الجزء التاسع عشر - أخبار سلم الخاسر ونسبه

أخبار سلم الخاسر ونسبه

نسبه، ومقدرته الشعرية

سلم بن عمرو مولى بني تيم بن مرة، ثم مولى أبي بكر الصديق، رضوان الله عليه، بصري، شاعر مطبوع متصرف في فنون الشعر، من شعراء الدولة العباسية. وهو راوية بشار بن برد وتلميذه، وعنه أخذ، ومن بحره اغترف، وعلى مذهبه ونمطه قال الشعر.

سبب تلقيبه سلم الخاسر

ولقب سلم بالخاسر -فيما يقال- لأنه ورث من أبيه مصحفاً، فباعه واشترى بثمنه طنبوراً. وقيل: بل خلف له أبوه مالاً، فأنفقه على الأدب والشعر، فقال له بعض أهله: إنك لخاسر الصفقة، فلقب بذلك.

صداقته للموصلي وأبي العتاهية

وانقطاعه للبرامكة

وكان صديقاً لإبراهيم الموصلي، ولأبي العتاهية خاصة من الشعراء والمغنين، ثم فسد ما بينه وبين أبي العتاهية. وكان سلم منقطعاً إلى البرامكة، وإلى الفضل بن يحيى خصوصاً من بينهم. وفيه يقول أبو العتاهية:

إنما الفضل لسلم وحـده

 

ليس فيه لسوى سلم درك

من قول أبي العتاهية له

وكان هذا أحد الأسباب في فساد ما بينه وبين أبي العتاهية. ولسلم يقول أبو العتاهية وقد حج مع عتبة :

والـلـه والـلـه مـا أبـــالـــي مـــتـــى

 

ما مـت يا سـلـم بـعــد ذا الـــســـفـــر

أليس قد طفت حيث طافت

 

وقبلت الذي قبلت من الحجر

وله يقول أبو العتاهية وقد حبس إبراهيم الموصلي:

سلــم يا ســـلـــم لـــيس دونـــك ســـر

 

حبـس الـمـوصـلـي فــالـــعـــيش مـــر

ما استطاب اللذات مذ سكن

 

المطبق رأس اللذات والله، حر

ترك الموصل من خلق الل

 

ه جـمـيعـاً وعـيشـهـم مــقـــشـــعـــر

يرد مصحفاً ويأخذ مكانه دفاتر شعر

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني علي بن الحسن الواسطي، قال: حدثني أبو عمرو سعيد بن الحسن الباهلي الشاعر، قال: لما مات عمرو أبو سلم الخاسر اقتسموا ميراثه، فوقع في قسط سلم مصحف، فرده وأخذ مكانه دفاتر شعر كانت عند أبيه، فلقب الخاسر بذلك.

أجازه المهدي أو الرشيد بمائة ألف

درهم ليكذب تلقيبه بالخاسر

أخبرني الحسن، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني محمد بن عمر الجرجاني، قال: ورث سلم الخاسر أباه مأئة ألف درهم، فأنفقها على الأدب، وبقي لاشيء عنده، فلقبه الجيران ومن يعرفه بسلم الخاسر، وقالوا: أنفق ماله على ما لا يتفعه. ثم مدح المهدي، أو الرشيد -وقد كان بلغه اللقب الذي لقب به- فأمر له بمائة ألف درهم، وقال له: كذب بهذا المال جيرانك، فجاءهم بها، وقال لهم: هذه المائة الألف التي أنقفتها وربحت الأدب، فأنا سلم الرابح، لا سلم الخاسر. ورث مصحفا فباعه واشبرى طنبورا  فلقب الخاسر

أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني علي بن محمد النوفلي، عن أبيه، قال: إنما لقب الخاسر لأنه ورث عن أبيه مصحفا فباعه، واشترى بثمنه طنبورا.


أخبرني محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثني عمر الفضل، قال: قال لي الجماز: سلم الخاسر خالي لحا ، فسألته: لم لقب الخاسر؟ فضحك، ثم قال: إنه قد كان نسك مدة يسيرة، ثم رجع إلى أقبح ما كان عليه، وباع مصحفا له ورثه عن أبيه-وكان لجده قبله-واشترى بثمنه طنبورا.فشاع خبره وافتضح، فكان يقال له: ويلك! هل فعل أحد ما فعلت؟ فقال: لم أجد شيئا أتوسل به إلى إبليس هو أقر لعينه من هذا.


أخبرني عمي، قال: أنبأنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني أحمد بن صالح المؤدب، وأخبرنا يحيى بن علي بن يحيى إجازة، قال: حدثني أبي، عن أحمد بن صالح، قال: قال بشار بن برد: صوت

لا خير في العيش إن دمنا كذا أبدا

 

لا نلتقي وسبيل الملتقـى نـهـج

قالوا حرام تلاقينا فقـلـت لـهـم

 

ما في التلاقي ولا في غيره حرج

من راقب الناس لم يظفر بحاجتـه

 

وقاز بالطيبات الفاتك الـلـهـج

قال: فقال سلم الخاسر أبياتا، ثم أخذ معنى هذا البيت، فسلخه، وجعله في قوله:

من راقب الناس مات غما

 

وفاز باللذة الـجـسـور

سبب غضب بشار عليه ثم رضاه عنه

فبلغ بيته بشارا، فغضب واستشاط، وحلف ألا يدخل إليه، ولا يفيده ولا ينفعه ما دام حيا. قاسبشفع إليه بكل صديق له، وكل من يثقل عليه رده، فكلموه فيه، فقال: أدخلوه إلي، فأدخلوه إليه فاستدناه، ثم قال: إيه يا سلم، من الذي يقول:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

 

وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـج

قال: أنت يا أبا معاذ، قد جعلني الله فداءك! قال: فمن الذي يقول:

من راقب الناس مات غما

 

وفاز باللذة الجـسـور؟

قال: تلميذك، وخريجك، وعبدك يا أبا معاذ، فاجتذبه إليه، وقنعه بمخصرة كانت في يده ثلاثا، وهو يقول: لا أعود يا أبا معاذ إلى ما تنكره، ولا آتي شيئا تذمه، إنما أنا عبدك، وتلميذك، وصنيعتك، وهو يقول له: يا فاسق????! أتجيء إلى معنى قد سهرت له عيني، وتعب فيه فكري وسبقت الناس إليه، فتسرقه، ثم تختصره لفظا تقربه به، لتزري علي، وتذهب ببيتي؟ وهو يحلف له ألا يعود، والجماعة يسألونه. فبعد لأي وجهد ما شفعهم فيه، وكف عن ضربه، ثم رجع له، ورضي عنه.


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال: أخبرني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور، قال: حدثني عبد الوهاب بن مرار، قال: حدثني أبو معاذ النميري رواية بشار، قال: قد كان بشار قال قصيدة فيها هذا البيت:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

 

وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـج

قال: فقلت له يا أبا معاذ! قد سلم الخاسر بيتا، هو أحسن وأخف على الألسن من بيتك هذا، قال: وما هو؟ فقلت:

من راقب الناس مات غما

 

وفاز باللذة الـجـسـور

فقال بشار: ذهب والله بيتنا، أما والله لوددت أنه ينتمي في غير ولاء أبي بكر-رضي الله عنه-وأني مغرم ألف دينار محبة مني لهتك عرضه وأعراض مواليه! قال: فقلت له: ما أخرج هذا القول منك إلا عم. قال: أجل، فو الله لا طعمت اليوم طعاما، ولا صمت.
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني محمد بن إسحاق بن محمد النخعي ، قال: قال أبو معاذ النميري: قال بشار قصيدة، وقال فيها:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

 

وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـج

فعرفته أن سلما قد قال:

من راقب الناس مات غما

 

وفاز باللذة الـجـسـور

فلما سمع بشار هذا البيت قال: سار والله بيت سلم، وخمل بيتنا! قال: وكان كذلك، لهج الناس ببيت سلم، ولم ينشد بيت بشار أحد.

شعره في قصر صالح بن المنصور

أخبرني محمد بن عمران الصيرفي، قال: حدثني الحسن بن عليل العنزي، قال: حدثني أبو مالك محمد بن موسى اليماني، قال: لما بنى صالح بن المنصور قصره بدجلة قال فيه سلم الخاسر:

يا صالح الجود الذي مجده

 

أفسد مجد الناس بالجـود

بنيت قصرا مشرفا عاليا

 

بطائري سعد ومسعـود

كأنـمـا يرفـع بـنـيانـه

 

جن سـلـيمـان بـن داود

لا زلت مسرورا به سالمـا

 

على اختلاف البيض والسود

يعني الأيام والليالي-، فأمر له صالح بألف درهم.

ينشد عمر بن العلاء قصيدة لبشار فيه،

ثم ينشده لنفسه

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني بعض آل ولد حمدون بن إسماعيل -وكان ينادم المتوكل-عن أبيه، قال: كان سلم الخاسر من غلمان بشار، فلما قال بشار قصيدته الميمية في عمر بن العلاء -وهي التي يقول فيها:

إذا نبهتك صعاب الأمور

 

فنبه لها عمرا ثـم نـم

فتى لا يبيت على دمـنة

 

ولايشرب الماء إلا بدم

بعث بها مع سلم الخاسر إلى عمر بن العلاء، فوافاه فأنشده إياها، فأمر لبشار بمائة ألف درهم. فقال له سلم: إن خادمك-يعني نفسه- قد قال في طريقه فيك قصيدة، قال: فإنك لهناك ؟ قال: تسمع، ثم تحكم، ثم قال: هات، فأنشده: صوت

قد عزني الداء فما لـي دواء

 

مم ألاقي من حسان النسـاء

قلب صحيح كنت أسطو بـه

 

أصبح من سلمى بداء عـياء

أنفاسها مسك وفي طرفـهـا

 

سحر ومالي غيرها من دواء

وعدتني وعدا فـأوفـي بـه

 

هل تصلح الخمرة إلا بماء؟

ويقول فيها:

كم كربة قد مسني ضرها

 

ناديت فيها عمر بن العلاء

قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم، فكانت أول عطية سنية وصلت إليه.

صداقته لعاصم بن عتبة ومدحه إياه

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني ابن مهرويه، قال: وجدت في كتاب بخط الفضل بن مروان: وكان عاصم بن عتبة الغساني جد أبي السمراء الذي كان مع عبد الله بن طاهر صديقا لسلم الخاسر، كثير البر به، والملاطفة له، وفيه يقول سلم:

الجود في قحطان

 

ما بقيت غسـان

اسلم ولا أبالـي

 

ما فعل الإخوان

ما ضر مرتجيه

 

ما فعل الزمان

من غاله مخوف

 

فعاصـم أمـان

وكانت سبعين بيتا، فأعطاه عاصم سبعين ألف درهم، وكان مبلغ ما وصل إلى سلم من عاصم خمسمائة ألف درهم، فلما حضرته الوفاة دعا عاصما فقال له: إني ميت ولا ورثة لي، وإن مالي مأخوذ، فأنت أحق به، فدفع إليه خمسمائة ألف درهم، ولم يكن لسلم وارث. قال: وكان عاصم هذا جوادا.

ابن مزيد يحسد عاصما على شعره فيه

أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن طهمان، قال: أخبرني القاسم بن موسى بن مزيد.


أن يزيد بن مزيد قال: ما حسدت أحدا قط على شعر مدح به إلا عاصم بن عتبة الغساني، فإني حسدته على قول سلم الخاسر فيه:

لعاصم سـمـاء

 

عارضها تهتان

أمطارها اللجين

 

والدر والعقـيان

ونـاره تـنـادي

 

إذ خبت النيران

الجود في قحطان

 

ما بقيت غسـان

اسلم ولا أبالـي

 

ما فعل الإخوان

صلت له المعالي

 

والسيف والسنان

كان يقدم أبا العتاهية على بشار

ثم فسد ما بينهما

أخبرني أحمد بن علي، عن ابن مهرويه، عن الغريبي، عن محمد بن عمر الجرجاني، قال: كان سلم تلميذ بشار، إلا أنه كان تباعد ما بينهما، فكان سلم يقدم أبا العتاهية، ويقول: هو أشعر الجن والإنس، إلى أن قال أبو العتاهية يخاطب سلما:

تعالى الله يا سلم بن عمـرو

 

أذل الحرص أعناق الرجال

هب الدنيا تصير إليك عفوا

 

أليس مصير ذاك إلى زوال

قال: وبلغ الرشيد هذا الشعر فاستحسنه، وقال: لعمري إن الحرص لمفسدة لأمر الدين والدنيا، وما فتشت عن حريص قط مغيبه إلا انكشف لي عما أذمه. وبلغ ذلك سلما، فغضب على أبي العتاهية، وقال: ويلي على الجرار ابن الفاعلة الزنديق! زعم أني حريص، وقد كنز البدور وهو يطلب وأنا في ثوبي هذين، لا أملك غيرهما. وانحرف عن أبي العتاهية بعد ذلك.
رده على أبي العتاهية

حين اتهمه بالحرص في شعر له

أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثنا محمد بن موسى، قال: أخبرني محمد بن أسماعيل السدوسي، قال: حدثني جعفر العاصمي، وأخبرني عمي، عن أحمد بن أبي طاهر، عن القاسم بن الحسن، عن زكريا بن يحيى المدائني، عن علي بن المبارك القضاعي، عن سلم الخاسر.
أن أبا العتاهية لما قال هذا الشعر فيه كتب إليه:

ما أقبح التزهيد من واعـظ

 

يزهد الـنـاس ولا يزهـد

لو كان في تزهيده صـادقـا

 

أضحى وأمسى بيته المسجد

ورفض الدنيا ولم يلـقـهـا

 

ولم يكن يسعى ويستـرفـد

يخاف أن تـنـفـذ أرزاقـه

 

والرزق عند الله لا ينـفـد

الرزق مقسوم على من ترى

 

ينالـه الأبـيض والأسـود

كل يوفى رزقـه كـامـلاً

 

من كف عن جهد ومن يجهد

ابن أخته ينتصر له من أبي العتاهية أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني أبو العسكر المسمعي، وهو محمد بن سليمان، قال: حدثني العباس بن عبد الله بن سنان بن عبد الملك بن مسمع، قال: كنا عند قثم بن جعفر بن سليمان، وهو يومئذ أمير البصرة، وعنده أبو العتاهية ينشده شعره في الزهد، فقال لي: قثم: يا عباس! اطلب لي الجماز الساعة حيث كان فجئني به، ولك سبق ، فطلبته؛ فوجدته جالساً ناحية عند ركن دار جعفر بن سليمان، فقلت له: أجب الأمير، فقام معي حتى أتى قثم فجلس في ناحية مجلسه وأبو العتاهية ينشده، ثم قام إليه الجماز فواجهه، وأنشد قول سلم الخاسر فيه:

ما أقبح التزهيد من واعـظ

 

يزهد الـنـاس ولا يزهـد

لو كان في تزهيده صادقـاً

 

أضحى وأمسى بيته المسجد

وذكر الأبيات كلها، فقال أبو العتاهية: من هذا أعز الله الأمير؟ قال: هذا الجمازا، وهو ابن أخت سلم الخاسر، انتصر لخاله منك حيث قلت له:

تعالى الله يا سلم بن عمـرو

 

إذل الحرص أعتاق الرجال

قال: فقال أبو العتاهية للجماز: يا بن أخي، إني لم أذهب في شعري الأول حيث ذلك خالك؛ ولا أردت أن أهتف به، ولا ذهبت أيضاً في حضوري وإنشادي حيث ذهبت من الحرص على الرزق، والله يغفر لكما! ثم قام فانصرف.

مبلغ ما وصل إليه من الرشيد والبرامكة

أخبرني عمي، عن أحمد بن أبي طاهر، عن أبي هفان، قال: وصل إلى سلم الخاسر من آل برمك خاصة سوى ما وصل إليه من غيرهم عشرون ألف دينار، ووصل إليه من الرشيد مثلها.


يطلب إلى أبي محمد اليزيدي أن يهجوه فيفعل فيندم أخبرني محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثني عماي عبيد الله والفضل؛ عن أبيهما، عن أبي محمد اليزيدي: أنه حضر مجلس عيسى بن عمر، وحضر سلم الخاسر، فقال له: يا أبا محمد، اهجني على روي قصيدة امرئ القيس:

رب رام من بني ثعل

 

مخرج كفيه في ستره

قال: فقلت له: ما دعاك إلى هذا؟ قال: كذا أريد. فقلت له: يا هذا أنا وأنت أغنى الناس عما تستدعيه من الشر فلتسعك العافية، فقال: إنك لتحتجز مني نهاية الاحتجاز، وأراد أن يوهم عيسى أني مفحم عيي لا أقدر على ذلك، فقال لي عيسى: أسألك يا أبا محمد بحقي عليك إلا فعلت. فقلت:

رب مغمـوم بـعـاقـبة

 

غمط النعمة من أشـره

وامرئ طالبت سلامتـه

 

فرماه الدهر من غـيره

بسهـام غـير مـشـوية

 

نقصت منه قوى مـرره

وكذاك الدهر منـقـلـب

 

بالفتى حالين من عصره

يخلط العسر بـمـيسـرة

 

ويسار المرء في عسره

عق سلم أمـه صـغـراً

 

وأبا سلم علـى كـبـره

كلي يوم خلـفـه رجـل

 

رامح يسعى على أثـره

يولج الغرمول سـبـتـه

 

كولوج الضب في جحره

قال: فاغتم سلم وندم، وقال: هكذا تكون عاقبة البغي والتعرض للشر، فضحك عيسى، وقال له: قد جهد الرجل أن تدعه، وصيانته ودينه فأبيت إلا أن يدخلك في حر أمك.


ترفهه وتخشن مروان بن أبي حفصة أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني علي بن محمد النوفلي، قال: سمعت أبي يقول: كان المهدي يعطي مروان وسلماً الخاسر عطية واحدة، فكان سلم يأتي باب المهدي على البرذون الفاره، قيمته عشرة آلاف درهم، بسرج ولجام مفضضين، ولباسه الخز والوشي، وما أشبه ذلك من الثياب الغالية الأثمان ورائحة المسك والطيب والغالية تفوح منه، ويجيء مروان بن أبي حفصة عليه فرو كبل وقميص كرابيس وعمامة كرابيس وخفا كبل وكساء غليظ، وهو منتن الرائحة. وكان لا يأكل اللحم حتى يقرم إليه بخلاً، فإذا قرم أرسل غلامه، فاشترى له رأساً فأكله. فقال له قائل: أراك لا تأكل إلا الرأس! قال: نعم، أعرف سعره، فآمن خيانة الغلام، ولا أشتري لحماً فيطبخه فيأكل منه، والرأس آكل منه ألواناً: آكل منه عينيه لوناً، ومن غلصمته لوناً، ومن دماغه لوناً.

ابتلاؤه بالكيمياء ثم انصرافه عنها

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا يحيى بن الحسن الربيعي، قال: أخبرني أبي، قال: كان سلم الخاسر قد بلي بالكيمياء فكان يذهب بكل شيء له باطلاً، فلما أراد الله -عز وجل- أن يصنع له عرف أن بباب الشام صاحب كيمياء عجيباً، وأنه لا يصل إليه أحد إلا ليلاً، فسأل عنه فدلوه عليه.


قال: فدخلت إليه إلى موضع معور ، فدققت الباب فخرج إلي، فقال: من أنت عافاك الله؟ فقلت: رجل معجب بهذا العلم. قال: فلا تشهرني، فإني رجل مستور، إنما أعمل للقوت. قال: قلت: لأني لا أشهرك، إنما أقتبس منك، قال: فاكتم ذلك. قال: وبين يديه كوز شبه صغير. فقال لي: اقلع عروته، فقلعتها. فقال: اسبكها في البوطقة، فسبكتها، فأخرج شيئاً من تحت مصلاه، فقال: ذره عليه، ففعلت. فقال: أفرغه، فأفرغته. فقال: دعه معك، فإذا أصبحت فاخرج، فبعه وعد إلي، فأخرجته إلى باب الشام، فبعت المثقال بأحد وعشرين درهماً، ورجعت إليه فأخبرته. فقال: اطلب الآن ما شئت. قلت: تفيدني. قال: بخمسمائة درهم على أن لا تعلمه أحداً، فأعطيته، وكتب لي صفة، فامتحنتها، فإذا هي باطلة. فعدت إليه، فقيل لي: قد تحول، وإذا عروة الكوز المشبه من ذهب مركبة عليه، والكوز شبه. ولذلك كان يدخل إليه من يطلبه ليلاً، ليخفى عليه، فانصرفت، وعلمت أن الله -عز وجل- أراد بي خيراً، وأن هذا كله باطل.


يرثي البانوكة بنت المهدي أخبرني محمد بن عمران الصيرفي، قال: حدثنا العنزي، قال: حدثني أبو مالك اليماني، قال: حدثني أبو كعب، قال: لما ماتت البانوكة بنت المهدي رثاها سلم الخاسر بقوله:

أودى ببانوكة ريب الـزمـان

 

مؤنسة المهدي والخـيزران

لم تنطو الأرض على مثلهـا

 

مولودن حن لها الـوالـدان

بانوك يا بنت إمـام الـهـدى

 

أصبحت من زينة أهل الجنان

بكت لك الأرض وسكانـهـا

 

في كل أفق بين إنس وجـان

كان يهاجي والبة بن الحباب أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني ابن مهرويه، قال: حدثني علي بن الحسن الشيباني، قال: حدثني أبو المستهل الأسدي، وهو عبد الله بن تميم بن حمزة، قال: كان سلم الخاسر يهاجي والبة بن الحباب، فأرسلني إليه وقال: قل له:

يا والب بن الحباب يا حلقـي

 

لست من أهل الزناء فانطلق

دخل فيه الغرسول تولـجـه

 

مثل ولوج المفتاح في الغلق

قال: فأتيت والبة فقلت له ذلك، فقال لي: قل له: يا بن الزانية، سل عنك ريعان التميمي -يعني أنه ناكه- قال: وكان ريعان لوطياً آفة من الآفات، وكان علامة ظريفاً.


قال: فحدثني جعفر بن قدامة عن محمد العجلي، عن أحمد بن معاوية الباهلي، قال: سمعت ريعان يقول: نكت الهيثم بن عدي، فمن ترونه يفلت مني بعده؟ يعتذر إلى المهدي من مدحه لبعض العلويين وأخبرني أحمد بن العباس العسكري، قال: حدثنا العنزي، قال: حدثني أبو مالك محمد بن موسى اليماني، قال: كان سلم الخاسر مدح بعض العلويين، فبلغ ذلك المهدي، فتوعده وهم به، فقال سلم فيه:

إني أتتني على المهدي مـعـتـبة

 

تكاد من خوفها الأخشاء تضطرب

اسمع فداك بنو حـواء كـلـهـم

 

وقد يجور برأس الكاذب الكـذب

فقد حلفت يمـينـاً غـير كـاذبة

 

يوم المغيبة لم يقطع لها سـبـب

ألا يحالف مدحي غـيركـم أبـداً

 

ولو تلاقى علي الغرض والحقب

ولو ملكت عنان الريح أصرفها

 

في كل ناحية ما فاتها الطلب

مولاك لا تـشـمـت أعـاديه

 

فما وراءك لي ذكر ولا نسب

فعفا عنه.
كان لا يحسن المدح ويحسن الرثاء وأخبرني أحمد بن العباس ، وأحمد بن عبيد الله بن عمار، قالا: حدثنا العنزي، قال: حدثني العباس بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان، قال: حدثني موسى بن عبد الله بن شهاب المسمعي، قال: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يقول: كان سلم الخاسر لا يحسن أن يمدح، ولكنه كان يحسن أن يرثي ويسأل.


يعد الرثاء في حياة من يعنيه رثاؤهم أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد القاسم بن مهرويه، قال: حدثني علي بن الحسن الشيباني، قال: حدثني أبو المستهل، قال: دخلت يوماً على سلم الخاسر، وإذا بين يديه قراطيس فيها أشعار يرثي ببعضها أم جعفر، وببعضها جارية غير مسماة، وببعضها أقواماً لم يموتوا، وأم جعفر يومئذ باقية. فقلت له: ويحك! ما هذا؟ فقال: تحدث الحوادث فيطالبوننا بأن نقول فيها، ويستعجلوننا ، ولا يحمل بنا أن نقول غير الجيد، فنعد لهم هذا قبل كونه، فمتى حدث حادث أظهرنا ما قلناه فيه قديماً، على أنه قيل في الوقت.
إعجاب المأمون ببيت: تعالى الله يا سلم أخبرني محمد بن مزيد وعيسى بن الحسين، قالا: حدثنا الزبير بن بكار، قال: قال عبد الله بن الحسن الكاتب: أنشد المأمون قول أبي العتاهية:

تعالى الله يا سلم بن عمـرو

 

أذل الحرص أعناق الرجال

فقال المأمون: صدق لعمر الله، إن الحرص لمفسدة للدين والمروءة، والله ما رأيت من رجل قط حرصاً ولا شرهاً، فرأيت فيه مصطنعاً. فبلغ ذلك سلماً الخاسر، فقال: ويلي على ابن الفاعلة بياع الخزف، كنز البدور بمثل ذلك الشعر المفكك الغث، ثم تزهد بعد أن استغنى، وهو دائباً يهتف بي، ينسبني إلى الحرص، وأنا لا أملك إلا ثوبي هذين.

يسكت أبا الشمقمق عن هجائه بخمسة دنانير

أخبرني عمي والحسن بن علي، قالا: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا زكريا بن مهران قال: طالب أبو الشمقمق سلماً الخاسر بأن يهب له شيئاً، وقد خرجت لسلم جائزة، فلم يفعل، فقال أبو الشمقمق يهجوه:

يا أم سلم هداك اللـه زورينـا

 

كيما ننيكك فرداً أو تنيكـينـا

ما إن ذكرتك إلا هاج لي شبق

 

ومثل ذكراك أم السلم يشجينا

قال: فجاءه سلم فأعطاه خمسة دنانير، وقال: أحب أن تعفيني من استزارتك أمي وتأخذ هذه الدنانير فقتنفقها.


من شعره حين ولى يعقوب بن داود بعد أبي عبيد الله أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني يحيى بن الحسن بن عبد الخالق، قال: حدثني محمد بن القاسم بن الربيع عن أبيه، قال: دخل الربيع على المدهي وأبو عبيد الله جالس يعرض كتباً، فقال له أبو عبيد الله: مر هذا أن يتنحى -يعني الربيع- فقال له المهدي: تنح، فقال: لا أفعل. فقال: كأنك تراني بالعين الأولى! فقال: لا، بل أراك بالعين التي أنت بها. قال: فلم لا تتنحى إذ أمرتك؟ فقال له: أنت ركن الإسلام، وقد قتلت ابن هذا، فلا آمن أن يكون معه حديدة يغتالك بها، فقام المهدي مذعوراً، وأمر بتفتيشه، فوجدوا بين جوربه وخفه سكيناً، فردت الأمور كلها إلى الربيع، وعزل أبو عبيد الله، وولي يعقوب بن داود، فقال سلم الخاسر فيه:

يعـقـوب ينـظـر فـي الأمـــو

 

ر وأنـت تـنـظـر نــاحـــيه

أدخلته فعلا عليك كذاك شؤم الناصيه

 

 

قال: وكان بلغ المهدي من جهة الربيع أن أبي عبيد الله زنديق، فقال له المهدي: هذا حسد منك. فقال: افحص عن هذا، فإن كنت مبطلاً بلغت مني الذي يلزم من كذلك. فأتى بابن عبيد الله، فقرره تقريراً خفياً، فأقر بذلك، فاستتابه، فأبى أن يتوب، فقال لأبيه: اقتله، فقال: لا تطيب نفسي بذلك. فقتله وصلبه على باب أبي عبيد الله.


قال: وكان أبي عبيد الله هذا من أحمق الناس: وهب له المهدي وصيفة، ثم سأله بعد ذلك عنها، فقال: ما وضعت بيني وبين الأرض حشية قط أوطأ منها حاشا سامع ، فقال المهدي لأبيه: أتراه يعنيني، أو يعنيك؟ قال: بل يعني أمه الزانية، لا يكنى.

شعره في الفضل حين أخذ البيعة للمهدي

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثني أبي، قال: كنت أنا والربيع نسير قريباً من محمل المنصور حين قال للربيع: رأيت كأن الكعبة تصدعت، وكأن رجلاً جاء بحبل أسود فشددها، فقال له الربيع: من الرجل؟ فلم يجبه، حتى إذا اعتل قال للربيع: أنت الرجل الذي رأيته في نومي شدد الكعبة! فأي شيء تعمل بعدي؟ قال: ما كنت أعمل في حياتك، فكان من أمره في أخذ البيعة للمهدي ما كان، فقال سلم الخاسر في الفضل بن الربيع:

يا بن الذي جبر الإسلام يوم وهي

 

واستنفذ الناس من عمياء صيخود

قالت قريش غداة أنهاض ملكهم:

 

أين الربيع وأعطوا بالمقـالـيد

فقام بالأمر مئنـاس بـوحـدتـه

 

ماضي العزيمة ضراب القماحيد

إن الأمور إذا ضاقت مسالكهـا

 

حلت يد الفضل منها كل معقود

إن الربيع وإن الفضل قد بـنـيا

 

رواق مجد على العباس ممدود

قال: فوهب له الفضل خمسة آلاف دينار.

شعره حين عقدت البيعة للأمين

أخبرني عمي، قال: حدثنا أبو هفان، قال: حدثني سعيد أبو هريم وأبو دعامة، قالا: لما قال سلم الخاسر في الرشيد حين عقد البيعة لابنه محمد الأمين:

قد بايع الثقلان في مهد الهـدى

 

لمحمد بن زبيدة ابنـه جـفـر

وليته عهـد الأنـام وأمـرهـم

 

فدمغت بالمعروف رأس المنكر

أعطته زبيدة مائة ألف درهم.


المهدي يأمر له بخمسمائة ألف درهم لقصيدته فيه أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا عبد الله بن عمرو، قال: حدثني أحمد بن محمد بن علي الخراساني ، عن يحيى بن الحسن بن عبد الخالق، عن أبيه، قال: قال سلم الخاسر في المهدي قصديته التي يقول فيها:

له شيمة عند بذل العـطـا

 

ء لا يعرف الناس مقدارها

ومهدي أمـتـنـا والـذي

 

حماها وأدرك أوتـارهـا

فأمر له المهدي بخمسمائة ألف درهم.


طلب إلى الرشيد أن يفضله في الجائزة على مروان بن أبي حفصة فأجابه أخبرنا وكيع، قال: حدثنا عبد الله بن سليمان، قال: حدثنا منصور بن أبي مزاحم، قال: شهدت المهدي وقد أمر لمروان بن أبي حفصة بأربعين ألف درهم، وفرض على اهل بيته وجلسائه ثلاثين ألف درهم. وأمر الرشيد بعد ذلك لما ولى الخلافة لسلم الخاسر - وقد مدحه- بسبعين ألف درهم، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أكثر ما أعطى المهدي مروان سبعون ألف درهم، فزدني وفضلني عليه، ففعل ذلك، وأعطاه تتمة ثمانين ألف درهم، فقال سلم: فخره على مروان بجائزته ورد مروان عليه

ألا قل لمروان أتتـك رسـالة

 

لها نبأ لا ينثني عن لـقـائكـا

حباني أمير المؤمنين بنـفـحة

 

مشهرة قد طأطأت من حبائكا

ثمانين الفاً حزت من صلب ماله

 

ولم يك قسماً من أولى وأولائكا

فأجابه مروان فقال:

أسلم بن عمرو قد تعاطيت غاية

 

تقصر عنها بعد طول عنائكـا

فأقسم لولا ابن الربيع ورفـده

 

لما ابتلت الدلو التي في رشائكا

وما نلت مذ صورت إلا عطية

 

تقوم بها مصرورة في ردائكا

مات عن غير وارث فوهب الرشيد تركته

حدثني وسواسة بن الموصلي، وهو محمد بن أحمد بن غسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثني حماد، عن أبيه قال: استوهب أبي من الرشيد تركة سلم الخاسر، وكان قد مات عن غير وارث، فوهبها له قبل أن يتسلمها صاحب المواريث، فحصل منها خمسين ألف دينار.
أخبرني عمي، قال: حدثني أبو هفان، عن سعيد بن هريم وأبي دعامة أنه رفع إلى الرشيد أن سلما الخاسر قد توفي، وخلف مما أخذه منه خاصة ومن زبيدة ألف ألف وخمسمائة ألف درهم سوى ما خلفه من عقار وغيره مما اعتقده قديماً، فقبضه الرشيد. وتظلم إليه مواليه من آل أبي بكر الصديق، رضوان الله عليهم، فقال: هذا خادمي ونديمي، والذي خلفه من مالي، فأنا أحق به، فلم يعطهم إلا شيئاً يسيراً من قديم أملاكه.


رثاؤه معن بن زائدة ومالكاً وشهاباً ابني عبد الملك بن مسمعأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: حدثنا عيسى بن إسماعيل، عن القحذمي، قال: كان مالك وشهاب ابنا عبد الملك بن مسمع ومعن بن زائدة متواخين، لا كادون يفترقون. وكان سلم الخاسر ينادمهم ويمدحهم، ويفضلون عليه ولا يحوجونه إلى غيرهم، فتوفي مالك ثم أخوه ثم معن في مدة متقاربة، فقال سلم يرثيهم:

عين جـودي بـعـــبـــرة تـــهـــتـــان

 

وانـذبـي مــن أصـــاب ريب الـــزمـــان

وإذا مـا بـكــيت قـــومـــاً كـــرامـــاً

 

فعـلـى مـــالـــك أبـــي غـــســـان

أين مـعـن أبــو الـــولـــيد ومـــن كـــا

 

ن غـياثـاً لـلــهـــالـــك الـــحـــيران

طرقتك المنون لا واهي الحبل ولا عاقداً بحلـف يمـان

 

 

وشهاب وأين مثل شهاب

 

عنـد بـذل الـنـدى وحــر الـــطـــعـــان

رب خرق رزئته من بني قيس وخرق رزئت من شيبان

 

 

در در الأيام ماذا أجنت

 

منـهـم فـي لـفـــائف الـــكـــتـــان !

ذاك مـعـن ثـوى بـبــســـت رهـــينـــاً

 

وشـهــاب ثـــوى بـــأرض عـــمـــان

وهـمـا مـا هـمـا لـبـذل الـــعـــطـــايا

 

ولـــلـــف الأقـــران بـــالأقـــــران

يسـبـقـان الـمـنـون طـعـنـاً وضـــربـــاً

 

ويفــكـــان كـــل كـــبـــل وعـــان

أمر له الرشيد بمائة ألف درهم في قصيدة أنشده إياها أخبرني وكيع، قال: حدثني يزيد بن محمد المهلبي، قال: حدثني عبد الصمد بن المعذل، قال: لما أنشد سلم الخاسر الرشيد قصيدته فيه:

حضر الرحيل وشدت الأحداج

أمر له بمائة ألف درهم.


من شعره في الفضل بن يحيى وجائزته عليه حدثني جحظة قال: حدثني ميمون بن هارون قال: دخل سلم الخاسر على الفضل بن يحيى في يوم نيروز والهدايا بين يديه، فأنشده:

أمـن ربـــع تـــســـائلـــه

 

وقـد أقــوت مـــنـــازلـــه

بقـلـبـي مـن هــوى الأطـــلا

 

ل حـــب مـــا يزايلــــــه

رويدكـم عـن الـمــشـــغـــو

 

ف إن الـحـب قـــاتـــلـــه

بلابــل صـــدره تـــســـري

 

وقـد نــامـــت عـــواذلـــه

أحق الناس بالتفصيل من ترجى فواضله

 

 

رأيت مكارم الأخلا

 

ق مـا ضـمـت حـمـــائلـــه

فلـسـت أرى فـتـي فـي الـنـــا

 

س إلا الـفـضـل فـاضـــلـــه

يقـول لــســـانـــه خـــيراً

 

فتـفـعـلــه أنـــامـــلـــه

ومـهـمــا يرج مـــن خـــير

 

فإن الـفـضـل فــاعـــلـــه

وكان إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق حاضرين، فقال لإبراهيم: كيف ترى وتسمع؟ قال: أحسن مرئي ومسموع، وفضل الأمير أكثر منه. فقال: خذوا جميع ما أهدي إلي اليوم فاقتسمواه بينكم أثلاثاً إلا ذلك التمثال، فإني أريد أن أهديه اليوم إلى دنانير، ثم قال: لا، والله، ما هكذا تفعل الأحرار، يقوم وندفع إليهم ثمنه، ثم نهديه. فقوم بألف دينار، فحملها إلى القوم من بيت ماله، واقتسموا جميع الهدايا بينهم.


شعر له يعده معن بن زائدة أحسن ما مدح به أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: حدثني عيسى بن إسماعيل تينة، قال: حدثني القحذمي، قال: قيل لمعن بن زائدة: ما أحسن ما مدحت به من الشعر عندك؟ قال: قول سلم الخاسر:

أبلغ الفتـيان مـألـكة

 

أن خير الود ما نفعـا

أن قرما من بني مطر

 

أتلفت كفاه ما جمعـا

كلما عدنـا لـنـائلـه

 

عاد في معروفه جذعا

شعر له في الفضل بن يحيى وقد أشار برأي أخذ به أخبرني عمي، قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني أبو توبة، وأخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، عن أبي توبة، قال: حدث في أيام الرشيد أمر فاحتاج فيه إلى الرأي، فأشكل، وكان الفضل بن يحيى غائباً، فورد في ذلك الوقت، فأخبروه بالقصة، فأشار بالرأي في وقته، وأنفذ الأمر على مشورته، فحمد ما جرى فيه، فدخل عليه سلم الخاسر فأنشده:

بديهته وفكـرتـه سـواء

 

إذا ما نابه الخطب الكبير

وأحزم ما يكون الدهر رأياً

 

إذا عي المشاور والمشير

فأمر له بعشرة آلاف درهم.


اشترى سكوت أبي الشمقمق عن هجائه أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثني أبو العيناء، قال: حدثني الجماز أن أبا الشمقمق جاء إلى سلم الخاسر يستميحه فمنعه، فقال له: اسمع إذاً ما قلته، وأنشده:

حدثونـي أن سـلـمـا

 

يشتـكـي جـارة أيره

 

فهو لا يحـسـد شـيئاً

 

غير أير في است غيره

 

وإذا ســــــرك يومـــــــاً

 

يا خـلـيلـــي نـــيل خـــيره

قم فمر راهبك الأصلع يقرع باب ديره

 

 

           

فضحك سلم، وأعطاه خمسة دنانير، وقال له: أحب -جعلت فداءك- أن تصرف راهبك الأصلع عن باب ديرنا.


أنشد الرشيد فتطير وأمر بإخراجه أخبرنا الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني أحمد بن أبي كامل، قال: حدثني أبو دعامة، قال: دخل سلم الخاسر على الرشيد، فأنشده:

حي الأحبة بالسلام

فقال الرشيد:

حياهم الله بالسلام

فقال:

على وداع أم مقام

فقال الرشيد: حياهم الله على أي ذلك كان، فأنشده:

لم يبق منك ومـنـهـم

 

غير الجلود على العظام

فقال له الرشيد: بل منك، وأمر بإخراجه، وتطير منه، ومن قوله، فلم يسمع منه باقي الشعر ولا أثابه بشيء.


شعره في الهادي حين بويع له أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: أتت وفاة المهدي إلى موسى الهادي، وهو بجرجان، فبويع له هناك، فدخل عليه سلم الخاسر مع المهنئين، فنأه بخلافة الله، ثم أنشده:

لما أتت خير بني هـاشـم

 

خلافة الله بـجـرجـان

شمر للحزم سـرابـيلـه

 

برأي لا غـمـر ولا وان

لم يدخل الشورى على رأيه

 

والحزم لا يمضـيه رأيان

يقر بأستاذية بشـار لـه

 

 

أخبرني الحسن بن علي وعمي، قالا: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني صالح بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: دخل سلم الخاسر على الرشيد، وعنده العباس بن محمد وجعفر بن يحيى، فأنشده قوله فيه:

حضر الرحل وشدت الأحداج

فلما انتهى إلى قوله:

إن الـــمـــنـــايا فـــي الـــســـــيوف كـــــــوامـــــــن

 

حتـــى يهـــيجـــهـــــــا فـــــــتـــــــى هـــــــياج

فقال الرشيد: كان ذلك معن بن زائدة، فقال: صدق أمير المؤمنين، ثم أنشد حتى انتهى إلى قوله:

 

 

ومدحج يغشى المضيق بسيفه

 

حتـــى يكـــــون بـــــــســـــــيفـــــــه الإفـــــــراج

فقال الرشيد: ذلك يزيد بن مزيد، فقال: صدق أمير المؤمنين، فاغتاظ جعفر بن يحيى، وكان يزيد بن مزيد عدواً للبرامكة، مصافياً للفضل بن الربيع، فلما انتهى إلى قوله:

نزلت نجوم الليل فوق رؤوسهم

 

ولكل قوم كـوكـب وهـاج

قال له جعفر بن يحيى: من قلة الشعر حتى تمدح أمير المؤمنين بشعر قيل في غيره! هذا لبشار في فلان التميمي، فقال الرشيد: ما تقول يا سلم؟ قال: صدق يا سيدي، وهل أنا إلا جزء من محاسن بشار، وهل أنطلق إلا بفضل منطقه! وحياتك يا سيدي إني لأروي له تسعة آلاف بيت ما يعرف أحد غيري منها شيئاً، فضحك الرشيد، وقال: ما أحسن الصدق! امض في شعرك، وأمر له بمائة ألف درهم، ثم قال للفضل بن الربيع: هل قال أحد غير سلم في طيناً المنازل شيئاً؟ -وكان الرشيد قد انصرف من الحج، وطوى المنازل.


وصفه هو والنمري على الرشيد للمنازل فوصف ذلك سلم - فقال الفضل: نعم يا أمير المؤمنين، النمري، فأمر سلماً أن يثبت قائماً حتى يفرغ النمري من إنشاده، فأنشده النميري، قوله:

تخرق سربال الشباب مع البرد

 

وحالت لنا أم الوليد عن العهد

فقال الرشيد للعباس بن محمد: أيهما أشعر عندك يا عم؟ قال: كلاهما شاعر، ولو كان الكلام يستفحل لجودته حتى يؤخذ منه نسل لاستفحلت كلام النمري، فأمر له بمائة الف درهم أخرى.


رثاه أشجع السلمي أخبرني عمي، قال: أنشدني أحمد بن أبي طاهر لأشجع السلمي يرثي سلماً الخاسر ومات سلم قبله:

يا سلم إن أصبحت في حفرة

 

موسداً تربـاً وأحـجـارا

فرب بيت حسـن قـلـتـه

 

خلفته في الـنـاس تـيارا

قلـدتـه ربـا وسـيرتـه

 

فكان فخراً منك أو عـارا

لو نطق الشعر بكى بعـده

 

عليه إعـلانـاً وإسـرارا

صوت

يا ويح من لعب الهوى بحياته

 

فأماته من قبل حين مماتـه

من ذا كذا كان الشقي بشادن

 

هاروت بين لسانه ولهاتـه

وحياة من أهوى فإني لم أكن

 

يوماً لأحلف كاذباً بحـياتـه

لأخالفن عواذلي في لـذتـي

 

ولأسعدن أخي على لذاتـه

الشعر لبعض شعراء الحجازيين ولم يقع إلينا اسمه، والغناء لأبي صدقة رمل بالبنصر .