الجزء الثالث والعشرون - أخبار تويت ونسبه

أخبار تويت ونسبه

تويت لقب، واسمه عبد الملك بن عبد العزيز السلولي من أهل اليمامة، لم يقع لي غير هذا وجدته بخط أبي العباس بن ثوابة، عن عبد الله بن شبيب من أخبار رواها عنه.


وتويت أحد الشعراء اليماميين من طبقة يحيى بن طالب وبني أبي حفصة وذويهم، ولم يقد إلى خليفة، ولا وجدت له مديحاً في الأكابر والرؤساء فأخمل ذلك ذكره، وكان شاعراً فصيحاً نشأ باليمامة وتوفي بها.


قال عبد الله بن شبيب: كان تويت يهوى امرأة من أهل اليمامة يقال لها: سعدى بنت أزهر، وكان يقول فيها الشعر، فبلغها شعره من وراء وراء، ولم تره، فمر بها يوماً، وهي مع أتراب لها، فقلن: هذا صاحبك، وكان دميماً، فقامت إليه وقمن معها، فضربته، وخرقن ثيابه، فاستعدى عليهن فلم يعده الوالي، فأنشأ يقول:

إن الغواني جرحن في جسدي

 

من بعد ما قد فرغن من كبدي

وقد شققن الرداء ثـمـت لـم

 

يعد عليهن صاحب الـبـلـد

لم يعدني الأحول المشوم وقـد

 

أبصر ما قد صنعن في جسدي

قال: فلما جرى هذا بينه وبينها عقد له في قلبها رقة، وكانت تتعرض له إذا مر بها، واجتاز يوماً بفنائها فلم تتوار عنه، وأرته أنها لم تره، فلما وقف ملياً سترت وجهها بخمارها، فقال تويت:

ألا أيها الثار الذي لـيس نـائمـاً

 

على ترة إن مت من حبها غـدا

خذوا بدمي سعدى فسعدى منيتهـا

 

غداة النقا صادت فؤاداً مقصـدا

بآية ما ردت غـداة لـقـيتـهـا

 

على طرف عينيها الرداء الموردا

قال ابن شبيب: ولقيها راحلة نحو مكة حاجة، فأخذ بخطام بعيرها وقال:

قل للتي بكرت تريد رحـيلاً

 

للحج إذ وجدت إليه سبـيلا

ما تصنعين بحجة أو عمـرة

 

لا تقبلان وقد قتلت قتـيلا

أحيي قتيلك ثم حجي وانسكي

 

فيكون حجك طاهراً مقبولا

فقالت له: أرسل الخطام، خيبك الله وقبحك، فأرسله، وسارت.

قال عبد الله بن شبيب: ثم تزوجها أبو الجنوب يحيى بن أبي حفصة، فحجبها، وانقطع ما كان بينها وبين تويت، فطفق يهجو يحيى فقال:  

عناء سيق للقلب الـطـروب

 

فقد حجبت معذبة القـلـوب

أقول وقد عرفت لها مـحـلاً

 

ففاضت عبرة العين السكوب

ألا يا دار سعدى كـلـمـينـا

 

وما في دار سعدى من مجيب

ولما ضمها وحوى عـلـيهـا

 

تركت له بعاقبة نـصـيبـي

وقلت: زحام مثلك مثل يحـيى

 

لعمرك ليس بالرأي المصيب

فما لك مثل لـمـتـه تـدرى

 

ومالك مثل بخل أبي الجنوب

إذا فقد الرغيف بكى عـلـيه

 

وأتبع ذاك تشقيق الـجـيوب

يعذب أهله في القرص حتـى

 

يظلوا منه في يوم عصـيب

وقال أيضاً:

ألا في سبيل الله نفس تقـسـمـت

 

شعاعاً وقلب للـحـسـان صـديق

أفاقت قلوب كن عذبن بـالـهـوى

 

زماناً وقـلـبـي مـا أراه يفـيق

سرقت فؤادي ثم لا تـرجـعـينـه

 

وبعض الغواني للقلـوب سـروق

عروف الهوى بالوعد حتى إذا جرت

 

ببينك غـربـان لـهـن نـعـيق

وردت جمال الحي وانشقت العصـا

 

وآذن بالبين الـمـشـت صـدوق

ندمت على ألا تكوني جـزيتـنـي

 

زعمت وكل الـغـانـيات مـذوق

لعلك أن ننـأى جـمـيعـاً بـغـلة

 

تذوقين من حـر الـهـوى وأذوق

عصيت بك الناهين حتى لو أنـنـي

 

أموت لما أرعى علـي شـفـيق

ومن مختار قول تويت في سعدى هذه مما أخذته من رواية عبد الله بن شبيب من قصيدة أولها:

سنرضي في سعيدى عاذلينا

 

بعاقبة وإن كرمت علينـا

يقول فيها:

لقيت سعيد تمشي في جـوار

 

بجرعاء النقا فلقيت حـينـا

سلبن القلب ثم مضين عنـي

 

وقد ناديتهن فـمـا لـوينـا

فقلت وقد بقيت بغير قـلـب

 

بقلبي يا سعـيدى أين أينـا!

فما تجزين يا سعدى محـبـاً

 

بهيم بكم ولا تقضـين دينـا

فقالوا إذ شكوت المطل منها

 

لعمرك من سمعت له قضينا

ومن هذا الذي إن جاء يشكو

 

إلينا الحب من سقم شفـينـا

فهن فواعل بي غـير شـك

 

كما قبلي فعلن بصاحبـينـا

بعروة والذي بسهـام هـنـد

 

أصيب، فما أقدن ولا ودينـا

ومن مختار قوله فيها:

سل الأطـلال إن نـــفـــع الـــســـؤال

 

وإن لـم يربـع الـركـب الــعـــجـــال

عن الـخـود الـتـي قـتـلـتـك ظـلـمـــاً

 

ولـيس بـهـا إذا بـطـشــت قـــتـــال

أصـابـك مـقـلـتـان لـــهـــا وجـــيد

 

وأشـــنـــب بـــارد عـــــذب زلال

أعـارك مـا تـبــلـــت بـــه فـــؤادي

 

من الـعـينـين والـجـــيد الـــغـــزال

أيا ثارات من قتلته سعدىدمي لا تطلبوه لها حلال

 

 

أرق لها وأشفق بعد قتلي

 

علـى سـعــدى وإن قـــل الـــنـــوال

ومـا جـادت لـنـــا يومـــاً بـــبـــذل

 

يمـين مـن ســـعـــاد ولا شـــمـــال

ومن قوله فيها أيضاً:

يا بنت أزهر إن ثأري طالـب

 

بدمي غداً الثأر أجهد طـالـب

فإذا سمعت براكب متعـصـب

 

ينعى قتيلك فافزعي للراكـب

فلأنت من بين الأنام رميتـنـي

 

عن قوس متلفة بسهم صـائب

لا تأمني شم الأنوف وترتـهـم

 

وتركت صاحبهم كأمس الذاهب

من كان أصبح غالباً لهوى التي

 

يهوى فإن هواك أصبح غالبي

قلت وأسبلت الدموع لتربـهـا

 

لما اغتررت وأومأت بالحاجب

قولي له: بالله يطلـق رحـلـه

 

حتى يزود أو يروح بصاحـب

وقال فيها أيضاً:

أرق الـعـين مـن الـشــوق الـــســـهـــر

 

وصـبـا الـقـلـــب إلـــى أم عـــمـــر

واعـتـرتـنـي فـكـرة مــن حـــبـــهـــا

 

ويح هـذا الـقـلـب مـن طـول الـفـــكـــر

قدر ســـيق فـــمـــن يمـــلـــكــــه

 

أين مـن يمـلـك أســـبـــاب الـــقـــدر!

كل شيء نالني من حبها إن نجت نفسي من الموت هدر

 

 

وقال أيضاً:

يا للرجال لقلبك المتـطـرف

 

والعين إن تر برق نجد تذرف

ولحاجة يوم العبير تعرضـت

 

كبرت فرد رسولها لم يسعف

يا بنت أزهر ما أراك مثيبتـي

 

خيراً على ودي لكم وتلطفي

إني وإن خـبـرت أن حـياتـنـا

 

في طرف عينك هكذا لم تطـرف

ليظل قلبي من مخـافة بـينـكـم

 

مثل الجناح معلقاً فـي نـفـنـف

وليظل في هجر الأحبة طـالـبـاً

 

لرضاك مما جار إن لم تسـعـف

كأخي الفلاة يغـره مـن مـائهـا

 

قطع السراب جرى بقاع صفصف

أهراق نطفته فـلـمـا جـاءهـا

 

وجد المنية عندها لـم تـخـلـف

أمنت بإذن اللـه مـن كـل حـادث

 

بقربك من خير الورى يا بن حارث

أمام حوى إرث النبـي مـحـمـد

 

فأكرم به مـن ابـن عـم ووارث

الشعر والغناء لمحمد بن الحارث بن بسخنر، خفيف رمل بالبنصر مطلق من جامع أغانيه وعن الهشامي.