الجزء العشرون - أخبار لأم جعفر

أخبار لأم جعفر

تستنشد أبا العتاهية مدحه للأمين: أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثنا العلائي، قال: حدثني محمد بن أبي العتاهية، قال: لما جلس الأمين في الخلافة أنشده أبو العتاهية:

يا بن عم النبي خير البـرية

 

إنما أنت رحمة للـرعـية

يا إمام الهدى الأمين المصفى

 

بلباب الخلافة الهاشـمـيه

لك نفس أمارة لك بالـخـي

 

ر وكف بالمكرمات نـديه

إن نفساً تحملت منك ما حـم

 

لت للمسلمين نفـسٌ قـوية

قال: ثم خرج إلى دار أم جعفر، فقالت له: أنشدني ما أنشدت أمير المؤمنين، فأنشدها.


فقالت: أين هذا من مدائحك في المهدي والرشيد؟ فغضب وقال: إنما أنشدت أمير المؤمنين ما يستملح، وأنا القائل فيه:

يا عمود الإسلام خير عمـود

 

والذي صيغ من حياء وجود

والذي فيه ما يسلي ذوي الأح

 

زان عن كل هالك مفقـود

إن يومـاً أراك فـيه لـيومٌ

 

طلعت شمسه بسعد السعود

فقالت له: الآن وفيت المديح حقه، وأمرت له بعشرة آلاف درهم.


يستنجز أبو العتاهية ما كانت تجريه عليه: أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثني محمد بن موسى اليزيدي، قال: حدثني محمد بن الفضل، قال: كان المأمون يوجه إلى أم جعفر زبيدة في كل سنة بمائة ألف دينار جدد وألف ألف درهم، فكانت تعطي أبا العتاهية منها مائة دينار وألف درهم، فأغفلته سنة، فدفع إلي رقعة وقال: ضعها بين يديها فوضعتها، وكان فيها:

خبروني أن في ضرب السنة

 

جدداً بيضاً وصفراً حسنـه

سككاً قد أحدثت لـم أرهـا

 

مثل ما كنت أرى كل سنـه

فقالت: إنا لله! أغفلناه. فوجهت إليه بوظيفة على يدي.
تطلب أن ينظم أبو العتاهية أبياتاً تعطف عليها المأمون حدثني محمد بن موسى، قال: حدثنا جعفر بن الفضل الكاتب، قال: أحست زبيدة من المأمون بجفاء، فوجهت إلى أبي العتاهية تعلمه بذلك، وتأمره أن يعمل فيه أبياتاً تعطفه عليها، فقال: صوت

ألا إن ريب الدهر يدني ويبـعـد

 

ويؤنس بالآلاف طوراً ويفـقـد

أصابت لريب الدهر مني يدي يدي

 

فسلمت للأقدار واللـه أحـمـد

وقلت لريب الدهر إن ذهبـت يدٌ

 

فقد بقيت والحمد لـلـه لـي يد

إذا بقي المأمون فالـرشـيد لـي

 

ولي جعفرٌ لم يفقدا ومـحـمـد

الغناء لعلويه.
قال: فحسن موقع الأبيات منه، وعاد لها المأمون إلى أكثر مما كان لها عليه.


وجدت في كتاب محمد بن الحسن الكاتب. حدثني هارون بن مخارق، قال: حدثني أبي، قال: ظهرت لأم جعفر جفوة من المأمون، فبعثت إلي بأبيات وأمرتني أن أغني فيها المأمون إذا رأيته نشيطاً وأسنت لي الجائزة، وكان كاتبها قال الأبيات، ففعلت فسألني المأمون عن الخبر فعرفته، فبكى ورق لها، وقام من وقته فدخل إليها فأكب عليها، وقبلت يديه، وقال لها: يا أمه، ما جفوتك تعمدا، ولكن شغلت عنك بما لا يمكن إغفاله، فقالت: يا أمير المؤمنين، إذا حسن رأيك لم يوحشني شغلك، وأتم يومه عندها، والأبيات:

ألا إن ريب الدهر يدني ويبعد

 

ويؤنس بالآلاف طوراً ويفقد

وذكر باقي الأبيات مثل ما في الخبر الأول: ينظم أبو العتاهية شعراً على لسانها للمأمون: أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحسن بن علي الرازي، قال: حدثني أبو سهل الرازقي عن أبيه، قال: عمل أبو العتاهية شعراً على لسان زبيدة بأمرها لما قدم المأمون بغداد، أوله:

لخير إمام قام من خير عنصر

 

وأفضل راقٍ فوق أعواد منبر

فذكر محمد بن أحمد بن المرزبان عن بعض كتاب السلطان: أن المأمون لما قدم مدينة السلام واستقرت به الدار، وانتظمت له الأمور، أمرت أم جعفر كاتباً لها فقال هذه الأبيات، وبعثت بها إلى علويه، وسألته أن يصنع فيها لحناً، ويغني فيه المأمون ففعل، وكان ذلك مما عطفه عليها، وأمرت لعلويه بعشرين ألف درهم. وقد روي أن الأبيات التي أولها:

يا عمود الإسلام خير عمود

لعيسى بن زينب المراكبي.
أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحسين بن يحيى الكاتب، قال: حدثنا علي بن نجيح، قال: حدثني صالح بن الرشيد، قال: كنا عند المأمون يوماً وعقيد المغني وعمرو بن بانة يغنيان، وعيسى بن زينب المراكبي حاضر، وكان مشهوراً بالإبنة، فتغنى عقيد بشعر عيسى:

يا عمود الإسلام خير عمود

 

والذي صيغ من حياء وجود

لك عندي في كل يوم جـديدٍ

 

طرفةٌ تستفاد يا بن الرشيد

فقال المأمون لعقيد: أنشد باقي هذا الشعر، فقال: أصون سمع أمير المؤمنين عنه، فقال: هاته ويحك! فقال:

كنت في مجلس أنيق وريحان

 

ن وراح ومسمعات وعـود

فتغنى عمرو بن بـانة إذا ذا

 

ك وهو ممسك بأير عقـيد

يا عمود الإسلام خير عمـود

 

والذي صيغ من حياء وجود

فتنفست ثم قلـت كـذا كـل

 

محب صب الفؤاد عـمـيد

فقال المأمون لعيسى بن زينب: والله لا فارقتك حتى تخبرني عن تنفسك عند قبض عمرو على أير عقيد: لأي شيء هو؟ لا بد من أن يكون ذلك إشفاقاً عليه، أو على أن تكون مثله، لعن الله تنفسك هذا يا مريب! قال: وإنما سمي المراكبي لتوليه مراكب المنصور، وأمه زينب بنت بشر صاحب طاقات بشر بباب الشام.

صوت

لقيت من الغنيات العـجـابـا

 

لو أدرك مني العذارى الشبابا

غلام يكحلن حور الـعـيون

 

ويحدثن بعد الخضاب الخضابا

ويبرقن إلا لما تـعـلـمـون

 

فلا تمنعن النساء الضـرابـا

الشعر لأيمن بن خزيم بن فاتك الأسدي، والغناء لإبراهيم الموصلي، ولحنه من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى من رواية الهشامي.