الجزء الحادي والعشرون - الأحوص وبعض أخباره

الأحوص وبعض أخباره

الأحوص يعارض ابن أبي دباكل أو يسرقه: أخبرني بخبر الأحوص في هذا الشعر الحرميّ عن الزبير قال: حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، وأخبرنا به الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن مصعب الزبيري، عن المؤملي، عن عمر بن أبي بكر الموصلي، عن عبد الله بن أبي عبيدة بن عمار بن ياسر: قال: خرجت أنا والأحوص بن محمد مع عبد الله بن الحسن بن الحسن إلى الحج، فلما كنا بقديد قلنا لعبد الله بن الحسن: لو أرسلت إلى سليمان بن أبي دباكل، فأنشدنا شيئاً من شعره، فأرسل إليه فأتانا، فاستنشدناه، فأنشدنا قصيدته التي يقول فيها:

يا بـيت خـنـسـاء الـــذي أتـــجـــنـــب

 

ذهـب الـشـبـاب وحـبـــهـــا لايذهـــب

أصـبـحـت أمـنـحـك الـصـدود وإنـــنـــي

 

قسـمـاً إلـيك مـع الـصــدود لأجـــنـــب

ما لـي أحـن إلـى جـمـالـــك قـــربـــت

 

وأصـد عـنـك وأنــت مـــنـــي أقـــرب

للـــه درك هـــل لـــديك مـــعـــــول

 

لمـتـيم أم هـل لـــودك مـــطـــلـــب؟

فلـقـد رأيتــك قـــبـــل ذاك وإنـــنـــي

 

لمـوكـل بــهـــواك أو مـــتـــقـــرب

إذ نـحـن فـي الـزمـن الـرخـي وأنـــتـــم

 

متـجــاورون كـــلامـــكـــم لايرقـــب

تبـكـي الـحـمـامة شـجـوهـا فـتـهـيجـنـي

 

ويروح عـازب هـمـــي الـــمـــتـــأوب

وتـهـب جـارية الـرياح مــن أرضـــكـــم

 

فأرى الـبـلاد لـهـا تـطـل وتـخـــصـــب

وأرى الـسـمـية بـاسـمـكــم فـــيزيدنـــي

 

شوقـاً إلـيك رجـاؤك الـمــتـــنـــســـب

وأرى الـــعـــدو يودكــــم فـــــــأوده

 

إن كـان ينـسـب مـنـــك أو لا ينـــســـب

وأخالف الواشين فيك تجملاً وهم علي ذوو ضغائن دؤب

 

 

ثم اتخذتهم علي وليجة

 

حتـى غـضـبـت ومـثـل ذلـك يغــضـــب

قال: فلما كان من قابل حجّ أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان، فقدم المدينة، فدخل عليه الأحوص، واستصحبه فأصحبه، فلما خرج الأحوص قال له بعض من عنده: ماذا تريد بنفسك؟ تقدم بالأحوص الشام، وبها من ينافسك من بني أبيك، وهو من الأفن والسفه على ما قد علمت فيعيبونك به. فلما رجع أبو بكر من الحج دخل عليه الأحوص متنجزاً لما وعده من الصحابة فدعا له بمائة ديناء وأثواب وقال: يا خال، إني نظرت فيما سألتني من الصحابة فكرهت أن أهجم بك على أمير المؤمنين من غير إذنه، فيجبهك فيشمت بك عدوي من أهل بيتي، ولكن خذ هذه الثياب والدنانير، وأنا مستأذن لك أمير المؤمنين، فإذا أذن لك كتبت إليك، فقدمت علي، فقال له الأحوص: لا ولكن قد سبعت عندك، ولا حاجة لي بعطيتك، ثم خرج من عنده، فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز، فأرسل إلى الأحوص وهو يومئذ أمير المدينة، فلما دخل عليه أعغطاه مائة دينار، وكساه ثياباً فأخذ ذلك، ثم قال له: يا أخي هب لي عرض أبي بكر، قال: هو لك، ثم خرج الأحوص، فقال في عروض قصيدة سليمان بن أبي دباكل قصيدة مدح بها عمر بن عبد العزيز.


وقال حماد: قال أبي: سرق أبيات سليمان بأعيانها، فأدخلها في شعره، وغير قوافيها فقط، فقال:

يا بيت عـاتـكة الـذي أتـعـزل

 

حذر العدا وبه الفـؤاد مـوكـل

أصبحت أمنحك الصدود وإنـنـي

 

قسماً إليك مع الـصـدود لأمـيل

فصددت عنك وما صددت لبغـضة

 

أخشى مقالة كاشـح لا يعـقـل

هل عيشنا بك في زمانـك راجـع

 

فلقد تفاحش بعدك المتـعـلـل؟

إني إذا قلت اسـتـقـام يحـطـه

 

حلف كما نظر الخلاف الأقـبـل

لو بالذي عالـجـت لـين فـؤاده

 

فأبى يلان به لـلان الـجـنـدل

وتجنبـي بـيت الـحـبـيب أوده

 

أرضي البغيض به، حديث معضل

ولئن صددت لأنت لولا رقبـتـي

 

أهوى من الـلائي أزور وأدخـل

إن الشباب وعيشنـا الـلـذ الـذي

 

كنا به زمنـا نـسـر ونـجـذل

ذهبت بشابتـه وأصـبـح ذكـره

 

حزنا يعل به الـفـؤاد وينـهـل

إلا تذكر ما مـضـى وصـبـابة

 

منيت لقـلـب مـتـيم لا يذهـل

أودى الشباب وأخلـقـت لـذاتـه

 

وأنا الحزين على الشباب المعـول

يبكي لما قلـب الـزمـان جـديده

 

خلقاً وليس على الزمان مـعـول

والرأس شامله الـبـياض كـأنـه

 

بعد السواد به الثغام المـحـجـل

وسفيهة هبت علـي بـسـحـرة

 

جهلاً تلوم على الثـواء وتـعـذل

فأجبتها أن قلت لسـت مـطـاعة

 

فذري تنصحك الـذي لا يقـبـل

إني كفانـي أن أعـالـج رحـلة

 

عمر ونبوة من يضـن ويبـخـل

بنوال ذي فجر تكـون سـجـالـه

 

عمما إذا نزل الزمان الممـحـل

ماض على حدث الأمور كأنـه

 

ذو رونق1 عضب جلاه الصيقل

تبدي الرجال إذا بدا إعظـامـه

 

حذر البغاث هوى لهن الأجـدل

فيرون أن له علـيهـم سـورة

 

وفضيلة سبقت له لا تـجـهـل

متحمل ثقل الأمور حـوى لـه

 

سبق المكارم سابق متـمـهـل

وله إذا نسبت قـريش مـنـهـم

 

مجد الأرومة والفعال الأفضـل

وله بمـكة إذ أمـية أهـلـهـا

 

إرث إذا عد الـقـديم مـؤثـل

أعيت قرابته وكـان لـزومـه

 

أمراً أبان رشاده مـن يعـقـل

وسموت عن أخلاقهم فتركتهـم

 

لنداك إن الحازم المـتـحـول

ولقد بدأت أريد ود مـعـاشـر

 

وعدوا مواعد أخلفت إن حصلوا

حتى إذا رجع اليقين مطامعـي

 

بأساً وأخلفـنـي الـذين أؤمـل

زايلت ما صنعوا إليك بـرحـلة

 

عجلي وعندك عنهم متـحـول

ووعدتني في حاجة فصدقتـنـي

 

ووفيت إذ كذبوا الحديث وبدلـوا

وشكوت غرماً فادحاً فحملـتـه

 

عني وأنت لمثله مـتـحـمـل

فلأشكرن لك الذي أولـيتـنـي

 

شكراً تحل به المطي وترحـل

مدحاً تكون لكم غرائب شعرهـا

 

مبذولة ولغـيركـم لا تـبـذل

فإذا تنحلت الـقـريض فـإنـه

 

لكم يكون خيار مـا أتـنـحـل

ولعمر من حج الحجيج لبـيتـه

 

تهوي به قلص المطس الذمـل

إن امرأً قد نال مـنـك قـرابة

 

يبغي منافع غيرها لمـضـلـل

تغفوا إذا جهلوا بحلمك عنـهـم

 

وتنيل إن طلبوا النّوال فتجـزل

وتكون معقلهم إذا لم ينـجـهـم

 

من شر ما يخشون إلا المعقـل

حتى كأنك يتفنى بـك دونـهـم

 

من أشد بيئة خادر متـبـسـل

وأرى المدينة حين صرت أميرها

 

أمن البرىء بها ونـام الأعـزل

فقال عمر: ما أراك أعفيتني مما استعفيت منه، قال: لأنه مدح عمر وعرض بأخيه أبي بكر.


نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الأغاني صوت

ما لي أحن إذا جمالك قـربـت

 

وأصدّ عنك وأنت مني أقرب؟

وأرى البلادَ إذا حللت بغيرهـا

 

وحشاً وإن كانت تظل وتخصب

يا بيت خنساء الذي أتـجـنـب

 

ذهب الشباب وحبها لا يذهـب

تبكي الحمامة شجوها فتهيجني

 

ويروح عازب همي المتـأوب

الشعر لسليمان بن أبي دباكل، والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر، عن عمرو.


وقال ابن المكّي: فيه خفيف ثقيل آخر لابن محرز، وأوله:

تبكي الحمامة شجوها فتهيجني

من هي عاتكة؟ أخبرني الحسين بن يحيى قال: قال حماد: قرأت على أبي، وقال محمد بن كناسة: حدثني أبو دكين بن زكريا بن محمد بن عمار بن ياسر: قال: رأيت عاتكة التي يقول فيها الأحوص:

يا بيت عاتكة الذي أتعزل

وهي عجوز كبيرة وقد جعلت بين عينيها هلالاً من نيلج تتملح به.


أخبرني الحرميّ عن الزبير، عن محمد بن محمد العمريّ: قال: عاتكة التي يشبّب بها الأحوص عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية أخبرني الحرميّ، عن الزبير، عن إسحاق بن عبد الملك: إن الأحوص كان ليناً، وأن عاتكة التي ينسب بها ليست عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية، وإنما هو رجل كان ينزل قرى كانت بين الأشراف كنى عنه بعاتكة.
أخبرني الحرمي عن الزبيري عن يعقوب بن حكيم: قال: كان الأحوص ليناً، وكان يلزم نازلاً بالأشراف، فنهاه أخوه عن ذلك، فتركه فرقاً من أخيه، وكان يمر قريباً من خيمة النازل بالأشراف ويقول:

يا بيت عاتكة الذي أتعـزّل

 

حذر العذاوية الفؤاد موكل

يكنى عنه بعاتكة ولا يقدر أن يدخل عليه.


الفرزدق وكثير بزوران الأحوص: أخبرني الحرميّ، عن الزبيري، عن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم: قال: حدثني عبد العزيز بن عمران: قال: قدم الفرزدق المدينة، فقال لكثير؟ هل لك بنا في الأحوص نأتيه ونتحدث عنده؟ فقال له: وما نصنع به؟ إذا والله نجد عنده عبداً حالكاً أسود حلوكاً يؤثره علينا، ويبيت مضاجعه ليلته حتى يصبح، قال الرزدق: فقلت: إن هذا من عداوة الشعراء بعضهم لبعض، قال: فانهض بنا إليه إذاً - لا أب لغيرك - قال الفرزدق: فأردفتُ كثيراً ورائي على بغلتي، وقلت: تلفف يا أبا صخر، فمثلك لا يكون رديفاً، فخمر رأسه وألصق في وجهه، فجعلت لا أجتاز بمجلس قوم إلا قالوا: من هذا وراءك يا أبا فراس؟ فأقول: جارية وهبها لي الأمير، فلما أكثرت عليه من ذلك، واجتاز على بني زريق، وكان يبغضهم، فقلت لهم ما كنت أقول قبل ذلك، كشف عن رأسه وأومض وقال: كذب، ولكني كرهت أن أكون له رديفاً وكان حديثه لي معجباً، فركبت وراءه، ولم تكن لي دابة أركبها إلا دابته، فقالوا: لا تعجل يا أبا صخر، ههنا دواب كثيرة تركب منها ما أردت، فقال: دوابكم والله أبغض إلى من ردفه، فسكتوا عنه. وجعل يتغشم عليهم، حتى جاوز أبصارهم، فقلت: والله ما قالوا لك بأساً، فما الذي أغضبك عليهم؟ فقال: والله ما أعلم نفراً أشد تعصباً للقرشيين من نفر اجتزت بهم، قال: فقلت له: وما أنت - لا أم لك ولقريش - قال: أنا والله أحدهم، قلت: إن كنت أحدهم فأنت والله دعيهم، قال: دعيهم خير من صحيح نسب العرب، وإلا فأنا والله من أكرم بيوتهم، أنا أحد بني الصلت بن النضر، قلت: إنما قريش ولد فهر بن مالك، فقال: كذبت. فقال: ما علمك يا بن الجعراء بقريش؟ هم بنو النضر بن كنانة، ألم تر إلى النبي انتسب إلى النضر بن كنانة، ولم يكن ليجاوز أكرم نسبه، قال: فخرجنا حتى أتينا الأحوص، فوجدناه في مشربة له، فقلنا له: أنرقى إليك أم تنزل إلينا؟ قال: لا أقدر على ذلك، عندي أم جعفر، ولم أرها منذ ايام، ولي فيها شغل، فقال كثير: أم جعفر والله بعض عبيد الزرانيق فقلنا له: فأنشدنا بعض ما أحدثت به، فأنشدنا قوله:

يا بيت عاتكة الذي أتعـزل

 

حذر العدا وبه الفؤاد موكل

حتى أتى على آخرها، فقلت لكثير: قاتله الله، ما أشعره، لولا ما أفسد به نفسه، قال: ليس هذا إفساداً، هذا خسف إلى التخوم، فقلت: صدقت، وانصرفنا من عنده، فقال: أين تريد؟ فقلت: إن شئت فمنزلي، وأحملك على البغلة، وأهب لك المطرف، وإن شئت فمنزلك ولا أرزؤك شيئاً، فقال: بل منزلي، وأبذل لك ما قدرت عليه، وانصرفنا إلى منزله، فجعل يحدثني وينشدني حتى جاءت الظهر، فدعا لي بعشرين ديناراً وقال: استعن بهذه يا أبا فرس على مقدمك، قلت: هذا أشد من حملان بني زريق، قال: والله إنك ما تأنف من أخذ هذا من أحد، غير الخليفة، قال الفرزدق: فجعلت أقول في نفسي: تالله إنه لمن قريش، وهممت ألا أقبل منه. فدعتني نفسي - وهي طمعة - إلى أخذها منه، فأخذتها.


من هي الجعراء؟ معنى قول كثير للفرزدق: يا بن الجعراء: يعيره بدغة، وهي أم عمرو بن تميم، وبها يضرب المثل في الحماقة، فيقال: هي أحمق من دغة، وكانت حاملاً، فدخلت الخلاء، فولدت، وهي لا تعلم ما الولد، وخرجت وسلاها بين رجليها، وقد استهل ولدها، فقالت: يا جارتا، أيفتح الجعرفاه فقالت جارتها: نعم يا حمقاء، ويدعو أباه، فبنو تميم يعيرون بذلك، ويقال للمنسوب منهم: يا بن الجعراء.


ملاحاة بينه وبين السري: أخبرني الحرمي، عن الزبير قال: حدثني سليمان بن داود المجمعي: قال: اجتاز السري بن عبد الرحمن بن عتبة بن عويمر بن ساعدة الأنصاري بالأحوص وهو ينشد قوله:

يا بيت عاتكة الذي أتعزل

فقال السري:

يا بيتعاتكة المـنـوة بـاسـمـه

 

اقعد على من تحت سقفك واعجل

فواثبةه الأحوص، وقال في ذلك:

فأنت وشتمي في أكاريس مـالـك

 

وسبي به كالكلب إذ ينبح النجمـا

تداعى إلى زيد وما أنت مـنـهـم

 

تحـق أبـاً إلا الـولاء ولا أمـا

وإنك لو عددت أحسـاب مـالـك

 

وأيامها فيها ولم تنطق الرجـمـا

أعادتك عبداً أو تنقـلـت كـاذبـاً

 

تلمس في حي سوى مالك جذمـا

وما أنا بالمحسوس في جذم مالـك

 

ولا بالمسمى ثم يلتزم إلا سـمـا

ولكن أبي لو قد سألـت وجـدتـه

 

توسط منها العز والحسب الضخما

فأجابه السري فقال:

سألت جميع هذا الخلـق طـرا

 

متى كان الأحيوص من رجالي

وهي أبيات ليست بجيدة ولا مختارة، فألغيت ذكرها.


شعره يسعف دليل المنصور: أخبرني محمد بن أحمد بن الطلاس أبو الطيب، عن أحمد بن الحارث الخراز، عن المدائني، وأخبرني به الحرمي، عن الزبير: قال: حدثني عمي - وقد جمعت روايتيهما - .


أن المنصور أمر الربيع لما حج أن يسايره برجل يعرف المدينة وأهلها وطرقها ودورها وحيطانها، فكان رجل من أهلها قد انقطع إلى الربيع زماناً، وهو رجل من الأنصار، فقال له: تهيأ فإني أظن جدك قد تحرك، إن أمير المؤمنين قد أمرني أن أسايره برجل يعرف المدينة وأهلها وطرقها وحيطانها ودورها فتحسن موافقته ولا تبتدئه بشيء حتى يسألك، ولا تكتمه شيئاً، ولا تسأله حاجة، فغدا عليه بالرجل، وصلى المنصور، فقال: يا ربيع، الرجل، فقال: ها هو ذا، فسار معه يخبره عما سأل حتى ندر من أبيات المدينة، فأقبل عليه المنصور، فقال: من أنت أولاً؟ فقال: من لا تبلغه معرفتك - هكذا ذكر الخرّاز وليس في رواية الزبير - فقال: ما لك من الأهل والولد؟ فقال: والله ما تزوجت، ولا لي خادم، قال: فأين منزلك؟ قال: ليس لي منزل، قال: فإن أمير المؤمنين قد أمر لك بأربعة آلاف درهم، فرمى بنفسه فقبل رجله، فقال له: اركب، فركب، فلما أراد الانصراف قال للربيع: يا أبا الفضل، قد أمر لي أمير المؤمنين بصلة، قال: إيه، قال: إن رأيت أن تنجزها لي، قال: هيهات، قال: فأصنع ماذا؟ قال: لا أدري والله - وفي رواية الخراز أنه قال: ما أمر لك بشيء، ولو أمر به لدعاني، فقال: أعطه أو وقع إليّ - فقال الفتى: هذا هم لم يكن في الحساب، فلبثت أياماً، ثم قال المنصور للربيع: ما فعل الرجل؟ قال: حاضر، قال: سايرنا به الغداة، ففعل، وقال له الربيع: إنه خارج بعد غد، فاحتل لنفسك، فإنه والله إن فاتك فإنه آخر العهد به، فسار معه، فجعل لا يمكنه شيء حتى انتهى إلى مسيره، ثم رجع وهو كالمعرض عنه، فلما خاف فوته أقبل عليه فقال: يا أمير المؤمنين، هذا بيت عاتكة، قال: وما بيت عاتكة؟ قال: الذي يقول فيه الأحوص.

يا بيت عاتكة الذي أتعزل

قال: فمه، قال: إنه يقول فيها:

إن أمرأً قد نال منـك وسـيلة

 

يرجو منافع غيرها لمضلـل

وأراك تفعل ما تقول وبعضهم

 

مذق الحديث يقول ما لا يفعل

فقال الزبير في خبره: فقال له: لقد رأيتك أذكرت بنفسك، يا سليمان بن مخلد، أعطه أربعة آلاف درهم، فأعطاه إياها، وقال الخرّاز في خبره: فضحك المنصور، وقال: قاتلك الله، ما أظرفك، يا ربيع أعطه ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين إنها كانت أربعة آلاف درهم، فقال: ألف يحصل خير من أربعة آلاف لا تحصل.


ابن المقفع يتمثل بمطلع لاميته: وقال الخراز في خبره: حدّثني المدائني: قال: أخذ قوم من الزنادقة، وفيهم ابن لابن المقفع، فمر بهم على أصحاب المدائن، فلما رآهم ابن المقفع خشي أن يسلم عليهم فيؤخذ، فتمثل:

يا بيت عاتكة الذي أتعـزل

 

حذر العدا وبه الفؤاد مركل

الأبيات، ففطنوا لما أراد، فلم يسلموا عليه، ومضى.
هو ومعبد يردان اعتبار جارية: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن ابن شبة: قال: بلغني أن يزيد بن عبد الملك كتب إلى عامله أن يجهز إليه الأحوص الشاعر ومعبداً المغني.


فأخبرنا محمد بن خلف وكيع: قال: حدثنا عبد الله بن شبيب: قال: حدثني إسماعيل بن أبي أويس: قال: حدثني أبي: قال: حدثنا سلمة بن صفوان الزرقي، عن الأحوص الشاعر - وذكر إسماعيل بن سعيد الدمشقي - : أن الزبير بن بكار حدثه عن ابن أبي أويس، عن أبيه، عن مسلمة بن صفوان، عن الأحوص، وأخبرني به الحرمي، عن الزبير، عن عمه، عن جرير المديني المغني، وأبو مسكين: قالوا جميعاً: كتب يزيد بن عبد الملك في خلافته إلى أمير المدينة - وهو عبد الواحد بن عبد الله النصري - أن يحمل إليه الأحوص الشاعر ومعبداً المغني مولى ابن قطن قال: فجهزنا وحملنا إليه، فلما نزلنا عمان أبصرنا غديراً وقصوراً، فقعدنا على الغدير وتحدثنا وذكرنا المدينة، فخرجت جارية من بعض تلك القصور، ومعها جرة تريد أن تستقي فيها ماء، قال الأحوص: فتغنت بمدحي في عمر بن عبد العزيز:

يا بيت عاتكة الذي أتعزل

فتغنت بأحسن صوت ما سمعته قط، ثم طربت، فألقت الجرة فكسرتها، فقال معبد: غنائي والله، وقلت: شعري والله، فوثبنا إليها، وقلنا لها: لمن أنت يا جارية؟ قالت: لآل سعيد بن العاص - وفي خبر جرير المغني: لآل الوليد بن عقبة - ثم اشتراني رجل من آل الوحيد بخمسين ألف درهم، وشغف بي، فغلبته بنت عم له طرأت عليه، فتزوجها على أمري، فعاقبت منزلتها منزلتي، ثم علا مكانها مكاني، فلم تزدها الأيام إلا ارتفاعاً، ولم تزدني إلا اتضاعاً، فلم ترض منه إلا بأن أخدمها، فوكلتني باستقاء الماء، فأنا على ما تريان، أخرج أستقي الماء، فإذاا رأيت هذه القصور والغدران ذكرت المدينة، فطربت إليها، فكسرت جرتي، فيعذلني أهلي، ويلومونني، قال: فقلت لها: أنا الأحوص، والشعر لي، وهذا معبد، والغناء له، ونحن ماضيان إلى أمير المؤمنين، وسنذكرك له أحسن ذكر. وقال جرير في خبره ووافقه وكيع، ورواية عمر بن شبة: قالوا: فأنشأت الجارية تقول:

تإن تروني الغداة أسعى بجـر

 

أستقي الماء نحو هذا الغـدير

فلقد كنت في رخاء من العـي

 

ش وفي كل نعـمة وسـرور

ثم قد تبصران ما فيه أمـسـي

 

ت وماذا إليه صار مصـيري

فإلى الله أشتكـي مـا ألاقـي

 

من هوان وما يجن ضمـيري

أبلغا عـنـي الإمـام ومـا يع

 

رف صدق الحديث غير الخبير

أنني أضرب الخلائق بالـعـو

 

د وأحـكـاهـم بـبـم وزير

فلعـل الإلـه ينـقـذ مـمـا

 

أنا فيه فـإنـنـي كـالأسـير

ليتني مت يوم فارقت أهـلـي

 

وبلادي فزرت أهل القـبـور

فاسمعا ما أقـول لـقـاكـمـا

 

الله نجاحاً في أحسن التيسـير

فقال الأحوص من وقته: صوت

إن زين الغدير من كسر الجر

 

ر وغنى غناء فحل مـجـيد

قلت: من أنت يا ظعين فقالت:

 

كنت فيما مضى لآل الولـيد

وفي رواية الدمشقي:

قلت: من أين يا خلوب فقالت:

 

كنت فيما مضى لآل سعـيد

ثم أصبحت بعد حي قـريش

 

في بني خالد لآل الـوحـيد

فغنائي لمعـبـد ونـشـيدي

 

لفتى الناس الأحوص الصنديد

فتباكيت ثم قلـت: أنـا الأح

 

وص والشيخ معبد فأعـيدي

فأعادت لنا بصوت شـجـي

 

يترك الشيخ في الصبا كالوليد

وفي رواية أبي زيد:

فأعادت فأحسنـت ثـم ولـت

 

تتهادى فقلت قـول عـمـيد

يعجز المال عن شراك ولكـن

 

أنت في ذمة الهـمـام يزيد

ولك اليوم ذمـتـي بـوفـاء

 

وعلى ذاك من عظام العهود

أن سيجري لك الحديث بصوت

 

معبدي يرد حـبـل الـوريد

يفعل الله ما يشاء فـظـنـي

 

كل خير بنا هـنـاك وزيدي

قالت القينة الكعاب: إلـى ال

 

له أموري وأرتجي تـسـديد

غناه معبد ثاني ثقيل بالبنصر من رواية حبش والهشامي وغيرهما، وهي طريقة هذا الصوت، وأهل العلم بالغناء لا يصححونه لمعبد.


قال الأحوص: وضع فيه معبد لحناً فأجاده، فلما قدمنا على يزيد قال: يا معبد أسمعني أحدث غناء غنيت وأطراه، فغناه معبد:

إن زين الغدير من كسر الجر وغنى غناء فحل مجيد

فقال يزيد: إن لهذا لقصة فأخبراني بها، فأخبراه، فكتب لعامله بتلك الناحية: إن لآل فلان جارية، من حالها "ذيت وذيت"، فاشترها بما بلغت، فاشتراها بمائة ألف درهم، وبعث بها هدية، وبعث معها بألطاف كثيرة، فلما قدمت على يزيد رأى فضلاً باررعاً فأعجب بها، وأجازها، وأخدمها، وأقطعها، وأفرد لها قصراً، قال: فوالله ما برحنا حتى جاءتنا منها جوائز وكساً وطرف.


يزيد بن عمر بن هبيرة يتمثل بشعره عند النكسة: وقال الزبير في خبره عن عمه: قال: أظن القصة كلها مصنوعة، وليس يشبه الشعر شعر الأحوص، ولا هو من طرازه، وكذلك ذكر عمر بن شبة في خبره.


أخبرني الحرمي، عن الزبير قال: سمعت هشام بن عبد الله بن عكرمة يحدث عن عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: قال: كنت مع يزيد بن عمر بن هبيرة ليلة الفرات، فلما انهزم الناس التفت إلي فقال: يا أبا الحارث، أمسينا والله وهم كما قال الأحوص:

أبكي لما قلب الزمان جـديده

 

خلقاً وليس على الزمان معول

بيتان من شعره يؤذنان بزوال الدولة الأموية: أخبرني الحرمي عن الزبير عن محمد بن محمد العمري: أن عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية رئيت في النوم قبل ظهور دولة بني العباس على بني أمية كأنها عريانة ناشرة شعرها تقول:

أين الشباب وعيشنا اللد الذي

 

كنا به زمناً نسر ونجـذل

ذهبت بشاشته وأصبح ذكره

 

حزناً يعل به الفراد وينهل

فتأول الناس ذلك بزوال دنيا بني أمية، فكان كما قالوا: أخبرني بهذا الخبر الحسن بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن الجمحي، عن شيخ من قريش: أنه رأى في النوم امرأة من ولد عثمان بن عفان على منايم على دار عثمان المقبلة على المسجد، وهي حاسرة في يديها عود وهي تضرب به وتغني:

أين الشباب وعيشنا اللذ الذي

 

كنا به يوماً نسر ونجـذل

ذهبت بشاشته وأصبح ذكره

 

حزناً يعل به الفؤاد وينهل

قال: فما لبثنا إلا يسيراً حتى خرج الأمر عن أيديهم، وقتل مروان.
قال إسحاق: المنامة: الدكان وجمعها منايم.

صوت

يا هند إنك لو عـلـم

 

ت بعاذلين تتـابـعـا

قالا فلم أسمع لـمـا

 

قالا وقلت بل اسمعـا

هند أحب إلـي مـن

 

مالي وروحي فارجعا

ولقد عصيت عواذلـي

 

وأطغت قلباً موجعـا

الشعر لعبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام، والغناء لابن سريح، ولحنه فيه لحنان أحدهما من القدر الأوسط من الثقيل، الأول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق والآخر رمل بالوسطى عن عمرو، وفيه خفيف ثقيل، ذكر أبو العبيس أنه لابن سريح وذكر الهشامي وابن المكي أنه للغريض، وذكر حبش أن لإبراهيم فيه رملاً آخر بالبنصر، وقال أحمد بن عبيد: الذي صح فيه ثقيل الأول وخفيفه ورمله، وذكر إبراهيم أن فيه لحناً لابن عباد.