الجزء الثاني والعشرون - أخبار حسان بن تبع

أخبار حسان بن تبع

هو طوافة في البلاد أخبرني بخبر حسان الذي من أجله قال هذا الشعر علي بن سليمان الأخفش عن السكري، عن ابن حبيب، عن ابن الأعرابي. وعن أبي عبيدة وأبي عمرو، وابن الكلبي وغيرهم، قال: كان حسان بن تبع أحول أعسر، بعيد الهمة شديد البطش، فدخل إليه يوما وجوه قومه - وهم الأقيال من حمير - فلما أخذوا مواضعهم ابتدأهم فأنشدهم:

أيها الناس إن رأيي يرينـي

 

وهو الرأي طوفة في البلاد

بالعوالي وبالقنابـل تـردى

 

بالبطاريق مشية الـعـواد

وذكر الأبيات التي مضت آنفاً، ثم قال لهم: استعدوا لذلك، فلم يراجعه أحد لهيبته، فلما كان بعد ثلاثة خرج، وتبعه الناس، حتى وطئ أرض العجم، قوال: لأبلغن من البلاد حيث لم يبلغ أحد من التبابعة، فجال بهم في أرض خراسان، ثم مضى إلى المغرب، حتى بلغ رومية، وخلف عليها ابن عم له، وأقبل إلى أرض العراق، في أرض خراسان، ثم مضى إلى المغرب، حتى بلغ رومية، وخلف عليها ابن عم له، وأقبل إلى أرض العراق، حتى إذا صار على شاطئ الفرات، قالت وجوه حمير: ما لنا نفني أعمارنا مع هذا! نطوف في الأرض كلها، ونفرق بيننا وبين بلدنا وأولادنا وعيالنا وأموالنا! فلا ندري من نخلف عليهم بعدنا! فكلموا أخاه عمراً، وقالوا له: كلم أخاك في الرجوع إلى بلده، وملكه. قال: هو أعسر من ذلك وأنكر، فقالوا: فاقتله، ونملكك علينا، فأنت أحق بالملك من أخيك، وأنت أعقل وأحسن نظراً لقومك، فقال: أخاف ألا تفعلوا، وأكون قد قتلت أخي، وخرج الملك عن يدي، فواثقوه، حتى ثلج إلى قولهم، وأجمع الرؤساء على قتل أخيه كلهم إلا ذا رعين، فإنه خالفهم، وقال: ليس هذا برأي، يذهب الملك من حمير. فشجعه الباقون على قتل أخيه، فقال ذو رعين: إن قتلته باد ملكك.


فلما رأى ذو رعين ما أجمع عليه القوم أتاه بصحيفة مختومة، فقال: يا عمرو: إني مستودعك هذا الكتاب، فضعه عندك في مكان حريز، وكتب فيه:

ألا من يشتري سهراً بنـوم

 

سعيد من يبيت قرير عـين

فإن تك حمير غدرت وخانت

 

فمعذرة الإله لذي رعـين

قتله أخوه فامتنع منه النوم ثم إن عمراً أتى حسان أخاه وهو نائم على فراشه، فقتله، واستولى على ملكه. فلم يبارك فيه، وسلط الله عليه السهر، وامتنع منه النوم، فسأل الأطباء والكهان والعياف، فقال له كاهن منهم: إنه ما قتل أخاه رجل قط إلا منع نومه، فقال عمرو: هؤلاء رؤساء حمير حملوني على قتله ليرجعوا إلى بلادهم، ولم ينظروا إلي ولا لأخي.


فجعل يقتل من أشار عليه منهم بقتله، فقتلهم رجلاً رجلاً، حتى خلص إلى ذي رعين وأيقن بالشر، فقال له ذو رعين: ألم تعلم أني أعلمتك ما في قتله، ونهيتك وبينت هذا؟ قال: وفيم هو؟ قال: في الكتاب الذي استودعتك.


فدعا بالكتاب، فلم يجده، فقال ذو رعين: ذهب دمي على أخذي بالحزم، فصرت كمن أسار بالخطأ، ثم سأل الملك أن ينعم في طلبه، ففعل، فأتى به فقرأه، فإذا فيه البيتان، فلما قرأهما قال: لقد أخذت بالحزم، قال: إني خشيت ما رأيتك صنعت بأصحابي.


ذو شناتر وذو نواس قال: وتشتت أمر حمير حين قتل أشرافها، واختلفت عليه، حتى وثب على عمرو لخيعة ينوف، ولم يكن من أهل بيت المملكة، فقتله، واستولى على ملكه، وكان يقال له ذو شناتر الحميري، وكان فاسقاً يعمل عمل قوم لوط، وكان يبعث إلى أولاد الملوك فيلوط بهم، وكانت حمير إذا ليط بالغلام لم تملكه، ولم ترتفع به، وكانت له مشربة، يكون فيها يشرف على حرسه، فإذا أتي بالغلام أخرج رأسه إليهم وفي فيه السواك، فيقطعون مشافر ناقة المنكوح وذنبها، فإذا خرج صيح به: أرطب أم يباس؟ فمكث بذلك زمانا.


حتى نشأ زرعة ذو نواس، وكانت له ذؤابة، وبها سمى ذا نواس - وهو الذي تهود، وتسمى يوسف، وهو صاحب الأخدود بنجران، وكانوا نصارى، فخوفهم، وحرق الإنجيل، وهدم الكنائس، ومن أجله غزت الحبشة اليمن، لأنهم نصارى، فلما غلبوا على اليمن اعترض البحر، واقتحمه على فرس فغرق فلما نشأ ذو نواس قيل له: كأنك وقد فعل بك كذا وكذا، فأخذ سكيناً لطيفاً خفيفاً وسمه، وجعل له غلافاً، فلما دعا به لخيعة جعله بين أخمصه ونعله، وأتاه على ناقة له يقال لها: سراب، فأناخها، وصعد إليه، فلما قام يجامعه كما كان يفعل انحنى زرعة، فأخذ السكين فوجأ بها بطنه، فقتله، وأحتز رأسه، فجعل السواك في فيه، فقال: ستعلم الأحراس، است ذي نواس، رطب أم يباس؟ وجاء إلى ناقته، فركبها، فلما رأى الحرس اطلاع الرأس صعدوا إليه، فإذا هو قد قتل. فأتوا زرعة، فقالوا: ما ينبغي أن يملكنا غيرك بعد أن أرحتنا من هذا الفاسق، واجتمعت حمير إليه، ثم كان من قصته ما ذكرناه آنفاً.

صوت

يا ربة البيت قومي غير صاغـرة

 

ضمي إليك رحال القوم والقربـا

في ليلة من جمـادي ذات أنـدية

 

لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا

لا ينبح الكلب فيها غـير واحـدة

 

حتى يلف على خيشومه الذنـبـا

الشعر لمرة بن محكان السعدي، والغناء لابن سريج، رمل بالوسطى، وله فيه أيضاً خفيف ثقيل بالوسطى كلاهما عن عمرو، وذكر حبش أن فيه لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى، والله أعلم.