الجزء الثاني والعشرون - أخبار خالد بن عبد الله

الجزء الثاني والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبار خالد بن عبد الله

نسبه

هو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبد الله بن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق بن صعب - وشق بن صعب هذا هو الكاهن المشهور - بن يشكر بن رهم بن أقزل - وهو سعد الصبح - بن زيد بن قسر بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن لحيان بن الغوث بن القرز، ويقال: الفرز بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.


فأما غلبة بجيلة على هذا النسب في شهرته بها فإن بجيلة ليست برجل، إنما هي امرأة قد اختلف في نسبها، فقال ابن الكلبي: يقال لها بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة، تزوجها أنمار بن إراش فولدت له الغوث ووداعة وصهيبة وجذيمة وأشهل وشهلاء وطريفاً والحارث ومالكا وفهما وشيبة. قال ابن الكلبي: ويقال: إن بجيلة امرأة حبشية كانت قد حضنت بني أنمار جميعاً غير خثعم، فإنه انفرد، فصار قبيلة على حدته، ولم تحضنه بجيلة، واحتج من قال هذا القول بقول شاعرهم:

وما قربت بجيلة منك دونـي

 

بشيء غير ما دعيت بجيلـه

وما للغوث عندك أن نسبـنـا

 

علينا في القرابة من فضيلـه

ولكـنـا وإياكـم كـثـرنـا

 

فصرنا في المحل على جديله

جديلة ها هنا موضع لا قبيلة، وهم أهل بيت شرف في بجيلة، لولا ما يقال في عبد الله بن أسد؛ فإن أصحاب المثالب ينفونه عن أبيه، ويقولون فيه أقوالا أنا ذاكرها في موضعها من أخبار خالد المذمومة في هذا الموضع من كتابنا - إن شاء الله - وعلى ما قيل فيه أيضاً؛ فقد كان له ولابنه خالد سؤدد وشرف وجود.


جده كرز: وكان يقال لكرز كرز الأعنة، وإياه عنى قيس بن الخطيم بقوله - لما خرج يطلب النصر على الخزرج:

فإن تنزل بذي النجدات كرز

 

تلاق لديه شربا غير نـزر

له سجلان سجل من صريح

 

وسجل رثيئة بعتيق خمـر

ويمنع مـن أراد ولا يعـايا

 

مقاماً في المحلة وسط قسر

جده أسد بن كرز وكان أسد بن كرز يدعى في الجاهلية رب بجيلة، وكان ممن حرم الخمر في جاهليته تنزها عنها، وله يقول القتال السحمي:

فأبلغ ربنا أسد بن كـرز

 

بأن النأي لم يك عن تقالي

وله يقول القتال يعتذر:

فأبلغ ربنا أسد بن كرز بأني قد ضللت وما اهتديت

وله يقول تأبط شراً:

وجدت ابن كرز تستهل يمينه

 

ويطلق أغلال الأسير المكبل

جده أسد وبنو سحمة:  

وكان قوم من سحمة عرضوا لجار لأسد بن كرز، فأطردوا إبلاً له، فأوقع بهم أسد وقعة عظيمة في الجاهلية، وتتبعهم حتى عاذوا به، فقال القتال فيه عدة قصائد يعتذر إليه لقومه، ويستقيله فعلهم بجاره، ولم أذكرها ههنا لطولها، وأن ذلك ليس من الغرض المطلوب في هذا الكتاب، وإنما نذكر هاهنا لمعاً وسائره مذكور في جمهرة أنساب العرب الذي جمعت فيه أنسابها وأخبارها، وسميته كتاب التعديل والانتصاف. ولبني سحمة يقول أسد بن كرز في هذه القصة، وكان شاعراً فاتكاً مغواراً:

ألا أبلغا أبناء سحـمة كـلـهـا

 

بني خثعم عني وذل لخـثـعـم

فما أنتم مني ولا أنـا مـنـكـم

 

فراش حريق العرفج المتضـرم

فلست كمن تزري المقالة عرضه

 

دنيئاً كعود الدوحة الـمـتـرنـم

وما جار بيتي بالذليل فترتـجـي

 

ظلامته يوماً ولا المتـهـضـم

وأقزل آبائي وقسر عـمـارتـي

 

هما ردياني عزتي وتكـرمـي

وأحمس يوماً إن دعوت أجابنـي

 

عرانين منهم أهـل أيد وأنـعـم

فمن جار مولى يدفع الضيم جاره

 

إذا ضاع جاري يا أميمة أو دمي

وكيف يخاف الضيم من كان جاره

 

مع الشمس ما إن يستطاع بسلـم

وهي قصيدة طويلة.


ولأسد أشعار كثيرة ذكرت هذه منها هاهنا لأن تعلم إعراقهم في العلم والشعر، وسائرها يذكر في كتاب النسب مع أخبار شعراء القبائل، إن شاء الله تعالى.


إسلام جده أسد وابنه يزيد: وأدرك أسد بن كرز الإسلام هو وابنه يزيد بن أسد، فأسلما، فأما أسد فلا أعلمه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله رواية كثيرة، بل ما روى شيئاً.


وأما يزيد ابنه فروى عنه رواية يسيرة، وذكر جرير بن عبد الله خبر إسلامه، حدث بذلك عنه خالد بن يزيد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله، قال: أسلم أسد بن كرز، ومعه رجل من ثقيف، فأهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوساً، فقال له: يا أسد، من أين لك هذه النبعة؟ فقال: يا رسول الله تنبت بجبلنا بالسراة، فقال الثقفي: يا رسول الله، الجبل لنا أم لهم؟ فقال: بل الجبل جبل قسر، به سمى أبوهم قسر عبقر. فقال أسد: يا رسول الله، ادع لي. فقال: اللهم اجعل نصرك ونصر دينك في عقب أسد بن كرز. وما أدري ما أقول في هذا الحديث، وأكره أن أكذب بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ظاهر الأمر يوجب أنه لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له بهذا الدعاء لم يكن ابنه مع معاوية بصفين على علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. ولا كان ابن ابنه خالد يلعنه، على المنبر. ويتجاوز ذلك إلى ما ساء ذكره من شنيع أخباره - قبحه الله ولعنه - إلا أني أذكر الشيء كما روي، ومن قال على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله ما لم يقل فقد تبوأ مقعده من النار. كما وعده عليه السلام.

 

منافرة بين جده جريد وقضاعة: وكان جرير بن عبد الله نافر قضاعة، فبلغ ذلك أسد بن عبد الله، وكان بينه وبينه - أعني جريراً - تباعد، فأقبل في فوارس من قومه ناصراً لجرير ومعاوناً له ومنجداً، فزعموا أن أسداً لما أقبل في أصحابه، فرآه جرير، ورأى أصحابه في السلاح ارتاع، وخافه، فقيل له: هذا أسد جاءك ناصراً لك، فقال جرير: ليت لي بكل بلد ابن عم عاقاً مثل أسد، فقال جعدة بن عبد الله الخزاعي يذكر ذلك من فعل أسد:

تدارك ركض المرء من آل عبقـر

 

جريراً وقد رانت علـيه حـلائبـه

فنفس واسترخى به العقد بعـد مـا

 

تغشاه يوم لا تـوارى كـواكـبـه

وقاك ابن كرز ذو الفعال بنفـسـه

 

وما كنت وصالا له إذ تـحـاربـه

إلى أسـد يأوي الـذلـيل بـبـيتـه

 

ويلجأ إذ أعيت علـيه مـذاهـبـه

فتى لايزال الدهر يحمل معظـمـاً

 

إذا المتجدى المسؤول ضنت رواجيه

جده يزيد يروي حديثا: وأما يزيد بن أسد فقد ذكرت إسلامه وقدومه مع أبيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي عنه أيضاً حديثاً ذكره هشيم بن بشر الواسطي عن سنان بن أبي الحكم قال: سمعت خالد بن عبد الله القسري، وهو على المنبر يقول:  

فضحك عمر ثم قال: يا ويحه أحسن والله، لقد هيجتما علي ما كان ساكناً مني فلأحدثنكما حديثاً حلواً: بينا أنا أول أعوامي جالس إذا بخالد الخريت قال: مررت بأربع نسوة قبيل، يردن ناحية كذا وكذا من مكة، لم أر مثلهن قط، فيهن هند، فهل لك أن تأتيهن متنكراً فتسمع من حديثهن، ولا يعلمن؟ فقلت: وكيف لي بأن يخفى ذلك؟ قال: تلبس لبسة الأعراب، ثم تقعد على قعود، كأنك تنشد ضالة، فلا يشعرن حتى تهجم عليهن، قال: فجلست على قعود. ثم أتيتهن فسلمت عليهن، فآنسنني، وسألنني أن أنشدهن، فأنشدتهن لكثير وجميل وغيرهما، وقلن: يا أعرابي، ما أملحك، لو نزلت، فتحدثت معنا يومنا هذا، فإذا أمسيت انصرفت، فأنخت قعودي، وجلست معهن، فحدثتهن، وانشدتهن، فدنت هند، فمدت يدها، فجذبت عمامتي، فألقتها عن رأسي، ثم قالت: تالله لظننت أنك خدعتنا، نحن والله خدعناك، أرسلنا إليك خالداً الخريت في إتياننا بك على أقبح هيئتك، ونحن على أحسن هيئتنا. ثم أخذن بنا في الحديث، فقالت إحداهن: يا سيدي لو رأيتني منذ أيام، وأصبحت عند أهلي، فأدخلت رأسي في جيبي، فنظرت إلى حرى، فرأيته ملء العس والقس فصحت: يا عمراه! فصحت: لبيك لبيك، ولم أزل معهن في أحسن وقت إلى أن أمسينا، فتفرقنا، عن أنعم عيش، فذلك حين أقول:

ألم تعرف الأطلال والمتربعا

 

ببطن حليات دوارس بلقعـا

وذكر الأبيات.
انقضت أخبار خالد لعنة الله عليه أبداً.

صوت

أنائل ما رؤيا زعمت رأيتـهـا

 

لنا عجب لو أن رؤياك تصـدق

أنائل ما للعـيش بـعـدك لـذة

 

ولا مشرب نلقاه إلا مـرنـق

أنائل إني والـذي أنـا عـبـده

 

لقد جعلت نفسي من البين تشفق

لعمرك إن البين منك يشوقنـي

 

وبعض بعاد البين والنأي أشوق

الشعر لصخر بن الجعد الخضري.

أخبرنا بذلك محمد بن مزيد، عن الزبير بن بكار أن عمه أنشده هذه القصيدة لصخر بن الجعد الخضري، وأنا أذكرها بعقب أخبار صخر. ومن الناس من يروي هذه الأبيات لجميل، ولم يأت ذلك من وجه يصح، والزبير أعلم بأشعار الحجازيين.
والغناء لعريب خفيف ثقيل عن الهشامي، وفيه لابن المكي ثقيل أول بالوسطى عن عمرو.