الجزء الرابع والعشرون - أخبار القحيف ونسبه

أخبار القحيف ونسبه

القحيف بن حمير ، أحد بني قشير بن مالك بن خفاجة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
شاعر مقل من شعراء الإسلام.


وكان يشبب بخرقاء التي كان ذو الرمة يشبب بها .


فأخبرني محمد بن خلف بن وكيع ، وعمي، قالا: حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك، عن العدوي، عن أبي الحسن المدائني، عن الصباح بن الحجاج عن أبيه ، قال: مررت بخرقاء وهي بفلج فقالت: أقضيت حجك وأتممته؟ فقلت: نعم، فقالت: لم تفعل شيئاً، فقلت: ولم؟ فقالت: لأنك لم تلمم بي ولا سلمت علي، أو ما سمعت قول ذي الرمة :

تمام الحج أن تقف المطايا

 

على خرقاء واضعة اللثام

فقال: هيهات يا خرقاء، ذهب ذاك منك، فقالت: لا تقل ذاك، أما سمعت قول القحيف عمك :

وخرقاء لا تـزداد إلا مـلاحةً

 

ولو عمرت تعمير نوح وجلت

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال: حدثني أبو الشبل المعدي قال: نسب ذو الرمة بخرقاء البكائية، وكانت أصبح من القبس ، وبقيت بقاءً طويلاً، فنسب بها القحيف العقيلي فقال:

وخرقاء لا تـزداد إلا مـلاحةً

 

ولو عمرت تعمير نوح وجلت

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني أبو غسان دماذ قال: كبرت خرقاء حتى جاوزت تسعين سنة، وأحبت أن تنفق ابنتها وتخطب، فأرسلت إلى القحيف العقيلي، وسألته أن يشبب بها، فقال:

لقد أرسلت خرقاء نحوي جريها

 

لتجعلني خرقاء ممن أضلـت

وخرقاء لا تـزداد إلا مـلاحة

 

ولو عمرت تعمير نوح وجلت

وقال عمرو بن أبي عمرو الشيباني: كان القحيف العقيلي يتحدث إلى امرأة من عبس، وقد جاورهم وأقام عندهم شهراً وهام بها عشقاً، وكان يخبرها أن له نعماً ومالاً، وهويته العبسية، وكان من أجمل الرجال وأشطهم ، فلما طال عليها واستحيا من كذبه إياها في ماله ارتحل عنهم، وقال:

تقول لي أخت عبس: ما أرى إبلاً

 

وأنت تزعم من والاك صـنـديد

فقلت: يكفي مكان اللوم مطـرد

 

فيه القتير بسمر القين مـشـدود

وشكة صاغها وفـراء كـامـلةً

 

وصارم من سيوف الهند مقـدود

إني ليرعى رجال لي سوامـهـم

 

لي العقائل منها والمـقـاحـيد

وقال أبو عمرو:  

كان الوليد بن يزيد بن عبد الملك ولى علي بن المهاجر بن عبد الله الكلابي اليمامة. فلما قتل الوليد بن يزيد جاءه المهير بن سلمى الحنفي فقال له: إن الوليد قد قتل، وإن لك علي حقاً، وكان أبوك لي مكرماً، وقد قتل صاحبك ، فاختر خصلة من ثلاث: إن شئت أن تقيم فينا وتكون كأحدنا فافعل، وإن شئت أن تتحول عنا إلى دار عمك، فتنزلها أنت ومن معك إلى أن يرد أمر الخليفة المولى فتعمل بما يأمر به، فافعل. وإن شئت فخذ من المال المجتمع ما شئت والحق بدار قومك.. فأنف علي بن المهاجر من ذلك ولم يقبله، وقال للمهير: أنت تعزلني يا بن اللخناء ؟ فخرج المهير مغضباً، والتف معه أهل اليمامة، وكان مع علي ستمائة رجل من أهل الشام ومثلهم من قومه وزواره، فدعاهم المهير وذكر لهم رأيه، فأبوا عليه وقاتلوه، وجاء سهم عائر فوقع في كبد صانع من أهل اليمامة، فقال المهير: احملوا عليهم، فحملوا عليهم فانهزموا، وقتل منهم نفر، ودخلوا القصر وأغلقوا الباب وكان من جذوع، فدعا المهير بالسعف فأحرقه، ودخل أصحابه فأخذوا ما في القصر، وقام عبد الله بن النعمان القيسي في نقر من قومه فحملوا بيت المال ومنعوا منه، فلم يقدر عليه المهير، وجمع المهير جيشاً يريد أن يغزو بهم بني عقيل وبني كلاب، وسائر بطون بني عامر ، فقال القحيف بن حمير لما بلغه ذلك :

أمن أهل الأراك عفت ربوع

 

نعم سقياً لهم لو تستـطـيع

زيارتهم، ولكن أحضرتـنـا

 

هموم ما يزال لها مشـيع

غنى في هذين البيتين إبراهيم، فيما ذكره هو في كتابه، ولم يذكر طريقته:

كأن البين جرعني زعافـاً

 

من الحيات مطعمه فظيع

وماء قد وردت على جباه

 

حمام حائم وقطاً وقـوع

ومما يغنى فيه من هذه القصيدة:

جعلت عمامتي صلة لدلوي

 

إليه حين لم ترد النسـوع

لأسقي فتية ومنـقـبـات

 

أضر بنقيها سفر وجـيع

قال أبو الفرج : غنى في هذين البيتين سليم، خفيف رمل بالوسطى، ذكر ذلك حبش :

لقد جمع المهير لنا فقلـنـا:

 

أتحسبنا تروعنا الجـمـوع؟

سترهبنا حنـيفة إن رأتـنـا

 

وفي أيماننا البيض اللمـوع

عقيل تغتزي وبنـو قـشـير

 

توارى عن سواعدها الدروع

وجعدة والحريش ليوث غاب

 

لهم في كل معركة صريع

فنعم القوم في اللزبات قومي

 

بنو كعب إذا جحد الـربـيع

كهول معقل الطراد فـيهـم

 

وفتيان غـطـارفة فـروع

فمهلاً يا مهير فأنت عـبـد

 

لكعب سامع لهم مـطـيع

قالت: وبعث المهير رجلاً من بني حنيفة يقال له: المندلف بن إدريس الحنفي، إلى الفلج، وهو منزل لبني جعدة، وأمره أن يأخذ صدقات بني كعب جميعاً، فلما بلغهم خبره أرسلوا إلى أطرافهم يستصرخون عليه ، فأتاهم أبو لطيفة بن مسلمة العقيلي في عالم من عقيل، فقتلوا المندلف وصلبوه، فقال القحيف في ذلك:

أتانا بالعقيق صريخ كعـب

 

فحن النبع والأسل النهـال

وحالفنا السيوف ومضمرات

 

سواء هن فينا والـعـيال

تعادى شزباً مثل السعالـي

 

ومن زير الحديد لها نعال

وقال أيضاً، ويروى لنجدة الخفاجي:

لقد منع الفرائض عن عقيل

 

بطعن تحت ألوية وضرب

ترى منه المصدق يوم وافى

 

أطل على معاشره بصلب

يقول لي المفتي: قال أبو عمرو في أخباره: ونظر بعض فقهاء أهل مكة إلى القحيف، وهو يحد النظر إلى امرأة، فنهاه عن ذلك، وقال له: أما تتقي الله ؟ تنظر هذا النظر إلى غير حرمة لك وأنت محرم ؟ فقال القحيف:

أقسمت لا أنسى وإن شطت النوى

 

عرانينهن الشم والأعين النـجـلا

ولا المسك من أعطافهن ولا البرى

 

ضممن وقد لوينها قضبـاً خـدلا

يقول لي المفتي وهـن عـشـية

 

بمكة يلمحن المهدبة السـحـلا :

تق الله لا تنظر إليهـن يا فـتـى

 

وما خلتني في الحج ملتمساً وصلا

وإن صبا ابن الأربعـين لـسـبة

 

فكيف من اللائي مثلن بنا مـثـلا

عواكف بالبيت الحـرام وربـمـا

 

رأيت عيون القوم من نحوها نجلا

كففنا عن بني ذهـل

 

وقلنا: القوم إخـوان

عسى الأيام أن يرجع

 

ن قوماً كالذي كانوا

فلما صرح الـشـر

 

وأمسى وهو عريان

ولم يبق سوى العدوا

 

ن دناهم كما دانـوا

الشعر: للفند الزماني، والغناء: لعبد الله بن دحمان، خفيف رمل بالبنصر، عن بذل والهشامي وابن المكي.
وتمام هذا الشعر :

شددنا شـدة الـلـيث

 

غدا والليث غضبـان

بضرب فيه تفـجـيع

 

وتـأييم وإرنـــان

وطعن كفـم الـزق

 

غذا والـزق مـلآن

وفي العدوان للعـدوا

 

ن توهـين وإقـران

وبعض الحلم عند الجه

 

ل لـلـذلة إذعـان

وفي الشر نجاة حـي

 

ن لا ينجيك إحسـان

قوله: دناهم كما دانوا، أي جزيناهم .
ومثله قول الآخر:

إنا كذاك ندين الناس بالدين

والتأييم : ترك الناس أيامى. والإرنان والرنة: البكاء والعويل.

والإقران: الطاقة للشيء، قال الله عز وجل: " وما كنا له مقرنين " أي مطيقين.