الجزء العشرون - أخبار التيمي ونسبه

أخبار التيمي ونسبه

اسمه وولاؤه وصفته

هو عبد الله بن أيوب، ويكنى أبا محمد مولى بني تميم ثم مولى بني سليم. ذكر ذلك ابن النطاح، وكان له أخ يقال له أبو التيحان، وكلاهما كان شاعراً، وهما من أهل الكوفة، وهما من شعراء الدولة العباسية. أحد الخلعاء المجان الوصافين للخمر، وكان صديقاً لإبراهيم الموصلي وابنه إسحاق، ونديماً لهما، ثم اتصل بالبرامكة ومدحهم، واتصل بيزيد بن مزيد فلم يزل منقطعاً إليه حتى مات يزيد.

أكثر شعره في وصف الخمر

واستنفد شعره أو أكثره في وصفه الخمر، وهو الذي يقول:

شربت من الخمر يوم الخميس

 

بالكاس والطاس والقنـقـل

فما زالت الكأس تغتـالـنـا

 

وتـذهـب بــالأول الأول

إلى أن توافت صلاة العشـا

 

ونحن من السكر لم نعـقـل

فمن كان يعرف حق الخميس

 

وحق المدام فـلا يجـهـل

وما إن جرت بيننـا مـزحة

 

تهيج مراء على السلـسـل

وهو القائل:

ولن أنتهي عن طيب الراح أو يرى

 

بوادي عظامي في ضريحي لاحد

أضعت شبابي في الشراب تـلـذذا

 

وكنت امرأ غير الشباب أكـابـد

رواية أخرى في ولائه: أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثني أبو العيناء عن محمد بن عمر، قال: أبو محمد التيمي اسمه عبد الله بن أيوب مولى بني تميم.


يرثى ابنا له: حبان: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن محمد بن الجراح قال: قال دعبل: كان للتيمي أبي محمد ابن يقال له حبان، ومات وهو حديث السن، فجزع عليه، وقال يرثيه: صوت

أودى بجبان ما لم يترك النـاس

 

فامنح فؤادك من أحبابك الياسا

لما رمته المنايا إذ قصـدن لـه

 

أصبن مني سواد القلب والراسا

وإذ يقول لي العواد إذ حضروا

 

لا تأس أبشر أبا حبان لا تاسى

فبت أرعى نجوم الليل مكتئبـاً

 

إخال سنته في الليل قرطاسـا

غنى في الأول والرابع من هذه الأبيات حكم الوادي، ولحنه رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وأول هذه القصيدة:

يا دير هند لقد أصبحت لي أنسا

 

وما عهدتك لي يا دير مئناسـا

وهي مشهورة من شعره.
يجيز بيتاً لإسحاق عجز عن إتمامه: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال: قلت:

وصف الصد لمن أهوى فصد

ثم أجبلت ، فمكثت عدة ليال لا يستوى لي تمامه. فدخل علي التيمي فرآني مفكراً، فقال لي: ما قصتك؟ فأخبرته، فقال:

وبدا يمزح بالهجر فجد

ثم أتممتها، فقلت:

ما له يعدل عني وجهـه

 

وهو لا يعدله عندي أحد؟

وخرجت إلى مدح الفضل بن الربيع، فقلت:

وقد أرادوا غيرة الفضل وهل

 

تطلب الغرة في خيس الأسد

ملك ندفع ما نخـشـى بـه

 

وبه يصلح منا مـا فـسـد

يفعل الناس إذا مـا وعـدوا

 

وإذا ما فعل الفضـل وعـد

-لإسحاق في هذا الشعر صنعة، ونسبتها: صوت

وصف الصد لمن نهوى فصد

 

وبدا يمزح بالهجر فـجـد

ما له يعدل عنـي وجـهـه

 

وهو لا يعد له عندي أحـد؟

الشعر والغناء لإسحاق، خفيف رمل بالبنصر، وله فيه أيضاً ثقيل أول، وفيه لزكريا بن يحيى بن معاذ هزج بالبنصر عن الهشامي وغيره. قال الهشامي: وقيل إن الهزج لإسحاق، وخفيف الرمل لزكريا.


اشترك هو وإسحاق في البيتين السابقين: أخبرني جحظة عن علي بن يحيى المنجم عن إسحاق قال: اشتركت أنا وأبو محمد التيمي في هذا الشعر:

وصف الصد لمن نهوى فصد.

وذكر البيتين.
يطلب الرشيد إنشاد مرثيته في يزيد بن مزيد: أخبرني عمي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني محمد بن عبد الله بن طهمان قال: حدثني محمد الراوية الذي يقال له البيذق وكان يقرأ شعر المحدثين على الرشيد -قال: قال لي الرشيد يوماً: أنشدني مرثية مروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة التي يقول فيها:

كأن الشمس يوم أصيب معن

 

من الإظلام ملبسة جـلالا

هو الجبل الذي كانت معـد

 

تهد من العدو به الجـبـالا

أقمنا باليمامة بعـد مـعـن

 

مقامـاً لا نـريد بـه زيالا

وقلنا أين نذهب بعد مـعـن

 

وقد ذهب النوال فلا نـوالا

قال: فأنشدته إياها، ثم قال لي، أنشدني قصيدة أبي موسى التيمي في مرثية يزيد بن مزيد، فهي والله أحب إلي من هذه، فأنشدته:

أحـــق أنــــه أودى يزيد

 

تبين أيها الناعـي الـمـشـيد

أتدري من نعيت وكيف فاهـت

 

به شفتاك، كان بك الصـعـيد

أحامي المجـد والإسـلام أودى

 

فما للأرض ويحك لا تـمـيد!

تأمل هل ترى الإسلام مـالـت

 

دعائمه وهل شـاب الـولـيد!

وهل شيمت سيوف بنـي نـزار

 

وهل وضعت على الخيل اللبود!

وهل تسقي البلاد عشار مـزن

 

بدرتها وهل يخـضـر عـود!

أما هدت لمـصـرعـه نـزار

 

بلى وتقوض المجد الـمـشـيد

وحل ضـريحـه إذ حـل فـيه

 

طريف المجد والحسب التـلـيد

أما والله ما تـنـفـك عـينـي

 

عليك بدمعـهـا أبـداً تـجـود

فإن تجمـد دمـوع لـئيم قـوم

 

فليس لدمع ذي حسب جـمـود

أبعد يزيد تختـزن الـبـواكـي

 

دموعاً أو تصان لهـا خـدود؟

لتبكـيك قـبة الإسـلام لـمـا

 

وهت أطنابها ووهي العـمـو

ويبكيك شاعر لـم يبـق دهـر

 

له نشبا وقد كسـد الـقـصـيد

فمن يدعو الإمام لكل خـطـب

 

ينوب وكل معـضـلة تـئود؟

ومن يحمي الخميس إذا تـعـايا

 

بحيلة نفسه البطل الـنـجـيد؟

فإن يهلـك يزيد فـكـل حـي

 

فريس لـلـمـنـية أو طـريد

ألم تعجـب لـه أن الـمـنـايا

 

فتكن به وهـن لـه جـنـود؟

قصدن له وهن يحـدن عـنـه

 

إذا ما الحرب شب لهـا وقـود

لقـد عـوى ربـيعة أن يومـاً

 

عليها مـثـل يومـك لا يعـود

قال: فبكى هارون الرشيد بكاء اتسع فيه حتى لو كانت بين يديه سكرجة لملأها من دموعه.


يجيز شعراً للأمين: أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا أبو العيناء قال حدثنا محمد بن عمر قال: خرج كوثر خادم محمد الأمين ليرى الحرب، فأصابته رجمة في وجهه، فجلس يبكي، فوجه محمد من جاءه به، وجعل يمسح الدم عن وجهه، وقال:

ضربوا قرة عينـي

 

ومن أجلي ضربوه

أخذ الله لقـلـبـي

 

من أناس أحرقوه

قال: وأراد زيادة في الأبيات فلم يواته، فقال للفضل بن الربيع: من ها هنا من الشعراء، فاقل: الساعة رأيت عبد الله بن أيوب التيمي، فقال: علي به. فلما أدخل أنشده محمد هذين البيتين، وقال: أجزهما، فقال:

ما لمن أهـوى شـبـيه

 

فبـه الـدنـيا تـتـيه

وصله حـلـو ولـكـن

 

هجـره مـر كـريه

من رأى الناس له الفض

 

ل علـيهـم حـسـدوه

مثل ما قد حسد الـقـا

 

ئم بالـمـلـك أخـوه

فقال محمد: أحسنت، هذا والله خير مما أوردناه، بحياتي عليك يا عباسي إلا نظرت، إن جاء على الظهر ملأت أحمال ظهره دراهم، وإن كان جاء في زورق ملأته. فأوقرت له ثلاثة أبغل دراهم.


يلجأ إلى الفضل بن سهل ليوصله إلى المأمون، فيمدحه، ويعفو المأمون عنه: قال محمد بن يحيى: فحدثني الحسن بن عليل العنزي قال: حدثني محمد بن إدريس قال: لما قتل محمد الأمين خرج إلى أبو محمد التيمي إلى المأمون وامتدحه، فلم يأذن له، فصار إلى الفضل بن سهل ولجأ إليه وامتدحه، فأوصله إلى المأمون. فلما سلم عليه قال له المأمون: إيه يا تيمي:

مثل ما قد حسد القا

 

ئم بالملك أخـوه

فقال التيمي: بل أنا الذي أقول يا أمير المؤمنين:

نصر المأمون عبد الل

 

ه لمـا ظـلـمـوه

نقضوا العهد الذي كا

 

نوا قـديمـاً أكـدوه

لم يعامـلـه أخـوه

 

بالذي أوصى أبـوه

ثم أنشده قصيدة له امتدحه بها أولها:

جزعت ابن تيم أن أتاك مشيب

 

وبان الشباب والشباب حبيب

قال: فلما أنشده إياها وفرغ منها قال: قد وهبتك لله -عز وجل- ولأخي العباسي- يعني الفضل بن سهل- وأمرت لك بعشرة آلاف درهم.


ينشد الأمين أبياتاً فيأمر له بمائتي ألف درهم: أخبرني محمد بن يحيى قال: حدثني عون بن محمد الكندي قال: حدثني عباد ابن محمد الكاتب عن أبي محمد التيمي الشاعر قال: أنشدت الأمين محمد أول ما ولي الخلافة قولي:

لا بد من سكرة على طرب

 

لعل روحاً يديل من كرب

الأبيات المذكورة في الغناء. قال: فأمر لي بمائتي ألف درهم، صالحوني منها على مائة ألف درهم.


يدخل على الأمين فيتمنى أنه يكون له مثل مدح أنشده إياه، فيمدحه بقصيدة: وأخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني محمد بن يحيى المنجم قال: وحدثني حسين بن الضحاك قال: قال لي أبو محمد التيمي: دخلت على محمد الأمين أول ما ولي الخلافة، فقال: يا تيمي، وددت أنه قيل في مثل قول طريح بن إسماعيل في الوليد بن يزيد:

طوبى لفرعيك من هنا وهنا

 

طوبي لأعراقك التي تشج

فإني والله أحق بذلك منه، فقلت: أنا أقول ذلك يا أمير المؤمنين، ثم دخلت إليه من غد فأنشدته قصيدتي:

لا بد من سكرة على طرب

 

لعل روحا يديل من كرب

حتى انتهيت إلى قولي:

أكرم بفرعـين يجـريان بـه

 

إلى الإمام المنصور في النسب

فتبسم، ثم قال لي: يا تيمي قد أحسنت، ولكنه كما قيل: مرعى ولا كالسعدان، ثم التفت إلى الفضل بن الربيع فقال: بحياتي أو قر له زورقه مالاً، فقال: نعم يا سيدي. فلما خرجت طالبت الفضل بذلك، فقال: أنت مجنون؟ من أين لنا ما يملأ زورقك؟ ثم صالحني على مائة ألف درهم.


يمدح الفضل بن يحيى فيأمر له بخمسة آلاف درهم: أخبرني وكيع قال: حدثني ابن إسحاق قال: حدثني أبي قال: كنت على باب الفضل بن يحيى، فأتاني التيمي الشاعر بقصيدة في قرطاس، وسألني أن أوصلها إلى الفضل، فنظرت فيها ثم خرقت القرطاس، فغضب أبو محمد وقال لي: أما كفاك أن استخففت بحاجتي؟ منعتني أن أدفعها إلى غيرك. فقلت له: أنا خير لك من القرطاس، ثم دخلت إلى الفضل، فلما تحدثنا قلت له: معي هدية وصاحبها بالباب؛ وأنشدته، فقال: كيف حفظتها؟ قلت: الساعة دفعها إلي على الباب، فحظفتها. فقال: دع ذا الآن. فقلت له: فأدخله، فأدخل، فسأله عن القصة فأخبره. فقال: أنشدني شيئاً من شعرك ففعل، وجعلت أردد أبياته، وجعلت أشيعها بالاستحسان، ثم خرج التيمي فقلت: خذ في حاجة الرجل، فقال: أما إذ عنيت به فقد أمرت له بخمسة آلاف درهم. فقلت له: أما غذ أقللتها فعجلها، فأمر بها فأحضرت. فقلت له: أليس لإعناتك إياي ثمن؟ قال: نعم. قلت فهاته. قال: لا أبلغ بك في الإعنات ما بلغت بالشاعر في المديح. فقلت: فهات ما شئت، فأمر بثلاثة آلاف درهم، فضممتها إلى الخمسة الآلاف، ووجهت بها غليه.


يسكر هو وأخوه وابن عم له، وينظم في ذلك شعراً بعد انصرافهم: وذكر أحمد بن طاهر عن أبي هفان عن إسحاق قال: كان التيمي وأخوه أبو التيحان وابن عم له يقال له: قبيصة يشرون في حانة حتى سكروا وانصرفوا من غد، فقال التيمي يذكر ذلك ويتشوق مثله: صوت

هل إلـى سـكـرة بـنـاحـــية الـــح

 

يرة شـنـعـاء يا قـبـيص ســـبـــيل

وأبـو الـتـيحـان فـي كـفـه الـقـــر

 

رعة والـرأس فـوقـــه إكـــلـــيل

وعرار كأنه بيذق الشطرنج يفتن فيه قال وقيل

 

 

الشعر للتيمي والغناء لمحمد بن الأشعث، رمل بالوسطى.


يشتري ضيعة بجائزة له من الأمين: أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أبو العيناء عن أبي العالية، قال: أمر محمد الأمين لعبد الله بن أيوب بجائزة عشرة آلاف دينار ثواباً عن بعض مدائحه، فاشترى بها ضيعة بالبصرة، وقال عبد ابتياعه إياها:

إن اشتريت بما وهبت لـيه

 

أرضاً أمون بها قرابـتـيه

فبحسن وجهك حين أسأل قل

 

يا بن الربيع احمل إليه ميه

فغني بها الأمين، فقال للفضل: بحياتي يا عباسي، احمل إليه مائة ألف، فدعا به فأعطاه خمسين ألفاً، وقال له: الخمسون الأخر علي إذا اتسعت أيدينا.


يعشق جارية، ويسأل ثمنها فيعطيه المأمون إياه فيشتريها: أخبرني الحسن، قال: حدثني أبو العيناء، عن أبي العالية قال: عشق التيمي جارية لبعض الخاسين، فشكا وجده بها إلى أبي عيسى بن الرشيد، فقال أبو عيسى للمأمون: يا أمير المؤمنين، إن التيمي يجد بجارية لبعض النخاسين، وقد كتب إلي بيتين يسألني فيهما ثمنها، فقال: وهما هما؟ فقال:

يا أبا عيسى إليك المشتكى

 

وأخو الصبر إذا عيل شكا

ليس لي صبر على فقدانها

 

وأعاف المشرب المشتركا

قال: فأمر له بثلاثين ألف درهم فاشتراها بها .
يمدح الفضل بن الربيع يوم عيد فيعطيه عشرة آلاف درهم: أخبرني الحسن، قال: حدثني أبو العيناء عن أبي العالية قال: دخل التيمي إلى الفضل بن الربيع في يوم عيد فأنشده:

ألا إنما آل الربـيع ربـيع

 

وغيث حياً للمرملين مريع

إذا ما بدا آل الربيع رأيتهم

 

لهم درج فوق العباد رفيع

فأمر به بعشرة آلاف درهم.


يمدح الفضل بن يحيى بثلاثة ابيات فيعطيه ثلاثة آلاف درهم: أخبرني عيسى بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: مدح أبو محمد التيمي بن يحيى بثلاثة أبيات ودفعها إلى إسحاق الموصلي، فعرضها على الفضل بن يحيى، فأمر له بثلاثة آلاف درهم، والأبيات:

لعمرك ما الأشراف في كل بلدة

 

وإن عظموا للفضل إلا صنائع

ترى عظماء الناس للفضل خشعا

 

إذا ما بدا والفضل لله خـاشـع

تواضع لما زاده الـلـه رفـعة

 

وكل جليل عنده مـتـواضـع

يسمع كتاباً للحجاج إلى قتيبة بن مسلم فينظم شعراً يضمنه معناه: أخبرني جحظة قال: حدثني علي بن يحيى المنجم قال: حدثني إسحاق الموصلي عن محمد بن سلام قال: كتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم: إني قد نظرت في سني، فإذا أنا ابن ثلاث وخمسين سنة، وأنا وأنت لدة عام. وإن امرأ قد سار إلى منهل خمسين سنة لقريب أن يرده، والسلام.


فسمع هذا أبو محمد التيمي مني فقال:

إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم

 

وخلفت في قرن فأنت غريب

وإن امرأ قد سار خمسين حجة

 

إلى منل من ورده لـقـريب

يجيزه المأمون على مدح له في الأمين يذكر فيه الخمر: حدثني عمي قال: حدثني أحمد بن أبي طاهر، قال: حدثني أبو دعامة علي بن يزيد قال: حدثني التيمي أبو محمد قال: دخلت على الحسن بن سهل، فأنشدته مديحاً في المأمون ومديحاً فيه، وعنده طاهر بن الحسين، فقال له طاهر: هذا والله أيها الأمير الذي يقول في محمد المخلوع:

لا بد من سكرة علـى طـرب

 

لعل روحـاً يديل مـن كـرب

خليفة الله خـير مـنـتـخـب

 

لخـير أم مـن هـاشـم وأب

خلافة الـلـه قـد تـوارثـهـا

 

آباؤه في سوالـف الـكـتـب

فهـي لـه دونـكـم مــورنة

 

عن خاتم الأنبياء في الحـقـب

يا بن الذرا من ذوائب الشرف ال

 

أقدم أنـتـم دعـائم الـعـرب

فقال الحسن: عرض والله ابن اللخناء بأمير المؤمنين، والله لأعلمنه. وقام إلى المأمون فأخبره، فقال المأمون: وما عليه من ذلك، رجل أمل رجلاً فمدحه، والله لقد أحسن بنا، وأساء إليه إذ لم يتقرب إليه إلا بشرب الخمر، ثم دعاني فخلع علي وحملني، وأمر لي بخمسة آلاف درهم.


ينشد أول شعر عرف به ووصل به إلى الخليفة: أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني أبو الشبل البرجمي عن أبيه قال: قال لي أبو محمد التيمي: أول شعر عرفت به فشاع فيه ذكري ووصلت به إلى الخليفة قولي: صوت

طاف طيف في المنام

 

بمحب مسـتـهـام

زورة أبقت سقـامـا

 

وشفت بعض السقام

لم يكن ما كان فيهـا

 

من حرام بـحـرام

لم تكـن إلا فـواقـا

 

وهي في ليل التمام

الغناء لإسحاق فقال: فصنع فيها إسحاق لحناً وغنى به الرشيد، فسأله عن قائل الشعر، فقال له: صديق لي شاعر ظريف، يعرف بالتيمي، فطلبت وأمرت بالحضور، فسألت عن السبب الذي دعيت له فعرفته، فأتممت الشعر وجعلته قصيدة مدحت بها هارون. ودخلت إليه فأنشدته إياها، فأمر لي بثلاثين ألف درهم، وصرت في جملة من يدخل إليه بنوبة وأمر أن يدون شعري.


يجتاز بإسحاق الموصلي فيدعوه إلى طعام وشراب: أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحاق قال: حدثني عمي طياب بن إبراهيم الموصلي قال: حدثني أبو محمد التيمي الشاعر قال: اجتزت يوماً باخيك إسحاق فقال: ادخل حتى أطعمك طعاماً صرفاً، وأسقيك شراباً صرفاً وأغنيك غناء صرفاً، فدخلت إليه، فأطعمني لحماً مكبباً، وشواء حاراً وبارداً مبزراً، وأسقاني شراباً عتيقاً صرفاً، وغناني وحده مرتجلاً:

ولو أن أنفاسي أصابت بحرهـا

 

حديداً إذاً كـان الـحـديد يذوب

ولو أن عيني أطلق من وكائهـا

 

لما كان في عام الجدوب جدوب

ولو أن سلمى تطلع الشمس دونها

 

وأمسي وراء الشمس حين تغيب

لحدثت نسي أن تريع بها النـوى

 

وقلت لقلبي إنـهـا لـقـريب

فلم تزل تلك حالي حتى حملت من بيته سكران .


يستأذن عمرو بن مسعدة في الإنشاد فيجعل الإذن لإسحاق الموصلي فيأذن: أخبرني جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: دخلت يوماً على مروة بن مسعدة، فإذا أبو محمد التيمي واقف بين يديه يستأذنه في الإنشاد، فقال: ذاك إلى أبي محمد -يعنيني- وكان على التيمي عاتباً، فكره أن يمنعه لعلمه بما بيننا من المودة، فقلت له: أنشد إذ جعل الأمر لي، فأرجو أن يجعل أمر الجائزة أيضاً إلي. فتبسم عمرو، وأنشده التيمي:

يا أبـا الـفـضـل كـيف تـغـفـل عـنــي

 

أم تـخـلـى عـنـد الـشـدائد مــنـــي؟

أنسيت الإخاء والعهد والود حديثاً ما كان ذلك ظني

 

 

أنا من قد بلوت في سالف الدهر مضت ضرتي ولم تفن سني

 

 

فاصطنعني لما ينوب به الدهر فإني أجوز في كل فن

 

 

أنا ليث على عدوك سلم لك في الحرب فابتذلني وصلني

 

 

أنا سيف يوم الوغى وسنان

 

ومـجـن إن لـم تـثـق بـــمـــجـــن

أنـا طـب فـي الـرأي فـي مـوضـع الـرأ

 

ي مـعـين عـلـى الـخـصـيم الـمـعــن

وأمين على الودائع والسر إذا ما هويت أن تأتمني

 

 

قال: فأقبل علي عمرو وهو يضحك، وقال: أتعلم هذا الغناء منك أم كان يعلمه قديماً؟ فقلت له: لم يكذب، أعزك الله. فقال: أفي هذا وحده أو في الجميع؟ فقلت: أما في هذا فأنا أحق كذبة، والله أعلم بالباقي. ثم أنشده:

وإذا ما أردت حجا فرحا

 

ل دليل إن نام كل ضفن

فقال له: إذا عزمنا على الحج امتحناك في هذا، فإني أراك تصلح له، ثم أنشده:

ولبيب على مقال أبي العب

 

اس إني أرى به مس جن

فقال: ما أراه أبعد، فقال:

وهو الناصح الشـفـيق ولـكـن

 

خاف هيج الزمان فازور عنـي

وظريف عند المـزاح خـفـيف

 

في الملاهي وفي الصبا متـثـن

كيف باعدت أو جفوت صـديقـاً

 

لا ملـولا، لا لا ولا مـتـجـن

صرت بعد الإكرام والأنس أرضى

 

منك بالترهات ما لـم تـهـنـي

لم تخني ولم أخـنـك ولا والـل

 

ه ربي لا خنت من لـم يخـنـي

إن أكن تبت أو هجرت الملاهـي

 

وسلافـا يجـنـهـا بـطـن دن

فحديثي كالـدر فـصـل بـالـيا

 

قوت يجري في جيد ظبي أغـن

فأمر له بخمسة آلاف درهم، فقال له: هذا شيء تطوعت به، فأين موضع حكمي؟ فقال: مثلها، فانصرف بعشرة آلاف درهم.


يمر بخمار بالحيرة وقد أسن، فينشد شعراً في شربه عنده: أخبرني عمي قال: حدثني محمد بن الحسن بن مسعود قال: حدثني علي بن عمرو قال: مر التيمي بالحيرة على خمار كان يألفه، وقد أسن التيمي وأرعش، وترك النبيذ. فقال له الخمار: ويحك! أبلغ بك الأمر إلى ما أرى؟ فقال: نعم والله، لولا ذلك لأكثرت عندك. ثم أنشأ يقول: صوت

هل إلى سكرة بناحية الحيرة يوماً قبل الممات سيبل؟

 

وأبو التيحان في كفه القر

 

عة والـــرأس فـــوق الإكـــلـــــيل

وعرار كأنه بيذق الشط

 

رنج يفتن فيه قال وقيل

 

           

في هذه الأبيات لمحمد بن الأشعث رمل بالوسطى عن الهشامي.


يهوى غلاماً ويشغل الغلام عنه بهوى جارية فينظم في هذا شعراً: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا عيسى بن إسماعيل قال: كان أبو محمد التيمي يهوى غلاماً، وكان الغلام يهوى جارية من جواري القيان، فكان بها مشغولاً عنه، وكانت القينة تهوى الغلام أيضاً فلا تفارقه، فقال التيمي:

ويلي على أغيد ممكور

 

وساحر ليس بمسحرو

تؤثره الحور علينا كمـا

 

نؤثره نحن على الحور

علق من علق فيه هوى

 

منتظم الألفة مغمـور

وكل من تهواه في أمره

 

مقلب صفقة مقمـور

يمدح الأمين فيأمر بملئ زورقه دراهم: أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا ابن أبي سعد قال: حدثني أحمد بن محمد الفارسي قال: حدثنا غسان بن عبد الله عن أبي محمد التيمي قال: لما أنشدت الأمين قولي فيه:

خليفة الله خـير مـنـتـخـب

 

لخـير أم مـن هـاشـم وأب

أكرم بعـرقـين يجـريان بـه

 

إلى الإمام المنصور في النسب

طرب، ثم قال للفضل بن الربيع: بحياتي أوقر له زورقه دراهم، فقال: نعم يا سيدي: فلما خرجنا طالبته بذلك، فقال: أمجنون أنت؟ من أين لنا ما يملأ زورقك؟ ثم صالحني على مائة ألف درهم، فقبضتها.
يقول شعراً ينهي فيه عن الخضوع لغير الله: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي، قال: حدثني محمد بن عبد الله المدني قال: حدثني عبد الله بن أحمد التيمي ابن أخت أبي محمد التيمي الشاعر، قال: أنشدني خالي لنفسه قوله:

لا تخضعن لمخلوق على طمع

 

فإن ذاك مضر منك بـالـدين

وارغب إلى الله مما في خزائنه

 

فإنما هو بين الكاف والـنـون

أما ترى كل من ترجو وتأملـه

 

من الخلائق مسكين ابن مسكين

صوت

ألم تر أنني أفنيت عـمـري

 

بمطلبها ومطلبها عسـير؟

فلما لم أجد سبـبـاً إلـيهـا

 

يقربني وأعيتنـي الأمـور

حججت وقلت قد حجت جنان

 

فجيمعني وإياها المـسـير

الشعر لأبي نواس، والغناء للزبير بن دحمان، رمل بالوسطى من رواية أحمد بن المكي وبذل، وغناني محمد بن إبراهيم قريض الجرحي -رحمه الله- فيه لحناً من خفيف الثقيل، فسألته عن صانعه فلم يعرف.