أخبار عمر الميداني
هو رجل من أهل بغداد كان ينزل الميدان فعرف به، وكان لا يفارق محمداً وعلياً ابني أمية وأبا حشيشة، ينادمهم ويغني في أشعارهم، وكان منزله قريباً منهم، وهو أحد المحسنين المتقدمين في الصنعة والأداء.
حدثني جحظة: قال: وسمعت ابن دقاق في منزل أبي العبيس بن حمدون يقول: سمعت
أبا حشيشة والمسدود، ومن قبلهما من الطنبوريين، فما سمعت منهم أصح غناء ولا
أكثر تصرفاً من عمر الميداني.
حدثني جحظة: قال: حدثني علي بن أمية: قال: دخلت يوماً على عمر الميداني،
وكان له بقال على باب داره ينادمه ولا يفارقه، ويقارضه إذا أعسر، ويتصرف في
حوائجه، فإذا حصلت له دراهم دفعها إليه يقبض منها ما رأى، لا يسأله عن شيء،
فوجدت عنده يومئذ هذا البقال، فقال لنا عمر: معي أربعة دراهم تعطوني منها
لعلف حماري درهماً، والثلاثة لكم، فكلوا بها ما أحببتم. وعندي نبيذ، وأنا
أغنيكم، والبقال يحذرنا من الأبقال اليابسة ما في حانوته. فوجهنا بالبقال.
فاشترى لنا بدرهم لحماً. وبدرهم خبزاً. وبدرهم فاكهة وريحاناً. وجاءنا من
حانوته السكباج ونقل. فبينا نحن نتوقع الفراغ من القدر إذا بفرانق يدق
الباب. فأدخله عمر: فقال له: أجب الأمير إسحاق بن إبراهيم. فحلف علينا عمر
بالطلاق ألا نبرح، ومضى هو؛ وأكلنا السكباج وشربنا وانصرف عشاء. وبكر إلي
رسوله في السحر أن صر إلي، فصرت إليه، فقلت: أعطني خبرك من النعل إلى النعل
. قال: دخلت فوضعت بين يدي مائدة كأنها جزعة يمانية قد فرشت في عراصها
الحبر فأكلت وسقبت رطلين، ودفع إلي طنبور. فدخلت إلى إسحاق، فوجدته في
الصدر جالساً، وخلفه ستارة. وعن يمينه مخارق وعن يساره علويه. فقال لي: أنت
عمر الميداني؟ فقلت: نعم. فقال: أ أكلت؟ فقلت: نعم قال: ها هنا أو في
منزلك؟ فقلت: بل ها هنا، قال: أحسنت، فغن بصوتك الذي صنعته في:
يا شبيه الهلال كلل في الأفق أنجما |
وهو رمل مطلق، فغنيته فضرب الستارة. وقال: قولوه أنتم، فقالوه، فقال: لمخارق وعلوية: كيف تسمعان؟ فقالا: هذا الله ذا. وذا ذاك، فرددته مراراً. وشرب عليه. وقال لي: أنا اليوم على خلوة ولك علي دعوات، فانصرف اليوم بسلام. فخرجت ودفع إلي الغلام خمسة آلاف درهم. فهي هذه، والله لا استأثرت عليكم كمها بدرهم. فلم نزل عنده نقصف حتى نفدت.
أمين الخالق البـاري |
|
وراعى كل مخلـوق |
أدر راحك في المعشو |
|
ق من راحة معشوق |
الشعر لأبي أيوب سليمان بن وهب. والغناء للقاسم بن زرزور ثقيل أول بالبنصر من جامع غنائه المأخوذ عن أبيه أبي القاسم عبيد الله بن القاسم.