الجزء الثاني والعشرون - متمم العبدي والجويرية

متمم العبدي والجويرية

أخبرني الحسين بن يحيى المرادي عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال: حدثني متم العبدي قال: خرجت من مكة زائراً لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإني لبسوق الجحفة إذا جويرية تسوق بعيراً، وتترنم بصوت مليح طيب حلو في هذا الشعر:

ألا أيها البيت الذي حـيل دونـه

 

بنا أنت من بيت وأهلك من أهل

بنا أنت من بيت وحولـك لـذة

 

وظلك لو يسطاع بالبارد السهل

ثلاثة أبـيات فـبـيت أحـبـه

 

وبيتان ليسا من هواي ولا شكلي

فقلت: لمن هذا الشعر يا جويرية؟ قالت: أما ترى تلك الكوة الموقاة بالكلة الحمراء؟ قلت: أراها، قالت: من هناك نهض هذا الشعر، قلت: أو قائله في الأحياء؟ قالت: هيهات، لو أن لميت أن يرجع لطول غيبته لكان ذلك، فأعجبني فصاحة لسانها ورقة ألفاظها، فقلت لها: ألك أبوان؟ فقالت: فقدت خيرهما وأجلهما، ولي أم، قلت: وأين أمك؟ قالت: منك بمرأى ومسمع، قال: فإذا امرأة تبيع الخرز على ظهر الطريق بالجحفة، فأتيتها، فقلت: يا أمتاه، استمعي مني، فقالت لها: يا أمه، فاستمعي من عمي ما يلقيه إليك، فقالت: حياك الله، هيه، هل من جاثية خبر؟ قلت: أهذه ابنتك؟ قالت: كذا كان يقول أبوها، قلت: أفتزوجينها؟ قالت: ألعلة رغبت فيها؟ فما هي والله من عندها جمال، ولا لها مال، قلت: لحلاوة لسانها وحسن عقلها، فقالت: أينا أملك بها؟ أنا أم هي بنفسها؟ قلت: بل هي بنفسها، قالت: فإياها فخاطب، فقلت: علها أن تستحي من الجواب في مثل هذا، فقالت: ما ذاك عندها، أنا أخبر بها، فقلت: يا جارية، أما تستمعين ما تقول أمك؟ قالت: قد سمعت، قلت: فما عندك؟ قالت: أوليس حسبك أن قلت: إني أستحي من الجواب في مثل هذا، فإن كنت أستحي في شيء فلم أفعله؟ أتريد أن تكون الأعلى وأكون بساطك، لا والله لا يشد علي رجل حواءه وأنا أجد مذقة لبن أو بقلة ألين بها معاي، قال: فورد والله علي أعجب كلام على وجه الأرض، فقلت: أو أتزوجك والإذن فيه إليك، وأعطي الله عهداً أني لا أقربك أبداً إلا عن إرادتك؟ قالت: إذا والله لا تكون لي في هذا إرادة أبداً، ولا بعد الأبد إن كان بعده بعد، فقلت: فقد رضيت بذلك، فتزوجتها، وحملتها وأمها معي إلى العراق، وأقامت معي نحواً من ثلاثين سنة ما ضممت عليها حواي قط، وكانت قد علقت من أغاني المدينة أصواتاً كثيرة، فكانت ربما ترنمت بها، فأشتهيها، فقلت: دعيني من أغانيك هذه فإنها تبعثني على الدنو منك. قال: فما سمعتها رافعة صوتها بغناء بعد ذلك، حتى فارقت الدنيا، وإن أمها عندي حتى الساعة، فقلت: ما أدري متى دار في سمعي حديث امرأة أعجب من حديث هذه.

صوت

أيها الناس إن رأيي يرينيوهو الرأي طوففة في البلاد

 

بالعوالي وبالقنابل تردى

 

بالـبـطــاريق مـــشـــية الـــعـــواد

وبـجـــيش عـــرمـــرم عـــربـــي

 

جحـفـل يسـتـجـيب صـوت الـمــنـــادي

من تـــمـــيم وخــــنـــــــدف وإياد

 

والـبـهــالـــيل حـــمـــير ومـــراد

فإذا سـرت سـارت الـنـاس خـــلـــفـــي

 

ومـعـي كـالـجـبـــال فـــي كـــل واد

سقـنـي ثـم سـق حــمـــير قـــومـــي

 

كأس خـمـر أولـى الـنـهـي والـعــمـــاد

الشعر لحسان بن تبع، والغناء لأحمد النصيبي خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه ليونس لحن من كتابه.