باب الألف - إبراهيم بن سعيد بن الطيب

أبو إسحاق الرفاعي، قال أبو طاهر السلفي: وسألته يعني أبا الكرم الجوزي عن الرفاعي فقال: هو من عبيد السبي، وكان ضريراً، قدم صبياً ذا فاقة إلى واسط، فدخل الجامع إلى حلقة عبد الغفار الحصيني، فتلقن القرآن فكان معاشه من أهل الحلقة، ثم أصعد إلى بغداد، فصحب أبا سعيد السيرافي، وقرأ عليه كتاب شرح سيبويه، وسمع منه كتب اللغة والدواوين، وعاد إلى واسط وقد مات عبد الغفار، فجلس صدراً يقرئ الناس في الجامع، ونزل الزيدية من واسط، وهناك تكون الرافضة والعلويون، فنسب إلى مذهبهم، ومقت على ذلك، وجفاه الناس، وكان شاعراً حسن الشعر جيده، وحدث في كتاب أبي غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي، أنشدني أبو إسحاق الرفاعي لنفسه.

وأحبة ما كنت أحسب أنني

 

أبلي ببينتهم فبنت وبانـوا

نأت المسافة فالتذكر حظهم

 

مني وحظي منهم النسيان

ومات سنة إحدى عشرة وأربعمائة سمعت أبا نعيم أحمد بن علي بن أخي سدة المقرئ الإمام يقول: رأيت جنازة أبي إسحاق الرفاعي مع غروب الشمس تخرج إلى الجبانة وخلفها رجلان، فحدثت بها شيخنا أبا الفتح بن المختار النحوي فقال: سمى لك الرجلين؟ فقلت لا، فقال كنت أنا أحدهما، وأبو غالب ابن بشران الآخر، وما صدقنا أنا نسلم خوفاً أن نقتل.

ومن عجائب ما اتفق أن هذا الرجل توفي وكان على هذا الوصف من الفضل فكانت هذه حاله، وتوفي في غد يوم وفاته رجل من حشو العامة، يعرف بدناءة كان سوادياً، فأغلق البلد لأجله، وصلى عليه الناس كافة، ولم يوصل إلى جنازته من كثرة الزحام: آخر كلام الجوزي. وذكر لي أبو عبد الله محمد بن سعيد الذهبي، وذكره في أخبار النحوين الواسطيين أنه توفي في سنة اثنتي وعشرين وأربعمائة، فذاكرته بما قاله الجوزي فقال: الرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل، الذي ذكره الجوزي هو الحق، أنا وهم.

وحدث أبو غالب بن بشران قال: أنشدنا أبو إسحاق الرفاعي وما رأيت قط أعلم منه قال أنشدنا عبد الغفار ابن عبد الله، قال أنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد نفطويه:

اقبل معاذير من يأتيك معتـذراً

 

إن بر عندك فيما قال أو فجرا

فقد أطاعك من أرضاك ظاهره

 

وقد أجلك من يعصيك مستترا