أخبار أبي نخيلة ونسبه
اسمه وكنيته ونسبه: أبو نخيلة اسمه لا كنيته، ويكنى أبا الجنيد، ذكر الأصمعي ذلك وأبو عمرو الشيباني وابن حبيب، لا يعرف له اسم غيره، وله كنيتان: أبو الجنيد وأبو العرماس، وهو ابن حزن بن زائدة بن لقيط بن هرم بن يثري، وقيل: بن أثربي بن ظالم بن مجاسر بن حماد بن عبد العزى بن كعب بن لؤي بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
نفاه أبوه عن نفسه لعقوقه: وكان عاقاً بأبيه، فنفاه أبوه عن نفسه، فخرج إلى
الشام وأقام هناك إلى أن مات أبوه، ثم عاد وبقي مشكوكاً في نسبه، مطعوناً
عليه. وكان الأغلب عليه الرجز، وله قصيد ليس بالكبير .
مسلمة بن عبد الملك يصطنعه: ولما خرج إلى الشام اتصل بمسلمة بن عبد الملك،
فاصطنعه وأحسن إليه وأوصله إلى الخلفاء واحداً بعد واحد، واستماحهم له
فأغنوه، وكان بعد ذلك قليل الوفاء لهم. انقطع إلى بني هاشم، ولقب نفسه شاعر
بني هاشم، فمدح الخلفاء من بني العباس، وهجا بني أمية فأكثر.
يغزي المنصور بعيسى بن موسى فيبعث من يقتله: وكان طمعه ، فحمله ذلك على أن
قال في المنصور أرجوزة يغريه فيها بخلع عيسى بن موسى وبعقد العهد لابنه
محمد المهدي، فوصله المنصور بألفي درهم، وأمره أن ينشدها بحضرة عيسى بن
موسى ففعل. فطلبه عيسى فهرب منه؛ وبعث في طلبه مولى له، فأدركه في طريق
خراسان، فذبحه وسلخ جلده .
سأل فمطل فهجا ثم أجيب فمدح: أخبرني هاشم الخزاعي عن عبد الرحمن ابن أخي
الأصمعي عن عمه قال: رأى أبو نخيلة على شبيب حلة فأعجبته، فسأله إياها،
فوعده ومطله، فقال فيه:
يا قوم لا تسودوا شبيبـا |
|
الخائن بن الخائن الكذوبا |
هل تلد الذيبة إلا الذيبا؟ |
|
|
قال: فبلغه ذلك، فبعث إليه بها فقال:
إذا غدت سعد على شبيبهـا |
|
على فتاها وعلى خطيبهـا |
من مطلع الشمس إلى مغيبها |
|
عجبت من كثرتها وطيبهـا |
لا يهجو خالد بن صفوان خشية لسانه: حدثني حبيب بن نصر المهلبي عن عمر بن شبة، قال: حدثني الرعل بن الخطاب قال: بنى أبو نخيلة داره، فمر به خالد بن صفوان وكان بينهما مداعبة قديمة، ومودة وكيدة، فوقف عليه .
فقال أبو نخيلة: يا بن صفوان، كيف ترى داري؟ قال: رأيتك سألت فيها إلحافاً،
وأنفقت ما جمعت إسرافاً. جعلت إحدى يديك سطحاً، وملأت الأخرى سلحاً، فقلت:
من وضع في سطحي وإلا ملأته بسلحي، ثم ولى وتركه.
فقيل له: ألا تهجوه؟ فقال: إذن والله يركب بغلته، ويطوف في مجالس البصرة،
ويصف أبنيتي بما يعيبها. وما عسى أن يضر الإنسان صفة أبنيته بما يعيبها
سنةً ثم لا يعيد فيها كلمة.
تأديب في البادية حتى شعر: أخبرني الحسن بن علي الخفاف عن ابن مهروية عن
أبي مسلم المستملي عن الحرمازي عن يحيى بن نجيم قال: لما انتفى أو نخيلة من
أبيه خرج يطلب الرزق لنفسه، فتأدب بالبادية حتى شعر وقال رجزاً كثيراً
وقصيداً صالحاً وشهر بهما، وسار شعره في البدو والحضر، ورواه الناس.
مده مسلمة بن عبد الملك: ثم وفد إلى مسلمة بن عبد الملك فرفع منه، وأعطاه،
وشفع له، وأوصله إلى الوليد بن عبد الملك ، فمدحه، ولم يزل به حتى أغناه،
قال لحيى بن نجيم: فحدثني أبو نخيلة قال: وردت على مسلمة بن عبد الملك
فمدحته، وقلت له:
أمسلم إني يا بـن كـل خـلـيفة |
|
ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض |
شكرتك إن الشكر حبل من التقـى |
|
وما كل من أوليته نعمة يقضـي |
وألقيت لـمـا أن أتـيتـك زائراً |
|
علي لحافاً سابغ الطول والعرض |
وأحييت لي ذكرى وما كان خاملاً |
|
ولكن بعض الذكر أنبه من بعض |
يستنشده مسلمة فينتحل أرجوزة لرؤبة: قال: فقال لي مسلمة: ممن أنت؟ فقلت: من بني سعد. فقال: مالكم يا بني سعد والقصيد وإنما حظكم في الرجز؟ قال: فقلت له: أنا والله أرجز العرب، قال: فأنشدني من رجزك، فكأني والله لما قال ذلك لم أقل رجزاً قط، أنسانيه الله كله، فما ذكرت منه ولا من غيره شيئاً إلا أرجوزة لرؤبة كان قالها في تلك السنة، فظننت أنها لم تبلغ مسلمة، فأنشده إياها، فنكس رأسه وتتعتعت، فرفع رأسه إلي وقال: لا تتعب نفسك، فأنا أروى لها منك، قال: فانصرفت وأنا أكذب الناس عنده وأخزاهم عند نفسي حتى تلطفت بعد ذلك ومدحته برجز كثير، فعرفني وقربني. وما رأيت ذلك أثر فيه، يرحمه الله ولا قر عني به حتى افترقنا.
من مدحه لمسلمة: وحدثني أبو نخيله قال: لما انصرف مسلمة من حرب يزيد بن
المهلب تلقيته، فلما عاينته صحت به:
مسلم يا مسلـمة الـحـروب |
|
أنت المصفى من أذى العيوب |
مصاصةٌ من كـرم وطـيب |
|
لولا ثقاف ليس بالـتـدبـيب |
تفري به عن حجب القلـوب |
|
لأمست الأمة شـاء الـذيب |
فضحك
وضمني إليه، وأجزل صلتي.
يسأل رجل من عشيرته أن يوصله إلى الخليفة هشام فيفعل: حدثني هاشم بن محمد
الخزاعي قال: حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه، وأخبرني بهذا الخبر
أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه -وقد
جمعت روايتهما وأكثر اللفظ للأصمعي، قال: قال أبو نخيلة: وفدت على هشام بن
عبد الملك فصادفت مسلمة قد مات، وكنت بأخلاق هشام غراً وأنا غريب، فسألت عن
أخص الناس به، فذكر لي رجلان: أحدهما من قيس، والآخر من اليمن، فعدلت إلى
القيسي بالتؤدة فقلت: هو أقربهما إلي، وأجدرهما بما أحب، فجلست إليه، ثم
وضعت يدي على ذراعه وقلت له: إني مسستك لتمسني رحمك .
أنا رجل غريب شاعر من عشيرتك، وأنا غير عارف بأخلاق هذا الخليفة، وأحببت أن
ترشدني إلى ما أعمل فينفعني عنده، وعلى أن تشفع لي وتوصلني إليه، فقال: ذلك
كله لك علي. وفي الرجل شدة ليس كمن عهدت من أهله، وإذا سئل وخلط مدحه بطلب
حرم الطالب، فأخلص له المدح، فإنه أجدر أن ينفعك، واغد إليه غداً فإني
منتظرك بالباب حتى أوصلك، والله يعينك. فصرت من غد إلى باب هشام، فإذا
بالرجل منتظر لي، فأدخلني معه، وإذا بأبي النجم قد سبقني فبدأ فأنشده قوله:
إلى هشـام وإلـى مـروان |
|
بيتان ما مثلهـمـا بـيتـان |
كفاك بالـجـود تـبـاريان |
|
كما تبارى فرسـاً رهـان |
مال علي حـدث الـزمـان |
|
وبيع ما يغلو من الغلمـان |
بالثمن الوكس من الأثـمـان |
|
والمهر بعد المهر والحصان |
يمدح هشاماً فيجيزه: قال: فأطال فيها وأكثر المسألة حتى ضجر هشام، وتبينت الكراهة في وجهه، ثم استأذنت فأذن لي، فأنشدته:
لما أتتني بغـيةٌ كـالـشـهـد |
|
والعسل الممزوج بعد الرقـد |
يا بردها لمشتـفٍ بـالـبـرد |
|
رفعت من أطمار مسـتـعـد |
وقلت للعيس إعتلـي وجـدي |
|
فهي تخدى أبرح الـتـخـدي |
كم قد تعسفت بها مـن نـجـد |
|
ومجرهد بعـد مـجـرهـد |
قد ادرعن في مسـير سـمـد |
|
ليلاً كلون الطيلسان الـجـرد |
إلى أمير المؤمنين المـجـدي |
|
رب مـعـد وسـوى مـعـد |
ممن دعا من أصـيدٍ وعـبـد |
|
ذي المجد والتشريف بعد المجد |
في وجهه بدر بدا بالـسـعـد |
|
أنت الهمام القرم عند الـجـد |
طوقتها مـجـتـمـع الأشـد |
|
فانهل لما قمت صوب الرعـد |
قال: حتى أتيت عليها وهممت أن اسأله، ثم عزفت نفسي وقلت: قد استنصحت رجلاً، وأخشى أن أخالفه فأخطئ، وحانت مني التفاتة فرأيت وجه هشام منطلقاً. فلما فرغت أقبل على جلسائه فقال: الغلام السعدي أشعر من الشيخ العجلي، وخرجت. فلما كان بعد أيام أتتني جائزته، ثم دخلت عليه بعد ذلك، وقد مدحته بقصيدة فأنشدته إياها فألقى علي جبة خز من جبابه مبطنة بسمور، ثم دخلت عليه يوماً آخر، فكساني دواجاً كان عليه من خز أحمر مبطن بسمور، ثم دخلت عليه يوماً ثالثاً فلم يأمر لي بشيء، فحملتني نفسي على أن قلت له:
كسوتنيها فهي كالتجفـاف |
|
من خزك المصونة الكثاف |
كأنني فيها وفي اللـحـاف |
|
من عبد شمس أو بني مناف |
والخز مشتاق إلى الأفواف |
|
|
قال، فضحك
-وكانت عليه جبة أفواف- وأدخل يده فيها ونزعها ورمى بها إلي، وقال: خذها،
فلا بارك الله لك فيها.
يغير داليته ويجعلها في السفاح: قال محمد بن هشام في خبره خاصة: فلما أفضت
الخلافة إلى السفاح نقلها إليه وغيرها وجعلها فيه -يعني الأرجوزة الدالية-
فهي الآن تنسب في شعره إلى السفاح.
يشفع للفرزدق عند ان هبيرة: أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني
أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدثني أبو عمر الخصاف عن العتبي قال: لما حبس
عمر بن هبيرة الفرزدق وهو أمير العراق أبى أن يشفع فيه أحداً، فدخل عليه
أبو نخيلة في يوم فطر، فوقف بين يديه وأنشأ يقول:
أطلقت بالأمـس أسـير بـكـر |
|
فهل، فداك نـفـري ووفـري |
من سبـب أو حـجة أو عـذر |
|
ينجي التميمي القليل الشـكـر |
من حلق القيد الثقال الـسـمـر |
|
ما زال مجنوناً على أست الدهر |
ذا حسب ينمو وعـقـل يحـري |
|
هبه لأخوالـك يوم الـفـطـر |
يعود الفرزدق إلى السجن حين علم أن شفيعه أبو نخيلة: قال: فأمر بإطلاقه، وكان قد أطلق رجلاً من عجل جيء به من عين التمر قد أفسد، فشفعت فيه بكر بن وائل فأطلقه. وإياه عني أبو نخيلة. فلما أخرج الفرزدق سأل عمن شفع له فأخبر، فرجع إلى الحبس وقال: لا أريمه ولو مت. انطلق قبلي بكري وأخرجت بشفاعة دعي، والله لا أخرج هكذا ولو من النار. فأخبر ابن هبيرة بذلك فضحك ودعا به فأطلقه، وقال: وهبتك لنفسي. وكان هجاه فحبسه لذلك، فلما عزل ابن هبيرة وحبس مدحه الفرزدق، فقال: ما رأيت أكرم منه، هجاني أميراً ومدحني أسيراً.
رواية أخرى لخبر هذه الشفاعة: وجدت هذا الخبر بخط القاسم بن يوسف، فذكر أن
أبا القاسم الحضرمي حدثه أن هذه القصة كانت لأبي نخيلة مع يزيد بن عمر بن
هبيرة، وأنه أتي بأسيرين من الشراه أخذا بعين التمر: أحدهما أبو القاسم بن
بسطام بن ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، والآخر رجل من بكر بن وائل.
فتكلم في البكري قومه فأطلقه، ولم يتكلم في التميمي أحد، فدخل عليه أبو
نخيلة فقال:
الحـمـد لـلـه ولـي الأمـر |
|
هو الذي أخرج كـل غـمـر |
وكـل عـوار وكـل وغــر |
|
من كل ذي قلب نقي الصـدر |
لما أتت من نحو عين التـمـر |
|
ست أثاف، لا أثافـي الـقـدر |
فظلت القضبان فيهم تـجـري |
|
هبرا هو الهبر وفوق الهـبـر |
إني لمهدٍ لـلإمـام الـغـمـر |
|
شعري ونصح الحب بعد الشعر |
ثم ذكر
باقي الأبيات كما ذكرت في الخبر المتقدم.
عندما نزل به ضيف هجاه: أخبرني أبو الحسن الأسدي أحمد بن محمد قال: حدثني
محمد بن صالح بن النطاح قال: ذكر عن العتبي أن أبا نخيلة حج ومعه جريب من
سويق قد حلاه بقند ، فنزل منزلاً في طريقه، فأتاه أعرابي من بني تميم وهو
يقلب ذلك السويق، واستحيا منه فعرض عليه، فتناول ما أعطاه فأتي عليه، ثم
قال: زدني يا بن أخ، فقال أبو نخيلة:
لما نزلنا منزلاً ممقـوتـاً |
|
نريد أن نرحل أو نبيتـا |
جئت ولم ندر من أين جيتا |
|
إذا سقيت المزبد السحتيتا |
قلت ألا زدني وقد رويتا |
|
|
فقام
الأعرابي وهو يسبه.
وحدثني بهذا الخبر هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال: حدثنا أبو غسان دماذ
عن أبي عبيدة قال: كان أبو نخيلة إذا نزل به ضيف هجاه، فنزل به يوماً رجل
من عشيرته، فسقاه سويقاً قد حلاه، فقال له: زدني، فزاده. فلما رحل هجاه
وذكر الأبيات بعينها، وقال في الخبر قال أبو عبيدة: السحتيت: السويق
الدقاق.
يعتذر إلى السفاح من مدحه بني مروان: أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال:
حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال: حدثني ابن عائشة قال: دخل أبو نخيلة على
أبي العباس السفاح فسلم، واستأذن في الإنشاد، فقال له أبو العباس: لا حاجة
لنا في شعرك، إنما تنشدنا فضلات بني مروان، فقال: يا أمير المؤمنين:
كنا أناساً نرهب الأمـلاكـا |
|
إذ ركبوا الأعناق والأوراكا |
قد ارتجينا زمـنـاً أبـاكـا |
|
ثم ارتجينا بعـده أخـاكـا |
ارتجينـا بـعـده إياك |
|
وكان ما قلت لمن سواكا |
زورا فقد كفر هذا ذاكا |
|
|
فضحك أبو العباس، وأجازه جائزة سنية، وقال: أجل، إن التوبة لتكفر ما قبلها، وقد كفر هذا ذاك.
وأخبرنا أبو الفياض سوار بن أبي شراعة قال: حدثني أبي عن عبد الصمد بن
المعذل عن أبيه قال: دخل أبو نخيلة على أبي العباس، قال وكان لا يجترئ عليه
مع ما يعرفه به من اصطناع مسلمة إياه، وكثرة مديحه لبني مروان حتى علم أنه
قد عفا عمن هو أكبر محلاً من القوم وأعظم جرما منه، فلما وقف بين يديه سلم
عليه، ودعا له وأثنى، ثم استأذنه في الإنشاد، فقال له: ومن أنت؟ قال: عبدك
يا أمير المؤمنين أبو نخيلة الحماني. فقال: لا حياك الله، ولا قرب دارك يا
نضو السوء. ألست القائل في مسلمة بن عبد الملك بالأمس:
أمسلم يا من سـاد كـل خـلـيفةٍ |
|
ويا فارس الهيجا ويا قمر الأرض؟ |
والله لولا أني قد أمنت نظراءك لما ارتد إليك طرفك حتى أخضبك بدمك. فقال أبو نخيلة:
كنا أناساً نرهب الأملاكا |
يعفو السفاح عنه ويخوله اختيار جارية فلا يحمدها: وذكر الأبيات المتقدمة كلها مثل ما مضى من ذكرها، فتبسم أبو العباس، ثم قال له: أنت شاعر وطالب خير . وما زال الناس يمدحون الملوك في دولهم، والتوبة تكفر الخطيئة، والظفر يزيل الحقد. وقد عفونا عنك، واستأنفنا الصنيعة لك. وأنت الآن شاعرنا فاتسم بذلك فيزول عنك ميسم بني مروان، فقد كفر هذا ذاك. كما قلت. ثم التفت إلى أبي الخصيب فقال: يا مرزوق، أدخله دار الرقيق فخيره جارية يأخذها لنفسه، ففعل واختار جارية وطفاء كثيرة اللحم فلم يحمدها، فلما كان من غد دخل على أبي العباس وعلى رأسه وصيفة حسناء تذب عنه، فقال له: قد عرفت خبر الجارية التي أخذتها بالأمس وهي كذنا كونه فاحتفظ بها، فأنشأ يقول:
إني وجدت الكذنا ذنوكا |
|
غير منيك فابغني منيكا |
حتى إذا حركته تحركا |
|
|
فضحك أبو العباس، وقال: خذ هذه الوصيفة، فإنك إذا خلوت بها تحرك من غير أن تحركه.
رجزه وقد هرب من دين طولب به: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو
غسان دماذ عن أبي عبيدة قال: أدان أبو نخيلة من بقال له يقال له: ماعز
الكلابي باليمامة، وكان يأخذ منه أولاً أولاً حتى كثر ما عليه وثقل، فطالبه
ماعز فمطله، ثم بلغه أنه قد استعدى عليه عامل اليمامة، فارتحل يريد الموصل،
وخرج عن اليمامة ليلاً، فلم يعلم به ماعز إلا بعد ثلاث. وقد نجا أبو نخيلة
وقال في ذلك:
يا ماعز الكراث قد خزيتنـا |
|
لقد خدعت ولقد هـجـيتـا |
كدت تخصينا فقد خصـيتـا |
|
وكنت ذا حظ فقد محـيتـا |
ويحك لم تعلم بمن صلـيتـا |
|
ولا بأي حـجـر رمـيتـا |
إذا رأيت المزبد الهـبـوتـا |
|
يركب شدقا شدقما هريتـا |
طر بجناحيك فقـد أتـيتـا |
|
حران حران فهيتا هـيتـا |
والموصل الموصل أو تكريتا |
|
حيث تبيع النبط الـبـيوتـا |
ويأكلون العدس المـريتـا |
|
|
وقال أيضاً لماعر هذا:
يا ماعز القمـل وبـيت الـذل |
|
بتناوبات البغل في الإصطبـل |
وبات شيطان القوافي يمـلـي |
|
على امرئ فحل وغير فحـل |
لا خير في علمي ولا في جهلي |
|
لو كان أودى ماعز بنخـلـي |
ما زال يقليني وعيمي يغـلـي |
|
حتى إذا العيم رمى بالجـفـل |
طبقت تطبيق الجراز النصل |
|
|
نسخت من
كتاب اليوسفي.
يقرن مدح الممدوح بمدح سائسه: حدثني المنمق بن جماع عن أبيه قال: كان أبو
نخيلة نذلاً يرضيه القليل، ويسخطه، وكان الربيع ينزله عنده، ويأمر سائساً
يتفقد فرسه، فمدح الربيع بأرجوزة، ومدح فيها معه سائسه فقال:
لولا أبو الفضل ولولا فضله |
|
ما اسطيع باب لا يسني قفله |
ومن صلاح راشد إصطبلـه |
|
نعم الفتى وخير فعل فعلـه |
يسمن منه طرفه وبغـلـه |
|
|
فضحك
الربيع، وقال: يا أبا نخيلة أترضى أن تقرن بي السائس في مديح! كأنك لو لم
تمدحه معي كان يضيع فرسك.
يمدح خباز مضيفه: قال: ونزل أبو نخيلة بسليمان بن صعصعة، فأمر غلامه
بتعهده، وكان يغاديه ويراوحه في كل يوم بالخبز واللحم، فقال أبو نخيلة يمدح
خباز سليمان بن صعصعة:
بارك ربي فيك من خـبـاز |
|
ما زلت إذ كنت على أوفاز |
تنصب باللحم انصباب الباز |
|
|
شعره وقد رأى اجتهاد العمال في أرض له: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال: حدثنا أحمد بن المعذل عن علي بن أبي نخيلة الحماني قال: دخلت مع أبي إلى أرض له وقد قدم من مكة، فرآها وقد أضر بها جفاء القيم عليها وتهاونه بها، وكلما رآه الذين يسقونها زادوا في العمل والعمارة حتى سمعت نقيض الليف، فقلت: الساعة يقول في هذا شعراً، فلم ألبث أن التفت إلي وقال:
شاهد مـالاً رب مـالٍ فـسـاسـه |
|
سياسة شهم حـازم وابـن حـازم |
أقام بها العصرين حينـاً ولـم يكـن |
|
كمن ضن عن عمرانها بالدراهـم |
كأن نقيض الليف عن سعـفـاتـه |
|
نقيض رحال الميس فوق العياهـم |
وأضحت تغالي بالنبـات كـأنـهـا |
|
على متن شيخ من شيوخ الأعاجـم |
وما الأصل ما رويت مضرب عرقه |
|
من الماء عن إصلاح فرع بـنـائم |
أخبرني
بهذا الخبر محمد بن مزيد عن أبي الأزهر البوشنجي قال: حدثنا حماد بن إسحاق
الموصلي عن النضر بن حديد عن أبي محضة عن الأزرق بن الخميس بن أرطاة -وهو
ابن أخت أبي نخيلة- فذكر قريباً مما ذكر في الخبر الذي قبله.
يسأل فلا يعطى فيهجو ثم يعطى فيمدح: وأخبرني عيسى بن الحسن الوراق المروزي
قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي قال: حدثني أبي قال: ابتاع أبو نخيلة داراً
في بني حمان ليصحح بها نسبه، وسأل في بنائها، فأعطاه الناس اتقاء للسانه
وشره، فسأل شبيب بن شيبة فلم يعطه شيئاً واعتذر إليه، فقال:
يا قوم لا تسودوا شبيبـا |
|
الملذان الخائن الكذوبا |
هل تلد الذيبة إلا الذيبا |
|
|
فقال شبيب: ما كنت لأعطيه على هذا القول شيئاً، فإنه قد جعل إحدى يديه سطحاً، وملأ الأخرى سلحاً، وقال: من وضع شيئاً في سطحي وإلا ملأته بسلحي، من أجل دار يريد أن يصحح نسبه بها، فسفر بينهما مشايخ الحي يعطيه، فأبى شبيبٌ أن يعطيه شيئاً، وحلف أبو نخيلة ألا يكف عن عرضه أو يأخذ منه شيئاً يستعين به. فلما رأى شبيب ذلك خافه، فبعث إليه بما سأل، وغدا أبو نخيلة عليه وهو جالس في مجلسه مع قومه، فوقف عليهم، ثم أنشأ يقول:
إذا غدت سعد على شبيبهـا |
|
على فتاها وعلى خطيبهـا |
من مطلع الشمس إلى مغيبها |
|
عجبت من كثرتها وطيبهـا |
ينتحل أرجوزة لرؤبة وينشدها فيفجؤه رؤبة من مرقده فيعتذر: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: دخل أبو نخيلة على عمر بن هبيرة، وعنده رؤبة قد قام من مجلسه فاضطجع خلف ستر، فأنشد أبو نخيلة مديحه له، ثم قال ابن هبيرة: يا أبا نخيلة، أي شيءأحدثت بعدنا؟ فاندفع ينشده أرجوزة لرؤبة، فلما توسطها كشف رؤبة الستر، وأخرج رأسه من تحته، فقال له: كيف أنت يا أبا نخيلة؟ فقطع إنشاده وقال: بخير أبا العجاج، فمعذرة إليك ما علمت بمكانك، فقال له رؤبة: ألم ننهك أن تعرض لشعري إذا كنت حاضراً، فإذا ما رغبت فشأنك به! فضحك أبو نخيلة، وقال: هل أنا إلا حسنة من حسناتك، وتابع لك، وحامل عنك؟ فعاد رؤبة إلى موضعه فاضطجع، ولم يراجعه حرفاً. والله أعلم.
يمدح ثم لا يرضى الجائزة فيهجو، ثم يزاد فيمدح: أخبرني هاشم بن محمد قال:
حدثنا دماذ عن أبي عبيدة: أن أبا نخيلة قدم على المهاجر بن عبد الله
الكلابي -وكان أبو نخيلة أشبه خلق الله بو وجهاً وجسماً وقامة، لا يكاد
الناظر إلى أحدهما أن يفرق بينه وبين الآخر- فدخل عليه فأنشده قوله فيه:
يا دار أم مالك ألا اسـلـمـي |
|
على التنائي من مقام وانعمـي |
كيف أنا إن أنت لم تكـلـمـي |
|
بالوحي أو كيف بأن تجمجمي |
تقول لي بنتي مـلام الـلـوم |
|
يا أبتا إنك يومـاً مـؤتـمـي |
فقلت كلا فاعلمي ثم اعلـمـي |
|
أني لميقات كتاب مـحـكـم |
لو كنت في ظلمة شعب مظلم |
|
أو في السماء أرتقي بسـلـم |
لا نصب مقداري إلى مجرنثمي |
|
إني ورب الراقصات الرسـم |
ورب حوض زمـزم وزمـزم |
|
لأستبين الخير عند مقـدمـي |
وعند ترحالي عن مـخـيمـي |
|
على ابن عبد الله قرم الأقـرم |
فإنني بالـعـلـم ذو تـرسـم |
|
لم أدر ما مهاجر الـتـكـرم |
حتى تبينت قضـايا الـغـشـم |
|
مهاجر يا ذا النوال الخضـرم |
أنت إذا انتجعت خير مغـنـم |
|
مشترك النائل جـم الأنـعـم |
ولتميم منك خـير مـقـسـم |
|
إذا التقوا شتى معاً كالـهـيم |
قد علم الشأم وكـل مـوسـم |
|
أنك تحلو لي كحلو المعـجـم |
طوراً وطوراً أنت مثل العلقم |
|
|
قال: فأمر له المهاجر بناقة، فتركها ومضى مغضباً، وقال يهجوه:
إن الكلابي اللـئيم الأثـر مـا |
|
أعطى على المدحة نابا عرزما |
ما جبر العظم ولكن تمـمـا |
|
|
فبلغ ذلك المهاجر، فبعث فترضاه، وقام في أمره بما يحب، ووصله، فقال له أبو نخيلة: هذه صلة المديح، فأين صلة الشبه؟ فإن التشابه في الناس نسب، فوصله حتى أرضاه، فلم يزل يمدحه بعد ذلك حتى مات، ورثاه بعد وفاته فقال:
خليلي مالـي بـالـيمـامة مـقـعـدٌ |
|
ولا قرةٌ للعين بـعـد الـمـهـاجـر |
مضى ما مضى من صالح العيش فاربعا |
|
على ابن سبيل مزمع البـين عـابـر |
فإن تك فـي مـلـحـودة يا بـن وائل |
|
فقد كنت زين الوفد زين الـمـنـابـر |
وقد كنت لولا سلك الـسـيف لـم ينـم |
|
مقيم ولم تأمن سـبـيل الـمـسـافـر |
لعز على الـحـيين قـيس وخـنـدق |
|
تبكـي عـلـي والـولـيد وجـابـر |
هوى قمر من بـينـهـم فـكـأنـمـا |
|
هوى البدر من بين النجوم الـزواهـر |
يهجو أخته لأنها خاصمته في مال لها: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قالك تزوجت أخت أبي نخيلة برجل يقال له ميار ، وكان أبو نخيلة يقوم بمالها مع ماله، ويرعى سوامها مع سوامه، ويستبد عليها بأكثر منافعها، فخاصمته يوماً من وراء خدرها في ذلك، فأنشأ يقول:
أظل أرعى وتـرا هـزينـا |
|
ململما ترى له غـصـونـا |
ذا أبن مقومـاً عـثـنـونـا |
|
يطعن طعناً يقضيب الوتينـا |
ويهتك الأعفـاج والـربـينـا |
|
يذهب مـيار وتـقـعـدينـا |
وتـفـسـدين أو تـبـذرينـا |
|
وتمنحين اسـتـك آخـرينـا |
أير الحمار في است هذا دينا |
|
|
يطلق امرأته لأنها ولدت بنتاً، ثم يراجعها ويرق للبنت: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال: تزوج أبو نخيلة امرأة من عشيرته، فولدت له بنتاً، فغمه ذلك، فطلقها تطليقة ثم ندم، وعاتبه قومه فراجعها. فبينما هو في بيته يوماً إذ سمع صوت ابنته وأمها تلاعبها، فحركه ذلك ورق لها، فقام إليها فأخذها، وجعل ينزيها ويقول:
يا بنت من لم يك يهوى بنتـاً |
|
ما كنت إلا خمسة أو ستـا |
حتى حللت في الحشى وحتى |
|
فتت قلبي من جوى فانفتـا |
لأنت خيرٌ من غـلام أنـتـا |
|
يصبح مخموراً ويمسي سبتا |
يسأل المهدي زائراً أي النساء أحب إليه فيفضل التي وصفها أبو نخيلة: أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدثنا أبو هفان قال: حدثني أصحابنا الأهتميون قالوا: دخل عقال بن شبة المجاشعي على المهدي فقال له: أيا أبا الشيظم، ما بقي من حبك بنات آدم؟ وما يعجبك منهن ؟ التي عصبت عصب الجان ، وجدلت جدل العنان، واهتزت اهتزاز البان، أم التي بدنت فعظمت وكملت فتمت؟ فقال: يا أمير المؤمنين أحبهما إلي التي وصفها أبو نخيلة، فإنه كانت له جارية صغيرة وهبها له عمك أبو العباس السفاح، فكان إذا غشيها صغرت عنه، وقلت تحته، فقال:
إني وجدت الكذنا ذنوكا |
|
غير منيك فابغني منيكا |
شيئاً إذا حركته تحركا |
|
|
قال، فوهب له المهدي جارية كاملة فائقة متأدبلة ربعة ، فلما أصبح عقال غدا على المهدي متشكراً، فخرج المهدي وفي يده مشط يسرح به لحيته وهو يضحك، فدعا له عقال وقال له: يا أمير المؤمنين مم تضحك؟ أدام الله سرورك. قال: يا أبا الشيظم، إني اغتسلت آنفاً من شيء إذا حركته تحرك، وذكرت قولك الآن لما رآيتك، فضحكت.
يرثي ممدوحاً له كان يكثره بره: أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد
قال: حدثني أحمد بن القاسم العجلي البرتي قال: حدثني أبو هفان قال: حدثتني
رقية بنت حمل عن أبيها قال: كان أبو نخيلة مداحاً للجنيد بن عبد الرحمن
المري، وكان الجنيد له محباً، يكثر رفده ويقرب مجلسه، ويحسن ، إليه فلما
مات الجنيد قال أبو نخيلة يرثيه:
لعمري لئن ركب الجنيد تحمـلـوا |
|
إلى الشأم من مر وراحت ركائبـه |
لقد غادر الركب الشآمون خلفـهـم |
|
فتى غطفانيا يعـلـل جـانـبـه |
فتى كان يسرى للعـدو كـأنـمـا |
|
سروب القطا في كل يوم كتائبـه |
وكان كأن البـدر تـحـت لـوائه |
|
إذا راح في جيش وراحت عصائبه |
تلومه امرأة له على شدة حبه لابنه فيمدحها فتسكت عنه: أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدثني أحمد بن القاسم قال: حدثني أبو هفان عن عبد الله بن داود عن علي بن أبي نخيلة ، قال: كان أبي شديد الرقة علي معجباً بي، فكان إذا أكل خصني بأطيب الطعام، وإذا نام أضجعني إلى جنبه، فغاظ ذلك امرأته أم حماد الحنفية، فجعلت تعذله وتؤنبه، وتقول: قد أقمت في منزلك، وعكفت على هذا الصبي، وتركت الطلب لولدك وعيالك. فقال أبي في ذلك:
ولولا شهوتي شفتـي عـلـي |
|
ربعت على الصحابة والركاب |
ولكن الوسـائل مـن عـلـي |
|
خلصن إلى الفؤاد من الحجاب |
قال، فازدادت غضباً، فقال لها:
وليس كأم حـمـاد خـلـيلٌ |
|
إذا ما الأمر جل عن الخطاب |
منعمةً أرى فتقـر عـينـي |
|
وتكفيني خلائقها عـتـابـي |
فرضيت
وأمسكت عنا.
يمدح ببيت على مثال بيت تمناه الممدوح: حدثني عمي قال: حدثني هارون بن محمد
بن عبد الملك قال حدثني سهل بن زكريا قال: حدثني عبد الله بن أحمد الباهلي
قال: قال أبان بن عبد الله النميري يوماً لجلسائه -وفيهم أبو نخيلة-: والله
لوددت أنه قيل في ما قيل في جرير بن عبد الله:
لولا جرير هلكت بجيله |
|
نعم الفتى وبئست القبيله |
وأنني أثبت على ذلك مالي كله، فقال له أبو نخيلة: هلم الثواب، فقد حضرني من ذلك ما تريد، فأمر له بدراهم، فقال: اسمع يا طالب ما يجزيه:
لولا أبانٌ هلكت نـمـير |
|
نعم الفتى وليس فيهم خير |
يستأذن على أبي جعفر فلا يصل، ويقول في ذلك شعراً: أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال: حدثنا سلمة بن خالد المازني عن أبي عبيدة قال: وقف أبو نخيلة على باب أبي جعفر واستأذن، فلم يصل، وجعلت الخراسانية تدخل وتخرج، فتهزأ به، فيرون شيخاً أعرابياً جلفا فيبعثون به، فقال له رجل عرفه: كيف أنت أبا نخيلة؟ فأنشأ يقول:
أصبحت لا يملك بعضي بعضاً |
|
أشكو العروق الآبضات أبضا |
كما تشكي الأرحبي الغرضـا |
|
كأنما كان شبابـي قـرضـا |
فقال له الرجل: وكيف ترى ما أنت فيه في هذه الدولة؟ فقال:
أكثر خلق الله مـن لا يدرى |
|
من أي خلق الله حين يلقى |
وحلةٌ تنشـر ثـم تـطـوى |
|
وطيلسانٌ يشترى فيغـلـى |
لعبد عبدٍ أو لمولى مـولـى |
|
يا ويح بيت المال ماذا يلقى! |
يسأل عن ممدوح له فيعدد هباته له: وبهذا الإسناد عن أبي عبيدة أن أبا نخيلة قدم على أبان بن الوليد فامتدحه، فكساه ووهب له جارية جميلة، فخرج يوماً من عنده، فلقيه رجل من قومه، فقيل له: كيف وجدت أبان بن الوليد يا أبا نخيلة؟ فقال:
أكثر واللـه أبـان مـيري |
|
ومن أبان الخير كل خيري |
ثوب لجلدي وحر لأيري |
|
|
نسخت من
كتاب اليوسفي يصاب بتخمة: حدثني خالد بن حميد عن أبي عمرو الشيباني قال:
أقحمت السنة أبا نخيلة فأتى القعقاع بن ضرار -وهو يومئذ على شرطة الكوفة-
فمدحه، وأنزله القعقاع بن ضرار وابنيه وعبديه وركابهم في دار، وأقام لهم
الأنزال، ولركابهم العلوفة.
وكان طباخ القعقاع يجيئهم في كل يوم بأربع قصاع، فيها ألوان مطبوخة من لحوم
الغنم، ويأتيهم بتمر وزبد، فقال له يوماً القعقاع: كيف منزلك أبا نخيلة؟
فقال:
ما زال عنا قصعات أربع |
|
شهرين دأبا ذود ورجـع |
عبداي وابناي وشيخ يرفع |
|
كما يقوم الجمل المطبع |
قال: وكان أبو نخيلة يكثر الأكل فأصابته تخمة، فدخل على القعقاع فسأله: كيف أصبحت أبا نخيلة؟ فقال: أصبحت والله بشما أمرت خبازك فأتاني بهذا الرقاق الذي كأنه الثياب المبلولة، قد غمسه في الشحم غمساً، وأتبعه بزيد ، كرأس النعجة الخرسية ، وتمر كأنه عنز رابضة. إذا أخذت التمرة من موضعها تبعها من الرب كالسلوك الممدودة، فأمنعت في ذلك، وأعجبني حتى بشمت، فهل من أقداح جياد؟ وبين يدي القعقاع حجام واقف وسفرةٌ موضوعة فيها المواسي، فإذا أتي بشراب النبيذ حلق رؤوسهم ولحاهم. فقال له القعقاع: أتطلب مني النبيذ وأنت ترى ما أصنع بشرابه؟ عليك بالعسل والماء البارد، فوثب ثم قال:
قد علم المظل والـمـبـيت |
|
أني من القعقاع فيما شـيت |
إذا أتـت مــائدة أتـــيت |
|
ببدع لسـت بـهـا غـذيت |
وليت فاستشفعت واستعـديت |
|
كأنني كنـت الـذي ولـيت |
ولو تمنيت الـذي أعـطـيت |
|
ما ازددت شيئاً فوق ما لقيت |
أيا بن بيت دونـه الـبـيوت |
|
أقصر فقد فوق القرى قريت |
ما بين شرابي عسلٌ منعـوت |
|
ولا فـرات صـرد بـيوت |
لكني في الـنـوم قـد أريت |
|
رطل نبيذ مخفس سـقـيت |
صلباً إذا جـاذبـتـه رويت |
|
|
فغمزه على
إسماعيل ابن أخيه، وأومأ إلى إسماعيل، فأخذ بيده ومضى به إلى منزله، فسقاه
حتى صلح.
يمدح السفاح ويغضب في مدحه بعض أهل المجلس فيحرض عليه السفاح: أخبرني هاشم
بن محمد الخزاعي قال: حدثنا قعنب بن المحرز وأبو عمرو الباهلي قالا: حدثنا
الأصمعي قال: دخل أبو نخيلة على أبي العباس السفاح، وعنده أبو صفوان إسحاب
بن مسلم العقيلي، فأنشده قوله:
صادتك يوم الرملتين شعفر |
|
وقد يصيد القانص المزعفر |
يا صورةً حسنها المصـور |
|
للريم منها جيدها والمحجر |
يقول فيها في مدح أبي العباس:
حتى إذا ما الأوصياء عسكروا |
|
وقام من تبر النببي الجوهـر |
ومن بني العباس نبع أصفـر |
|
ينميه فرعٌ طيب وعنـصـر |
أقبل بالناس الهوى المستبهـر |
|
وصاح في الليل نهار أنـور |
أنا الذي لو قيل إني أشـعـر |
|
جلي الضباب الرجز المخبر |
لما مضت لي أشهر وأشهـر |
|
قلت لنفس تزدهى فتصبـر |
لا يستخفنك ركـب يصـدر |
|
لا منجد يمضي ولا مغـور |
وخالفي الأنباء فهي المحشـر |
|
أو يسمع الخليفة المطـهـر |
مني فإني كل جنح أحـضـر |
|
وإن بالأنبار غيثـا يهـمـر |
والغيث يرجى والديار تنضر |
|
ما كان إلا أن أتاها العسكـر |
حتى زهاماً مسجد ومنـبـر |
|
لم يبق من مروان عين تنظر |
لا غائبٌ ولا أناس حـضـر |
|
هيهات أودى المنعم المعقـر |
وأمست الأنبار داراً تعـمـر |
|
وخربت مـن الـشـآم ادور |
حمصٌ وباب التبن والموقـر |
|
ودمرت بعد امتناع تـدمـر |
وواسط لم يبق إلا القـرقـر |
|
منها وإلا الدير بان الأخضر |
(ومنها)
أين أبو الورد وأين الكوثر |
أبو الورد بن هذيل بن زفر، وكوثر بن الأسود صاحب شرطة مروان .
وأين مروان وأين الأشقر |
|
وأين فل لم يفت محـير |
وأين عاديكم المجمـهـر |
|
وعامر وعامر وأعصر؟ |
-قال:
يعني عامر بن صعصعة، وعامر بن ربيعة، وأعصر باهلة وغنى- قال: فغضب إسحاق بن
مسلم، وقال: هؤلاء كلهم في حر أمك أبا نخيلة، فأنكر الخليفة عليه ذلك،
فقال: إني والله يا أمير المؤمنين قد سمعت منه فيكم شراً من هذا في مجالس
بني مروان. وما له عهد، وما هو بوفي ولا كريم. فبان ذلك في وجه أبي العباس،
وقال له قولاً ضعيفاً: إن التوبة تغسل الحوبة، والحسنات يذهبن السيئات،
وهذا شاعر بني هاشم. وقام فدخل، وانصرف الناس، ولم يعط أبا نخيلة شيئاً.
يدعو في رجز له إلى تولية المهدي العهد فيجيزه المنصور: وأخبرني أحمد بن
عبيد الله بن عمار الثقفي حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: حدثني
أبي عن عبد الله بن أبي سليم مولى عبد الله بن الحارث قال: بينا أنا أسير
مع أبي الفضل يعني -سليمان بن عبد الله- وحدي بين الحيرة والكوفة - وهو
يريد المنصور، وقد هم بتولية المهدي العهد وخلع عيسى بن موسى، وهو يروض
ذلك- إذا هو يأبى نخيلة الشاعر، ومعه ابنان له وعبد، وهم يحملون متاعه.
فقال له: يا أبا نخيلة، ما هذا الذي أرى؟ قال: كنت نازلاً على القعقاع بن
معبد أحد ولد معبد زرارة، فقلت شعراً فيما عزم عليه أمير المؤمنين من تولية
المهدي العهد ونزع عيسى بن موسى، فسألني التحول عنه، لئلا يناله مكروه من
عيسى إذ كان صنيعته، فقال سليمان: يا عبد الله، اذهب بأب نخيلة فأنزله
منزلاً وأحسن نزله وبره ، ففعلت. ودخل سليمان إلى المنصور فأخبره الخبر،
فلما كان يوم البيعة جاء بأبي نخيلة فأدخله على المنصور، فقام فأنشد الشعر
على رؤوس الناس، وهي قصيدته التي يقول فيها:
بل يا أمين الواحد الـمـوحـد |
|
إن الذي ولاك رب المسجـد |
ليس ولي عهدنـا بـالأسـعـد |
|
عيسى فزحلفها إلى محـمـد |
من عند عيسى معهدا عن معهد |
|
حتى تـؤدى مـن يد إلـى يد |
قال: فأعطاه المنصور عشرة آلاف درهم، قال: وبايع لمحمد بالعهد، فانصرف عيسى بن موسى إلى منزله، قال: فحدثني داود بن عيسى بن موسى قال: جمعنا أبي فقال: يا بني، قد رأيتم ما جرى، فأيما أحب إليكم: أن يقال لكم: ابني المخلوع، أو يقال لكم: يا بني المفقود؟ فقلنا: لا، بل يا بني المخلوع. فقال: وفقتم بني. وأول هذه الأرجوزة التي هذه الأبيات منها:
لم ينسني يا بـنة آل مـعـبـد |
|
ذكراك تكرار الليالي الـعـود |
ولا ذوات العصـب الـمـورد |
|
ولو طلبـن الـود بـالـتـودد |
ورحن في الدر وفي الزبرجـد |
|
هيهات منهن وإن لم تعـهـدي |
نجديةٌ ذات مـعـانٍ مـنـجـد |
|
كأن رياها بعـيد الـمـرقـد |
ريا الخزامى في ثرى جعدٍ ندى |
|
كيف التصابي فعل من لم يهتد |
وقد علتـنـي درة بـادي بـدي |
|
ورثيةٌ تنهض فـي تـشـددي |
بعد انتهاضي في الشباب الأملد |
|
|
يقول فيها:
إلى أمير المؤمنين فاعـمـد |
|
إلى الذي يندى ولا يندى ندي |
سيري إلى بحر البحار المزبد |
|
إلى الذي إن نفدت لم ينفـد |
أو ثمدت أشراعها لم يثمـد |
|
|
ويقول في ذكر البيعة لمحمد بعد الأبيات التي مضت في صدر الخبر:
فقد رضينا بالغـلام الأمـرد |
|
وقد فرغنا غير أن لم نشهـد |
وغير أن العـقـد لـم يؤكـد |
|
فلو سمعنا قولك امدد امـدد |
كانت لنا كزعقة الورد الصدى |
|
فناد للبيعة جمعا نـحـشـد |
في يومنا الحاضر هذا أو غد |
|
واصنع كما شـئت ورد يردد |
ورده مـنـك رداء يرتــد |
|
فهو رداء الساق المـقـلـد |
وكان يروي أنهـا كـأن قـد |
|
عادت ولو قد نقلت لم تـردد |
أقول في كرى أحاديث الغـد |
|
لله دري من أخ ومـنـشـد |
لو نلت حظ الحبشي الأسود |
|
|
-يعني أبا
دلامة.
خبر آخر من أرجوزة العهد للمهدي: فأخبرني عبد الله بن محمد الرازي قال:
حدثنا أحمد بن الحارث قال: حدثنا المدائني -أن أبا نخيلة أظهر هذه القصيدة
التي رواها الخدم والخاصة، وتناشدها العامة، فبلغت المنصور فدعا به، وعيسى
بن منصور عنده جالس عن يمينه، فأنشده إياها، وأنصت له حتى سمعها إلى آخرها.
قال: أبو نخيلة: فجعلت أرى فيه السرور، ثم قال لعيسى بن موسى: ولئن كان هذا
عن رأيك لقد سررت عمك ، وبلغت من مرضاته أقصى ما يبلغه الولد البار السار.
فقال عيسى: لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين. قال: أبو نخيلة: فلما خرجت
لحقني عقال لن شبة فقال: أما أنت فقد سررت أمير المؤمنين، ولئن تم الأمر
فلعمري لتصبين خيراً، ولئن لم يتم فابتغ نفقاً في الأرض، أو سلماً في
السماء. فقلت له:
علقت معالقها وصر الجندب |
خبر ثالث عن هذه الأرجوزة: قال المدائني: وحدثني بعض موالي المنصور قال: لما أراد المنصور أن يعقد للمهدي أحب أن تقول الشعراء في ذلك، فحدثني عبد الجبار بن عبيد الله الحماني قال: حدثني أبو نخيلة قال: قدمت على أبي جعفر، فأقمت ببابه شهراً لا أصل إليه، فقال لي عبد الله بن الربيع الحارثي: يا أبا نخيلة، إن أمير المؤمنين يريد أن يقدم المهدي بين يدي عيسى بن موسى، فلو قلت شيئاً على ما يريد، فقلت:
ماذا على شحط النوى عناكـا |
|
أم ما مرى دمعك من ذكراكا؟ |
وقد تبكيت فمـا أبـكـاكـا |
|
|
وذكر أرجوزة طويلة يقول فيها:
خلـيفة الـلـه وأنـا ذاكـا |
|
أسند إلى محمدٍ عـصـاكـا |
فأحفظ الناس لهـا أدنـاكـا |
|
وابنك ما استكفيته كفـاكـا |
وكلنا مـنـتـظـر لـذاكـا |
|
لو قلت هاتوا قلت هاك هاكا |
المنصور يحذره عيسى بن موسى وعيسى يوكل به من يقتله: قال: فأنشدته إياها، فوصلني بألفي درهم، وقال لي: احذر عيسى بن موسى، فإني أخافه عليك أن يغتالك. قال المدائني: وخلع أبو جعفر عيسى بن موسى، فبعث عيسى في طلب أبي نخيلة، فهرب منه، وخرج يريد خراسان، فبلغ عيسى خبره، فجرد خلفه مولى له يقال له: قطري، معه عدة من مواليه، وقال له: نفسك نفسك أن يفوتك أبو نخيلة، فخرج في طلبه مغذاً للسير، فلحقه في طريقه إلى خراسان، فقتله وسلخ وجهه.
ونسخت من كتاب القاسم بن يوسف عن خالد بن حمل أن علي بن أبي نخيلة حدثه أن
المنصور أمر أبا نخيلة أن يهرب إلى خراسان، فأخذه قطري وكتفه فأضجعه، فلما
وضع السكين على أوداجه قال: إيه يا بن اللخناء، ألست القائل:
علقت معالقها وصر الجندب |
الآن صر جندبك. فقال: لعن الله ذاك جندباً، ما كان أشأم ذكره! ثم ذبحه، قطري، وسلخ وجهه، وألقى جسمه إلى النسور، وأقسم لا يريم مكانه حتى تمزق السباع والطيور لحمه، فأقام حتى لم يبق منه إلا عظامه، ثم انصرف.
أبو الأبرش يشمت به لمهاجات كانت بينهما: أخبرنا جعفر بن قدامة قال: حدثنا
أبو حاتم السجستاني قال: حدثني الأصمعي عن سعيد بن سلم عن أبيه قال: قلت
لأبي الأبرش: مات أبو نخيلة، قال: حتف أنفه؟ قلت: لا، بل اغتيل فقتل. فقال:
الحمد لله الذي قطع قلبه، وقبض روحه، وسفك دمه، وأراخى منه، وأحياني بعده.
وكان أبو نخيلة يهاجي الأبرش، فغلبه أبو نخيلة.
ولقد دخلت على الفـتـا |
|
ة الخدر في اليوم المطير |
فدفعنهـا فـتـدافـعـت |
|
مشي القطاة على الغدير |
فلثمتها فـتـنـفـسـت |
|
كتنفس الظبي البـهـير |
الشعر للمنخل اليشكري، والغناء لإبراهيم، ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وأحمد المكي.