الجزء الحادي والعشرون - أخبار الأغلب ونسبه

أخبار الأغلب ونسبه

نسبه

هو - فيما ذكر ابن قتيبة - الأغلب بن جشم بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.


إسلامه واستشهاده: وهو أحد المعمرين، عمر في الجاهلية عمراً طويلاً، وأدرك الإسلام فأسلم، وحسن إسلامه وهاجر، ثم كان فيمن توجه إلى الكوفة مع سعد بن أبي وقاص، فنزلها، واستشهد في وقعة بنهاوند، فقبره هناك في قبور الشهداء.


هو أول من رجز الأراجيز الطوال: ويقال: إنه أول من رجز الأرايجز الطوال من العرب، وإياه عنى الحجاج بقوله مفتخراً:

إني أنا الأغلب أمسى قد نشد

قال ابن حبيب: كانت العرب تقول الرجز في الحرب والحداء والمفاخرة وما جرى هذا المجرى، فتأتي منه بأبيات يسيرة، فكان الأغلب أول من قصد الرجز، ثم سلك الناس بعده طريقته.


كانت له سرحة يصعد عليها ويرتجز: أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي أو خليفة في كتابه إلينا، قال: أخبرنا محمد بن سلام، قال: حدثنا الأصمعي.


وأخبرنا أحمد بن محمد أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي، قال حدثنا معمر بن عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء، قال: كانت للأغلب سرحة يصعد عليها، ثم يرتجز:

قد عرفتني سرحتي فأطـت

 

وقد شمطت بعدها واشمطت

فاعترضه رجل من بني سعد، ثم أحد بني الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد، فقال له:

قبحت من سـالـفة ومـن قـفـا

 

عبد إذا ما رسب القـوم طـفـا

كما شرار الرعي أطراف السفى

 

 

ينقص عمر عطاءه لقبوله الإنشاد من شعر في الجاهلية: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن عباد بن حبيب المهلبي، قال: حدثني نصر بن ناب عن داود بن أبي هند عن الشعبي، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة: أن أستنشد من قبلك من شعراء قومك ما قالوا في الإسلام، فأرسل إلى الأغلب العجلي فاستنشده فقال:

لقد سألت هيناً موجوداً أجرزاً تريد أم قصيدا؟

ثم أرسل إلى لَبِيد فقال له: إن شئت مما عفا الله عنه - يعني الجاهلية - فعلتُ. قال: لا، أنشدني ما قلت في الإسلام. فانطلق لبيد فكتب سورة البقرة في صحيفة، وقال: أبدلني الله عز وجل بهذه في الإسلام مكان الشعر.


فكتب المغيرة بذلك إلى عمر، فنقص عمر من عطاء الأغلب خمسمائة، وجعلها في عطاء لبيد؛ فكتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين، أتنقص عطائي أن أطعتك! فرد عليه خمسمائة وأقرّ عطاء لبيد على ألفين وخمسمائة.


أخبرني محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن حاتم، قال: حدثنا علي بن القاسم، عن الشعبي قال: دخل الأغلب على عمر، فلما رآه قال: هيه، أنت القائل:

أرجزاً تريد أم قصيدا؟

 

لقد سألت هيناً موجودا

فقال: يا أمير المؤمنين إنما أطعتك، فكتب عمر إلى المغيرة: أن أردد عليه الخمس المائة وأقر الخمس المائة للبيد.
شعر في سجاح حين تزوجت مسيلمة: أخبرنا أبو خليفة عن مححمد بن سلام قال: قال الأغلب العجلي في سجاج لما تزوجت مسيلمة الكذاب:

لقد لقيت سجاح من بعد العـمـى

 

ملوحاً في العين مجلود الـقـرا

مثل العتيق في شبـاب قـد أتـى

 

من اللجميميين أصحاب القـرى

ليس بـذي واهـنة ولا نـســا

 

نشأ بلحم وبخبز مـا اشـتـرى

حتى شتا ينتـح ذفـراه الـنـدى

 

خاظى البضيع لحمه خظابـظـا

كأنما جمع من لحم الـخـصـى

 

إذا تمطى بـين بـرديه صـأى

كأن عـــــرق أيره إذا ودى

 

حبل عجوز ضفرت سبع قـوى

يمشي على قوائم خـمـس زكـا

 

يرفع وسطاهن من برد الـنـدى

قالت: متى كنت أبا الخير متـى؟

 

قال حديثاً لم يغيرنـي الـبـلـى

ولم أفارق خلة لي عـن قـلـى

 

فانتسفت فيشتـه ذات الـشـوى

كأن في أجلادها سـبـع كـلـى

 

مازال عنها بالحديث والمـنـى

والخلق السفساف يردى في الردى

 

قال: ألا ترينـه قـالـت: أرى

قال: ألا أدخله؟ قـالـت: بـلـى

 

فشام فيها مثل محراث الغضـى

يقول لما غاب فيهـا واسـتـوى

 

لمثلها كنت أحسـيك الـحـسـا

من أخبار سجاح: وكان من خبر سجاح وادعائها النبوة وتزويج مسيلمة الكذاب إياها ما أخبرنا به إبراهيم بن النسوي يحيى، عن أبيه عن شعيب عن سيف: إن سجاح التميمية ادعت النوبة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمعت عليها بنو تميم، فكان فيما ادعت أنه أنزل عليها: يأيها المؤمنون المتقون، لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها، ولكن قريشاً قوم يبغون.


واجتمعت بنو تميم كلها إليها لتنصرها. وكان فيهم الأحنف ين قيس، وحارثة بن بدر، ووجوه تميم كلها.


وكان مؤذّنها شبيب بن ربعي الرياحي، فعمدت في جيشها إلى مسيلمة الكذاب وهو باليمامة، وقالت: يا معشر تميم، اقصدوا اليمامة، فاضربوا فيها كل هامة، وأضرموا فيها ناراً ملهامة، حتى تتركوها سوداء كالحمامة.


وقالت لبني تميم: إن الله لم يجعل هذا الأمر في ربيعة، وإنما جعله في مضر، فاقصدوا هذا الجمع، فإذا فضضتموه كررتم على قريش. فسارت في قومها وهم الدّهم الداهم. وبلغ مسيلمة خبرها، فضاق بها ذرعاً، وتحصن في حجر حصن اليمامة. وجاءت في جيوشها فأحاطت به، فأرسل إلى وجوه قومه وقال: ما ترون؟ قالوا: نرى أن نسلّم هذا الأمر إليها وتدعنا، فإن لم نفعل فهو البوار.


وكان مسيلمة ذا دهاء، فقال: سأنظر في هذا الأمر. ثم بعث إليها: إن الله - تبارك وتعالى - أنزل عليك وحياً، وأنزل علي. فهلمي نجتمع، فنتدارس ما أنزل الله علينا، فمن عرف الحق تبعه، واجتمعنا فأكلنا العرب أكلاً بقومي وقومك.


فبعثت إليه: أفعل، فأمر بقبة أدم فضربت، وأمر بالعود المندلي فسجر فيها، وقال: أكثروا من الطيب والمجمر، فإن المرأة إذا شمت رائحة الطيب ذكرت الباه، ففعلوا ذلك. وجاءها رسوله يخبرها بأمقر القبة المضروبة للاجتماع، فأتته فقالت: هات ما أنزل عليك. فقال: ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج منها نطفة تسعى، بين صفاق وحشاً، من بين ذكر وأنثى، وأموات وأحيا، ثم إلى ربهم يكون المنتهى. قالت: وماذا؟ قال: ألم تر أن الله خلقنا أفواجاً، وجعل النساء لنا أزواجا، فنولج فيهن الغراميل إيلاجا، ونخرجها منهن إذا شئن إخراجا. قالت: فبأي شيء أمرك؟ قال:

ألا قـومـــي إلـــى الـــنـــيك

 

فقـد هـبـي لـك الـمـضــجـــع

فإن شئتي ففي البيت وإن شئتي ففي المخدع

 

 

وإن شئتي سلقناك

 

وإن شـئتــي عـــلـــى أربـــع

وإن شـئتــي بـــثـــلـــثـــيه

 

وإن شـئتـــي بـــه أجـــمـــع

قال: فقالت: لا، إلاّ به أجمع. قال: فقال: كذا أوحى الله إلي، فواقعها. فلما قام عنها قالت: إن مثلي لا يجري أمرها هكذا، فيكون وصمة على قومي وعلي، وليكن مسلمة النبوة إليك، فاخطبني إلى أوليائي يزوجوك، ثم أقود تميماً معك.


فخرج وخرجت معه، فاجتمع الحيان من حنيفة وتميم، فقالت لهم سجاح: إنه قرأ عليّ ما أنزل عليه، فوجدته حقاً، فاتبعته، ثم خطبها، فزوجوه إياها، وسألوه عن المهر، فقال: قد وضعت عنكم صلاة العصر، فبنو تميم إلى الآن بالرمل لا يصلونها، ويقولون: هذا حق لنا، ومهر كريمة منا لا نرده. قال: وقال شاعر من بني تميم يذكر أمر سَجَاح في كلمة له:

أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها

 

وأصبحت أنبياء الله ذكرانا

قال: وسمع الزبرقان بن بدر لأحنف يومئذ، وقد ذكر مسيلمة وما تلاه عليهم، فقال الأحنف: والله ما رأيت أحمق من هذا النبي قط. فقال الزبرقان: والله لأخبرن بذلك مسيلمة. قال: إذاً والله أحلف أنك كذبت فيصدقني ويكذبك. قال: فأمسك الزبرقان، وعلم أنه قد صدق.


قال: وحدث الحسن البصري بهذا الحديث، فقال: أمن والله أبو بحر من نزول الوحي. قال: فأسلمت سجاح بعد ذلك وبعد قتل مسيلمة، وحسن إسلامها.

صوت

كم ليلة فيك بت أسهـرهـا

 

ولوعة من هواك أضمرهـا

وحرقة والدموع تطـفـئهـا

 

ثم يعود الجوى فيسعـرهـا

بيضاء رود الشباب قد غمست

 

في خجل دائب يعصفرهـا

الله جار لها فمـا امـتـلأت

 

عيناي إلا من حيث أبصرها

الشعر للبحتري، والغناء لعريب، رمل مطلق من مجموع أغانيها، وهو لحن مشهور في أيدي الناس، والله أعلم.