باب الألف - أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد

أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد

 بديع الزمان الهمذاني، أبو الفضل، قال أبو شجاع شيرويه بن شهردار في تاريخ همذان: إن أحمد بن الحسين ابن يحيى بن سعيد بن بشر أبا الفضل، الملقب ببديع الزمان، سكن هراة، روى عن أبي الحسين أحمد بن قارس بن زكريا، وعيسى بن هشام الأخباري، وكان أحد الفضلاء والفصحاء، متعصباً لأهل الحديث والسنة، ما أخرجت همذان بعده مثله، وكان من مفاخر بلدنا، روى عنه أخوه أبو سعد بن الصفار، والقاضي أبو محمد عبد الله بن الحسين النيسابوري، قال: وتوفي في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة: قال شيرويه ومحمد بن الحسين ابن يحيى بن سعيد بن بشر الصفار الفقيه أبو سعد أخو بديع الزمان أبي الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى لأبيه وأمه مفتي البلد، روى عن ابن لال، وابن تركان، وعبد الرحمن الإمام، وأبي بكر محمد بن الحسين الفراء، وابن جائحان، وذكر جماعة وافرة، قال: وأدركته، ولم يقض لي عنه السماع، وكان في الحديث ثقة، ويتهم بمذهب الأشعرية، ويقال: جن في آخر عمره إلى أن مات، وسمعت بعض أصحابنا يقول: كان يعرف الرجال، والمتون، ولد في ثالث عشر جمادى الآخرة، سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، ومات ولم يذكره وذكره الثعالبي في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وكذا قال أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي في تاريخ هراة، قال المؤلف: وقد رأيت ذكر البديع في عدة تصانيف من كتب العلماء، فلم يستقص أحد خبره أحسن مما اقتصه الثعالبي، وكان قد لقيه وكتب عنه، فنقلت خبره من كتابه، ولخصته من بعض سجعه، قال: بديع الزمان، ومعجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدهر، وغرة العصر، ولم نرَ نظيره في الذكاء، وسرعة الخاطر، وشرف الطبع، وصفاء الذهن، وقوة النفس، ولم ندرك نظيره في طرف النثر وملحه وغرر النظم ونكته، وكان صاحب عجائب وبدائع، فمنها. أنه كان ينشد الشعر لم يسمعه قط، وهو أكثر من خمسين بيتاً إلا مرة واحدة، فيحفظها كلها، ويؤديها من أولها إلى آخرها، لا يخرم حرفاً، وينظر في الأربعة والخمسة الأوراق، من كتاب لم يعرفه ولم يره، نظرة واحدة خفيفة ثم يهذها عن ظهر قلبه هذا، ويسردها سرداً، وهذا حاله في الكتب الواردة وغيرها، وكان يقترح عليه عمل قصيدة، وإنشاء رسالة، في معنى بديع، وباب غريب، فيفرغ منها في الوقت والساعة، وكان ربما كتب الكتاب المقترح عليه، فيبتدئ بآخره، ثم هلم جرا إلى أوله، ويخرجه كأحسن شيء وأملحه، ويوشح لقصيدة الفريدة من قوله، بالرسالة الشريفة من إنشائه، فيقرأ من النظم النثر، ويروي من النثر النظم، ويعطى القوافي الكثيرة، فيصل بها الأبيات الرشيقة، ويقترح عليه كل عويص وعسير من النظم والنثر، فيرجله أسرع من الطرف، على ريق لم يبلعه، ونفس لا يقطعه، وكلامه كله عفو الساعة، وفيض اليد، ومسارقة القلم، ومسابقة اليد للفم، وكان يترحم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية، المشتملة على المعاني الغريبة، بالأبيات العربية، فيجمع فيها بين الإبداع والإسراع، إلى عجائب كثيرة لا تحصى، ولطائف تطول أن تستقصى، وكان مع ذلك مقبول الصورة، حسن العشرة، وفارق همذان سنة ثمانين وثلاثمائة وهو في مقتبل الشبيبة، غض الحداثة، وقد درس على أبي الحسن فارس، وأخذ عنه جميع ما عنده، واستنفد علمه، وورد حضرة الصاحب ابن عباد، فتزود من ثمارها، وحسن آثارها، ثم قدم جرجان، واقام بها مدة، على مداخلة الإسماعيلية، والتعيش في أكنافهم، واختص بالدهخداه أبي سعيد محمد بن منصور، ونفقت بضاعته لديه، وتوفر حظه من عادته المعروفة، في إسداء الإفضال على الأفاضل، ولما أراد ورود نيسابور أعانه بما سيره إليها، فوردها في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، ونشر بها بزه، وأظهر طرزه، وأملى أربعمائة مقامة، نحلها أبا الفتح الإسكندري في الكدية وغيرها، وضمنها ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين، ثم شجر بينه وبين الأستاذ أبي بكر الخوارزمي ما كان سبباً لهبوب ريح الهمذاني، وعلو أمره، إذ لم يكن في الحساب أن أحداً من العلماء ينبري لمساجلذته، فلما تصدى الهمذاني لمباراته، وجرت بينهما مقامات، ومبادهات ومناظرات، وغلب قوم هذا، وغلب آخرون ذاك، طار ذكر الهمذاني في الآفاق، وشاع ذكره في الأفاق، ودرت له أخلاف الرزق، فلما مات الخوارزمي خلاله الجو، وتصرفت به أحوال جميلة، وأسفار كثيرة، ولم يبق من بلاد خراسان وسجستان وغزنة بلدة إلا دخلها، وجنى ثمرها، ولا ملك ولا أمير ولا وزير إلا واستمطر بنوئه، وسرى في ضوئه، فحصلت له نعمة حسنة، وثروة جميلة، وألقى عصاه بهراة، فاتخذها دار قراره، وصاهر بها أبا علي الحسين بن محمد الخشنامي، وهو الفاضل الكريم الأصيل، وانتظمت أحواله بمصارهرته، واقتنى بمعونته ضياعاً فاخرة، وحين بلغ أشده وأربى على أربعين سنة، ناداه الله فلباه، وفارق دنياه، في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.

وهذا أنموذج من رسائله فصل: من رقعة كتبها إلى الخوارزمي: وهذا أول ما كاتبه به: أنا لقرب الأستاذ، كما طرب النشوان مالت به الخمر، ومن الارتياح للقائه، كما انتفض العصفور بلله القطر، ومن الامتزاج بولائه، كما التقت الصهباء والبارد العذب، ومن الابتهاج بمزاره، كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب، "ومن رقعة إلى غيره": يعز عليّ أن ينوب - أيد الله الشيخ - في خدمته قلمي عن قدمي، ويسعد برؤيته رسولي، دون وصولي، ويرد مشرع الأنس به كتابي، قبل ركابي. ولكن ما الحيلة؟ والعوائق جمة،

وعليّ أن أسعى ولـي

 

س عليّ إدراك النجاح

وقد حضرت داره، وقبلت جداره، وما بي حب الحيطان، ولكن شغف بالقطان، ولا عشق الجدران، ولكن شوق إلى السكان.
وقال البديع، وأراد التحميض كما يقول أهل بغداد، ومعناه عندهم غير ذلك كقوله:

ولقد دخلت ديار فـارس مـرة

 

أبتاع ما فيها مـن الأعـراض

فإذا فسا فـيهـا رجـال سـادة

 

لهفي على ذاك الزمان الماضي

فالسامع يرى أنه أراد فسا مدينة بفارس، التي منها أبو علي الفسوي النحوي، وإنما أراد فسا من الفسو، والضمير في فيها يريد به اللحية.

وذكره أبو إسحاق الحصري في كتاب زهر الآداب، وقد ذكر أبا الفضل الهمذاني بديع الزمان فقال: وهذا اسم وافق مسماه، ولفظ طابق معناه، كلامه غض المكاسر، أنيق الجواهر، يكاد الهواء يسرقه لطفاً، والهوى يعشقه ظرفاً.

ولما رأى أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي أغرب بأربعين حديثاً، وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره، وانتخبها من معادن فكره، وأبداها للأبصار والبصائر، وأهداها إلى الأفكار والضمائر، في معارض حوشية، وألفاظ عنجهية فجاء أكثرها تنبو عن قبوله الطباع، ولا ترفع له حجب الأسماع، وتوسع فيها إذ صرف ألفاظها ومعانيها في وجوه مختلفة، وضروب منصرفة، عارضه بأربعمائة مقامة في الكدية تذوب ظرفاً، وتقطر حسناً، لا مناسبة بين المقامتين لفظاً ولا معنى، عطف مساجلتها، ووقف مناقلتها بين رجلين، سمى أحدهما عيسى بن هشام، والآخر أبا الفتح الإسكندري، وجعلهما يتهاديان الدر، ويتنافثان السحر، في معان تضحك الحزين، وتحرك الرصين، وتطالع منها كل طريفة، وتوقف منها على كل لطيفة، وربما أفرد بعضهما بالحكاية، وخص أحدهما بالرواية، وقد ذكره أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي في تاريخ هراة من تأليفه.
وأنشد للبديع:

خرج الأمير ومن وراء ركـابـه

 

غيري وعز علي "أن" لم أخـرج

أصبحت لا أدري أأدعو طغمشـي

 

أم يكتليني أم أصيح بنذغجـي؟؟؟

وبقيت لا أدري أأركب أبـرشـي

 

أم أدهمي أم أشهبي أم ديزجي؟؟؟

يا سيد الأمـراء مـالـي خـيمة

 

إلا السماء إلى ذراها ألـتـجـي

كنفي بعيري إن ظعنت ومفرشـي

 

كمى وجنح الليل مطرح هودجي

وكتب بديع الزمان إلى مستميح عاوده مراراً، وقال له: لم لا تديم الجود بالذهب، كما تديمه بالأدب؟ فكتب البديع: عافاك الله: مثل الإنسان في الإحسان، مثل الأشجار في الإثمار، وسبيل من ابتدأ بالحسنة، أن يرفه إلى السنة، وأنا كما ذكرت لا أملك عضوين من جسدي، وهما فؤادي ويدي، أما اليد فتولع بالجود، وأما الفراد فيتعلق بالوفود، ولكن هذا الخلق النفيس، لا يساعده إلا الكيس، وهذا الخلق الكريم، لا يحتمله إلا الكريم، ولا قرابة بين الأدب والذهب، فلم جمعت بينهما؟ والأدب لا يمكن ثرده في قصعة، ولا صرفه في ثمن سلعة، قد جهدت جهدي بالطباخ، أن يطبخ لي من جيمية الشماخ لوناً فلم يفعل، وبالقصاب، أن يذبح أدب الكتاب فلم يقبل، وأنشدت في الحمام، ديوان أبي تمام، فلم ينجع، ودفعت إلى الحجام، مقطعات اللجام، فلم يأخذ، واحتيج في البيت، إلى شيء من الزيت، فأنشدت ألفاً ومائتي بيت، من شعر الكميت، فلم يغن، ودفعت أرجوزة العجاج، في توابل السكباج، فلم ينفع، وأنت لم نقنع، فما أصنع؟ فإن كنت تحسب اختلافك غلي، إفضالاً منك علي، فراحتي، ألا تطرق ساحتي، وفرجي، ألا تجي، وللسلام: وحدث أبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي صاحب كتاب وشاح الدمية، وقد ذكر أبا بكر الخوارزمي وقد رمي بحجر البديع الهمذاني، في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وأعان البديع الهمذاني قوم من وجوه نيسابور، كانوا مستوحشين من أبي بكر، فجمع السيد نقيب السيادة بنيسابور أبو علي بينهما، وأراده على الزيارة، وداره بأعلى ملقاباذ فترفع، فبعث غليه السيد مركوبه، فحضر أبو بكر مع جماعة من تلامذته، فقال له البديع: إنما دعوناك لتملأ المجلس فوائد، وتذكر الأبيات الشوارد، والأمثال الفوارد، ونناجيك فنسعد بما عندك، وتسألنا فتسر بما عندنا، ونبدأ بالفن الذي ملكت زمامه، وطار به صيتك، وهو الحفظ إن شئت، والنظم إن أردت، والنثر إن اخترت، والبديهة إن نشطت، فهذه دعواك، التي تملأ منها فاك، فأحجم الخوارزمي عن الحفظ لكبر سنه، ولم يجل في النثر قداحاً، وقال أبادهك، فقال البديع: الأمر أمرك يا أستاذ، فقال له الخوارزمي: أقول لك ما قال موسى للسحرة: "قال بل ألقوا".
فقال البديع:

الشعر أصعب مذهباً ومصاعدا

 

من أن يكون مطيعه في فكـه

والنظم بحر والخواطر معـبـر

 

فانظر إلى بحر القريض وفلكه

 

فمتى تراني في القريض مقصراً

 

عرضت أذن الإمتحان لعركـه

قال: وهذه أبيات كثيرة، فيها مدح الشريف أبي علي والمفاخرة، وتهجين الخوارزمي، فقال الخوارزمي أيضاً أبياتاً: ولكن ما أبرزها من الغلاف.

فقال له البديع: أما تستحي أن يكون السنور أعقل منك، لأنه يجعر فيغطيه بالتراب. فقال لهما الشريف، انسجا على منوال المتنبي: أرق على أرق ومثلي يأرق فابتدأ أبو بكر وكان إلى الغايات سباقاً، وقال:

فإذا ابتـدهـت بـديهة يا سـيدي

 

فأراك عند بديهتـي تـتـقـلـق

مالي أراك ولست مثلي في الورى

 

متموهاً بالترهـات تـمـخـرق

ونظم أبياتاً ثم اعتذر، فقال: هذا كما يجيء، لا كما يجب، فقال البديع: قبل الله عذرك، لكن رفقت بين قافات خشنة، كل قاف كجبل قاف، فخذ الآن جزاء عن قرضك، وأداء لفرضك:

مهلاً أبا بكر فزنـدك أضـيق

 

واخرس فإن أخاك حي يرزق

يا أحمقا وكفاك تلك فـضـيحة

 

جربت نار معرتي هل تحرق؟

فقال له أبو بكر: يا أحمقا: لا يجوز فإنه لا ينصرف فقال البديع: لا نزال نصفعك حتى ينصرف وتنصرف معه، وللشاعر أن يرد ما لا ينصرف، وإن شئت قلت يا كودنا ثم قولك في البيت يا سيدي، ثم قلت تتقلق مدحت أم قدحت؟ فإن اللفظين لا يركضان في حلبة فقال لهما الشريف قولاً على منوال المتنبي: أهلاً بدار سباك أغيدها قال البديع:

يا نعمة لا تزال تجحدها

 

ومنة لا تزال تكندهـا

فقال أبو بكر: الكنود قلة الخير لا الكفران.

فكذبه الجمع وقالوا: ما قرأت قوله تعالى: "إن الإنسان لربه لكنود"؟ أي لكفور. فقال له أبو بكر: أنا اكتسبت بفضلي دية أهل همذان، فما الذي اكتسبت أنت بفضلك؟ فقال له البديع أنت في حرفة الكدية أحذق، وبالاستماحة أحرى وأخلق. فقطعه الكلام، ثم أنشد:

وشبهنا بنفسج عـارضـيه

 

بقايا اللطم في الخد الرقيق

فال الخوارزمي: أنا أحفظ هذه القصيدة، فقال البديع أخطأت: فإن البيت على غير هذه الصيغة وهي:

وشبهنا بنفسـج عـارضـيه

 

بقايا الوشم في الوجه الصفيق

فقال له أبو بكر: والله لأصفعنك ولو بعد حين، فقال البديع: أنا أصفعك اليوم، وتضربني غداً، اليوم خمر، وغداً أمر. وأنشد قول ابن الرومي:

رأيت شيخاً سفيهاً

 

يفوق كل سفيه

وقد أصاب شبيهاً

 

له وفوق الشبيه

ثم أنشد البديع:

وأنزلني طول النوى دار غربة

 

إذا شئت لاقيت أمرأً لا أشاكله

أخامقة حتى يقـال سـجـية

 

ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله

فأمال النعاس الرؤوس، وسكنت الألحان والنفوس، وسلب الرقاد الجلوس، فنام القوم كعادتهم في ضيافات نيسابور، وأصبحوا فتفرقوا، وبعض القوم يحكم بلغبة البديع، وبعضهم يحكم بغلبة الخوارزمي، وسعى الفضلاء بينهما بالصلح ودخل عليه البديع واعتذر، وتاب واستغفر مما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقال له البديع: بعد الكدر صفو، وبعد الغيم صحو، فعرض عليه الخوارزمي الإقامة عنده سحابة يومه، فأجابه البديع وأضافه الخوارزمي، وكان بعض الرؤساء مستوحشاً من الخوارزمي، وهيأ مجمعاً في دار الشيخ السيد أبي القاسم الوزير، وكان أبو القاسم فاضلاً ملء إهابه، وحضر أبو الطيب سهل الصعلوكي، والسيد أبو الحسين العالم، فاستمال البديع قلب السيد أبي الحسين بقصيدة قالها في مدائح أهل البيت أولها:

يا معشراً ضرب الزما

 

ن على معرسهم خيامه

ثم حضر المجلس القاضي أبو عمر البسطامي، وأبو القاسم ابن حبيب، والقاضي أبو الهيثم، والشيخ أبو نصر بن المرزبان، ومع الإمام أبي الطيب الفقهاء والمتصوفة، وحضر أبو نصر الماسرجسي مع أصحابه، والشيخ أبو سعد الهمذاني، ودخل مع الخوارزمي جم غفير من أصحابه، فقيل لهما: أنشدا على منوال قول أبي الشيص:

أبقى الزمان به ندوب عضاض

 

ورمى سواد قرونه ببـياض

فابتدر الخوارزمي فقال:

يا قاضياً ما مثله من قـاض

 

أنا بالذي تقضي علينا راض

منها:

ولقد بليت بشاعر متهـتـك

 

لا بل بليت بناب ذئب غاض

 فقال البديع: ما معنى قولك: ذئب غاض. فقال أبو بكر: ما قلته. فشهد عليه الحاضرون أنه قاله، فقال أبو بكر: الذئب الغاضي: الذي يأكل الغضا، فقال البديع: استنوق الذئب صار الذئب جملاً يأكل الغضا، ثم دخل الرئيس أبو جعفر، والقاضي أبو بكر الحيري والشيخ أبو زكريا والشيخ أبو الرشيد المتكلم، فقال الرئيس: قولاً على هذا النمط:

برز الربيع لنا برونق مـائه

 

وانظر لمنظر أرضه وسمائه

والترب بين ممسك ومعنبـر

 

من نوره بـل مـائه وروائه

ثم أنشد الخوارزمي على هذا النمط، فلما فرغ من إنشاده قال البديع للوزير والرئيس: لو أن رجلاً حلف بالطلاق أني لا أقول شعراً، ثم نظم تلك الأبيات التي قالها الخوارزمي، لا يقال نظرت لكذا، ويقال نظرت إلى كذا، وأنت قلت فانظر لمنظر، وشبهت الطير بالمحصنات، وهذا تشبيه فاسد، ثم شبهتها بالمغنيات حين قلت:

والطير مثل المحصنات صوادح

 

مثل المغني شادياً بـغـنـائه

المحصنات كيف توصف بالغناء ثم قلت كالبحر في تزخاره، والغيث في إمطاره، والغيث هو المطر، فقال البديع: الغيث المطر والسحاب، وصدقه الحاضرون، وأنكروا على الخوارزمي، فقال الإمام أبو الطيب: علمنا أي الرجلين أفضل وأشعر؟ فقام البديع وقبل رأس الخوارزمي ويده وقال: اشهدوا أن الغلبة له، قال ذلك على سبيل الاستهزاء، وتفرق الناس واشتغلوا بتناول الطعام، وأبو بكر ينطق عن كبد حرى والوزير يقول للبديع: ملكت فأسجح، فلما قام أبو بكر أشار إلى البديع وقال: لأتركنك بين الميمات، فقال: ما معنى الميمات؟ فقال: بين مهدوم، مهزوم، مغموم، محموم، مرجوم، محروم، فقال البديع: لأتركنك بين الهيام والسقام والسام والبرسام والجذام والسرسام، وبين السينات، بين منحوس، ومنخوس، ومنكوس، ومعكوس، وبين الخاءات، من مطبوخ، ومسلوخ، ومشدوخ، ومفسوخ وممسوخ، وبين الباءات، بين مغلوب، ومسلوب، ومصلوب، ومنكوب، فخرج البديع وأصحاب الشافعي يعظمونه بالتقبيل والاستقبال، والإكرام والإجلال، وما خرج الخوارزمي حتى غابت الشمس، وعاد إلى بيته وانخذل انخذالاً شديداً، وانكسف باله وانخفض طرفه، ولم يحل عليه الحول حتى خانه عمره، وذلك في شوال سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. قال أبو الحسن البيهقي: وبديع الزمان أبو الفضل أحمد بن الحسين الحافظ، كان يحفظ خمسين بيتاً بسماع واحد، ويؤديها من أولها إلى آخرها، وينظر في كتاب نظراً خفيفاً، ويحفظ أوراقاً ويؤديها من أولها إلى آخرها، فارق همذان في سنة ثمانين وثلاثمائة، وكان قد اختلف إلى أحمد بن فارس صاحب المجمل، وورد حضرة الصاحب، وتزود من ثمارهما، واختص بالدهخداه أبي سعد محمد بن منصور، ونفقت بضاعته لديه، ووافى نيسابور في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وبعد موت الخوارزمي خلاله الجو، وجرت بينه وبين أبي علي الحسين ابن محمد الخشنامي مصاهرة، وألقى عصا المقام بهراة، ثم فارق دنياه في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.

وحدث الثعالبي في أخبار أبي فراس قال: حكى أبو الفضل الهمذاني قال: قال الصاحب أبو القاسم يوماً لجلسائه وأنا فيهم - وقد جرى ذكر أبي فراس الحرث بن سعيد بن حمدان - لا يقدر أحد أن يزور على أبي فراس شعراً فقلت: من يقدر على ذلك؟ وهو الذي يقول:

رويدك لا تصل يدها بباعـك

 

ولا تعز السباع إلى رباعك

ولا تغر العدو عـلـى إنـي

 

يمين إن قطعت فمن ذراعك

فقال الصاحب: صدقت: فقلت: - أيد الله مولانا - فقد فعلت. ويقال: إن السبب في مفارقة البديع الهمذاني حضرة الصاحب، أنه كان في مجلسه فخرجت منه ريح "فقال الصاحب" فقال البديع هذا صرير التخت، فقال الصاحب: أخشى أن يكون صرير النحت، فأورثه ذلك جلاً كان سبب مفارقته إياه ووروده إلى خراسان، وكانت أول رقعة كتبها البديع إلى الخوارزمي عند وروده نيسابور: أنا لقرب الأستاذ أطال الله بقاءه، كما طرب النشوان مالت به الخمر، ومن الارتياح للقائه، كما انتفض العصفور بلله القطر، ومن الامتراج بولائه، كما التقت الصهباء والبارد العذب، ومن الابتهاج بمزاره كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب، فكيف ارتياح الأستاذ لصديق طوى إليه ما بين قصبتي العراق وخراسان، بل عتبتي الجبل ونيسابور؟ وكيف اهتزازه لضيف في بردة حمال وجلدة جمال.
 

رق الشمائل منهج الأثـواب

 

بكرت عليه مغيرة الأعراب

كمهلهل وربيعة بن مـكـدم

 

وعبينة بن الحارث بن شهاب

وهو ولي إنعامه، بإنفاذ غلامه، إلى مستقري لأفضي إليه بما عندي إن شاء الله تعالى وحده. ثم اجتمع إليه فلم يحمد لقيه،فانصرف عنه، وكتب إليه: الأستاذ - والله يطيل بقاءه. ويديم تأييده ونعماءه - أزرى بضيفه أن وجده يضرب آباط القلة في أطمار الغربة، فأعمل في ترتيبه أنواع المصارفة، وفي الاهتزاز له أصناف المضايقة، من إيماء بنصف الطرف، وإشارة بشطر الكف، ودفع في صدر القيام عن التمام، ومضغ الكلام، وتكلفه لرد السلام، وقد قبلت هذا الترتيب صعراً، واحتملته وزراً، واحتضنته نكراً، وتأبطته شراً، ولم آله عذراً، فإن المرء بالمال وثياب الجمال، وأنا مع هذه الحال، وفي هذه الأسمال، أتقزز صف النعال، ولو حاملته العتاب، وناقشته الحساب، وصدقته السماع، لقلت إن بوادينا ثاغية صباح، وراغية رواح، وقوماً يجرون المطارف، ولا يمنعون المعارف.

وفيهم مقامات حسان وجوههم

 

وأندية ينتابها القول والفعـل

على مكثريهم حق من يعتريهم

 

وعند المقلين السماحة والبذل

ولو طوحت بالأستاذ أيدي الغربة إليهم، لوجد منال البشر قريباً، ومحط الرحل رحيباً، ووجه المضيف خصيباً، ورأيه - أيده الله - في أن يملأ من هذا الضيف أجفان عينه، ويوسع أعطاف ظنه ويجيبه بموقع هذا العتاب الذي معناه ود، والمر الذي يتلوه شهد موفق إن شاء الله تعالى.
"الجواب من الخوارزمي"

إنك إن كلفتني ما لـم أطـق

 

ساءك ما سرك مني من خلق

فهمت ما تناوله سيدي من حسن خطابه، ومؤلم عتبه وعتابه، وصرفت ذلك منه إلى الضجر الذي لا يخلو منه من نبا به دهر، ومسه من الأيام ضر، والحمد لله الذي جعلني موضع أنسه، ومظنة مشتكى ما في نفسه، أما ما شكاه سيدي من مضايقتي إياه رغم في القيام، وتكلفي لرد السلام، فقد وفيته حقه، كلاماً، وسلاماً، وقياماً على قدر ما قدرت عليه، ووصلت إليه، ولم أرفع عليه غير السيد أبي القاسم، وما كنت لأرفع أحداً على من أبوه الرسول، وأمه البتول، وشاهداه التوراة والإنجيل، وناصراه التأويل والتنزيل، والبشير به جبرائيل وميكائيل، وأما عدم الجمال، ورثاثة الحال، فما يضعان عندي قدراً ولا يضران نجراً، وإنما اللباس جلدة، والزي حلية بل قشرة، وإنما يشتغل بالجل من لا يعرف قيمة الخيل، ونحن بحمد الله نعرف الخيل عارية من لالها، ونعرف الرجال بأقوالها وأفعالها، لا بآلاتها وأحوالها، وأما القوم الذين صدر سيدي عنهم، وانتمى إليهم، ففيهم لعمري فوق ما وصف حسن عشرة، وسداد طريقة، وجمال تفصيل وجملة، ولقد جاورتهم فنلت المراد، وأحمدت المراد.

فإن أكُ قد فارقت نجداً وأهله

 

فما عهد نجد عندنا بـذمـيم

والله يعلم نيتي للأحرار عامة، ولسيدي من بينهم خاصة، فإن أعانني على مرادى له، ونيتي فيه بحسن العشرة، بلغت له بعض ما في المنية، وجاوزت مسافة القدرة، وإن قطع على طريق عزمي بالمعارضة وسوء المؤاخذة، صرفت عناني عن طريق الاختيار، بيد الاضطرار.

فما النفس إلا نطفة بـقـرارة

 

إذ لم تكدر كان صفواً غديرها

وعلى هذا، فحبذا عتاب سيدي إذا صادف ذنباً، واستوجب عتباً، فأما أن يسلفنا العربدة، ويستكثر المعتبة والموجدة، فتلك حالة نصونه عنها، ونصون أنفسنا عن احتمال مثلها، فليرجع بنا إلى ما هو أشبه به وأجمل له، ولست أسومه أن يقول "استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين" ولكن أسأله أن يقول: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين".

"رقعة البديع الثالثة إلى الخوارزمي".أنا أرد من الأستاذ سيدي شرعة وده، وإن لم تصف، وألبس خلعة بره، وإن لم تضف وقصاراي أن أكيله صاعاً بصاع، ومداً عن مد، وإن كنت في الأدب دعي النسب، ضعيف السبب، ضيق المضطرب، سيء المنقلب، أمت إلى أهله بعشرة رشيقة، وأنزع إلى خدمة أصحابه بطريقة، ولكن بقي أن يكون الخليط منصفاً في الإخاء، عادلاً في الوداد، إذا زرت زار، وإن عدت عاد. والأستاذ سيدي - أيده الله - ضايقني في القبول أولاً، ونافشني في الإقبال ثانياً، فأما حديث الاستقبال وأمر الإنزال والأنزال فنطاق الطمع ضيق عنه، غير متسع لتوقعه منه. وبعد، فكلفة الفضل هينة، وفروض الود متعينة، وطرق المكارم بينة، وأرض العشرة لينة، فلم اختار قعود التعالي مركباً، وصعود التغالي مذهباً؟ وهلا ذاد الطير عن شجر العشرة، إذا كان ذاق الحلو من ثمرها، وقد علم الله أن شوقي إليه قد كد الفؤاد برحاً على برح، ونكأه قرحاً على قرح، فهو شوق داعيته محاسن الفضل، وجاذبته بواعث العلم ولكنها مرة مرة ونفس حرة، ولم تقد إلا بالإعظام، ولم تلق إلا بالإكرام، وإذا استعفاني سيدي الأستاذ من معاتبته، واستعادته ومؤاخذته إذا جفا واستزادته، وأعفى نفسه من كلف الفضل يتجشمها، فليس إلا غصص الشوق أتجرعها، وحلل الصبر أتدرعها، فلم أعره من نفسي، وأنا لو أعرت جناحي طائر لما رنقت إلا إليه ولا حلقت إلا عليه.

أحبك يا شمس النهار وبـدره

 

وإن لامني فيك السها والفراقد

وذاك لأن الفضل عندك باهـر

 

وليس لأن العيش عندك بـارد

"جواب الخوارزمي عنها" شريعة ودي لسيدي - أدام الله عزه - إذا وردها صافية وثياب بري إذا قبلها ضافية، هذا ما لم يكدر الشريعة بتعنته وتعصبه، ولم تحترق الثياب بتجنبه وتسحبه، فأما الإنصاف في الإخاء فهو ضالتي عند الأصدقاء، ولا أقول:

وإني لمشتاق إلى ظل صاحب

 

يرق ويصفو إن كدرت عليه

فإن قائل هذا البيت قاله والزمان زمان، والإخوان إخوان، وحسن العشرة سلطان، ولكني أقول: وإني لمشتاق إلى ظل:

رجل يوازنك المودة جاهـداً

 

يعطي ويأخذ منك بالميزان

فإذا رأى رجحان حبة خردل

&nbsnbsp;

مالت مودته مع الرجحـان

وقد كان الناس يقترحون الفضل فأصبحنا نقترح العدل، وإلى الله المشتكى لا منه. ذكر الشيخ سيدي - أيده الله، - حديث الاستقبال، وكيف يستقبل من انقض علينا انقضاض العقاب الكاسر، ووقع بيننا وقوع السهم العائر، وتكليف المرء ما لا يطيق يجوز على مذهب الأشعري، وقد زاد سيدي على أستاذه الأشعري، فإن أستاذه كلف العاجز ما لا يطيق مع عجزه عنه، وسيدي كلف الجاهل علم الغيب مع الاستحالة منه، والمنزل بما فيه قد عرضته عليه، ولو أطقت حمله لحملته إليه، والشوق الذي ذكره سيدي، فعندي منه الكثير الكبير، وعنده منه الصغير اليسير، وأكثرنا شوقاً أقلنا عتاباً، وأليننا خطاباً، ولو أراد سيدي أن أصدق دعواه في شوقه إلي، ليغض من حجم عتبه علي، فإنما اللفظ زائد، واللحظ وارد، فإذا رق اللفظ، دق اللحظ، وإذا صدق الحب ضاق العتاب والعتب.

فبالخير لا بالشر فارج مودتي

 

وأي امرئ يعتاد منه الترهب

عتاب سيدي قبيح، ولكنه حسن، وكلامه لين، ولكنه خشن، أما قبحه فلأنه عاتب بريئاً، ونسب إلى الإساءة ما لم يكن مسيئاً، وأما حسنه فلألفاظه الغرر ومعانيه التي هي كالدرر، فهي كالدنيا ظاهرها يغر، وباطنها يضر، وكالمرعلى على دمن الثرى، منظره بهي، ومخبره وبي، ولو شاء سيدي نظم الحسن والإحسان، وجمع بين صواب الفعل واللسان.

يا بديع القول حاشـا

 

لك من هجو بـديع

وبحسن القول عـوذ

 

تك من سوء الصنيع

لا يعب بعضك بعضاً

 

كن مليحاً في الجميع

"رقعة أخرى للبديع إلى الخوارزمي"  

أنا وإن كنت مقصراً في موجبات الفضل، من حضور مجلس الأستاذ سيد، فما أفري إلا جلدي. ولا أبري إلا قدحي ولا أبخس إلا حظي، وإن يكن ذاك جرماً فلقي هذا عقاباً، ومع ذاك فما أعمر أوقاتي إلا بمدحه، ولا أطرز ساعاتي إلا بذكره، ولا أركض إلا في حلبة وصفه، حرس الله فضله، نعم، وقد رددت كتاب الأوراق لللصولي، وتطاولت لكتاب البيان والتبيين. للجاحظ، وللأستاذ سيدي في الفضل والتفضل به رأيه وقال البديع يمدح الصحابة ويهجو الخوارزمي ويجيبه عن قصيدة رويت له في الطعن عليهم:

وكـلـنـي بـالـهـم والـكـآبة

 

طعـانة لـعـانة سـبـابـــه

 

للسلف الصـالـح والـصـحـابة

 

أساء سمـعـاً فـأسـاء جـابـه

 

تأمـلـوا يا كـبـراء الـشــيعة

 

لعـشـرة الإسـلام والـشـريعة

 

أتـسـتـحـل هـذه الـوقــيعة

 

في تبع الكفـر وأهـل الـبـيعة

 

فكيف مـن صـدق بـالـرسـالة

 

وقـام لـلـدين بـكـل آلـــه

 

وأحرز اللـه يد الـعـقـبـى لـه

 

ذلـكـم الـصـديق لا مـحـالة

 

إمام من أجمع فـي الـسـقـيفة

 

قطعاً عـلـيه أنـه الـخـلـيفة

 

ناهـيك مـن أثـاره الـشـريفة

 

في رده كـيد بـنـي حـنــيفة

 

سل الجبال الـشـم والـبـحـارا

 

وسائل المـنـبـر والـمـنـارا

 

واستعـلـم الآفـاق والأقـطـارا

 

من أظهر الدين بـهـا شـعـارا

 

ثم سل الـفـرس وبـيت الـنـار

 

من الذي فل شـبـا الـكـفـار

 

هل هـذه الـبـيض مـن الآثـار

 

إلا لثاني المصطفى في الـغـار

 

وسـائل الإسـلام مـن قـــواه

 

وقـال إذ لـم تـقـل الأفــواه

 

واستنجز الوعـد فـأومـى الـلـه

 

من قام لـمـا قـعـدوا إلا هـو

 

ثاني النبي فـي سـنـي الـولادة

 

ثانيه في الغارة بـعـد الـعـادة

 

ثانيه في الـدعـوة والـشـهـادة

 

ثانيه في الـقـبـر بـلا وسـاده

 

ثانـيه فـي مـنـزلة الـزعـامة

 

نبـوة أفـضـت إلـى إمـامـه

 

أتـأمـل الـجـنة يا شـتـامـه

 

ليسـت بـمـأواك ولا كــرامة

 

إن امرأً أثنى عليه المصـطـفـى

 

ثمت والاه الوصى المرتـضـى

 

واجتمعت على معـالـيه الـورى

 

واختـاره خـلـيفة رب الـعـلا

 

واتـبـعـتـــه أمة الأمـــى

 

وبـايعـتـه راحة الـوصــي

 

وباسمه استسقى حيا الـوسـمـي

 

ما ضره هجـو الـخـوارزمـي

سبحان من لم يلقم الصخر فـمـه

 

ولم يعده حجـراً مـا أحـلـمـه

يا نذل يا مأبون أفطـرت فـمـه

 

لشد ما اشتقات إليك الحـطـمـه

إن أمير المؤمنين الـمـرتـضـى

 

وجعفر الصادق أو موسى الرضى

لو سمعوك بالخـنـا مـعـرضـا

 

ما ادخروا عنك الحسام المنتضـى

ويلك لم تنبح يا كلـب الـقـمـر؟

 

مالك يا مأبون تغـتـاب عـمـر

سيد من صام وحـج واعـتـمـر

 

صرح بإلحادك لا تمش الخـمـر

يا من هجا الصديق والـفـاروقـا

 

كيما يقـيم عـنـد قـوم سـوقـا

نفخت يا طبـل عـلـينـا بـوقـاً

 

فما لك اليوم كـذا مـوهـوقـا؟

إنك في الطعن على الـشـيخـين

 

والقدح في السـيد ذي الـنـورين

لواهن الظهر سـخـين الـعـين

 

معترض للحين بـعـد الـحـين

هلا شغلت باستك الـمـغـلـومة

 

وهامة تحمـلـهـا مـيشـومـه

هلا نهتك الوجنة الـمـوشـومـه

 

عن مستري الخلد بـبـئر رومـه

كفى من الـغـيبة أدنـى شـمـه

 

من استجاز القـدح فـي الأئمـه

ولـم يعـظـم أمـنـاء الأمــه

 

فلا تـلـومـوه ولـومـوا أمـه

مالـك يا نـذل ولـلـزكـــيه

 

عائشة الراضـيه الـمـرضـيه؟

يا ساقـد الـغـيرة والـحـمـيه

 

ألم تكن للمصطـفـى حـظـيه؟

من مبلغ عـنـي الـخـوارزمـيا

 

يخـبـره أن ابـنـه عـلـــيا

قد اشترينا مـنـه لـحـمـاً نـيا

 

بشرط أن يفهمنـا الـمـعـنـيا

يا أسد الخلوة خنـزير الـمـلا

 

مالك في الجري تقود اعلجملا

يا ذا الذي يثلـبـنـي إذا خـلا

 

وفي الخلا أطعمه ما في الخلا

وقلت لما احتفل المضمار واحتفت الأسماع والأبصار

سوف ترى إذا انجلى الغبار

 

أفرس تحتي أم حـمـار؟

وكتب البديع إلى معلمه جواباً: الشيخ الإمام يقول: فسد الزمان، أفلا يقول متى كان صالحاً؟ أفي دولة العباسية، وقد رأينا آخرها، وسمعنا بأولها، أم في المدة المروانية، وفي أخبارها ما لا تكسع الشول بأغبارها، إنك لا تدري من الناتج، أم السنين الحربية:

والسيف يغمد في الطلى

 

والرمح يركز في الكلى

ومبيت حجر بـالـفـلا

 

والحدثـان بـكـربـلا

أم الأيام العدوية، فنقول، هل بعد البزول إلا النزول، أم الأيام التيمية، وتقول طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام، أم على عهد الرسالة، وقيل اسكتي يا رحالة فقد ذهبت الأمانة، أم في الجاهلية، ولبيد يقول:

ذهب الذين يعاش في أكنافهـم

 

وبقيت في خلف كجلد الأجرب

أم قبل ذلك، وأخو عاد يقول:

بلاد بها كنا وكنا نحبـهـا

 

إذا الأهل أهل والبلاد بلاد

أم قبل ذلك وقد قال آدم عليه السلام: تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح أم قبل ذلك، والملائكة تقول، "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" وإني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه، شفيق على بقائه، ما نسبته ولا أنساه، وإن له بكل كلمة علمنا مناراً، ولكل حرف أخذته منه نارا، ولو عرفت لكلامي موقعاً من قلبه لاغتنمت خدمته به، ولكني خشيت أن تقول: "هذه بضاعتنا ردت إلينا" واثنان قلما يجتمعان، الخراسانية والإنسانية، وإني وإن لم أكن خراساني الطينة، فإني خراساني المدينة، والمرء من حيث يوجد، لا من حيث يولد، والإنسان من حيث يثبت، لا من حيث ينبت، فإذا انضاف إلى تربة خراسان ولادة همذان، ارتفع القلم، وسقط التكليف، والجرح جبار، والجاني حمار، فليحملني على هناتي، أليس صاحبنا يقول؟

لا تلمني على ركاكة عقلي

 

إن تصورت أنني همذاني