باب الألف - إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن المدبر

أبو إسحاق الكاتب الأديب الفاضل، الشاعر الجواد المترسل، صاحب النظم الرائق، والنثر الفائق، تولى الولايات الجليلة، ثم وزر للمعتمد على الله، لما خرج من سر من رأى بريد مصر، ومات في سنة تسع وسبعين ومائتين وهو يتقلد للمعتضد ديوان الضياع ببغداد.

وأصلهم من ستمسيان، وكان يدعي أنه من ضبة، وأخوه أحمد من جلة الكتاب وأفاضلهم وكرامهم، وحسدته الكتاب على منزلته من السلطان، فأغروه به، حتى أخرجه إلى دمشق متولياً عليها، وناظراً في تحصيل أموالها، وقبله ابن طولون في أمرٍ قد ذكرته في كتابي التاريخ.

وإبراهيم بن المدبر هو القائل في إبراهيم بن العباس الصولي يهجوه:

عز الطويل عن الأزمة

 

لا رده ربـي بـذمـه

إن كان طـال فـإنـه

 

من أقصر الثقلين همه

هب كنت صولاً نفسـه

 

من كان صول ناك أمه

ومن شعره أيضاً:

يا كاشف الكرب بعد شدتـه

 

ومنزل الغيث بعد ما قنطوا

لا تبل قلبي بشحط بينـهـم

 

فالموت دان إذا هم شحطوا

من كتاب نظم الجمان للمنذري، قال العطوي الشاعر: أتيت إبراهيم بن المدبر، فاستأذنت عليه، فلم يأذن لي حاجبه، فأخذت ورقة وكتبت فيها:

أتيتك مشتاقاً فلم أرَ جـالـسـاً

 

ولا ناظراً إلا بوجه قـطـوب

كأني غريم مقتض أو كأنـنـي

 

نهوض حبيب أو حضور رقيب

فسألت الحاجب حتى أوصلها إليه، فلما قرأها قال: ويحك، أدخل علي هذا الرجل، فدخلت فأكرمني، وقضى حوائجي.

قال أبو علي: سمعت أبا محمد المهلبي يتحدث وهو وزير في مجلس أنس، أن رجلاً كان ينادم بعض الكتاب الظراف، وأحسبه قال: ابن المدبر قال: كنت عنده ذات يوم، فرجع غلام له أنفذه في شيء لا أدري ما هو، فقال له رب الدار ما صنعت؟ فقال ذهبت ولم يكن، فقام يجيء، فجاء، فلم يجيء، فجئت، قال فتبينت في رب الدار تغيراً وهماً، ولم يقل للغلام شيئاً، فعجبت من ذلك، ثم أخذ بيدي وقال: قد ضيق صدري ما جاء به هذا الغلام، فقم حتى تدور في البستان الذي في دارنا ونتفرج، فلعله يخف ما بي، فقلت: والله لقد توهمت أن صدرك قد ضاق بانقلاب كلام الغلام عليك، وقد فهمته وهو ظريف، فقال: إن هذا الغلام من أحصف وأظرف غلام يكون، وذاك أنني ممتحن بعشق غلام أمرد وهو ابن نجاد في جيراننا، والغلام يساعدني عليه، وأبوه يغار عليه، ويمنعه مني، فوجهت هذا الغلام، وقلت: إن لم يك أبوه هناك، فقل له يصير إلينا، فرجع، فلما رآك عندي، قدر أني لم أطلعك على الأمر فرد هذا الجواب الظريف الذي سمعته، فقلت: أعده علي أنت لأفهمه، فقال: إنه يقول: ذهبت إلى الغلام، ولم يكن أبوه هناك، فقام الغلام يجيء، فجاء أبوه، فلم يجيء الغلام فجئت أنا، فقلت له: هذا الغلام يجب أن يكون أخاً وصديقاً لا غلاماً، وقال مخلد بن علي الشامي الحوراني يهجو ابن المدبر:

<

على أبوابه من كل وجه