باب الألف - إبراهيم بن محمد بن زكريا

الزهري، الأندلسي، أبو القاسم، يعرف بابن الإفليلي، حدث عن أبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي النحوي، بكتاب النوادر عن القالي، وكان متصدراً في العلم ببلده، يقرأ عليه الأدب، ويختلف إليه، وله كتاب شرح معاني شعر المتنبي، حسن جيد، قال الحميدي: وكان مع علمه بالنحو واللغة، يتكلم في معاني الشعر، وأقسام البلاغة، والنقد لها، روى عنه جماعة، وحكى عنه بإسناد له أنه قال: كان شيوخنا من أهل الأدب يتعالمون، أن الحرف إذا كتب عليه صح - بصاد وحاء - كان ذلك علامة لصحة الحرف، لئلا يتوهم متوهم عليه خللاً أو نقصاً، فوضع حرف كامل على حرف صحيح، وإذا كان عليه صاد ممدودة دون حاء، كان علامة أن الحرف سقيم، إذ وضع عليه حرف غير تام، ليدل نقص الحرف على اختلال الحرف، ويسمى ذلك الحرف أيضاً ضبة أي أن الحرف مقفل بها، لم يتجه لقراءة، كما أن الضبة مقفل بها.

قال المؤلف: وهذا كلام على طلاوة من غير فائدة تامة، وإنما قصدوا بكتبهم على الحرف صح، أنه كان شاكاً في صحة اللفظة، فلما صحت له بالبحث، خشي أن يعاوده الشك، فكتب عليها صح، ليزول شكه فيما بعد، ويعلم هو أنه لم يكتب عليها صح إلا وقد انقضى اجتهاده في تصحيحها، وأما الضبة التي صورتها (ص) فإنما هو نصف صح، كتبه على شيء فيه شك، ليبحث عنه فيما يستأنفه، فإذا صحت له أتمها بحاء، فيصير صح، ولو علم عليها بغير هذه العلامة، لتكلف الكشط، وإعادة كتبه صح مكانها. قال أبو سروان بن حيان: كان أبو القاسم، المعروف بابن الإفليلي، فريد أهل زمانه بقرطبة، في علم اللسان العربي، والضبط لغريب اللغة، في ألفاظ الأشعار الجاهلية والإسلامية، والمشاركة في بعض معانيها، وكان غيوراً على ما يحمل من ذلك الفن، كثير الحسد فيه، راكباً رأسه في الخطأ البين إذا تقلده، أو نشب فيه، يجادل عنه، ولا يصرفه صارف عنه، وعدم علم العروض ومعرفته، مع احتياجه إليه، لإكمال صناعته به ولم يكن له شروع فيه، وكان لحق الفتنة اليزيدية بقرطبة، ومضى الناس بين حائر وطاعن، فازدلف إلى الأمراء المتداولين بقرطبة من آل حمود، ومن تلاهم، إلى أن نال الجاه. واستكتبه محمد بن عبد الرحمن المستكفي، بعد ابن برد، فوقع كلامه جانباً من البلاغة، لأنه كان على طريقة المعلمين المتكلمين، فلم يجر في أساليب الكتاب المطبوعين، فزهد فيه، وما بلغني أنه ألف في شيء من فنون المعرفة، إلا كتابه في شعر المتنبي لا غير، ولحقته تهمة في دينه، في أيام هشام المرواني، في جملة من تتبع من الأطباء في وقته كابن عاصم، والسنابسي، والخمار، وغيرهم، وطلب ابن الإفليلي، وسجن بالمطبق، ثم انطلق.
وفيه يقول موسى بن الطائف، من قصيدة:

يا مبصراً عميت فواطن فـهـمـه

 

عن كنه عرضي في البديع وطولي

ولو كنت تعقل ما جهلت مقاومـي

 

من ضاق فرسخه بخطوة قـيلـي

ولئن ثلبت الشعر وهـو أبـاطـل

 

فلقد ثلبت حـقـائق الـتـنـزيل

وخلعت ربق الدين عنك مـنـابـذاً

 

ولبست ثوب الزيغ والتـعـطـيل

فأقمت للجهال مثلك في الـعـنـا

 

علماً مشـيت أمـامـه بـرعـيل

ومن المغالط أن تكـون مـقـلـداً

 

علماً ولو مـقـدار وزن فـتـيل

تعتل في الأمر الصحيح مـعـانـداً

 

أبداً وفهمك عـلة الـمـعـلـول

وتظن أنك من فنـونـي مـوسـر

 

وكثير شأنك لا يفي بـقـلـيلـي

سيسيل روحك من خبـيث قـذارة

 

تأثير هذا الصارم الـمـصـقـول

وأحض سيف الدولة الملك الرضي

 

ليعيد عقد رباطك الـمـحـلـول

وأريك رأي الـعـين أنــك ذرة

 

عبثت بهـا مـنـي قـوائم فـيل