الجزء العشرون - أخبار رؤبة ونسبه

أخبار رؤبة ونسبه

نسبه والاحتجاج بشعره: هو رؤبة بن العجاج، واسم العجاج عبد الله بن رؤبة بن حنيفة، وهو أبو جذيم بن مالك بن قدامة بن أسامة بن الحارث بن عوف بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم.


عصره والاحتجاج بشعره: من رجاز الإسلام وفصائحهم، والمذكورين المقدمين منهم، بدوي نزل البصرة، وهو من مخضرمي الدولتين.


مدح بني أمية وبني العباس، ومات في أيام المنصور وقد أخذ عنه وجوه أهل اللغة، وكانوا يقتدون به، ويحتجون بشعره، ويجعلونه إماماً؛ ويكنى أبا الجحاف وأبا العجاج.


يراه يونس بن حبيب أفصح من معد بن عدنان: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عمار -واللفظ له- قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا خلاد بن يزيد، قال: حدثني يونس بن حبيب، قال: كنت جالساً مع أبي عمرو بن العلاء إذ مر بنا شبيل بن عزرة الضبعي -قال أبو يزيد: وكان علامة- فقال: يا أبا عمرو، أشعرت أني سألت رأبة عن اسمه فلم يدر ما هو وما معناه؟ قال يونس: فقلت له: والله لرؤبة أفصح من معد بن عدنان، وأنا غلام رؤبة، أفتعرف أنت روبة وروبة وروبة وروبة ورؤبة؟ قال: فضرب بغلته وذهب، فما تكلم بشيء: قال يونس: فقال لي أبو عمرو: ما يسرني أنك نقصتني منها. قال ابن عمار في خبره: والروبة: اللبن الخاثر، والروبة: ماء الفحل، والروبة: الساعة تمضي من الليل، والروبة: الحاجة، والرؤبة: شعب القدح، قال: وأنشدني بعد ذلك.

فأما تميمٌ تميم بـن مـر

 

فألفاهم القوم روبى نياما

حدثني ابن عمار، قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني يحيى بن محمد بن أعين المروزي، قال: حدثني أبو عبيدة؛ قال: شهدت شبيلاً الضبعي وأبا عمرو، فذكر نحوه.


أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي عن محمد بن سلام، قال: قلت ليونس: هل رأيت عربياً قط أفصح من رؤبة؟ قال: لا، ما كان معد بن عدنان أفصح منه.


قال يونس: قال لي رؤبة: حتى متى أزخرف لك كلام الشيطان؟ أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك! يروي هو وأبوه الحديث: وقد روى رؤبة بن العجاج الحديث المسند عن رسول الله (، ورواه أبوه أيضاً.


ينشد أبا هريرة فيشهد له بالإيمان: أخبرني عبد الله بن أبي داود السجستاني، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد، قال: حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم، عن يونس بن حبيب، عن رؤبة بن العجاج، عن أبيه قال: أنشدت أبا هريرة:

الحمد لله الـذي تـعـلـت

 

بأمره السماء واستقـلـت

بإذنه الأرض وما تـغـيت

 

أرسى عليها بالجبال الثبت

الباعث الناس ليوم الموقت

 

 

قال أبو هريرة: أشهد أنك تؤمن بيوم الحساب.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، عن ابن شبة، عن أبي حرب البابي -من آل الحجاج بن باب- قال: حدثنا يونس بن حبيب، عن رؤبة بن العجاج، عن أبي الشعثاء، عن أبي هريرة قال: كنا مع النبي ( في سفر وحاد يحدو:

طاف الخيالان فهاجا سقمـا

 

خيال لبنى وخيال تكتـمـا

قامت تريك خشيةً أن تصرما

 

ساقاً بخنداةً وكعبـاً أدرمـا

والنبي ( يسمع ولا ينكر.


أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثنا عبد الله بن عمرو، عن محمد بن إسحاق السهمي، عن أبي عبيدة الحداد، قال: حدثنا رؤبة بن العجاج عن أبيه، قال: سمعت أبا عبيدة يقول: السواك يذهب وضر الطعام ينشد أبا مسلم الخراساني فيجيزه: أخبرني عمي، قال: حدثنا محمد بن سعد الكراني، قال: حدثنا أبو حاتم والأشنانداني أبو عثمان، عن أبي عبيدة، عن رؤبة بن العجاج، قال: بعث إلي أبو مسلم لما أفضت الخلافة إلى بني هاشم، فلما دخلت عليه رأى مني جزعاً، فقال اسكن فلا بأس عليك، ما هذا الجزع الذي ظهر منك؟ قلت أخافك، قال: ولم؟ قلت: لأنه بلغني أنك تقتل الناس، قال: إنما أقتل من يقاتلني ويريد قتلي، أفأنت منهم؟ قلت: لا، قال: فهل ترى بأساً؟ ل، فأقبل على جلسائه ضاحكاً، ثم قال: أما ابن العجاج فقد رخص لنا، ثم قال: أنشدني قولك:

وقاتم الأعماق خاوي المخترق

فقلت: أو أشندك -أصلحك الله أحسن منه؟ قال: هات، فأنشدته:

قلت وقولي مستجدٌ حوكا

 

لبيك إذ دعوتني لبيكـا

أحمد رباً ساقني إليكـا

 

 

قال: هات كلمتك الأولى، قلت: أو أنشدك أحسن منها؟ قال: هات، فأنشدته:

ما زال يبني خندقاً ويهدمـه

 

ويستجيش عسكرا ويهزمه

ومغنما يجمعه ويقـسـمـه

 

مروان لما أن تهاوت أنجمه

وخانه في حكمه منجمـه

 

 

قال: دع هذا وأنشدني: وقاتم الأعماق، قلت: أو أحسن منه؟ قال: هات، فأنشدته:

رفعت بيتاً وخفضـت بـيتـا

 

وشدت ركن الدين إذ بنـيتـا

في الأكرمين من قريش بيتا

 

 

قال: هات ما سألتك عنه، فأنشدته:

ما زال يأتي الأمر من أقطاره

 

على اليمين وعلـى يسـاره

مشمراً لا يصطلـى بـنـاره

 

حتى أقر الملك في قـراره

وفر مروان على حـمـاره

 

 

قال: ويحك! هات ما دعوتك له وأمرت بإنشاده، ولا تنشد شيئاً غيره، فأنشدته:

وقاتم الأعماق خاوي المخترق

فلما صرت إلى قولي:

يرمي الجلاميد بجلمود مدق

قال: قاتلك الله! لشد ما استصلبت الحافر! ثم قال: حسبك، أنا ذلك الجلمود المدق.


قال: وجيء بمنديل فيه مال فوضع بين يدي، فقال أبو مسلم: يا رؤبة، إنك أتيتنا والأموال مشفوهة ، وإن لك لعودة إلينا وعلينا معولاً، والدهر أطرق مستتبٌ، فلا تجعل بجنبيك الأسدة . قال رؤبة: فأخذت المنديل منه، وتالله ما رأيت أعجمياً أفصح منه، وما ظننت أحداً يعرف هذا الكلام غيري، وغير أبي.


قال الكراني: قال أبو عثمان الأشنانداني خاصة: يقال: اشتف ما في الإناء، وشفهه: إذا أتى عليه، وأنشد:

وكاد المال يشفهه عيالـي

 

وما ذو عيلتي من لا أعول

يأكل الفأر ويفضله على الدواجن: أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثني: محمد بن يزيد، وأخبرني إبراهيم بن أيوب، قال: حدثني ابن قتيبة، قال: كان رؤبة يأكل الفأر، فقيل له في ذلك وعوتب، فقال: هو والله أنظف من دواجنكم ودجاجكم اللواتي يأكلن القذر ، وهل يأكل الفأر إلا نقي البر ولباب الطعام؟ يرحل هو وأبوه ليلقيا الوليد بن عبد الملك: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن رؤبة، قال: لما ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة بعث بي الحجاج مع أبي لنلقاه، فاستقبلنا الشمال حتى صرنا بباب الفراديس .


قال: وكان خروجنا في عام مخصب، وكنت أصلي الغداة، وأجتني من الكمأة ما شئت، ثم لا أجاوز إلا قليلاً حتى أرى خيراً منها، فأرمي بها وآخذ الأخر، حتى نزلنا بعض المياه، فأهدي لنا حمل محرفج ووطب لبنٍ غليظ وزبدةٌ كأنها رأس نعجة حوشية ، فقطعنا الحمل آراباً ، وكررنا عليه اللبن والزبدة، حتى إذا بلغ إناه انتشلنا اللحم بغير خبز.


ثم شربت من مرقه لم تزل لها ذفرياي ترشحان؛ حتى رجعنا إلى حجر .


فكان أول من لقينا من الشعراء جريراً، فاستعهدنا ألا نعين عليه. فكان أول من أذن له من الشعراء أبى ثم أنا، فأقبل الوليد على جرير فقال له: ويلك! ألا تكون مثل هذين؟ عقدا الشفاه عن أعراض الناس، فقال: إني أظلم فلا أصبر .


ثم لقينا بعد ذلك جرير فقال: يا بني أم العجاج، والله لئن وضعت كلكلي عليكما ما أغنت عنكما مقطعاتكما، فقلنا: لا والله ما بلغه عنا شيء، ولكنه حسدنا لما أذن لنا قبله، واستنشدنا قبله.


يتوعد جرير أباه فيعتذر إليه: وقد أخبرني ببعض هذا الخبر الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني أحمد ابن الحارث الخراز عن المدائني، قال: قال روح بن فلان الكلبي: كنت عند عبد الملك بن بشر بن مروان فدخل جرير، فلما رأى العجاج أقبل عليه ثم قال له: والله لئن سهرت لك ليلة ليقلن عنك نفع مقطعاتك هذه، فقال العجاج: يا أبا حزرة، والله ما فعلت ما بلغك، وجعل يعتذر ويحلف ويخضع؛ فلما خرج قال له رجل: لشد ما اعتذرت إلى جرير، قال: والله لو علمت أنه لا ينفعني إلا السلاح لسلحت.


ليس في شعره ولا شعر أبيه حرف مدغم: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، عن أحمد بن معاوية عن الأصمعي، عن سليمان بن أخضر، عن ابن عون، قال: ما شبهت لهجة الحسن البصري إلا بلهجة رؤبة، ولم يوجد له ولا لأبيه في شعرهما حرفٌ مدغم قط.


هو وأبوه أشعر الناس عند يونس بن حبيب: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه، قال: قيل ليونس: من أشعر الناس، قال: العجاج ورؤبة، فقيل له لم ولم نعن الرجاز؟ فقال: هما أشعر من أهل القصيد ، إنما الشعر كلام: فأجوده أشعره، قد قال العجاج:

قد جبر الدين الإله فجبر

وهي نحو من مائتي بيت موقوفة القوافي ولو أطلقت قوافيها كانت كلها منصوبة، وكذلك عامة أراجيزهما.
يقعد اللغويون إليه يوم الجمعة: أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي عن محمد بن سلام: عن أبي زيد الأنصاري والحكم بن قنبر: قالا: كنا نقعد إلى رؤبة يوم الجمعة في رحبة بني تميم: فاجتمعنا يوماً فقطعنا الطريق، ومرت بنا عجوز فلم تقدر على أن تجوز في طريقها، فقال رؤبة بن العجاج:

تنح للعجوز عن طـريقـهـا

 

إذا أقبلت رائحةً من سوقهـا

دعها فما النحوي من صديقها

 

 

يعبث به الصبيان فيستعين الوالي عليهم: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عبيد الله بن عمار، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري النحوي، قال: دخل رؤبة العجاج السوق وعليه برنكانٌ أخضر، فجعل الصبيان يعبثون به، ويغرزون شوك النخل في برنكانه ويصيحون به، يا مرذوم يا مرذوم! فجاء إلى الوالي فقال: أرسل معي الوزعة ، فإن الصبيان قد حالوا بيني وبين دخول السوق، فأرسل معه أعواناً فشد على الصبيان، وهو يقول:

أنحى على أمك بالمرذوم

 

أعور جعدٌ من بني تميم

شراب ألبان خلايا الكوم

 

 

ففروا من بين يديه فدخلوا داراً في الصيارفة، فقال له الشرط: أين هم؟ قال: دخلوا دار الظالمين، فسميت دار الظالمين إلى الآن لقول رؤبة، وهي في صيارفة سوق البصرة.
بينه وبين راجز من أهل المدينة: وذكر أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني، قال: قدم البصرة راجزٌ من أهل المدينة، فجلس إلى حلقةٍ فيها الشعراء، فقال: أنا أرجز العرب، أنا الذي أقول:

مروان يعطي وسعيد يمنع

 

مروان نبعٌ وسعيدٌ خروع

وودت أني راميت من أحب في الرجز يداً بيد، والله لأنا أرجز من العجاج، فليت البصرة جمعت بيني وبينه، قال: والعجاج حاضر وابنه رؤبة معه، فأقبل رؤبة على أبيه فقال: قد أنصفك الرجل، فأقبل عليه العجاج وقال: هأنذا العجاج، فهلم! وزحف إليه، فقال: وأي العجاجين أنت؟ قال: ما خلتك تعني غيري، أنا عبد الله الطويل 0وكان يكنى بذلك- فقال له المدني: ما عنيتك ولا أردتك، فقال: وكيف وقد هتفت بي؟ قال: وما في الدنيا عجاج سواك؟ قال: ما علمت، قال: لكني أعلم، وإياه عنيت. قال: فهذا ابني رؤبة، فقال: اللهم غفراً، ما بيني وبينكما عمل: وإنما مرادي غيركما، فضحك أهل الحلقة منه، وكفا عنه.


بينه وبين زائرين: أخبرني أبو خليفة في كتابه، عن محمد بن سلام: عن يونس، قال: غدوت يوماً أنا وإبراهيم بن محمد العطاردي على رؤبة: فخرج إلينا كأنه نسرٌ، فقال له ابن نوح: أصبحت والله كقولك:

كالكرز المشدود بين الأوتـاد

 

ساقط عنه الريش كر الإبراد

فقال له رؤبة: والله يا بن نوح ما زلت لك ماقتاً، فقلت: بل أصبحت يا أبا الجحاف كما قال الآخر:

فأيقن منه وأبقى الطرا

 

د خميصاً وصلباً سمينا

فضحك: وقال: هات حاجتك.
من رجزه وقد استأذن فلم يؤذن له: قال ابن سلام: ووقف رؤبة على باب سليمان بن علي يستأذن: فقيل له: قد أخذ الإذريطوس فقال رؤبة:

يا منزل الوحي علـى إدريس

 

ومنزل اللعن على إبـلـيس

وخالق الإثنين والـخـمـيس

 

بارك له في شرب إذريطوس

يخطئه سلم بن قتيبة: أخبرني الحسن بن يحيى قال: قال حماد: أخبرني أبي عن الأصمعي قال: أنشد رؤبة سلم بن قتيبة في صفة خيل:

يهوين شتى ويقعن وقفا

فقال له: أخطأت يا أبا الجحاف: جعلته مقيداً فقال: أدنني أيها الأمير ذنب البعير أصفه لك كما يجب.


من رجزه وقد قدم الطعام وهو يلعب بالنرد: أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي، عن محمد بن سلام، عن عبد الرحمن بن محمد.


أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي، عن محمد بن سلام، عن عبد الرحمن بن محمد، عن علقمة الضبي، قال: خرج شاهين بن عبد الله الثقفي برؤبة إلى أرضه، فقعدوا يلعبون بالنرد فلما أتوا بالخوان قال رؤبة:

يا إخوتي جاء الخوان فارفعوا

 

حنانةً كعابهـا تـقـعـقـع

لم أدر ما ثلاثها والأربـع

 

 

قال: فضحكنا ورفعناه، وقدم الطعام.


يشيد الخليل بفضله وقد عاد من جنازته: أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، عن محمد بن عبد الله بن مالك عن أبيه عن يعقوب بن داود، قال: لقيت الخليل بن أحمد يوماً بالبصرة فقال لي: يا أبا عبد الله دفنا الشعر واللغة والفصاحة اليوم، فقلت: وكيف ذاك؟ قال: هذا حين انصرفت من جنازة رؤبة.

صوت

لعمري لقد صاح الغراب ببينهـم

 

فأوجع قلبي بالحديث الذي يبدي

فقلت له أفصحت لا طرت بعدها

 

بريش فهل للبين ويحك من رد؟

الشعر لقيس بن ذريح، وقد تقدمت أخباره والغناء لعمر بن أبي الكنات، ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.