أخبار عبد الله بن مصعب ونسبه
عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
شاعر فصيح خطيب ذو عارضة وبيان واعتبار بين الرجال وكلام في المحافل، وقد
نادم أوائل الخلفاء من بني العباس، وتولى لهم أعمالاً، وكان خرج مع محمد بن
عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالمدينة على أبي جعفر
المنصور فيمن خرج من آل الزبير، فلما قتل محمد استتر عنه وقيل: بل كان
استتاره مدة يسيرة إلى أن حج أبو جعفر المنصور وآمن الناس جميعاً فظهر.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنا عمي
وفليح بن إسماعيل، عن الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة قال: دخلت على
المهدي، وإذا هو يكتب على الأرض بفحمة قول عبد الله بن مصعب:
فإن يحجبوها أو يحل دون وصلها |
|
مقـالة واش أو عـبـد أمـير |
فلن يمنعوا عيني من دائم البـكـا |
|
ولن يخرجوا ما قد أجن ضميري |
وما برح الواشون حتى بدت لنـا |
|
بطون الهوى مقلوبة لظـهـور |
إلى الله أشكو ما ألاقي من الجوى |
|
ومن نفس يعتـادنـي وزفـير |
ويقول أحسن والله عبد الله بن مصعب ما شاء.
وهذه الأبيات تنسب إلى المجنون أيضاً؛ وفيها بيتان فيهما غناء ليزيد حوراء خفيف رمل بالوسطى من رواية عمرو بن بانة، ويقال: إنه للزبير بين دحمان، وذكر حبش أن فيهما لإسحاق خفيف ثقيل أول بالوسطى.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة؛ قال: حدثني محمد
بن الحسن بن زياد.
ونسخت هذا الخبر من كتاب أبي سعد العدوي ، عن أبي الطرماح مولى آل مصعب بن
الزبير من أهل ضرية، وروايته أتم.
أن عبد الله بن مصعب لما ولي اليمامة مر بالحوأب يوماً - وهو ماء لبني أبي
بكر بن كلاب، وهو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة - فرأى على
الماء جارية منهم، فهويها وهويته، وقال:
يا جمل للواله المستعبر الـوصـب |
|
ماذا تضمن من حزن ومن نصب؟ |
أنى أتيحت لـه لـلـحـين جـارية |
|
في غير ما أمم منها ولا صـقـب |
جارية من أبي بكر كلفـت بـهـا |
|
ممن يحل من الحصاء والـحـوب |
من غير معرفة إلا تـعـرضـهـا |
|
حيناً لذلك إن الحين مجـتـلـبـي |
قامت تعرض لي عمداً فقلت لهـا: |
|
يا عمرك الله، هل تدرين ما حسبي |
بين الحواري والصديق في نـسـب |
|
ينهى عن الفحش مثلي غير مؤتشب |
ولا أدل الـجـارات مـنـسـربـاً |
|
تالله إني لعـزهـاة عـن الـريب |
فخطبها، وكانت العرب لا تنكح الرجل امرأة شبب بها قبل خطبته، فلم يزوجوها إياه، فلما يئست منه قالت:
إذا خدرت رجلي ذكرت ابن مصعب |
|
فإن قيل عبد الله، خف فـتـورهـا |
ألا ليتني صاحبت ركب ابن مصعب |
|
إذا ما مطاياه اتلأبـت صـدورهـا |
لقد كنت أبكـي والـيمـامة دونـه |
|
فكيف إذا التفت عليه قصـورهـا؟ |
قال أبو الطرماح في خبره: وكان لها إخوة شرش غير فقتلوها.
أخبرنا ببعض هذه القصة ابن عمار، عن أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، عن أبيه،
عن أبي عمر الزهري، وذكر الشعرين جميعاً والألفاظ قريبة.
وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبي
عمر الزهري، قال: حدثني أبي: أن عبد الله بن مصعب خاصم رجلاً من ولد عمر بن
الخطاب بحضرة المهدي، فقال له عبد الله بن مصعب: أنا ابن صفية، قال: هل
أدنتك من الظل ولولاها لكنت ضاحياً وكنت بين الفرث والحوية . قال: أنا ابن
الحواري قال له العمري: بل أنت ابن وردان المكاري قال: وكان يقال: إن أمه
كانت تهوى رجلاً يكرى الحمير يقال له وردان، فكان من يسبه ينسبه إليه، وقال
فيه الشاعر:
أتدعى حواري الرسول سفاهة |
|
وأنت لوردان الحمير سلـيل |
فقال: والله لأنا بأبي أشبه من التمرة بالتمرة والغراب بالغراب، قال له العمري: كذبت، وإلا فأخبرني ما بال آل الزبير ثط اللحى وأنت ألحى ومالهم سمراً جعاداً وأنت أحمر سبط؟ قال: ألي تقول هذا يا بن قتيل أبي لؤلؤة قال العمري: يا بن قتيل ابن جرموز على ضلالة، أتعيرني أن قتل أبي رجل نصراني وهو أمير المؤمنين قائماً يصلي في محرابه وقد قتل أباك رجل مسلم بين الصفين يدفعه عن باطل، ويدعوه إلى حق، فأنا أقول: رحم الله ابن جرموز، فقل أنت: رحم الله أبا لؤلؤة، ثم أقبل على المهدي فقال: ألا تسمع يا أمير المؤمنين ما يقول عائد الكلب في عمر بن الخطاب، وقد عرفت ما كانت بينه وبين أبيك العباس بن عبد المطلب ابنه عبد الله من المودة، وتعلم ما بين جده عبد الله بن الزبير، وبين جدك عبد الله بن العباس من العداوة فأعن يا أمير المؤمنين أوليائك على أعدائك، فوثب رجل من آل طلحة، فقال له: يا أمير المؤمنين، ألا تكف هذين السفيهين عن تناول أعراض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله؟ وتكلم الناس بينهما وتوسطوا كلامهما وأكثروا، فأمر المهدي بكفهما والتفريق بينهما.
قال النوفلي: وكان عبد الله بن مصعب يلقب عائد الكلب لقوله:
ما لي مرضت ولم يعدني عائد |
|
منكم ويمرض كلبكم فأعـود؟ |
وأشد من مرضي على صدودكم |
|
وصدود عبدكم عـلـي شـديد |
فلقب عائد
الكلب: قال ابن عمار: هكذا حفظي عن النوفلي، وقد يزيد القول وينقص.
لحكم الوادي في هذين البيتين اللذين أولهما:
ما لي مرضت فلم يعدني عائد |
|
منكم ويمرض كلبكم فأعـود |
لحنان خفيف ثقيل بالوسطى، عن إبراهيم وحبش، ورمل بالوسطى عن الهشامي .
أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال: حدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ،
قال: أنشد الأحيحي المهدي قصيدة مدحه بها، وكان عبد الله بن مصعب حاضراً،
فحسده على إقبال المهدي عليه، وكان المهدي يحبه، فجعل يخاطب المهدي ويحدثه،
فقال له: أمسك فما يشغلني كلامك عنه، فقطع الأحيحي الإنشاد، ثم أقبل على
المهدي فقال له:
عبد مناف أبو أبوتـنـا |
|
وعبد شمس وهاشم توم |
بحران خر العوام بينهما |
|
فالتطما والبحار تلتطم |
فقال له المهدي: كذاك هو، فدع هذا المعنى وعد إلى ما كنت فيه، وخجل عبد الله فما انتفع بنفسه يومئذ.
قال ابن عمار: فحدثني بعض شيوخنا قال: كنت عند مصعب بن عبد الله الزبيري
يوماً وقد جرى ذكر الأحيحي، فأنشدته هذين البيتين، فتغير لونه، ثم قال لي:
نعم، قد كان خاطب أبي بهما فأمضه، فلما قمنا عنه قال لي: ويحك، أتنشد رجلاً
كنت تتعلم منه وتأخذ عنه هجاء في أبيه؟ فقلت له: دعني فإني أحببت أن أغض من
كبره قال: وكان في مصعب بعض ذلك.
زارت سليمى وكان الحي قد رقدا |
|
ولم تخف من عدو كاشح رصدا |
لقد وفت لك سلمى بالذي وعـدت |
|
لكن عقبة لم يوف الـذي وعـدا |
عروضه من
البسيط، الشعر لابن مفرغ الحميري، والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن أحمد
بن المكي، وفيه لعواد لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس.
وقد تقدمت أخبار ابن مفرغ مستقصاة فيما قبل هذا الكتاب، فاستغنى عن إعادتها
ها هنا وإعادة شيء منها، إذ كان قد مضى منها ما فيه كفاية و لله الحمد .
ما شأن عينك طلة الأجفـان |
|
مما تفيض مريضة الإنسان |
مطروفة تهمي الدموع كأنها |
|
وشل تشلشل دائم التهتـان |
الشعر لعمارة بن عقيل، والغناء لمتيم ثاني ثقيل بالوسطى.