يعرف بالرقيق القيرواني، والرقيق لقب له، رجل فاضل، له تصانيف كثيرة في علم الأخبار، ومنها كتاب تاريخ إفريقية والمغرب، عدة مجلدات، وكتاب النساء كبير، وكتاب الراح والارتياح كتاب نظم السلوك في مسامرة الملوك أربع مجلدات، وذكره ابن رشيق فقال: هو شاعر سهل الكلام محكمه لطيف الطبع قويه، تلوح الكتابة على ألفاظه، قليل صنعة الشعر، غلب عليه اسم الكتابة وعلم التاريخ وتأليف الأخبار، وهو بذلك أحذق الناس، وكاتب الحضرة منذ نيف وعشرين سنة إلى الآن، ومن شعره جواباً عن أبيات كتبها إليه عمار بن جميل، وقد انقطع عن مجالس الشراب:
قريض كابتسام الـرو |
|
ض جمشه نسيم صبا |
كعقد من جمان الـط |
|
ل منظوم وما ثقـبـا |
ومنثور كنـثـر الـد |
|
رِّ من أسلاكه انسربا |
فأهدى نشر زهرتـه |
|
فتيت المسك منتهبـا |
إذا أثمـاره جـنـيت |
|
جنيت العلـم والأدبـا |
بهزل حـين ينـشـده |
|
كأنك منتش طـربـا |
حباك بـه أخ يرعـى |
|
من العهد الذي وجبـا |
صديق مثل صفو الما |
|
ء بالصهباء قد قطبـا |
كنزت مـودة مـنـه |
|
كفت أن أكنز الذهبـا |
إذا عد امرؤ حسـبـاً |
|
فحسبي ذكره نسـبـاً |
ألذ من الـحـياة لـد |
|
يَّ لكن قلبه قـلـبـا |
فهان عليه ما ألـقـى |
|
وظن تجلدي لعـبـا |
جفوت الراح عن سبب |
|
وكان لجفوتي سبـبـا |
فصرت لوحدتي كـلاً |
|
على الإخوان مجتنبـا |
وذاك لـتـوبة أمـل |
|
ت أن أقضي بها أربا |
فها أنا نائب مـنـهـا |
|
فزرني تبصر العجبا |
وكان قدم مصر في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة بهدية من نصير الدولة باديس بن زيري إلى الحاكم، فقال قصيدة يذكر فيها المناهل، ثم قال:
إذا ما ابن شهر قد لبسنا شبابـه |
|
بدا آخر من جانب الأفق يطلع |
إلى أن أقرت جيزة النيل أعيناً |
|
كما قر عيناً ظاعن حين يرجع |
يقول فيها بعد مدح كثير ووصف جميل:
هدية مأمون السريرة نـاصـح |
|
أمين إذا خان الأمين المضـيع |
وما مثل باديس ظهير خـلافة |
|
إذا اختير يوماً للظهيرة موضع |
نصير لها من دولة حاتـمـية |
|
إذا ناب خطب أو تفاقم مطمع |
حسام أمير المؤمنين وسهـمـه |
|
وسم زعاف في أعاديه منقـع |
قال: ومن مليح كلامه قوله من قصيدةٍ:
إذا ارجحنت بما تحوي مآزرهـا |
|
وخف من فوقها خصر ومنتطق |
ثنى الصبا غصناً قد غازلته صباً |
|
على كثيب له من ديمة لـثـق |
للشمس ما سترت عنا معاجرها |
|
وللغزال احورار العين والعنق |
مظلومة أن يقال البدر يشبههـا |
|
البدر يكسف أحياناً وينمـحـق |
يجلل المتن وحف من ذوائبـهـا |
|
جبينها تحت داجي ليلة فـلـق |
كأنها روضة زهـراء حـالـية |
|
بنورها يرتعي في حسنها الحدق |
قال ومن أعجب ما سمعت له قوله من قصيدة يمدح محمد بن أبي العرب:
أظالمة العينين يخلطهـا سـحـر |
|
وإ ظلم الخدان واهتضم الخصـر |
أعوذ ببرد من ثناياك قـد ثـنـى |
|
إليك قلوباً حشو اثنائهـا جـمـر |
لقد ضمنـت أن ضـمـانـتـي |
|
ستبري عظامي بالنحول ولا تبرو |
وما أم ساجي الطرف خفاقة الحشا |
|
أطاع لها الحوذان والسلم النضـر |
إذا ما رعاها نصت الجيد نـحـوه |
|
أغن قصير الخطو في لحظه فتر |
بأملح منها نـاظـراً ومـقـلـداً |
|
ولكن عداني عن تقنصها الهجـر |
يقول في مديحها:
تصباه أبكار العلا ليس أنهـا |
|
منعمة هيفاء أو غادة بكـر |
يخال بأن العرض غير موفر |
|
عن الذم إلا أن يدال له الوفر |
يقول فيها يصف بلاغته وكتابته:
يوشح ديباج البـلاغة أحـرفـا |
|
يكاد يرى روضاً يوشحه الزهر |
||||
ويفصح لفظاً خطها من فصاحة |
|
ويشرق من تحبير ألفاظها الحبر |
|
|||
يصيب عيون المشكلات بـديهة |
|
وتبدى له أعقاب ما غيب الفكر |
|
|||
ثم ذكر الممدوح فقال:
وملمومة شهباء يسعى أمـامـهـا |
|
شهاب عزيم من طلائعه الـذعـر |
يزجى بنات الأعـوجـية شـزبـاً |
|
عليها بنو الهيجا دروعهم الصبـر |
أسود وغىً تحت العجاجة غابـهـا |
|
سريجية بيض وخطـية سـمـر |
صبحت بها دهماء قـوم أرتـهـم |
|
وجوه الردى حمراً خوافقها الصفر |
قال: ومثل هذه القصيدة في الجودة قصيدة طويلة يتشوق فيها إخوانه بمصر وهي:
هل الريح إن سارت مشرقة تسري |
|
تؤدي تحياتي إلى ساكني مـصـر؟ |
فما خرطت إلا بـكـيت صـبـابة |
|
وحملتها ما ضاق عن حمله صدري |
تراني إذا هبت قبولاً بـنـشـرهـم |
|
شممت نسيم المسك في ذلك النشـر |
وما أنس من شيء خلا العهد دونـه |
|
فليس بخال من ضميري ولا فكري |
ليال أنسناها على غـرة الـصـبـا |
|
فطابت لنا إذ وافقت غرة الـدهـر |
لعمري لئن كانت قصاراً أعـدهـا |
|
فلست بمعتد سواها من الـعـمـر |
أخادع دهري أن يعـود بـفـرصة |
|
فيفقذ روح الوصل من راحة الهجر |
وترجع أيام خـلـت بـمـعـاهـد |
|
من اللهو لا تنفك مني علـى ذكـر |
فكم لي بـالأهـرام أو دير نـهـية |
|
مصايد غزلان المكابد والـقـفـر؟ |
إلى الجيزة الدنيا وما قد تضمـنـت |
|
جزيرتها ذات المواخير والجـسـر |
وبالمقس فالبستان للعين مـنـظـر |
|
أنيق إلى شاطئ الخليج إلى القصر |
وفي سردوس مستراد ومـلـعـب |
|
إلى دير مرحنا إلى ساحل البـحـر |
وكم بين بستـان الأمـير وقـصـره |
|
إلى البركة الزهراء من زهر نضر؟ |
تراها كمـرآة بـدت فـي رفـارف |
|
من السندس الموشى ينشر للتـجـر |
وكم بت في دير القصير مـواصـلاً |
|
نهاري بليلي لا أفيق من الـسـكـر |
تبادرني بـالـراح بـكـر غـريرة |
|
إذا هتف الناقوس في غرة الفـجـر |
مسيحية خوطية كـلـمـا انـثـنـت |
|
تشكت أذى الزنار من دقة الخصـر |
وكم ليلة لي بالـقـرافة خـلـتـهـا |
|
لما نلت من لذاتهـا لـيلة الـقـدر |
سقى الله صوب القصر تلك مغـانـياً |
|
وإن غنيت بالنيل من سبل القـطـر |
وله أيضاً في الغزل:
رئم إذا ما معاريض المنى خطرت |
|
أجله المتمـنـى عـن أمـانـيه |
يا إخوتي أأقاحي فيه أقبـل لـي؟ |
|
أم خط راءين من مسك على فيه؟ |
أم حس ذاك التراخي في تكلـمـه |
|
أم حسن ذاك التهادي في تثنـيه؟؟ |
أم سخطه أم رضاه أم تجنبـه؟؟؟ |
|
أم عطفه أم نـواه أم تـدانـيه؟؟ |
نفسي فداؤك مالي عنك مصطبـر |
|
يا قاتلي كل معنى من معـانـيه |
وقال يرثي:
أهون ما ألقى ولـيس بـهـين |
|
بأن المنايا للفوس بمـرصـد |
وإني وإن لم ألقك اليوم رائحـاً |
|
لصرف رزاياها لقيتك في غد |
فلا يبعدنك الله ميتاً بـقـفـرة |
|
معفر خد في الثرى لم يوسـد |
تردى نجيعاً حين بزت ثـيابـه |
|
كأن على أعطافه فضل مجسد |
مضاء سنان في سنان مـذلـق |
|
وفتك حسام في حسام مهـنـد |