التي يستقى عليها الماء العذب، فاستعيرت في هذا الموضع وإِنما هي مثل. قال ابن بري: قال ابن جني: عندي أَن قولهم جاؤوا على بكرة أَبيهم بمعنى جاؤوا بأَجمعهم، هو من قولهم بَكَرْتُ في كذا أَي تقدّمت فيه، ومعناه جاؤوا على أَوليتهم أَي لم يبق منهم أَحد بل جاؤوا من أَولهم إِلى آخرهم.
وضربة بِكْرٌ، بالكسر، أَي قاطعة لا تُثْنَى. وفي الحديث: كانت ضربات عليّ، عليه السلام، أَبْكاراً إذا اعْتَلَى قَدَّ وإِذا اعْتَرَضَ قَطَّ؛ وفي رواية: كانت ضربات عليّ، عليه السلام، مبتكرات لا عُوناً أَي أَن ضربته كانت بِكراً يقتل بواحدة منها لا يحتاج أَن يعيد الضربة ثانياً؛ والعُون: جمع عَوانٍ هي في الأَصل الكهلة من النساء ويريد بها ههنا المثناة. وبَكْرٌ: اسم، وحكي سيبويه في جمعه أَبْكُرٌ وبُكُورٌ. وبُكَيْرٌ وبَكَّارٌ ومُبَكِّر: أَسماء. وبَنُو بَكْرٍ: حَيٌّ منهم؛ وقوله:

إِنَّ الذِّئَابَ قَدِ اخْضَرَّتْ بَراثِنُها

 

والناسُ كُلُّهُمُ بَكْرٌ إذا شَبِعُـوا

أَراد إذا شبعوا تعادوا وتغاوروا لأَن بكراً كذا فعلها. التهذيب: وبنو بكر في العرب قبيلتان: إِحداهما بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة، والأُخرى بكر بن واثل بن قاسط، وإِذا نسب إِليهما قالوا بَكْرِيُّ. وأَما بنو بكر بن كلاب فالنسبة إِليهم بَكْرْاوِيُّونَ. قال الجوهري: وإِذا نسبت إِلى أَبي بكر قلت بَكْرِيٌّ، تحذف منه الاسم الأَول، وكذلك في كل كنية.
بلر: البِلَّوْرُ على مثال عِجَّوْل: المَهَا من الحجر، واحدته بِلَّوْرَةٌ. التهذيب: البِلَّوْرُ الرجل الضخم الشجاع، بتشديد اللام. قال: وأَما البِلَوْرُ المعروف، فهو مخفف اللام. وفي حديث جعفر الصادق، عليه السلام: لا يحبنا، أَهلَ البيت، الأَحْدَبُ المُوَجَّهُ ولا الأَعْوَرُ البِلَوْرَةُ؛ قال أَبو عمرو الزاهد: هو الذي عينه ناتئة؛ قال ابن الأَثير: هكذا شرحه ولم يذكر أَصله.

بكس

التهذيب: ابن الأَعرابي بَكَسَ خَصْمَه إذا قهره. قال: والبُكْسَةُ خرقة يدوّرها الصبيان ثم يأْخذون حجراً فيدوّرونه كأَنه كُرَةٌ، ثم يتقامرون بها، وتسمى هذه اللُّعْبَةُ الكُجَّةَ، ويقال لهذه الخرقة أَيضاً: التُّونُ والآجُرَّةُ.

بكع

البَكْعُ: القطْع والضرب المُتتابع الشديد في مواضعَ متفرِّقة من الجسد. ورجل أَبْكَعُ إذا كان أَقطع؛ أَورد الأَزهري هنا ما صورته؛ قال ذو الرمة:

تَرَكْتُ لُصوصَ المِصْر من بين مُقْعَصٍ

 

صَرِيعٍ، ومَكْبُوع الكَـراسِـيعِ بـارِك

وكان قد استشهد بهذا البيت في ترجمة كبع ورأَيتُه على هذه الصُّورَة ويحتاجُ الى التَّثَبُّتِ في تسطيره: هل هو مكبوع ووقع سهواً أَو هو مبكوع، وغلط الناسخ فيه لأَن الترجمة متقاربة فجرى قلمه به لقرب عهده بكتابته على هذه الصورة في كبع، وبَكَعَه بالسيف والعَصا وبَكَّعَه: قطَّعَه. وبكَّعَه وبَكَعَه بَكْعاً: استقبله بما يكره وبَكَّته. وفي حديث أَبي موسى: قال له رجل: ما قلت هذه الكلمة ولقد خَشِيتُ أَن تَبْكَعَني بها؛ البَكْعُ والتبْكِيتُ أَن تَسْتَقْبِلَ الرجلَ بما يكره. ومنه حديث أَبي بَكْرة ومعاوية، رضي الله عنهما: فبَكَعَه بها فَزُخَّ في أَقْفائنا؛ والبَكْعُ: الضرب بالسيف. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: فبكَعه بالسيف أَي ضرَبه ضَرْباً مُتتابعاً. وقال شمر: بَكَّعه تَبْكِيعاً إذا واجَهه بالسيف والكلام. قال ابن بري: البكْعُ الجُملة، يقال: أَعطاهم المالَ بَكْعاً لا نُجوماً، قال: ومثله الجَلْفَزةُ، وتميم تقول: ما أَدري أَين بَكَعَ، بمعنى أَين بَقَعَ.

بكك

البَكُّ: دق العنق. بَكَّ الشيءَ يَبُكُّه بَكاً: خرقه أو فرقه.
وبَكَّ فلان يَبُكُّ بَكَّةً أي زحم. وبَكَّ الرجلُ صاحبه يَبُكُّه بَكاً:زاحمه أو زَحمَهُ؛ قال:

إذا الشَّرِيبُ أخذَتْه أكَّهُ،

 

فَخَلِّهِ حتى يَبُكَّ بَكَّـهْ

يقول: إذا ضجر الذي يُورِدُ إبله مع إبلك لشدة الحر انتظاراً فخلِّه حتى يزاحمك؛ وقال ابن دريد: كأ من الأَضداد يذهب في ذلك إلى أنه التفريق والازدحام؛ وكل شيء تراكب فقد تَباكَّ. وتباكَّ القوم: تزاحموا. وفي الحديث:فتَباكَّ الناس عليه أي ازدحموا. والبَكْبَكةُ: الازدحام، وقد تَبَكْبَكُوا.وبَكْبَكَ الشيءَ: طرح بعضه على بعض ككَبْكَبه. وجمعٌ بَكْباك: كثير.
ورجل بَكْباك: غليظ، وقيل: الضَّكْضاك الرجل القصير، وهو البَكْباكُ.
والبُكْكُ: الأَحداث الأَشِدَّاء، والبُكُك: الحُمُرُ النشيطة؛ وأنشد:

صَلامة كحُمُرِ الأَبَكِّ

ويقال: فلان أبَكُّ بني فلان إذا كان عَسِيفاً لهم يسعى في أمورهم.
وبَكَّ الرجل المرأة إذا جهدها في الجماع. وبَكَّ الشيء يَبُكُّه بَكّاً: رد نَخْوَته ووضَعَهُ. ويقال: بَكَكْت الرجل وضعت منه ورددت نَخْوَته، ذكره ابن بري في ترجمة ركك. وبَكَّ عنقه يَبُكُّها بعكّاً: دقها.وبَكَّةُ: مَكَّةُ، سميت ذلك لأنها كانت تَبُكّ أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم، وقيل: لأن الناس يتباكّون فيها من كل وجه أي يتزاحمون، وقال يعقوب: بَكَّةُ ما بين جبلي مَكَّة لأن الناس يبكُّ بعضهم بعضاً في الطواف أي يَزْحَمُ؛ حكاه في البدل، وقيل: سميت بَكَّة لأن الناس يبك بعضهم بعضاً في الطرق أي يدفع، وقال الزجاج في قوله تعالى: إن أول بيت وضع للناس للذي ببَكَّة مباركاً، قيل: إن بَكَّة موضع البيت وسائر ما حوله مَكَّة، قال للذي ببَكَّة، فأما اشتقاقه في اللغة فيصلح أن يكون الاسم اشتق من بَكَّ الناسُ بعضهم بعضاً في الطواف أي دفع بعضهم بعضاً، وقيل: بَكة اسم بطن مَكَّة سميت بذلك لازدحام الناس. وفي حديث مجاهد: من أسماء مَكَّةَ بَكَّةُ، قيل: بَكَّة موضع البيت ومكةُ سائر البلد، وقيل: هما اسما البلدة، والباء والميم يتعاقبان.وبَك الشيءَ: فسخه، ومنه أُخذت بَكَّةُ. وبَكَّ الرجلُ: افتقر. وبَكَّ إذا خشن بدنه شجاعةً. ويقال للجارية السمينة بَكْباكة وكَبْكابة ووَكْوَاكة ووَكَوْكاةٌ ومَرْمَارة ورَجْراجة.
والأَبَكُّ: العام الشديد لأنه يَبُكّ الضعفاء والمقلّين. والأَبكّ:الحمر التي يبكّ بعضها بعضاً، ونظيره قولهم الأَعمّ في الجماعة، والأَمَرُّ لمصارين الفَرْث. والأَبَكُّ: موضع نسبت الحمر إليه؛ فأما ما أنشده ابن الأَعرابي:

جَرَبَّة كحُمُـرِ الأَبَـكِّ،

 

لا ضَرَعٌ فيها ولا مُذَكِّي

فزعم أنها الحمر يبك بعضها بعضاً؛ قال: ويضعف ذلك أن فيه ضرباً من إضافة الشيء إلى نفسه وهذا مُسْتَكْرَهٌ، وقد يكون الأَبَكّ ههنا الموضع فذلك أصح للإضافة.
والبَكْبَكةُ: شيء تفعله العَنْز بولدها. والبَكْبَكة: المجيء والذهاب.
أبو عبيد: أحمق باكٌّ تاكٌّ وبائِكٌ تائِكٌ، وهو الذي لا يدري ما خطؤه وصوابه. وبَعْلَبَكّ: موضع، وقد تقدم ذكرها في موضعها.

بكل

البَكْل: الدَّقِيق بالرُّبّ؛ قال:

ليس بغَشٍّ هَمُّه فيما أَكَل

 

وأَزْمةٌ وَزْمتُه من البَكَل

أَراد البَكْل فحَرَّك للضرورة. والبَكِيلَة والبَكَالَةُ جميعاً: الدقيق يُخْلط بالسَّوِيق والتَّمْرُ يُخْلَط بالسَّمْن في إِناءٍ واحد وقد بُلاَّ باللَّبَن، وقيل: تخلِطُه بالسويق ثم تَبُلُّه بماء أَو زيت أَو سَمْن، وقيل: البَكِيلة الأَقِطُ المطحون تخلطه بالماء فتُثَرِّيه كأَنك تريد أَنْ تَعْجِنه. وقال اللحياني: البَكِيلة الدقيق أَو السَّويق الذي يُبَلُّ بَلاًّ، وقيل: البَكِيلة الجافُّ من الأَقِط الذي يُخْلَط به الرَّطْبُ، وقيل: البَكِيلة طَحِينٌ وتَمْر يُخْلَط فيُصَبُّ عليه الزيت أَو السمن ولا يُطْبَخ. والبَكِيلُ: مَسُوطُ الأَقِط. الجوهري عن الأُموي: البَكِيلة السَّمْن يُخْلَط بالأَقِط؛ وأَنشد:

هذا غُلامٌ شَرِثُ النَّقِيلـه

 

غَضْبَانُ لم تُؤْدَمْ له البَكِيله

قال: وكذلك البَكَالة. وقوله لم تؤْدم أَي لم يُصَبَّ عليها زيت أَو إِهَالة، ويقال: نعل شَرِثَة أَي خَلَقٌ. وقيل: البَكيلة السَّوِيق والتمر يُؤْكَلان في إِناءٍ واحد وقد بُلاَّ باللبن.
وبَكَلْت البَكِيلة أَبْكُلُها بَكْلاً أَي اتخذتها. وبَكَلْت السَّوِيق بالدقيق أَي خلطته. ويقال: بَكَل ولَبَك بمعنىً مثل جَبَذَ وجَذَابَ.
والبَكْل: الخَلْط؛ قال الكميت:

يَهِيلون من هَذَاك في ذاك، بَينَهُم

 

أَحاديثُ مَغْرورِين بَكْلٌ من البَكْل

أَحاديث مبتدأ وبينهم الخبر. وبَكَله إذا خَلَطه. وبَكَّل عليه: خَلَّط. الأُموي: البكْل الأَقِط بالسَّمْن. ويقال: ابْكُلي واعْبِثي.
والبَكِيلة: الضأْن والمَعَز تَخْتلط، وكذلك الغَنَم إذا لَقِيَتْ غَنَماً أُخرى، والفعل من ذلك كله بَكَل يَبْكُل بَكْلاً. ويقال للغَنم إذا لَقِيت غَنَماً أُخرى فدَخَلت فيها: ظَلَّت عَبِيثَة واحدة وبَكِيلَة واحدة أَي قد اختلط بعضها ببعض، وهو مَثَل، أَصلُه من الدقيق والأَقِط يُبْكَل بالسَّمْن فيؤْكل؛ وبَكل علينا حَديثَه وأَمْرَه يَبْكُله بَكْلاً: خلطه وجاءَ به على غير وجهه، والاسم البَكِيلة؛ عن اللحياني. ومن أَمثالهم في التباس الأَمر: بَكْلٌ من البَكْل، وهو اختلاط الرأْي وارْتِجانُه. وتَبَكَّل الرجل في الكلام أَي خلط. وفي حديث الحسن: سأَله رجل عن مسأَلة ثم أَعادها فقَلَبها، فقال: بَكَّلْتَ عَلَيَّ أَي خَلَّطت، من البَكِيلة وهي السمن والدقيق المخلوط. والمُتَبَكِّل: المخلِّط في كلامه. وتَبَكَّلوا عليه: عَلَوْه بالشَّتْم والضرب والقَهْر. وتَبَكَّل في مِشْيَتهِ. اختالَ.
والإِنسان يَتَبَكَّل أَي يَخْتال. ورجل جَمِيل بَكِيل: مُتَنَوِّق في لِبْسَته ومَشْيه. والبَكِيلة: الهيئة والزّيُّ.
والبِكْلة: الخُلُق. والبِكْلَة: الحَالُ والخِلْقة؛ حكاه ثعلب؛ وأَنشد:

لَسْتُ إذا لِزَعْبَله،

إِنْ لم أُغَيِّرْ بِكْلَتي،

إِن لم أُسَاوَ بالطُّوَلْ

قال ابن بري: وهذا البيت من مُسَدَّس الرَّجَز جاء على التمام.
والبَكْل: الغَنِيمة وهو التَّبَكُّل، اسم لا مصدر، ونظِيره التَّنَوُّط؛ قال أَوسبن حَجَر:

عَلى خَيْرِ ما أَبْصَرْتها من بِضَاعة

 

لِمُلْتَمِسٍ بَيْعاً لهـا أَو تَـبَـكُّـلا

أَي تَغَنُّماً. وبَكَّله إذا نَحَّاه قِبَله كائِناً ما كان. وبَنُو بَكِيلٍ: حَيٌّ من هَمْدان؛ ومنه قول الكميت:

يقولونَ: لم يُورَثْ، ولولا تُرَاثُه

 

لقد شركَتْ فيه بكِيلٌ وأَرْحَبُ

وبَنُو بِكَالٍ: من حِمْيَر منهم نَوْفٌ البِكَاليُّ صاحب علي، عليه السلام. وقال ابن بري: قال المهلبي بِكالَةُ قبيلة من اليمن، والمُحَدِّثون يقولونَ نَوْفٌ البَكَّاليُّ، بفتح الباء والتشديد.

بكم

البَكَمُ: الخرَسُ مع عِيٍّ وبَلَهٍ، وقيل: هو الخرَس ما كان، وقال ثعلب: البَكَمُ أَنْ يُولَدَ الإنسانُ لا يَنْطِق ولا يَسْمَع ولا يُبْصِر، بَكِمَ بَكَماً وبَكامةً، وهو أَبْكَمُ وبَكِيمٌ أَي أَخْرَس بَيِّن الخَرَس. وقوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عْمْيٌ؛ قال أَبو إِسحق: قيل معناه أَنهم بمنزلة من وُلد أَخْرَس، قال: وقيل البُكْمُ هنا المَسْلُوبُو الأَفئدة. قال الأَزهري: بَيْن الأَخْرسِ والأبْكَمِ فَرقٌ في كلام العرَب: فالأَخْرسُ خُلِقَ ولا نُطْقَ له كالبَهيمة العَجْماء، والأَبْكَم الذي للسانه نُطْقٌ وهو لا يعْقِل ألجوابَ ولا يُحْسِن وَجْه الكلام. وفي حديث الإيمان: الصُّمّ البُكْمُ؛ قال ابن الأَثير: البُكُم جمع الأَبْكَم وهو الذي خُلِقَ أَخْرَس، وأَراد بهم الرَّعاعَ والجُهَّالَ لأَنهم لا ينتفعون بالسَّمْع ولا بالنُّطْق كبيرَ منْفعةٍ فكأَنهم قد سُلِبُوهُما؛ ومنه الحديث: سَتكونُ فِتنةٌ صَمَّاءُ بَكْماءُ عَمْياءُ؛ أَراد أَنها لا تَسْمَع ولا تُبْصِر ولا تَنْطِق فهي لذهاب حَواسِّها لا تُدْرِك شيئاً ولا تُقلِع ولا تَرْتَفِع، وقيل: شَبَّههَا لاخُتِلاطِها وقَتْل البريء فيها والسَّقِيم بالأَصَمّ الأَخْرس الأَعمى الذي لا يَهْتَدِي إلى شيء، فهو يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْواء. التهذيب في قوله تعالى في صِفَة الكُفَّار: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ؛ وكانوا يَسْمَعون ويَنْطِقُون ويُبْصرون ولكنهم لا يعُون ما أَنزل الله ولا يتكلَّمون بما أُمروا به، فهم بمنزِلة الصُّمِّ البُكْمِ العُمْي. والبَكِيمُ: الأَبْكَمُ، والجمع أَبْكامٌ؛ وأَنشد الجوهري:

فَلَيْتَ لِساني كانَ نِصْفَيْنِ: منهمـا

 

بَكِيمٌ ونِصفٌ عند مَجْرَى الكَواكِب

وبَكُمَ: انقَطع عن الكلام جَهْلاً أَو تَعَمُّداً. الليث: ويقال للرجل إذا امتنَع من الكلام جَهْلاً أو تَعمُّداً: بَكُمَ عن الكلام. أَبو زيد في النوادر: رجلٌ أَبْكَم وهو العَييُّ المُفْحَم، وقال في موضع آخر: الأَبْكَم الأَقْطَع اللسان، وهو العَييُّ بالجَواب الذي لا يُحسِن وجه الكلام. ابن الأَعرابي: الأَبْكَمُ الذي لا يَعْقِل الجَواب، وجمع الأَبْكَم بُكْمٌ وبُكْمان، وجمع الأَصَمِّ صُمٌّ وصُمَّانٌ.

بلا

بَلَوْتُ الرجلَ بَلْواً وبَلاءً وابْتَلَيْته: اخْتَبَرْته، وبَلاهُ يَبْلُوه بَلْواً إذا جَرَّبَه واخْتَبَره. وفي حديث حذيفة: لا أُبْلي أَحداً بَعْدَك أَبداً. وقد ابْتَلَيْتُه فأَبْلاني أَي اسْتَخْبَرْتُه فأَخْبَرني. وفي حديث أُم سلمة: إنَّ مِنْ أَصْحابي مَنْ لا يَراني بَعدَ أَن فارَقَني، فقال لها عمر: بالله أَمِنْهم أَنا؟ قالت: لا ولن أُبْلِيَ أَحداً بعدَكَ أَي لا أُخبِر بعدَك أَحداً، وأَصله من قولهم أَبْلَيتُ فُلاناً يميناً إذا حلفتَ له بيمين طَيَّبْتَ بها نفسه. وقال ابن الأَعرابي: أَبْلى بمعنى أَخْبَر. وابْتَلاه الله: امْتَحَنَه، والاسم البَلْوَى والبِلْوَةُ والبِلْيَةُ والبَلِيَّةُ والبَلاءُ، وبُلِيَ بالشيء بَلاءً وابْتُلِيَ؛ والبَلاءُ يكون في الخير والشر. يقال: ابْتَلَيته بلاءً حسناً وبَلاءً سيِّئاً، والله تعالى يُبْلي العبدَ بَلاءً حسناً ويُبْلِيه بلاءً سيِّئاً، نسأَل الله تعالى العفو والعافية، والجمع البَلايا، صَرَفُوا فَعائِلَ إلى فَعالى كما قيل في إداوة. التهذيب: بَلاه يَبْلُوه بَلْواً، إذا ابتَلاه الله ببَلاء، يقال: ابْتَلاه الله ببَلاء. وفي الحديث: اللهم لا تُبْلنا إلاّ بالتي هي أَحسن، والاسم البَلاء، أَي لا تَمْتَحِنَّا. ويقال: أَبْلاه الله يُبْلِيه إبْلاءً حسناً إذا صنع به صُنْعاً جميلاً. وبَلاه اللهُ بَلاء وابْتَلاه أَي اختَبره. والتَّبالي: الاختبار.
والبَلاء: الاختبار، يكون بالخير والشر. وفي كتاب هرقل: فَمَشى قَيْصر إلى إيلِياء لمَّا أَبْلاهُ الله. قال القتيبي: يقال من الخير أَبْلَيْته إبْلاء، ومن الشر بَلَوْته أَبْلُوه بَلاءً، قال: والمعروف أَن الابتلاء يكون في الخير والشر معاً من غير فرق بين فعليهما؛ ومنه قوله تعالى: ونَبْلُوكم بالشر والخير فتنة؛ قال: وإنما مشى قيصر شكراً لاندفاع فارس عنه. قال ابن بري: والبَلاء الإنعام؛ قال الله تعالى: وآتيناهم من الآيات ما فيه بَلاء مبين؛ أَي إنعام بَيِّن. وفي الحديث: مَنْ أُبْليَ فَذَكَرَ فَقَد شَكَرَ؛ الإبلاء: الإنعام والإحسان. يقال: بَلَوْت الرجلَ وأَبْلَيْت عندَه بَلاء حسناً. وفي حديث كعب بن مالك: ما عَلِمْتُ أَحداً أَبْلاه الله أَحسنَ مِمَّا أَبْلاني، والبَلاءُ الاسم، ممدودٌ. يقال: أَبْلاه اللهُ بَلاءً حسناً وأَبْلَيْته معروفاً؛ قال زهير:

جَزَى اللهُ بالإحسانِ ما فَعَلا بِكُمْ،

 

وأَبْلاهما خيرَ البَلاء الَّذي يَبْلُو

أَي صَنَع بهما خيرَ الصَّنِيع الذي يَبْلُو به عباده. ويقال: بُلِيَ فلانٌ وابْتُلِيَ إذا امْتُحِنَ. والبلوَى: اسم من بَلاه الله يَبْلُوه.وفي حديث حذيفة: أَنه أُقِيمَتِ الصلاةُ فَتَدافَعوها فَتَقدَّمَ حذيفة فلما سَلَّم من صلاته قال: لتَبْتَلُنَّ لَها إماماً أَو لَتُصَلُّنَّ وُحْداناً؛ قال شمر: قوله لتَبْتَلُنَّ لها إماماً يقول لتَخْتارُنَّ، وأَصله من الابتلاء الاختبار من بلاه يبلوه، وابتلاه أَي جَرَّبه؛ قال: وذكره غيره في الباء والتاء واللام وهو مذكور في موضعه وهو أشبه. ونزلت بلاءِ على الكفار مثل قَطامِ: يعني البلاءَ. وأَبْلَيْت فلاناً عُذراً أَي بَيَّنت وجه العذر لأُزيل عني اللوم. وأَبْلاه عُذراً: أَدَّاه إليه فقبله، وكذلك أَبْلاه جُهْدَه ونائِلَه. وفي الحديث: إنما النذْرُ ما ابْتُلِيَ به وجه الله أَي أُريد به وجههُ وقُصِدَ به. وقوله في حديث برّ الوالدين:أَبْلِ الله تعالى عُذْراً في بِرِّها أَي أَعْطِه وأَبْلِغ العُذرَ فيها إليه؛ المعنى أَحسن فيما بينك وبين الله ببرك إياها. وفي حديث سعد يوم بدر:عَسَى أَن يُعْطَى هذا مَن لا يُبْلي بَلائي أَي يعملُ مثلَ عملي في الحرب، كأَنه يريد أَفعل فعلاً أُخْتَبَر به فيه ويظهر به خيري وشري. ابن الأَعرابي: ويقال أَبْلَى فلان إذا اجتهد في صفة حرب أَو كرم. يقال: أَبْلَى ذلك اليومَ بَلاءً حسناً، قال: ومثله بالَى يُبالي مُبالاةً؛ وأَنشد:

ما لي أَراكَ قائماً تُبـالـي،

 

وأَنتَ قد قُمْتَ من الهُزالِ؟

قال: سمعه وهو يقول أَكلْنا وشربْنا وفعَلْنا، يُعَدِّد المكارمَ وهو في ذلك كاذب؛ وقال في موضع آخر: معناه تبالي تنظر أَيهم أَحسن بالاً وأَنت هالك. قال: ويقال بالَى فلانٌ فلاناً مُبالاةً إذا فاخَرَه، وبالاهُ يُباليهِ إذا ناقَصَه، وبالَى بالشيء يُبالي به إذا اهْتَمَّ به، وقيل: اشتقاقُ بالَيْتُ من البَالِ بالِ النفسِ، وهو الاكْتِراثُ؛ ومنه أَيضاً: لم يَخْطُرْ بِبالي ذلك الأَمر أَي لم يُكْرِثْني. ورجلٌ بِلْوُ شَرٍّ وبِلْيُ خَيرٍ أَي قَوِيٌّ عليه مبتَلىً به. وإنه لَبِلْوٌ وبِلْيٌ من أَبْلاء المالِ أَي قَيِّمٌ عليه. ويقال للراعي الحسنِ الرِّعْيَة: إنه لَبِلْوٌ من أَبْلائها، وحِبْلٌ من أَحْبالِها، وعِسْلٌ من أَعسالها، وزِرٌّ من أَزرارِها؛ قال عمر بن لَجَإ:

فصادَفَتْ أَعْصَلَ من أَبْلائها،

 

يُعْجِبُه النَّزْعُ على ظمائهـا

قلبت الواو في كل ذلك ياء للكسرة وضعف الحاجز فصارت الكسرة كأَنها باشرت الواو. وفلان بِلْيُ أَسفارٍ إذا كان قد بَلاهُ السفر والهَمُّ ونحوهما.
قال ابن سيده: وجعل ابن جني الياء في هذا بدلاً من الواو لضعف حجز اللام كما ذكرناه في قوله فلان من عِلْيَةِ الناس. وبَلِيَ الثوبُ يَبْلَى بِلىً وبَلاء وأَبْلاه هو؛ قال العجاج:

والمَرْءُ يُبْلِيهِ بَلاءَ السِّربالْ

 

كرُّ الليالي وانْتِقالُ الأَحوالْ

أَراد: إبلاء السربال، أَو أَراد: فيَبْلى بَلاء السِّربال، إذا فَتَحتَ الباء مَدَدْتَ وإذا كَسرْتَ قَصَرْتَ، ومثله القِرى والقَراءُ والصِّلى والصَّلاءُ. وبَلاَّه: كأَبْلاهُ؛ قال العُجَير السلولي:

وقائِلَةٍ: هذا العُجَيْرُ تَقَـلَّـبَـتْ

 

به أَبْطُنٌ بَلَّـيْنَـهُ وظُـهـور

رَأَتْني تجاذَبْتُ الغَداةَ، ومَن يَكُنْ

 

فَتىً عامَ عامَ الماء، فَهْوَ كَبير

وقال ابن أَحمر:

لَبِسْتُ أَبي حتى تَبَلَّيْتُ عُمْرَه،

 

وبَلَّيْتُ أَعْمامِي وبَلَّيْتُ خالِيا

يريد أَي عشت المدة التي عاشها أَبي، وقيل: عامَرتُه طُول حياتي، وأَبْلَيْتُ الثَّوبَ. يقال للمُجِدِّ: أَبْلِ ويُخْلِفُ الله، وبَلاَّهُ السَّفَرُ وبَلَّى عليه وأَبْلاه؛ أَنشد ابن الأَعرابي؛

قَلُوصانِ عَوْجاوانِ، بَلَّى عَليهِمـا

 

دُؤوبُ السُّرَى، ثم اقْتِداحُ الهَواجِر

وناقَةٌ بِلْوُ سفرٍ، بكسر الباء: أَبلاها السفر، وفي المحكم: قد بَلاَّها السفر، وبِلْيُ سَفَر وبِلْوُ شَرّ وبِلْيُ شرّ ورَذِيَّةُ سَفَرٍ ورَذِيُّ سَفَر ورَذاةُ سَفَرٍ، ويجمع رَذِيَّات، وناقة بَلِيَّة: يموت صاحبها فيحفر لديها حفرة وتشدّ رأْسها إلى خلْفها وتُبْلَى أَي تترك هناك لا تعلف ولا تسقى حتى تموت جوعاً وعطشاً. كانوا يزعمون أَن الناس يحشرون يوم القيامة ركباناً على البلايا، أَو مُشاة إذا لم تُعْكسَ مَطاياهم على قبورهم، قلت: في هذا دليل على أَنهم كانوا يرون في الجاهلية البعث والحشر بالأَجساد، تقول منه: بَلَّيتُ وأَبْلَيْت؛ قال الطرماح:

مَنازِل لا تَرَى الأَنْصابَ فيها،

 

ولا حُفَرَ المُبَلّي لِلمَـنـون

أَي أَنها منازل أَهل الإسلام دون الجاهلية. وفي حديث عبد الرزاق: كانوا في الجاهلية يَعْقِرُون عندَ القبر بَقَرة أَو ناقة أَو شاةً ويُسمُّون العَقِيرَة البَلِيَّة، كان إذا مات لهم من يَعِزّ عليهم أَخذوا ناقة فعقلوها عند قبره فلا تعلف ولا تسقى إلى أَن تموت، وربما حفروا لها حفيرة وتركوها فيها إلى أَن تموت. وبَلِيَّة: بمعنى مُبْلاةٍ أَو مُبَلاَّة، وكذلك الرَّذِيَّة بمعنى مُرَذَّاة، فعِيلة بمعنى مُفْعَلة، وجمعُ البَلِيَّةِ الناقةِ بَلايا، وكان أَهل الجاهلية يفعلون ذلك. ويقال: قامت مُبَلِّيات فلان يَنُحْنَ عليه، وهن النساء اللواتي يقمن حول راحلته فيَنُحْنَ إذا مات أَو قُتل؛ وقال أَبو زُبيد:

كالبَلايا رُؤُوسُها في الوَلايا،

 

مانِحاتِ السَّمومِ حُرَّ الخُدود

المحكم: ناقة بِلْوُ سفر قد بلاها السفر، وكذلك الرجل والبعير، والجمع أَبلاءٌ؛ وأَنشد الأَصمعي لجَندَل بن المثنى:

ومَنْهَلٍ من الأَنيس ناء،

شَبيهِ لَوْنِ الأَرْضِ بالسَّماءِ،

داوَيْتُه بِرُجَّعٍ أَبْلاءِ

ابن الأَعرابي: البَلِيُّ والبَلِيَّةُ والبَلايا التي قد أَعْيت وصارت نِضْواً هالكاً. ويقال: فاقتك بِلْوُ سفر إذا أَبلاها السفر. المحكم:والبَلِيَّة الناقة أَو الدابة التي كانت تُعْقَلُ في الجاهلية، تُشدّ عند قبر صاحبها لا تعلف ولا تسقى حتى تموت، كانوا يقولون إن صاحبها يحشر عليها؛ قال غَيْلان بن الرَّبعِي:

باتَتْ وباتُوا، كَبَلايا الأَبْلاءُ،

 

مُطْلَنْفِئِينَ عِندَها كالأَطْلاءْ

يصف حَلْبة قادها أَصحابها إلى الغاية، وقد بُلِيت. وأَبْلَيْت الرجلَ:أَحلفته. وابْتَلَى هو: استَحْلف واستَعْرَف؛ قال:

تُبَغّي أَباها في الرِّفاقِ وتَبْتَلـي،

 

وأَوْدَى به في لُجَّةِ البَحرِ تمسَحُ

أَي تسأَلهم أَن يحلفوا لها، وتقول لهم: ناشدتكم الله هل تعرفون لأَبي خبراً؟ وأَبْلى الرجلَ: حَلَف له؛ قال:

وإني لأُبْلي الناسَ في حُبّ غَيْرها،

 

فأَمَّا على جُمْلٍ فإنَي لا أُبْـلـي

أَي أَحلف للناس إذا قالوا هل تحب غيرها أَني لا أُحب غيرها، فأَما عليها فإني لا أَحلف؛ قال أَبو سعيد: قوله تبتلي في البيت الأَول تختبر، والابتلاء الاختبار بيمين كان أَو غيرها. وأَبلَيْت فلاناً يميناً إبْلاء إذا حلفت له فطيَّبت بها نفسه، وقول أَوس بن حَجَر:

كأَنَّ جديدَ الأَرضِ، يُبْليكَ عنهُمُ،

 

تَقِيُّ اليَمينِ، بعدَ عَهْدكَ، حالِفُ

أَي يحلف لك؛ التهذيب: يقول كأَن جديد أَرض هذه الدار وهو وجهها لما عفا من رسومها وامَّحَى من آثارها حالفٌ تَقِيّ اليمين، يحلف لك أَنه ما حل بهذه الدار أَحد لِدُروس معاهدها ومعالمها. وقال ابن السكيت في قوله يبليك عنهم: أَراد كأَنّ جديد الأَرض في حال إبلائه إياك أَي تطييبه إياك حالفٌ تقيّ اليمين. ويقال: أَبْلى الله فلانٌ إذا حلف؛ قال الراجز:

فَأَوْجِع الجَنْبَ وأَعْرِ الظَّهْرا،

 

أَو يُبْلِيَ الله يَميناً صَـبْـرا

ويقال: ابتَلَيْت أَي استَحْلَفتُ؛ قال الشاعر:  

تُسائِلُ أَسْماءُ الرِّفاقَ وتَبْتَـلـي،

 

ومنْ دُونِ ما يَهْوَيْنَ بابٌ وحاجبُ

أَبو بكر: البِلاءُ هو أَن يقول لا أُبالي ما صَنَعْتُ مُبالاةً وبِلاءً، وليس هو من بَليَ الثوبُ. ومن كلام الحسن: لم يُبالِهِمُ اللهُ بالَةً.
وقولهم: لا أُباليه لا أَكْتَرِثُ له. ويقال: ما أُباليهِ بالةً وبالاً؛ قال ابن أَحمر:

أَغَدْواً واعَدَ الحَيّ الزِّيالا،

 

وشَوْقاً لا يُبالي العَيْنَ بالا

وبِلاءً ومُبالاةً ولم أُبالِ ولم أُبَلْ، على القصر. وفي الحديث: وتَبْقَى حُثالَةٌ لا يُباليهمُ اللهُ بالةً، وفي رواية: لا يُبالي بهم بالةً أَي لا يرفع لهم قدراً ولا يقيم لهم وزناً، وأَصل بالةً باليةً مثل عافاه عافيةً، فحذفوا الياء منها تخفيفاً كما حذفوا من لم أُبَلْ. يقال: ما بالَيته وما باليت به أَي لم أَكترث به. وفي الحديث: هؤلاء في الجنة ولا أُبالي وهؤلاء في النار ولا أُبالي؛ وحكى الأَزهري عن جماعة من العلماء:أَن معناه لا أَكره. وفي حديث ابن عباس: ما أُباليه بالةً. وحديث الرجل مع عَمَله وأَهلِه ومالِهِ قال: هو أَقَلُّهم به بالةً أَي مبالاة. قال الجوهري: فإذا قالوا لم أُبَلْ حذفوا الأَلف تخفيفاً لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم لا أَدْر، كذلك يفعلون بالمصدر فيقولون ما أُبالِيه بالةً، والأَصل فيه بالية. قال ابن بري: لم يحذف الأَلف من قولهم لم أَبل تخفيفاً، وإنما حذفت لالتقاء الساكنين. ابن سيده: قال سيبويه وسأَلت الخليل عن قولهم لَمْ أُبَلْ فقال: هي من باليت، ولكنهم لما أَسكنوا اللام حذفوا الأَلف لئلا يلتقي ساكنان، وإنما فعلوا ذلك بالجزم لأَنه موضع حذف، فلما حذفوا الياء التي هي من نفس الحرف بعد اللام صارت عندهم بمنزلة نون يكن حيث أُسكنت، فإسكان اللام هنا بمنزلة حذف النون من يكن، وإنما فعلوا هذا بهذين حيث كثر في كلامهم حذف النون والحركات، وذلك نحو مذ ولد وقد علم، وإنما الأَصل منذ ولدن وقد علم، وهذا من الشواذ وليس مما يقاس عليه ويطرد، وزعم أَن ناساً من العرب يقولون لَمْ أُبَلِهِ، لا يزيدون على حذف الأَلف كما حذفوا عُلَبِطاً، حيث كثر الحذف في كلامهم كما حذفوا أَلف احمَرَّ وأَلف عُلَبِطٍ وواو غَدٍ، وكذلك فعلوا بقولهم بَلِيّة كأَنها بالية بمنزلة العافية، ولم يحذفوا لا أُبالي لأَن الحذف لا يقوى هنا ولا يلزمه حذف، كما أَنهم إذا قالوا لم يكن الرجل فكانت في موضع تحرك لم تحذف، وجعلوا الأَلف تثبت مع الحركة، أَلا ترى أَنها لا تحذف في أُبالي في غير موضع الجزم، وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة؟ وهو بِذِي بِلِّيٍّ وبَلَّى وبُلَّى وبِلَّى وبَلِيٍّ وبِلِيّانٍ وبَلَيانٍ، بفتح الباء واللام إذا بعد عنك حتى لا تعرف موضعه. وقال ابن جني: قولهم أَتى على ذي بِلِيّانَ غير مصروف وهو علم البعد. وفي حديث خالد بن الوليد: أَنه قال إن عمر استعملني على الشام وهو له مُهِمٌّ، فلما أَلْقَى الشامُ بَوانِيَهُ وصار ثنيهعزلني واستعمل غيري، فقال رجل: هذا والله الفِتْنةُ؛ فقال خالد: أَما وابنُ الخطاب حيٌّ فلا، ولكن ذاك إذا كان الناس بِذِي بِلِّيٍّ وذِي بَلَّى؛ قوله:أَلْقَى الشامُ بَوانِيَهُ وصار ثنيه أَي قَرَّ قَرارُهُ واطْمَأَنَّ أَمرُه،. وأَما قوله إذا كان الناس بذي بِلِّيٍّ فإن أَبا عبيد قال: أَراد تفرّق الناس وأَن يكونوا طوائف وفرقاً من غير إمام يجمعهم، وكذلك كل من بعد عنك حتى لا تعرف موضعه فهو بذي بلَّيّ، وهو من بَلَّ في الأَرض إذا ذهب، أَراد ضياع أُمور الناس بعده، وفيه لغة أُخرى: بذي بِلِّيان؛ قال: وكان الكسائي ينشد هذا البيت في رجل يطيل النوم:

تَنامُ ويَذْهبُ الأَقْوامُ حَتَّى

 

يُقالَ: أُتَوا على ذي بِلِّيانِ

يعني أَنه أَطال النوم ومضى أَصحابه في سفرهم حتى صاروا إلى الموضع الذي لا يعرف مكانهم من طول نومه؛ قال ابن سيده: وصرفه على مذهبه. ابن الأَعرابي: يقال فلان بذي بليّ وذي بليّان إذا كان ضائعاً بعيداً عن أَهله.وتَبْلى وبَلِيٌّ: اسما قبيلتين. وبَلِيٌّ: حي من اليمن، والنسبة إليهم بَلَوِيٌّ. الجوهري: بَلِيٌّ، على فعيل، قبيلة من قضاعة، والنسبة إليهم بَلَوِيّ. والأَبْلاءُ: موضع. قال ابن سيده: وليس في الكلام اسم على أَفعال إلاّ الأَبواء والأَنْبار والأَبْلاء.
وبَلَى: جواب استفهام فيه حرف نفي كقولك أَلم تفعل كذا؟ فيقول: بلى.
وبلى: جواب استفهام معقود بالجحد، وقيل: يكون جواباً للكلام الذي فيه الجحد كقوله تعالى: أَلستُ بربكم قالوا بلى. التهذيب: وإنما صارت بلى تتصل بالجحد لأَنها رجوع عن الجحد إلى التحقيق، فهو بمنزله بل، وبل سبيلها أَن تأَتي بعد الجحد كقولك: ما قام أَخوك بل أَبوك، وما أَكرمت أَخاك بل أَباك، قال: وإذا قال الرجل للرجل أَلا تقوم؟ فقال له: بلى، أَراد بل أَقوم، فزادوا الأَلف على بل ليحسن السكوت عليها، لأَنه لو قال بل كان يتوقع كلاماً بعد بل، فزادوا الأَلف ليزول عن المخاطَب هذا التوهم. قال الله تعالى:وقالوا لن تمسنا النار إلا أَياماً معدودة، ثم قال: بلى من كسب سيئة؛ والمعنى بل من كسب سيئة؛ وقال المبرد: بل حكمها الاستدراك أَينما وقعت في جحد أَو إيجاب، قال: وبلى يكون إيجاباً للمنفي لا غير. الفراء قال: بل تأْتي لمعنيين: تكون إضراباً عن الأَول وإيجاباً للثاني كقولك عندي له دينار لا بل ديناران، والمعنى الآخر أَنها توجب ما قبلها وتوجب ما بعدها وهذا يسمى الاستدراك لأَنه أَراده فنسيه ثم استدركه. قال الفراء: والعرب تقول بَلْ والله لا آتيك وبَنْ والله، يجعلون اللام فيها نوناً؛ قال: وهي لغة بني سعد ولغة كلب، قال: وسمعت الباهليين يقولون لا بَنْ بمعنى لا بَلْ. ابن سيده: وقوله عز وجل: بَلَى قد جاءتك آياتي؛ جاء ببلى التي هي معقودة بالجحد، وإن لم يكن في الكلام لفظ جحد، لأَن قوله تعالى: لو أَن الله هداني؛ في قوّة الجحد كأَنه قال ما هُدِيتُ، فقيل بلى قد جاءتك آياتي؛ قال ابن سيده: وهذا محمول على الواو لأَن الواو أَظهر هنا من الياء، فحملت ما لم تظهر فيه عى ما ظهرت فيه؛ قال: وقد قيل إن الإمالة جائزة في بلى، فإذا كان ذلك فهو من الياء. وقال بعض النحويين: إنما جازت الإمالة في بلى لأَنها شابهت بتمام الكلام واستقلاله بها وغنائها عما بعدها الأَسماء المستقبلة بأَنفسها، فمن حيث جازت إمالة الأَسماء جازت أَيضاً إمالة بلى، أَلا ترى أَنك تقول في جواب من قال أَلم تفعل كذا وكذا: بلى، فلا تحتاج لكونها جواباً مستقلاً إلى شيء بعدها، فلما قامت بنفسها وقويت لحقت في القوة بالأَسماء في جواز إمالتها كما أُميل أنَّى ومتى. الجوهري: بلى جواب للتحقيق يوجب ما يقال لك لأَنها ترك للنفي، وهي حرف لأَنها نقيضة لا، قال سيبويه: ليس بلى ونعم اسمين، وقال: بلْ مخففٌ حرفٌ، يعطف بها الحرف الثاني على الأَول فيلزمه مثل إعرابه، وهو الإضراب عن الأَول للثاني، كقولك: ما جاءني زيد بل عمرو، وما رأَيت زيداً بل عمراً، وجاءني أَخوك بل أَبوك، تعطف بها بعد النفي والإثبات جميعاً؛ وربما وضعوه موضع رب كقول الراجز:

بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهِ

يعني رب مهمه، كما يوضع الحرف موضع غيره اتساعاً؛ وقال آخر:

بَلْ جَوْز تَيْهاءَ كظَهْرِ الحَجَفَتْ

وقوله عز وجل: ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق؛ قال الأَخفش عن بعضهم: إن بل ههنا بمعنى إنّ، فلذلك صار القسم عليها؛ قال: وربما استعملته العرب في قطع كلام واستئناف آخر فينشد الرجل منهم الشعر فيقول:

بل ما هاجَ أَحزاناً وشَجْواً

قَدْ شَجَا ويقول:

بل وبَلْدَةٍ ما الإنسُ منْ آهالِها