الجزء الرابع والعشرون - أخبار يحيى بن طالب

أخبار يحيى بن طالب

يحيى بن طالب: شاعر من أهل اليمامة، ثم من بني حنيفة. لم يقع إلي نسبه. وهو من شعراء الدولة العباسية مقل، وكان فصيحاً شاعراً غزلا فارساً .


وركبه دين في بلده فهرب إلى الري، وخرج مع بعث إليها ، فمات بها، وقد ذكر ذلك في هذه القصيدة فقال:

أريد رجوعاً نحوكم فيصدني

 

إذا رمته دين علي ثـقـيل

حدثني محمد بن مزيد قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: غنى أبي الرشيد في شعر يحيى بن طالب:

ألا هل إلى شم الخزامى ونظرة

 

إلى قرقرى قبل الممات سبيل

فأطربه، فسأله عن قائل الشعر، فذكره له وأعلمه أنه حي، وأنه هرب من دين عليه، وأنشده قوله:

أريد رجوعاً نحوكم فيصدني

 

إذا رمته دين علي ثـقـيل

فأمر الرشيد أن يكتب إلى عامل الري بقضاء دينه ، وإعطاءه نفقة، وإنفاذه إليه على البريد ، فوصل الكتاب يوم مات يحيى بن طالب.


أخبرنا محمد بن خلف وكيع وعمي قالا: حدثنا عبد الله بن شبيب قال: حدثني الجهم بن المغيرة قال: كنا عند حترش بن ثمال القريظي بضرية فمرت بنا جارية صفراء مولدة، فقال لي حترش: استفتح كلامها فانظر فإنها ظريفة، فقلت لها: يا جارية ، أين نشأت؟ قالت: بقرقرى، فقلت لها: أين من شعبعب ؟ فضحكت ثم قالت: بين الحوض والعطن، قلت: فمن الذي يقول:

يا صاحبي فدت نفسي نفوسـكـمـا

 

عوجا علي صدور الأبغل السـنـن

ثم ارفعا الطرف ننظر صبح خامسة

 

لقرقرى يا عناء النفس بالـوطـن

يا ليت شعري والإنسـان ذو أمـل

 

والعين تذرف أحياناً من الـحـزن

هل أجعلن يدي للـخـد مـرفـقة

 

على شعبعب بين الحوض والعطن؟

فالتفتت إلى حترش بن ثمال فقالت : أخبره بقائلها، فقال: ما أعرفه، فقالت: بلى، هذا يقوله شاعرنا وظريف بلادنا وغزلها. فقال لها حترش: ويحك، ومن ذلك؟ فقالت: أشهد إن كنت لا تعرفه وأنت من هذا البلد إنها لسوأة ، ذلك يحيى بن طالب الحنفي، أقسم بالله ما منعك من معرفته إلا غلظ الطبع، وجفاء الخلق. فجعل يضحك من قولها وتعجبنا منها .


أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو غسان دماذ، عن أبي عبيدة قال: قال رجل ليحيى بن طالب الحنفي: لو ركبت معي في البحر ، وشغلت مالك في تجاراته لأثريت وحسنت حالك، فقال يحيى بن طالب:

لشربك بالأنـقـاء رنـقـاً وصـافـياً

 

أعف وأعفى من ركوبك في البحـر

إذا أنت لم تنظر لنـفـسـك خـالـياً

 

أحاطت بك الأحزان من حيث لا تدري

حدثني محمد بن خلف المرزبان قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني أبو علي الحنفي؛ قال: حدثني عمي عن علي بن عمر قال:

ألا هل إلى شم الخزامى ونظرة

 

إلى قرقرى قبل الممات سبيل

وذكر الخبر كما ذكره حماد بن إسحاق ، إلا أنه قال: فوجده قد مات قبل وصول البريد بشهر.


أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي، عن عمه قال: كان يحيى بن طالب يجالس امرأة من قومه ويألفها، ثم خرج مع والي اليمامة إلى مكة، وابتاع منه الوالي إبلاً بتأخير فلما صار إلى مكة عزل الوالي، فلوى يحيى بماله مدة، فضاق صدره، وتشوق إلى اليمامة وصاحبته التي كان يتحدث إليها، فقال:

تصبرت عنها كارهاً وهجرتهـا

 

وهجرانها عندي أمر من الصبر

إذا ارتحلت نحو اليمـامة رفـقة

 

دعاني الهوى واهتاج قلبي للذكر

كأن فؤادي كلما عـن ذكـرهـا

 

جناحا غراب رام نهضاً إلى وكر

الغناء للزف، ثقيل أول عن الهشامي في هذين البيتين.
وقال فيها:

مداينة الـسـلـطـان بـاب مــذلة

 

وأشبه شيء بالقـنـاعة والـفـقـر

إذا أنت لم تنظر لنـفـسـك خـالـياً

 

أحاطت بك الأحزان من حيث لا تدري

أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد عن أبيه، قال: قال أبو الذيال الحنفي: خرج يحيى بن طالب الحنفي من اليمامة يريد خراسان على البريد، فقال وهو بقومس:

أقول لأصحابي ونحن بـقـومـس

 

نراوح أكتاف المحذفة الـجـرد

بعدنا وعهد الله من أهله قرقـرى

 

وفيها الألى نهوى وزدنا على البعد

أخبرنا الحسن بن علي قال: حدثنا محمد موسى بن حماد قال حدثني عبد الله بن بشر، عن أبي فراس الهيثم بن فراس الكلابي قال: كنت مع أبي ونحن قاصدون اليمامة ، فلما رأيناها لقينا رجل، فقال له أبي: أين قرقرى؟ قال: وراءك. قال: فأين شعبعب؟ قال: بإزاءه، قال: أرني ذلك، فأراه إياه حتى عرفه، فقال لي: ارجع بنا إلى الموضع فقلت له: يا أبني قد تعبنا وتعبت ركائبنا، فما لك هناك ! قال: إنك لأحمق، ارجع ويلك ، فرجعت معه حتى أتى شعبعب، وصار إلى الحوض والعطن، وأناخ راحلته، وقال لي: أنخ ، فأنخت، ونزل فنظر إلى شعبعب وقرقرى ساعة، ثم اضطجع بين الحوض والعطن اضطجاع ، ويده تحت خده، ثم قام فركب ، فقلت: يا أبتي ما أردت بهذا؟ فقال: يا جاهل، أما سمعت قول يحيى بن طالب:  

هل أجعلن يدي للـخـد مـرفـقة

 

على شعبعب بين الحوض والعطن

أفليس عجزاً أن نكون قد أتينا عليهما وهما أمنية المتمني فلا ننال ما تمناه منهما، وقد قدرت عليه؟ فجعلت أعجب من قوله وفعله.


أخبرنا محمد بن جعفر النحوي قال: حدثني طلحة بن عبد الله الطلحي قال: حدثنا أبو العالية عن رجل من بني حنيفة قال: كان يحيى بن طالب جواداً، شاعراً جميلاً، حمالاً لأثقال قومه ومغارمهم، سمحاً يقري الأضياف، تشاء أن ترى في فتى خصلة جميلة إلا رأيتها فيه. فدخلت عليه وهو في آخر رمق ، فسألته عن خبره وسليته وقلت له ما طابت به نفسه، ثم أنشدني قوله :

ما أنا كالقول الذي قـلـت إن زوى

 

محلي عن مالي حـذار الـنـوائب

بمنزلة بين الطـريقـين قـابـلـت

 

بوادي كحيل كـل مـاش وراكـب

حللت على رأس اليفاع ولـم أكـن

 

كمن لاذ من خوف القرى بالحواجب

فلا تسأل الضيفان من هم وأذنـهـم

 

هم الناس من معروف وجه وجانب

وقولوا إذا ما الضيف حل بنـجـوة

 

ألا في سبيل الله يحيى بن طـالـب

قال أبو العالية: كحيل: نخل بناخية فران دون قرقرى، وهناك كان منزل يحيى بن طالب .
وقد جمع معه كل ما يغني فيه من القصيدة:

لعمرك إني يوم بصري وناقتـي

 

لمختلفا الأهواء مصطـحـبـان

متى تحملي شوقي وشوقك تظلعي

 

وما لك بالحمل الـثـقـيل يدان

ألا يا غرابي دمنة الدار خـبـرا

 

أبا لبين من عفراء تنتـحـبـان؟

فإن كان حقا ما تقولان فانهضـا

 

بلحمي إلى وكريكما فكـلانـي

ولا يعلمن الناس ما كان ميتـتـي

 

ولا يأكلن الـطـير مـا تـذران

جعلت لعراف اليمامة حـكـمـه

 

وعراف حجر إن هما شفيانـي

فما تركا من حيلة يعلـمـانـهـا

 

ولا رقـية إلا وقـد رقـيانـي

وقالا: شفاك الله والله مـا لـنـا

 

بما حملت منك الضـلـوع يدان

كأن قطاة علقت بـجـنـاحـهـا

 

على كبدي من شدة الخـفـقـان

الشعر لعروة بن حزام، والغناء لإبراهيم الموصلي في الأربعة الأبيات الأول، ثقيل أول بالوسطى، ولعريب في الرابع والخامس والسادس والتاسع هزج مطلق في مجرى البنصر، عن إسحاق، وفي السابع وما بعده إلى آخرها ثقيل أول ينسب إلى أبي العبيس بن حمدون، وإلى غيره.