الجزء الثاني والعشرون - أخبار صخر الغي ونسبه

أخبار صخر الغي ونسبه

اسمه ونسبه هو صخر بن عبد الله الخيشمي، أحد بني خيثم بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. هذا أكثر ما وجدته من نسبه، ولقب بصخر الغي لخلاعته، وشدة بأسه، وكثرة شره.


فمن روى هذه القصيدة له، ذكر أن السبب فيها أن جاراً لبني خناعة بن سعد بن هذيل من بني الرمداء كان جاورهم رجل من بني مزينة، وقيل: إنه كان جاراً لأبي المثلم الشاعر، وهو أخوهم، فقتله صخر الغي فمشى أبو المثلم إلى قومه، وبعثهم على مطالبته بدم جارهم المزني والإدراك بثأره، فبلغ ذلك صخراً فقال هذه القصيدة يذكر أبا المثلم وما فعله، فأولها البيتان اللذان فيهما الغناء وفيها يقول:

ولست عبداً للموعـدين ولا

 

أقبل ضيماً أتى بـه أحـد

جاءت كبير كيما أخفرهـا

 

والقوم سيد كأنهم رمـدوا

في المزني الذي حششت به

 

مال ضريك تلاده نـكـد

إن أمتسكه فبالـفـداء وإن

 

أقتل بسيفي فـإنـه قـود

ولصخر وأبي المثلم في هذا مناقضات وقصائد قالاها، وأجاب كل واحد منهما صاحبه، يطول ذكرها وليس من جنس هذا الكتاب.


الأعلم العداء وحكى الأثرم عن أبي عبيدة أنه حدث عن عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال: كان الأعلم أخو صخر الغي أحد صعاليك هذيل، وكان يعدو على رجليه عدواً لا يلحق، واسمه حبيب بن عبد الله، فخرج هو وأخواه صخر وصخير، حتى أصبحوا تحت جبل يقال له السطاع، في يوم من أيام الصيف شديد الحر، وهو متتأبط قربة لهم فيها ماء، فأيبستها السموم، وعطشوا حتى لم يكادوا أن يبصروا من العطش، فقال الأعلم لصاحبيه: أشرب من القربة لعلي أن أرد الماء فأروى منه وانتظراني مكانكما، وكانت بنو عدي بن الديل على ذلك الماء وهو ماء الأطواء، يتفيئون بنخل متأخر عن الماء قدر رمية سهم. فأقبل يمشي متلثماً، وقد وضع سيفه وقوسه ونبله فيما بينه وبين صاحبه، فلما برز للقوم مشى رويداً مشتملاً، فقال بعض القوم: من ترون الرجل؟ فقالوا: نراه بعض بني مدلج بن مرة.


ثم قالوا لبعضهم: الق الفتى، فاعرفه، فقال لهم: ما تريدون بذلك الرجل؟ هو آتيكم إذا شرب، فدعوه فليس بمفيتناً، فأقبل يمشي حتى رمى برأسه في الحوض مدبراً عنهم بوجهه، فلما روي أفرغ على رأسه من الماء، ثم أعاد نقابه، ورجع في طريقه رويداً، فصاح القوم بعبد لهم كان على الماء: هل عرفت الرجل الذي صدر؟ قال: لا، فقالوا: فهل رأيت وجهه؟ قال: نعم، هو مشقوق الشفة، فقالوا: هذا الأعلم، وقد صار بينه وبين الماء مقدار رمية سهم آخر، فعدوا في أثره، وفيهم رجل يقال له: جذيمة ليس في القوم مثله عدواً، فأغروه به، وطردوه فأعجزهم، ومر على سيفه وقوسه ونبله، فأخذه، ثم مر بصاحبيه فصاح بهما فضبرا معه، فأعجزوهم، فقال الأعلم في ذلك:

لما رأيت الـقـوم بـال

 

علياء دون قدي المناصب

وفريت مـن فـزع فـلا

 

أرمي ولا ودعت صاحب

يغرون صاحبهـم بـنـا

 

جهداً وأغري غير كاذب

أغري أخي صخرا لـيع

 

جزهم ومدوا بالحـلائب

وخشيت وقـع ضـريبة

 

قد جربت كل التجـارب

فأكون صـيدهـم بـهـا

 

وأصير للضبع السواغب

جزراً وللطير الـمـرب

 

ة والذئاب وللثـعـالـب

وهي قصيدة طويلة.
صوت صخر يرثي أخاه أبا عمرو وقالوا جميعاً: خرج صخر الغي وأخوه أبو عمرو في غزاة لهما، فباتا في أرض رملة، فنهشت أخاه أبا عمرو حية، فمات، فقال يرثيه:

لعمر أبي عمرو لقد ساقه المنا

 

إلى جدث يوزي له بالأهاضب

لحية جحر في وجار مـقـيمة

 

تنمى بها سوق المنا والجوالب

أخي لا أخا لي بعده سبقت بـه

 

منيته جمع الرقي والطبـائب

وذلك مما يحدث الدهـر إنـه

 

له كل مطلوب جثيث وطالب

يوزي له: يمني له. والإزاء: مهراق الدلو. والأهضب: الجبال وقالا الأثرم عن أبي عبيدة: خرج صخر الغي في طائفة من قومه يقدمها خوفاً من أبي المثلم، فأغار على بني المصطلق من خزاعة، فانتظر بقية أصحابه، ونذرت به بنو المصطلق، فأحاطوا به فقال:

لو أن أصحابي بنو معـاوية

 

أهل جنوب النخلة الشامية

ورهط دهمان ورهط عادية

 

ما تركوني للذئب العـاوية

وجعل يرميهم ويرتجز ويقول:

لو أن أصحابي بنو خنـاعة

 

أهل الندى والمجد والبراعه

تحت جلود البقر القـراعة

 

لمنعوا من هذه الـيراعـه

وقال أيضاً وهو يقاتلهم:

لو أن حولي من قريم رجلاً

 

بيض الوجوه يحملون النبلا

لمنعوني نـجـدة ورسـلا

 

سفع الوجوه لم يكونوا عزلا

مقتل صخر ورثاؤه يقول: منعوني بنجدة وشدة وعلى رسلهم بأهون سعي. قال: فلم يزل يقاتلهم حتى قتلوه وبلغ ذلك أبا المثلم، فقال يرثيه: رثاء أبي المثلم له

لو كان للدهر مال عند متـلـده

 

لكان للدهر صخر مال قنـيان

آبي الهضيمة آت بالعظيمة مت

 

لاف الكريمة لا سقط ولا واني

حامي الحقيقة نسال الوديقة مع

 

تاق الوسيقة جلد غير ثـنـيان

رقاء مرقبة، مناع مـغـلـبة

 

ركاب سلهبة، قطـاع أقـران

هبـاط أودية شـهـاد أنــدية

 

حمال ألوية سرحـان فـتـيان

السرحان: الأسد في لغة هذيل وفي كلام غيرهم الذئب

يحمي الصحاب إذا جد الضراب ويك

 

في القائلين إذا ما كبل الـعـانـي

فيترك القرن مصفـراً أنـامـلـه

 

كأن في ريطتيه نـضـخ إرقـان

الإرقان: اليرقان، يعني صفرته

يعطيك ما لا تكاد النفس تسلمه

 

من التلاد وهوب غير منـان