الجزء الثاني والعشرون - خبر لقيط ونسبه والسبب في قوله الشعر

خبر لقيط ونسبه والسبب في قوله الشعر

اسمه ونسبه هو لقيط بن يعمر. شاعر جاهلي قديم مقل، ليس يعرف له شعر غير هذه القصيدة وقطع من الشعر لطاف متفرقة.


غزو كسرى لإياد أخبرني بخبر هذا الشعر عمي قال: حدثني القاسم بن محمد الأنباري قال: حدثني أحمد بن عبيد قال: حدثني الكليبي عن الشرق بن القطامي قال: كان سبب غزو كسرى إياداً أن بلادهم أجدبت، فارتحلوا حتى نزلوا بسنداد ونواحيها، فأقاموا بها دهراً حتى أخصبوا وكثروا، وكانوا يعبدون صنماً يقال له: ذو الكعبين، وعبدته بكر بن وائل من بعدهم، فانتشروا ما بين سنداد إلى كاظمة وإلى بارق والخورنق، واستطالوا على الفرات، حتى خالطوا أرض الجزيرة، ولم يزالوا يغيرون على ما يليهم. من أرض السواد، ويغزون ملوك آل نصر، حتى أصابوا امرأة من أشراف العجم كانت عروساً قد هديت إلى زوجها، فولي ذلك منها سفهاؤهم وأحداثهم، فسار إليهم من كان يليهم من الأعاجم، فانحازت إياد إلى العراق وجعلوا يعبرون إبلهم في القراقير ويقطعون بها الفرات وجعل راجزهم يقول:

بئس مناخ الحلقات الـدهـم

 

في ساحة القرقور وسط اليم

وعبروا الفرات، وتبعهم الأعاجم، فقالت كاهنة من إياد تسجع لهم:

إن يقتلوا منكم غلاماً سلما

 

أو يأخذوا ذاك شيخاً هما

تخضبوا نحورهـم دمـاً

 

وترووا منهم سيوفاً ظما

فخرج غلام منهم يقال له ثواب بن محجن بإبل لأبيه فلقيته الأعاجم، فقتلوه، وأخذوا الإبل ولقيتهم إياد في آخر النهار، فهزمت الأعاجم.
قال: وحدثني بعض أهل العلم أن إياداً بينت ذلك الجمع حين عبروا شط الفرات الغربي، فلم يفلت منهم إلا القليل، وجمعوا به جماجمهم وأجسادهم، فكانت كالتل العظيم، وكان إلى جانبهم دير، فسمي دير الجماجم، وبلغ كسرى الخبر، فبعث مالك بن حارثة: أحد بني كعب بن زهير بن جشم في آثارهم، ووجه معه أربعة آلاف من الأساورة. فكتب إليهم لقيط.

يا دار عمرة من محتلها الجرعـا

 

هاجت لي الهم والأحزان والوجعا

وفيها يقول - قال الشرقي بن القطامي أنشدنيها أبو حمزة الثمالي :

يا قوم لا تأمنـوا إن كـنـتـم غـيراً

 

على نسائكم كسرى ومـا جـمـعـا

هو الجلاء الذي تبـقـى مـذلـتـه

 

إن طار طائركم يومـاً وإن وقـعـا

هو الفناء الذي يجـتـث أصـلـكـم

 

فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمـعـا

فقـلـدوا أمـركـم لـلـه دركــم

 

رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا

لا مترفاً إن رخاء العـيش سـاعـده

 

ولا إذا حل مكـروه بـه خـشـعـا

لا يطعم الـنـوم إلا ريث يبـعـثـه

 

هم يكاد حشاه يقطـع الـضـلـعـا

مسهد النـوم تـعـنـيه ثـغـوركـم

 

يروم منها إلى الأعداء مـطـلـعـا

ما انفك يحلب هذا الدهـر أشـطـره

 

يكون متبعـاً طـوراً ومـتـبـعـا

فلـيس يشـغـلـه مـال يثـمــره

 

عنكم ولا ولد يبغى لـه الـرفـعـا

حتى استمرت على شزر مـريرتـه

 

مستحكم السن لا قحما ولا ضـرعـا

كمالك بن قـنـان أو كـصـاحـبـه

 

زيد القنا حين لاقى الحارثين مـعـا

إذ عابه عـائب يومـاً فـقـال لـه:

 

دمث لجنبك قبل الليل مضطـجـعـا

فسـاوره فـألـفـوه أخـا عـلـل

 

في الحرب يختتل الرئبال والسبـعـا

عبـل الـذراع أبـيا ذا مـزابــنة

 

في الحرب لا عاجزا نكسا ولا ورعا

مستنجداً يتحـدى الـنـاس كـلـهـم

 

لو صارعوه جميعاً في الورى صرعا

هذا كتابي إلـيكـم والـنـذير لـكـم

 

لمن رأى الرأي بالإبرام قد نصـعـا

وقد بذلت لكم نصـحـي بـلا دخـل

 

فاستيقظوا إن خير العلم ما نـفـعـا

وجعل عنوان الكتاب:

سلام في الصحيفة من لقيط

 

إلى من بالجزيرة من إياد

بأن الليث كسرى قد أتاكـم

 

فلا يحبسكم سوق النـقـاد

موقعه مرج الأكم قال: وسار مالك بن حارثة التغلبي بالأعاجم حتى لقي إياداً، وهم غارون لم يلتفتوا إلى قول لقيط وتحذيره إياهم ثقة بأن كسرى لا يقدم عليهم. فلقيهم بالجزيرة في موضع يقال له مرج الأكم، فاقتتلوا قتالاً شديداُ، فظفر بهم، وهزمهم، وأنقذ ما كانوا أصابوا من الأعاجم يوم الفرات، ولحقت إياد بأطراف الشأم ولم تتوسطها خوفاً من غسان يوم الحارثين، ولاجتماع قضاعة وغشان في بلد خوفاً من أن يصيروا يداً واحدة عليهم فأقاموا، حتى أمنوا. ثم إنهم تطرفوهم إلى أن لحقوا بقومهم ببلد الروم بناحية أنقرة، ففي ذلك يقول الشاعر:

حلوا بأنقرة يسيل عـلـيهـم

 

ماء الفرات يجيء من أطواد

صوت

اللبين يا ليلى جمالـك تـرحـل

 

ليقطع منا البين ما كان يوصل؟

تعللنا بالوعد ثمـت تـلـتـوي

 

بموعودها حتى يموت المعلـل

ألم تر أن الحبل أصبح واهـنـاً

 

وأخلف من ليلى الذي كنـت آل

فلا الحبل من ليلى يؤاتيك وصله

 

ولا أنت تنهى القلب عنها فيذهل

عروضه من الطويل، الشعر لنصيب الأصغر مولى المهدي، والغناء ليحيى المكي خفيف رمل بالبنصر، وكذا نسبته تدل عليه.
وذكر عمرو بن بانة في نسخته أن خفيف الرمل لمالك وأنه بالوسطى، والصحيح أنه لابن المكي.