باب الألف - أحمد بن إبراهيم الأديبي

أحمد بن إبراهيم الأديبي

الخوارزمي أبو سعيد، من مشاهير فضلاء خوارم وأدبائها وشعرائها.

قال أبو محمد في تاريخ خوارزم: ذكره أبو الفضل الصفاري في كتابه، قرأت بخطه أنه كان كاتباً بارعاً، حسن التصرف في الترسل، وافر الحظ من حسن الكتابة، وفصاحة البلاغة، وكان خطه في الدرجة العليا من أقسام الحسن والجودة، فمن كلامه: الزيادة فوق الحد نقصان، والإساءة بلسان الحق إحسان.

قال: وكان إذا رأى كتابة متعقدة متكلفة قال: الكتابة تسكن سكن أخرى: وكتب إلى بعض الرؤساء في شكاية رجل ثقيل: قد منيت من هذا الكهل الرازي، صاحب الجبة الكهباء، واللحية الشهباء بالداهية الدهياء، والصيلم الصماء، جعل لسانه سنانه، وأشفار عينيه الصلبة شفاره، فإذا تكلم كلم بلسانه، أكثر مما يكلم بسنانه، وإذا لمح ببصره، جرح القلوب بلحظه، أشد مما جرح الآذان بلفظه، يظهر للناس في زي مظلوم، وإنه لظالم، ويشكو إليهم وجع السليم، وهو سالم.
وكتب إلى بعض الرؤساء وقد حجب عنه:

ومحجب بحجاب عـز شـامـخ

 

وشعاع نور جبينه لا يحـجـب

حاولته فرأيت بـدراً طـالـعـاً

 

والبدر يبعد بالشعـاع ويقـرب

قبلت نور جبـينـه مـتـعـززاً

 

باللحظ منه وقد زهاه الموكـب

كالشمس في كبد السماء ونورها

 

من جانبيه مشـرق ومـغـرب

إن بان شخصي عن مجالس غيره

 

فالنفس في ألطافه تـتـقـلـب

وإذا تقاربت النفوس وما انتـأت

 

أشخاصها فهو الجواد الأقـرب

 وكتب إلى واحد، وقد بعث إليه شاة: وصلت الشاة فكانت شاة الشياة، حسنة الحلي والشيات، ففرح الفراريج بمكانها، وملأوا منها حواصلهم، وثنوا بالدباء والدعاء أناملهم: وله: ساعدت الأيام بالمراد، ووفت بالميعاد، وجمعت لي بين طرفي الإصعاد والإسعاد، وله: حضرت موالياً الحضرة التي تضرب غليها أكباد الإبل، من كل فج عميق، وتمتد نحوها أعناق الأمل، من كل فوج وفريق، وله: أيام مولانا مشرقة، كأخلاقه، وأخباره عبقة، كأعراقه تزهى بجلال مكانه الرتب والمعارج، وتزين بكرم وجهه الأعياد والمهارج، وله: لا يليق خاتم العز والجلال إلا بخناصره، ولا يرجع الباطل إلى الحق إلا عند ناصره، وله: من لحظته عين إقباله، وسقته عين إفضاله، أقبلت سعوده بإشراق، وأذن عوده بإيراق، وله: إن كانت الوزارة دثرت رسومها وآثارها، ودرست أعلامها ومنارها، فلقد قيض الله لها مولانا فمد باعها، وعمر رباعها، فأنست بتدابيره الثاقبة من وحشة نفارها، واستروحت من آرائه الصائبة إلى كنفها وقرارها، وله: كتابي وأنا في سلامة إلا من الشوق إلى طلعته المسعودة، والنزاع إلى أخلاقه المشهودة، وملاحظة تلك الهمم العلية، ومطالعة تلك الحركات الشهية، ومجاري تلك الأنامل بالأقلام، فإنها إذا جرت نثرت الدرر، وأسالت على جباه الأنام الغرر، وسنت للبلغاء والكتاب، سنن الفقر والآداب.