الجزء الثالث والعشرون - أخبار نصيب الأصغر

الجزء الثالث والعشرين

أخبار نصيب الأصغر

نصيب مولى المهدي، عبد نشأ باليمامة، واشتري للمهدي في حياة المنصور، فلما سمع شعره قال: والله ما هو بدون نصيب مولى بني مروان، فأعتقه، وزوجه أمة يقال لها: جعفرة. وكناه أبا الحجناء، وأقطعه ضيعة بالسواد، وعمر بعده.
وهذه القصيدة يمدح بها هارون الرشيد، وهي من جيد شعره، وفيها يقول:

خليلي إني ما يزال يشوقـنـي

 

قطين الحمى والظاعن المتحمل

فأقسمت لا أنسى ليالي منـعـح

 

ولا مأسل إذ منزل الحي مأسل

أمن اجل آيات ورسـم كـأنـه

 

بقية وحي أو رداء مسلـسـل

جرى الدمع من عينيك حتى كأنه

 

تحدر در أو جمان مـفـصـل

فيأيها الزنجي مـالـك والـصـبـا

 

أفق عن طلاب البيض إن كنت تعقل

فمثلك من أحبوشة الزنج قـطـعـت

 

وسائل أسـبـاب بـهـا يتـوسـل

قصدنا أمير الـمـؤمـنـين ودونـه

 

مهامه موماة من الأرض مجـهـل

على أرحبيات طوى السير فانطـوت

 

شمائلها مـمـا تـحـل وتـرحـل

إلى ملك صلت الـجـبـين كـأنـه

 

صفيحة مسنون جلا عنه صـيقـل

إذا انبلج البابـان والـسـتـر دونـه

 

بدا مثل ما يبدو الأغر المـحـجـل

شريكان فينا منـه عـين بـصـيرة

 

كلوء وقلب حافـظ لـيس يغـفـل

فما فات عينـيه وعـاه بـقـلـبـه

 

فآخـر مـا يرعـى ســواء وأول

وما نازعت فينـا أمـورك هـفـوة

 

ولا خطلة في الرأي والرأي يخطل

إذا اشتبهت أعـنـاقـه بـينـت لـه

 

معارف في أعجازه وهو مـقـبـل

لئن نال عبد الـلـه قـبـل خـلافة

 

لأنت من العهد الذي نلت أفـضـل

وما زادك العهد الذي نلت بـسـطة

 

ولكن بتقوى الله أنـت مـسـربـل

ورثت رسول الله عضواً ومفـصـلاً

 

وذا من رسول الله عضو ومفصـل

إذا ما دهتنـا مـن زمـان مـلـمة

 

فليس لنا إلا عـلـيك الـمـعـول

على ثقة منـا تـحـن قـلـوبـنـا

 

إليك كـمـا كـنـا أبـاك نـؤمـل

       

وهي قصيدة طويلة، هذا مختار من جميعها.


أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد. قال: حدثني محمد بن عبد الله بن مالك، قال: حدثني أبي، قال: وجه المهدي نصيباً الشاعر مولاه إلى اليمن في شراء إبل مهرية، ووجه معه رجلاً من الشيعة، وكتب معه إلى عامله على اليمن بعشرين ألف دينار، قال: فمد أبو الحجناء يده في الدنانير ينفقها في الأكل والشرب، وشراء الجواري والتزويج، فكتب الشيعي بخبره إلى المهدي، فكتب المهدي في حمله موثقاً في الحديد.
فلما دخل على المهدي أنشده شعره، وقال:

تأوبني ثقل من الهـم مـوجـع

 

فأرق عيني والخليون هـجـع

هموم توالت لو أطاف يسيرهـا

 

بسلمى لظلت شمها تتـصـدع

ولكنها نيطت فناء بحمـلـهـا

 

جهير المنايا حائن النفس مجزع

وعادت بلاد الله ظلماء جندسـاً

 

فخلت دجى ظلمائها لا تقشـع

وهي قصيدة طويلة يقول فيها:

إليك أمير المـؤمـنـين ولـم أجـد

 

سواك مجيراً منـك يدنـى ويمـنـع

تلمست هل من شافع لي فـلـم أجـد

 

سوى رحمة أعطاكها الله تـشـفـع

لئن جلت الأجرام مني وأفـظـعـت

 

لعفوك عن جرمـي أجـل وأوسـع

لئن لم تسعني يا بـن عـم مـحـمـد

 

لما عجزت عـنـي وسـائل أربـع

طبعت عليها صبـغة ثـم لـم تـزل

 

على صالح الأخلاق والدين تطـبـع

تغابيك عن ذي الذنب ترجو صلاحـه

 

وأنت ترى ما كان يأتـي ويصـنـع

وعفوك عمن لـو تـكـون جـريمة

 

لطارت به في الجو نكبـاء زعـزع

وأنك لا تنفـك تـنـعـش عـاثـراً

 

ولم تعترضه حين يكبـو ويخـمـع

وحلمك عن ذي الجهل من بعدما جرى

 

به عنق من طائش الجهـل أشـنـع

ففيهن لي إما شـفـعـن مـنـافـع

 

وفي الأربع الأولى إلـيهـن أفـزع

مناصحتي بالفعـل إن كـنـت نـائياً

 

إذا كان دان منك بـالـقـول يخـدع

وثانية ظنـي بـك الـخـير غـائبـاً

 

وإن قلت عبد ظاهر الغش مسـبـع

وثالـثة أنـي عـلـى مـا هـويتـه

 

وإن كثر الأعداء فـي وشـنـعـوا

ورابـعة أنـي إلـيك يسـوقـنــي

 

ولائي فـمـولاك الـذي لا يضـيع

وإني لمـولاك الـذي إن جـفـوتـه

 

أتى مسكـينـاً راهـبـاً يتـضـرع

وإني لمولاك الضعيف فـأعـفـنـي

 

فإني لعفة منـك أهـل ومـوضـع

فقطع المهدي عليه الإنشاد، ثم قال له: ومن أعتقك يا بن السوداء! فأومأ بيده إلى الهادي، وقال: الأمير موسى يا أمير المؤمنين، فقال المهدي لموسى: أعتقته يا بني؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. فأمضى المهدي ذلك وأمر بحديده، ففك عنه، وخلع عليه عدة من الخلع الوشي والخز والسواد والبياض، ووصله بألفي دينار، وأمر له بجارية يقال لها: جعفرة جميلة فائقة من روقة الرقيق.


فقال له سالم قيم الرقيق: لا أدفعها إليك أو تعطيني ألف درهم، فقال قصيدته:

أآذن الحي فانصاعوا بترحال

 

فهاج بينهم شوقي وبلبالـي

وقام بها بين يدي المهدي فلما قال:

ما زلت تبذل لي الأموال مجتهـداً

 

حتى لأصبحت ذا أهـل وذا مـال

زوجتني يا بن خير الناس جـارية

 

ما كان أمثالها يهدى لأمـثـالـي

زوجتني بضة بـيضـاء نـاعـمة

 

كأنـهـا درة فـي كـــف لآل

حتى توهمت أن الله عـجـلـهـا

 

يا بن الخلائف لي من خير أعمالي

فسألني سالم ألفـاً فـقـلـت لـه

 

أنى لي الألف يا قبحت من سـال!

- أراد: من سائل، كما قالوا: شاكي السلاح وشائك -:

هيهات ألفـك إلا أن أجـيء بـهـا

 

من فضل مولى لطيف المن مفضال

فأمر له المهدي بألف دينار ولسالم بألف درهم.


قال ابن أبي سعد وحدثني غير محمد بن عبد الله: أنه حبس باليمن مدة طويلة، ثم أشخص إلى المهدي، فقال وهو في الحبس، ودخلت إليه ابنته حجناء، فلما رأت قيوده بكت، فقال:

لقد أصبحت حجناء تبكي لوالـد

 

بدرة عين قل عنه غـنـاؤهـا

أحجناء صبراً، كل نفس رهـينة

 

بموت ومكتوب عليها بلاؤهـا

أحجناء أسباب المنايا بمـرصـد

 

فإلا يعاجل غدوها فمسـاؤهـا

أحجناء إن أفلت من السجن تلقني

 

حتوف منايا لا يرد قضـاؤهـا

أحجناء إن أضحى أبوك ودلـوه

 

تعرت عراً منها ورث رشاؤها

لقد كان يدلى في رجال كثـيرة

 

فيمتح ملأى وهي صفر دلاؤها

أحجناء إن يصبح أبوك ونفسـه

 

قليل تمنيها قصـير عـزاؤهـا

لقد كان في دنيا تفـيأ ظـلـهـا

 

عليه ومجلوب إليه بـهـاؤهـا

قال ابن أبي سعد: ولما دخل نصيب على المهدي مقيداً رفده ثمامة بن الوليد العبسي عمده واستعطفه له، وسوغ عذره عنده، ولم يزل يرقق به، حتى أمر بإطلاقه، وكان نصيب في متقدم الأيام منقطعاً إلى أخيه شيبة فقال فيه:

أثمام إنك قد فكـكـت ثـمـامـا

 

حلقا برين من النصيب عظامـا

حلقاً توسطها العمود فـلـزهـا

 

لولا ثـمـامة والإلـه لـدامـا

الله أنـقـذنـي بـه مـن هـوة

 

تيهاء مهلكة تـكـون رجـامـا

فلأشكرنك يا ثمامة مـا جـرت

 

فرق السحاب كنهوراً وركـامـا

ولأشكرنك يا ثمـامة مـا دعـت

 

ورق الحمام على الغصون حماما

وخلفت شيبة في المقـام ولا أرى

 

كمقام شيبة في الرجال مقـامـا

أغنى إذا التمس الرجال غـنـاءه

 

في كل نازلة تكـون غـرامـا

وأعم منفـعة وأكـرم حـائطـاً

 

تهدي إلـيه تـحـية وسـلامـا

لا يبعدن ابـن الـولـيد فـإنـه

 

قد نال من كل الأمور جسـامـا

لو من سوى رهط النبي خـلـيفة

 

يدعى لكان خـلـيفة وإمـامـا

قال ابن أبي سعد: ودخل نصيب على ثمامة بعد وفاة أخيه شيبة، وهو يفرق خيله على الناس، فأمر له بفرس منها؛ فأبى أن يقبله؛ وبكى، ثم قال:

يا شيبة الخير إما كنت لي شجناً

 

آليت بعدك لا أبكي على شجن

أضحت جياد أبي القعقاع مقسمة

 

في الأقربين بلا من ولا ثمـن

ورثتهم فتعزوا عنك إذ ورثـوا

 

وما ورثتك غير الهم والحـزن

فجعل ثمامة ومن عنده حاضر من أهله وإخوانه يبكون.


وشيبة بن الوليد هذا وأخوه من وجوه قواد المهدي.


وفي شيبة يقول أبو محمد اليزيدي يهجوه، وكان عارضه في شيء من النحو بحضرة المهدي:

عش بجد فلن يضرك نوك

 

إنما عيش من ترى بالجدود

عش بجد وكن هبنقة القـي

 

سي جهلاً أو شيبة بن الوليد

أخبرنا بذلك محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عن أبيه.
أخبرني عمي قال: حدثنا القاسم بن محمد الأنباري، قال: حدثنا عبد الله بن بشر البجلي عن النضر بن طاهر قال: أتى نصيب مولى المهدي عبد الله بن محمد بن الأشعث، وهو يتقلد صنعاء للمهدي، فمدحه، فلم يثبه، واستكساه برداً فلم يكسه، فقال يهجوه:

سأكسوك من صنعاء ما قد كسوتـنـي

 

مقطعة تبقى عـلـى قـدم الـهـر

إذا طويت كانت فضـوحـك طـيهـا

 

وإن نشرت زادتك خزياً على النشـر

أغرك أن بـيضـت بـيت حـمـامة

 

وقلت: أنا شبعان منتفخ الـخـصـر

لقد كنت في سلح سلحت مـخـافة ال

 

حرورية الشارين داع إلى الـضـر

ولكنه يأبى بـك الـبـهـر كـلـمـا

 

جريت مع الجاري وضيق من الصدر

قال النضر: وكان النصيب ملعوناً، هجاء، فأهدى للربيع بن عبد الله بن الربيع الحارثي فرساً فقبله، ثم ندم خوفاً من ثقل الثواب، فجعل يعيب الفرس، ويذكر بطأه وعجزه، فبلغ ذلك النصيب، فقال:

أعبت جوادنا ورغبت عنـه

 

وما فيه لعمرك من معـاب

وما بجوادنا عجـز ولـكـن

 

أظنك قد عجزت عن الثواب

فأجابه الربيع فقال:

رويدك لا تكن عجلاً إلينـا

 

أتاك بما يسوءك من جواب

وجدت جوادكم فدماً بطـيئاً

 

فما لكم لدينا مـن ثـواب

فلما كان بعد أيام رأى النصيب الفرس تحت الربيع فقال له:

أخذت مشهراً في كل أرض

 

فعجل يا ربيع مشهـرات

يمانية تـخـيرهـا يمـان

 

منمنمة البيوت مقطعـات

وجارية أضلـت والـديهـا

 

مولدة وبـيضـاً وافـيات

فعجلها وأنفـذهـا إلـينـا

 

ودعنا من بنات الترهـات

فأجابه الربيع فقال:

بعثت بمقرف حطـم إلـينـا

 

بطيء الحضر ثم تقول: هات

فقال النصيب:

في سبيل الله أودى فرسي

 

ثم عللت بأبـيات هـزج

كنت أرجو من ربيع فرجاً

 

فإذا ما عنده لي من فرج

بيض الدراهم بد بيض الغواني: قال: ثم خرج الربيع إلى مكة، وقد كان وعد النصيب جارية، فلم يعطه، وأمر ابنه أن يدفع إليه ألفي درهم ففعل، فقال النصيب:

ألا أبلغا عني الربـيع رسـالة

 

ربيع بني عبد المدان الأكـارم

أعزت عليك البيض لما أرغتها

 

فرغت إلى إعداد بيض الدراهم

ألم تر أني غير مستطرف الغنى

 

حديث وأني من ذؤابة هاشـم؟

وأنك لم تهبط من الأرض تلعة

 

ولا نجوة إلا بعهدي وخاتمـي

قال: ثم قدم الربيع فأهدى إلى دفافة بن عبد العزيز العبسي طبق تمر، فقال فيه دفافة:

بعثت بتمر في طبـيق كـأنـمـا

 

بعثت بياقوت توقد كالـجـمـر

فلو أن ما تهدي سنياً قـبـلـتـه

 

ولكنما أهديت مثلك في الـقـدر

كأن الذي أهديت من بعـد شـقة

 

إلينا من الملقى على ضفة الجسر

فأجابه الربيع فقال:

سل الناس إما كنت لا بـد طـالـبـاً

 

إليهم بألا يحملـوك عـلـى الـقـدر

فإنك إن تحمل على القـدر لا تـنـل

 

يد الدهر من بر فـتـيلاً ولا بـحـر

لقد كنت منـي فـي غـدير وروضة

 

وفي عسل جم وما شئت من خـمـر

وما كنت مناناً لـكـن كـفـرتـنـي

 

وأظهرت لي ذماً فأظهرت من عذري

لعمري لقد أعطيت ما لسـت أهـلـه

 

ولا أهل ما يلقى على ضفة الجسـر

فبلغت أبياتهما نصيباً، فشمت بالربيع، وقال فيه هذه القصيدة:

رضيتكما حرصاً ومنعـاً ولـم يكـن

 

يهيجكما إلا الحـقـير مـن الأمـر

متى يجتمع يوماً حـريص ومـانـع

 

فليس إلى حمـد سـبـيل ولا أجـر

أحار بن كعب إن عبساً تغلـغـلـت

 

إلى السير من نجران في طلب التمر

فكيف ترى عبساً وعبـس حـريصة

 

إذا طمعت في التمر من ذلك العبـر

لقد كنتما في التمر لـلـه أنـتـمـا

 

شبيهين بالملقى على ضفة الجسـر

أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي، قال: حدثت من غير وجه:  

أن النصيب دخل على الفضل بن يحيى بن خالد مسلماً، فوجد عنده جماعة من الشعراء قد امتدحوه، فهم ينشدونه، ويأمر لهم بالجوائز، ولم يكن امتدحه، ولا اعد له شيئاً. فلما فرغوا - وكان يروى قولاً في نفسه - استأذن في الإنشاد، ثم أنشد قصيدته التي أولها قوله:

طرقتك مية والمزار شطـيب

 

وتثيبك الهجران وهي قـريب

للـه مـية خـلة لـو أنـهـا

 

تجزي الوداد بؤدها وتـثـيب

وكأن مية حين أتلـع جـيدهـا

 

رشاً أغن من الظبـاء ربـيب

نصفان ما تحت المؤزر عاتـك

 

دعص أغر وفوق ذاك قضيب

ما للمنازل لا تكـاد تـجـيب

 

أني يجيبك جنـدل وجـبـوب

جادتك من سبل الـثـريا ديمة

 

ريا ومن نوء السماك ذنـوب

فلقد عهدت بك الحلال بغبـطة

 

والدهر غض والجناب خصيب

إذ للشباب علي من ورق الصبا

 

ظل وإذ غصن الشباب رطيب

طرب الفؤاد ولات حين تطرب

 

إن الموكل بالصبا لـطـروب

وتقول مية ما لمثلك والصـبـا

 

واللون أسود حالك غربـيب؟

شاب الغراب وما أراك تشـيب

 

وطلابك البيض الحسان عجيب

أعلاقة أسبـابـهـن وإنـمـا

 

أفنان رأسك فلـفـل وزبـيب

لا تهزئي مني فربـت عـائب

 

ما لا يعيب الناس وهو معيب

ولقد يصاحبني الكرام وطالمـا

 

يسمو إلي السيد المحـجـوب

وأجر من حلل الملوك طرائفـا

 

منها علي عصائب وسـبـيب

وأسالب الحسناء فضل إزارها

 

فأصورها وإزارها مسلـوب

وأقول منقوح البـدي كـأنـه

 

برد تنافسه التجـار قـشـيب

يقول فيها في مدح الفضل:

والبرمكي إذا تـقـارب سـنـه

 

أو باعدته السن فهـو نـجـيب

خرق العطاء إذا استهل عطـاؤه

 

لا متبع منـا ولا مـحـسـوب

يا آل برمك ما رأينا مـثـلـكـم

 

ما منـكـم إلا أغـر وهـوب

وإذا بدا الفضل بن يحيى هبـتـه

 

لجلاله إن الجـلـيل مـهـيب

قاد الجياد إلى العـدا وكـأنـهـا

 

رجل الجراد تسوقهن جـنـوب

قبا تباري فـي الأعـنة شـزبـا

 

تدع الحزون كأنهـن سـهـوب

من كل مضطرب العنان كـأنـه

 

ذئب يبـادره الـفــريسة ذيب

تهوي بكل مـغـاور عـاداتـه

 

صدق اللقاء فما لـه تـكـذيب

حتى صبحن الطالبي بـعـارض

 

فيه المنايا تغـتـدي وتـثـوب

خاف ابن عبد الله ما خـوفـتـه

 

فجفاك ثم أتاك وهـو مـنـيب

ولـقـد رآك الـمـوت إلا أنـه

 

بالظن يخطـئ مـرة ويصـيب

فرمى إليك بنفسه فنـجـا بـهـا

 

أجل إليه ينتـهـي مـكـتـوب

فكسوتـه ثـوب الأمـان وإنـه

 

لا حبلـه واه ولا مـقـضـوب

شمنا إليك مـخـيلة لا خـلـبـاً

 

في الشيم إذ بعض البروق خلوب

إنا علـى ثـقة وظـن صـادق

 

مما نؤملـه فـلـيس نـخـيب

يجيزه الفضل فيشكره شعراً: قال: فاستحسنها الفضل، وأمر له بثلاثين ألف درهم، فقبضها، ووثب قائماً، وهو يقول:

إني سأمتدح الفضل الذي حنـيت

 

منا عليه قلوب البر والضـلـع

جاد الربيع الذي كنـا نـؤمـلـه

 

فكلنا بربيع الفضل مـرتـبـع

كانت تطول بنا في الأرض نجعتنا

 

فاليوم عند أبي العباس ننتـجـع

إن ضاق مذهبنا أو حل ساحتـنـا

 

ضنك وأزم فعند الفضل متسـع

ما سلم الله نفس الفضل من تلـف

 

فما أبالي أقام الناس أم رجعـوا

إن يمنعوا ما حوت منا أكفـهـم

 

فلن يضر أبا الحجناء ما منعـوا

أو حلئونا وذادوا عن حياضـهـم

 

يوم الشروع ففي غدرانك الشرع

يا ممسكاً بعرا الدنيا إذا خـشـيت

 

منها الزلازل والأمر الذي يقـع

قد ضرستك الليالي وهي خالـية

 

وأحكمتك النهى والأزلم الجـذع

فغادراً منك حزناً عن معاسرة

 

سهل الجناب يسيراً حين يتبع

لم يفتلتك نقيراً عن مخـادعة

 

دهي الرجال وللسؤال تنخدع

فأنت مصطلح بالملك تحملـه

 

كما أبوك بثقل الملك مضطلع

قال ابن أبي سعد: لما حجت أم جعفر زبيدة لقيها النصيب، فترجل عن فرسه وأنشأ يقول:

سيستبشر البيت الحرام وزمـزم

 

بأم ولي العهد زين المـواسـم

ويعلم من وافى المحصب أنهـا

 

ستحمل ثقل الغرم عن كل غارم

بنو هاشم زين البرية كـلـهـا

 

وأم ولي العهد زين لـهـاشـم

سليلة أملاك تفرعـت الـذرى

 

كرام لأبناء الملـوك الأكـارم

فوالله ما ندري: أفضل حديثهـا

 

عليهم به تسمو أم المـتـقـادم

يظن الذي أعطته منهـا رغـيبة

 

يقص عليه الناس أحـلام نـائم

فأمرت له بعشرة آلاف درهم وفرس، فأعطيه بلا سرج؛ فتلقاها لما رحلت وقال:

لقد سادت زبيدة كـل حـي

 

وميت ما خلا الملك الهماما

تقى وسماحة وخلوص مجد

 

إذا الأنساب أخلصت الكراما

إذا نزلت منازلهـا قـريش

 

نزلت الأنف منها والسنامـا

وأعطيت اللهى لكن طرفي

 

يريد السرج منكم واللجامـا

فأمرت له بسرج ولجام.
قال ابن أبي سعد: خرج المهدي يتنزه بعيسى باذ ، وقدم النصيب، ومعه ابنته حجناء، فدخل على المهدي، وهي معه، فأنشدته قولها فيه:

رب عـــيش ولـــذة ونــــعـــــــيم

 

وبـهـاء بـــمـــشـــرق الـــمـــيدان

بسـط الـلـه فـيه أبـــهـــى بـــســـاط

 

من بـــهـــار وزاهـــر الـــحـــوذان

ثم من ناضر من العشب الأخضر يزهو شقائق النعمان

 

 

مده الله بالتحاسين حتى

 

قصـرت دون طـولـــه الـــعـــينـــان

حقـقـت حـافـتـاه حـيث تـــنـــاهـــى

 

بخـيام فـي الـعـين كـالـظـــلـــمـــان

زينـوا وسـطـهـــا بـــطـــارمة مـــث

 

ل الـثـريا يحـفـهـــا الـــنـــســـران

ثم حـشـو الـخـيام بــيض كـــأمـــثـــا

 

ل الـمـهـا فـي صـرائم الـكــثـــبـــان

يتـجـاوبـن فـي غـــنـــاء شـــجـــي

 

أسـعـدانـي يا نـخـلـتـــي حـــلـــوان

فبـقـصـر الـسـلام مـن ســـلـــم ألـــل

 

ه وأبـقـى خــلـــيفة الـــرحـــمـــن

ولـديه الـغـزلان بــل هـــن أبـــهـــى

 

عنـــده مـــن شـــوادن الـــغـــزلان

يا لـــه مـــنـــظـــراً ويوم ســــرور

 

شهـدت لـــذتـــيه كـــل حـــصـــان

فأمر لها المهدي بعشرة آلاف درهم، وله بمثلها؛ قال: ثم دخلت الحجناء على العباسة بنت المهدي، فأنشدتها تقول:

أتيناك يا عباسة الخير والـحـيا

 

وقد عجفت أدم المهاري وكلت

وما تركت منا السنون بـقـية

 

سوى رمة منا من الجهد رمت

فقال لنا من ينصح الرأي نفسه

 

وقد ولت الأموال عنا فقلـت

عليك ابنة المهدي عودي ببابها

 

فإن محل الخير في حيث حلت

فأمرت لها بثلاثة آلاف درهم وكسوة وطيب، فقالت:

أغنيتني يا بنة المهدي أي غنى

 

بأعجرين كثير فيهما الورق

- أي: اغنيتني على عقب ما أغناني أخوك. بأعجرين: بكيسين -:

من ضرب تسع وتسعين محكـكة

 

مثل المصابيح في الظلماء وتأتلق

أما الحسود فقد امسى تغـيظـه

 

غما وكاد يرجع الريق يختـنـق

وذو الصداقة مسرور بنـا فـرح

 

بادي البشارة ضاح وجهه شرق

وقال ابن أبي سعد: كان إسحاق بن الصباح الأشعثي صديقاً للنصيب، وقدم قدمة من الحجاز، فدخل على إسحاق؛ وهو يهب لجماعة وردوا عليه براً وتمراً، فيحملونه على إبلهم، فوهب لنصيب جارية حسناء يقال لها: مسرورة، فأردفها خلفه، ومضى وهو يقول:

إذا احتقبوا براً فأنت حـقـيبـتـي

 

من البشريات الثقال الـحـقـائب

ظفرت بها من أشعثـي مـهـذب

 

أغر طويل الباع جم الـمـواهـب

فدى لك يا إسحاق كـل مـبـخـل

 

ضجور إذا عضت شداد النـوائب

إذا ما بخيل القـوم غـيب مـالـه

 

فمالك عد حاضـر غـير غـائب

إذا اكتسب القوم الثـراء فـإنـمـا

 

ترى الحمد غنماً من كريم المكاسب

وقال فيه أيضاً:  

فتى من بني الصباح يهتز للنـدى

 

كما اهتز مسنون الغرار عتـيق

فتى لا يذم الضيف والجار رفـده

 

ولا يجتويه صـاحـب ورفـيق

أغر لأبناء الـسـبـيل مـوارد

 

إلى بيته تـهـديهـم وطـريق

وإن عد أنساب الملوك وجـدتـه

 

إلى نسب يعـلـوهـم ويفـوق

فما في بني الصباح إن بعد المدى

 

على الناس إلا سابـق وعـريق

وإني لمن شاحنتم لـمـشـاحـن

 

وإني لمن صادقتـم لـصـديق

قال: وكان النصيب إذا قدم على المهدي استهداه القواد منه، وسألوه أن يأمره بزيارتهم، فكان فيمن استزاره خزيمة بن خازم، فوصله وحمله، وقال فيه:

وجـدتـك يا خـزيمة أريحـيا

 

إذا تفاضل يوماً معجم الـعـود

إني لواحد شعر قد عرفـت بـه

 

وذا خزيمة أضحى واحد الجود

إن يعطك اليوم معروفاً بعدك غداً

 

فأنت في نائل منه ومـوعـود

وقد رأينا تميماً غير مـكـرهة

 

ألقت إليك جميعاً بالمـقـالـيد

فأنت أكرمها نفساً وأفضـلـهـا

 

إن الصناديد أبناء الـصـنـاديد

قال: وكان في غزاة سمالو مع المهدي. فوقف به فرسه، ومر به جعد مولى عبد الله بن هشام بن عمرو، وبين يديه فرس يجنب فقال له: قد ترى قيام فرسي تحتي، فاردد إلي جنيبك حتى يتروح فرسي ساعة، فسكت، ولم يجبه فقال فيه:

أنادي بأعلى الصوت جعداً وقد يرى

 

مكاني ولكن لا يجـيب ويسـمـع

ولم يرني أهلاً لـحـسـن إجـابة

 

ولا سوئها إني إلى الـلـه أرجـع

فلو أنني جازيت جعداً بـفـعـلـه

 

لقد لاح لي فيه من الشعر موضع

ولكنني جافـيت عـنـه لـغـيره

 

بحسن الذي يأتي إلـي ويصـنـع

رأيتك لم تحفـظ قـرابة بـينـنـا

 

وما زالت القربى لدى الناس تنفع

قال: وسأل عبد الله بن يحيى بن سليمان مركباً، فأعطاه إياه، وجعل معه شريكاً له فيه، فقال:

لقد مدحت عبيداً إذ طمعـت بـه

 

وقد تملقته لو ينفـع الـمـلـق

فعاد يسأل ما أصبحـت سـائلـه

 

فكلنا سائل في الحرص متـفـق

أحين سار مديحي فيكم طـرقـاً

 

وحيث غنت به الركبان والرفـق

قطعت حبل رجاء كنـت آمـلـه

 

فيما لديك فأضحى وهو منحـذق

قد كان أورق عودي من أبيك فقد

 

لحيت عودي فجف العود والورق

من نازع الكلب عرقاً يرتجى شعباً

 

كمصطل بحريق وهو يحتـرق

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: كتب إلي أبو محمد إسحاق بن أبي إبراهيم يقول: أنشدت الفضل بن يحيى قول أبي الحجناء نصيب:

عند الملوك مضرة ومنـافـع

 

وأرى البرامك لا تضر وتنفع

إن العروق إذا استسر بها الثرى

 

أشر النبات بها وطاب المزرع

فإذا أنكرت من امرئ أعراقـه

 

وقديمه فانظر إلى ما يصنـع

قال: فأعجبه الشعر، فقال: يا أبا محمد، كأني والله لم أسمع هذا القول إلا الساعة، وما له عندي عيب إلا أني لم أكافئه عليه. قال: قلت: وكيف ذلك أصلحك الله، وقد وهبت له ثلاثين ألف درهم ! فقال: لا والله ما ثلاثون ألف دينار بمكافئة له، فكيف ثلاثون ألف درهم ! أخبرني أحمد بن عبد الله بن عمار قال: أخبرني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال: كان أبي يستملح قول نصيب وقد رأى كثرة الشعراء على باب الفضل بن يحيى. فلما دخل الناس إليه قال له:

ما لقينا من جود فضل بن يحيى

 

ترك الناس كلهـم شـعـراء

ويقول: ما في الدنيا أحسن من هذا المعنى، وعلى أنه قد أخذ منهم مالاً جليلاً ولكن قلما سمعت بطبقته مثله.

طاف الخيال ولات حين تطرب

 

أن زار طيف موهناً من زينب

طرقت فنفرت الكرى عن نائم

 

كانت وسادته ذراع الأرحبـي

فبكى الشباب وعهده وزمانـه

 

بعد المشيب وما بكآء الأشيب!

عروضه من الكامل، الشعر لأبي شراعة القيسي، والغناء لدعامة البصري خفيف رمل بالبنصر من كتاب الهشامي.