هو أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي النديم، قال أبو عبد الله الحسن ابن علي بن مقلة: سألت جحظة عمن لقبه بهذا اللقب، فقال: ابن المعتز لقيني يوماً فقال لي: ما حيوان إذا قلب صار آلة للبحرية؟؟ فقلت: علق، إذا عكس صار قلعاً فقال: أحسنت يا جحظة، فلزمني هذا اللقب، وهو من في عينيه نتو جداً، وكان قبيح المنظر، وكان له لقب آخر، يلقبه به المعتمد، وهو خنياكر، وما أدري أي شيء معناه؟ كان حسن الأدب، كثير الرواية للأخبار، متصرفاً في فنون من العلم، كالنحو واللغة والنجوم، مليح الشعر، مقبول الألفاظ، حاضر النادرة وكان طنبورياً حاذقاً فيه فائقاً، مات في شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة بجيل، ومولده سنة أربع وعشرين ومائتين، ذكره محمد بن إسحاق النديم، فقال: ولجحظة من التصانيف: كتاب الطبيخ - لطيف، - كتاب الطنبوريين، كتاب فضائل السكباج، كتاب الترنم، كتاب المشاهدات، كتاب ما شاهده من أمر المعتمد على الله، كتاب ما جمعه مما جربه المنجمون فصح من الأحكام، كتاب ديوان شعره. قال: كان جحظة وسخاً قذراً دني النفس، في دينه قلة، وهو القائل:
إذا ما ظمئت إلى ريقـه |
|
جعلت المدامة منه بديلا |
وأين المدامة من ريقه؟ |
|
ولكن أعلل قلباً غلـيلا |
ومن سائر شعره قوله:
لي صـديق مـغـري بـقـربـــي وشـــدوي |
|
ولـه عــنـــد ذاك وجـــه صـــفـــيق |
قوله إن شدوت أحسنت، زدنيوبأحسنت لا يباع الدقيق |
|
|
حدث الخطيب قال: قال جحظة: أنشدت عبيد الله ابن طاهر قولي:
قد نادت الدنيا على نفسهـا |
|
لو كان في العالم من يسمع |
كم واثق بالعمر واثـقـتـه |
|
وجامع بددت ما يجـمـع |
فقال لي: ذنبك إلى الزمان الكمال.
ومن شعر جحظة:
أقول لها والصبح قد لاح ضـوءه |
|
كما لاح ضوء البارق المتـألـق |
شبيهك قد وافى ولاح افتـراقـنـا |
|
فهل لك في صوت وكأس مروق؟ |
فقالت شفائي في الذي قد ذكرتـه |
|
وإن كنت قد نغصته بالـتـفـرق |
قال جحظة: صك لي بعض الملوك بصك فدافعني الجهبذ به، حتى ضجرت، فكتبت إليه:
إذا كانت صلاتكم رقاعـاً |
|
تخطط بالأنامل والأكـف |
فها خطي، خذوه بألف ألف |
|
ولم تكن الرقاع تجر نفعاً |
وأنشد جحظة في أماليه:
طرقنا بزوغي حين أينع زهرها |
|
وفيها، لعمر الله، للعين منظـر |
وكم من بهار يبهر العين حسنـه |
|
ومن جدول بالبارد العذب يزخر |
ومن مستحث بالمـدام كـأنـه، |
|
وإن كان ذمياً، أمـير مـؤمـر |
وفي كفه اليمنى شراب، مـورد |
|
وفي كفه اليسرى بنان معصفر |
شقائق تندى بالندى فـكـأنـهـا |
|
خدود عليهن المدامع تقـطـر |
وكم ساقط سكراً يلوك لسـانـه |
|
وكم قائل هجراً وما كان يهجر |
وكم منشد بـيتـاً وفـيه بـقـية |
|
من العقل إلا أنـه مـتـحـير |
"فكان مجني دون من كنت أتقي |
|
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر" |
وكم من حسان جس أوتار عوده فألهب ناراً في الحشا تتسعر
يغني وأسباب الصـواب تـمـده |
|
بصوت جليل ذكره حـين يذكـر |
أحن حنين الواله الطـرب الـذي |
|
ثنى شجوه بعد الغداء الـتـذكـر |
أجحظة إن تجزع على فقد معشر |
|
فقدت بهم من كان للكسر يجبـر |
وأصبحت في قوم كأن عظامهـم |
|
إذا جئتهم في حاجة تـتـكـسـر |
فصبراً جميلاً، إن في الصبر مقنعاً |
|
على ما جناه الدهر، والله أكبـر |
وأنشد أيضاً لنفسه:
يا من بعدت عن الكرى ببعادهالصبر مذ غيبت عني غائب |
|
|
أصبحت أجحد أنني لك عاشق |
|
والـعـين مـخـــبـــرة بـــأنـــي كـــاذب |
وأنشد أيضاً لنفسه:
قد قلل الإدمان أكلي فما |
|
أطعم زاداً قيس إبهـام |
فالحمد لله وشكـراً لـه |
|
قد صرت من بائد أقوام |
قوم ترى أولادهم بينهـم |
|
للجوع في حلية أيتـام |
وأنشد لنفسه:
أرى الأيام تــضـــمـــن لـــي بـــخـــير |
|
ولـــكـــن بـــعــــد أيام طـــــــوال |
فمــن ذا ضـــامـــن لـــدوام عـــمـــري |
|
إلــى دهـــر يغـــير ســـوء حـــالـــي |
هي الـتـسـعـون قـد عـطـفـت قــنـــاتـــي |
|
ونـفـرت الـغـوانـــي عـــن وصـــالـــي |
وفيها لو عرفت الحق شغل |
|
عن الأمر الذي اضحى اشتغالي |
كأني بالنوادب قائلات، |
|
وجـسـمـي فـوق أعـــنـــاق الـــرجـــال |
ألا سقيا لجسمك كيف يبلى وذكرك في المجالس غير بالي وأنشد أيضاً لنفسه:
أنفق ولا تخش إقلالاً، فقد قسمت |
|
بين العباد مـع الآجـال أرزاق |
لا ينفع البخل مع دنيا مـولـية |
|
ولا يضر مع الإقبال إنـفـاق |
وأنشد أيضاً لنفسه:
تعجبت إذ رأتني فوق مكـسـور |
|
من الحمير عقير الظهر مضرور |
من بعد كل أمين الرسغ معترض |
|
في السير تحسبه إحدى التصاوير |
فقلت لا تعجبي مني ومن زمـن |
|
أنحنى علي بتضييق وتـقـتـير |
بل فاعجبي من كلاب قد خدمتهـم |
|
تسعين عاماً بأشعاري وطنبوري؟ |
ولم يكن في تناهي حالهـم بـهـم |
|
حر يعود لعى حالي بـتـغـيير |
وقيل لجحظة: كيف حالك؟ فقال: كما قال الشاعر:
أي شيء رأيت أعجب من ذا |
|
إن تفكرت ساعة في الزمان؟ |
كل شيء من السرور بـوزن |
|
والبلايا تكال بـالـقـفـزان |
وأنشد جحظة لنفسه:
الحمد لله لـيس لـي كـاتـب |
|
ولا على باب منزلي حاجـب |
ولا حمار إذا عزمت عـلـى |
|
ركوبه، قيل: جحظة راكـب |
ولا قميص يكـون لـي بـدلاً |
|
مخافة من قميصي الـذاهـب |
وأجرة البيت فهـي مـقـرحة |
|
أجفان عيني بالوابل الساكـب |
إن زارني صاحب عزمت على |
|
بيع كتاب لشبعة الصـاحـب |
أصبحت في معشر تشمتـهـم |
|
فرض من الله لازب واجـب |
فيهم صديق في عرسه عجـب |
|
إذا تأملت، أمرهـا عـاجـب |
تحسبهـا حـرة وحـافـرهـا |
|
أرق من شعر خالد الكـاتـب |
وأنشد لنفسه:
ألحمد لله لم أقل قـط: يا بـد |
|
ر ويا منصفاً ويا كـافـور |
لا، ولا قلت: أين أين الشـوا |
|
هين ووزاننا وأين الـبـذور |
لا ولا قيل: قد أتاك من الضي |
|
عة بر مـوفـر وشـعـير |
وأتاك العطاء بالـنـد لـمـا |
|
قيل لي إن في الخزين بخور |
أنا خلو من الممـالـيك والأم |
|
لاك جلد على البلا وصبـور |
ليس إلا كـيسـرة وقــديح |
|
وخليق أتت عليه الـدهـور |
قال جحظة: ومررت بوقاد يوقد في التنور ويغني:
أنا أهواك نـور الـل |
|
ه فافعل ما بدا لـك |
إن تكن تمنعني شـخ |
|
صك فابذل لي خيالك |
قد أخذت الدن والطن |
|
بور والكلب فمالك؟ |
قل لمن جنبك الـقـم |
|
موث من دسك والك |
وله أيضاً:
ولي صاحب زرته للسـلا |
|
م فقابلني بالحجاب الصراح |
وقالوا تـغـيب عـن داره |
|
لخوف غريم ملـح وقـاح |
ولو كان عن داره غـائبـاً |
|
لأدخلني أهله للـنـكـاح |
وقال يستزير بعض إخوانه:
لنـــــا يا أخـــــــي زلة وافـــــــره |
|
وقـــدر مـــعـــجـــلة حـــاضــــره |
وراح تـــزيل إذا صـــفـــــقـــــــت |
|
سنـا الـبـرق فـي الـلـيلة الـــمـــاطـــره |
ومـسـمـعة لـم يخــنـــهـــا الـــصـــوا |
|
ب وزامــــرة أيمـــــــا زامـــــــره |
ومـــا شـــئت مـــن خـــبـــر نـــادر |
|
ونـــادرة بـــعـــدهــــا نـــــــادره |
فآت ولو كنت يا ابن الكرام وحاشاك من ذاك في الآخره |
|
|
وأنشد لنفسه أيضاً:
ما زارني في الحبس من نادمته |
|
كأسين: كـأس مـودة ومـدام |
بخلوا علي وقد طلبت سلامهـم |
|
فكأنني طالبتهـم بـطـعـام |
وأنشد أيضاً لنفسه:
وذي جدة طلبت إلـيه بـراً |
|
من الجلساء مذموم الخلائق |
فأقسم أنـه رجـل فـقـير |
|
أرانيه المهيمن وهو صادق |
كأني بالمنازل عـن قـلـيل |
|
خلون من المطرزة النمارق |
وقد ظفر النساء بما تركتـم |
|
فصار لماهر بالنيك حـاذق |
وأنشد أيضاً لنفسه في أماليه:
وقائل قال لي: من أنت؟ قلت له، |
|
مقال ذي حكمة واتت له الحكم |
لست الذي تعرف البطحاء وطأته |
|
والبيت يعرفه والحل والـحـرم |
أنا الذي دينه إسعـاف سـائلـه |
|
والضر يعرفه والبؤس والعـدم |
أنا الذي حب أهل البيت أفقـره |
|
فالعدل مستعبر والجور مبتسـم |
وله أيضاً:
ولي كبد لا يصلح الطب سقـمـهـا |
|
من الوجد لا تنفـك دامـية حـرى |
فيا ليت شعري والظنـون كـثـيرة |
|
أيشعر بي من بت أرعى له الشعرى |
وله أيضاً:
شكري لإحسانك شكر امرئ |
|
يستوهب الإحسان من واهبه |
وكيف لا أشكر مـن لا أرى |
|
في منزلي إلا الذي جاد به |
وأنشد جحظة لنفسه في أماليه.
حسبي ضجرت من الأدب |
|
ورأيته سبب الـعـطـب |
وهجرت إعراب الكـلام |
|
وما حفظت من الخطـب |
ورهنـت ديوان الـنـقـا |
|
ئض واسترحت من التعب |
وله أيضاً:
لا تعجبي يا هند من |
|
حالي فما فيها عجب |
|||
إن الزمان بمن تـقـد |
|
م في النباهة منقلـب |
|||
فالجهل يضطهد الحجى |
|
والرأس يعلوه الذنـب |
|||
حدث غرس النعمة في كتاب الهفوات قال: كان جحظة لما أسن يفسو في مجالسه، فيلقى من يعاشره منه جهداً. قال الحسين بن العباس: وكنت أحب غناءه، والكتابة عنه، لما عنده من الآداب، وكان يستطيب عشرتي، وكنت إذا جلست عنده أخذته غلبة الريح، فجئته يوماً في مجلس الأدب، والناس عنده، وهو يملي، فلما خفوا، قال لي ولآخر كان معي: اجلسا عندي حتى أقعدكما على أسود، وأطعمكما طباهجة بكبود، وأسقيكما من معتقة اليهود، وأبحركما بعنبر وعود، أطيب من الندود، وأغنيكما غناء المشدود، فقلت: هذا موضع السجود، وجلسنا، وصديقي لا يعرف خلقه في الفساء، وأنا قد أخذت الريح فوقي، فوفى لنا بجميع ما ذكره، وقال لنا، وقد غنى وشربنا: نحن بالغداة علماء وبالعشي في صورة المخنكرين، فلما أخذ النبيذ منه، أخذ يفسو، وصديقي يغمزني ويتعجب، فأقول له: إن
ذلك عادته وخلقه، وإن سبيله أن يحتمل، إلى أن غي صوتاً من الشعر، والصنعة له فيه، وكان يجيده:
إن بالحيرة قسا قد مجـن |
|
فتن الرهبان فيها وافتتن |
ترك الإنجيل حيناً للصبـا |
|
ورأى الدنيا مجوناً فركن |
قال: فطرب عليه صديقي طرباً شديداً، واستحسنه كثيراً، وأراد أن يقول له: أحسنت والله يا أبا الحسن. فقال له ما في نفسه يتردد من أمر الفساء: أفس علي يا أبا الحسن كيف شئت، فخجل جحظة، وخجل الفتى، وانصرفنا.
وحدث الخطيب، عن أبي الفرج الإصبهاني، قال: حدثني جحظة قال: اتصلت علي إضاقة، أنفقت فيها كل ما أملكه، حتى بقيت ليس في داري سوى البواري، فأصبحت يوماً، وأنا أفلس من طنبور بلا وتر، كما في المثل، ففكرت كيف أعمل، فوقع لي أن أكتب إلى محبرة بن أبي عباد الكاتب، وكنت أجاوره، وكان قد ترك التصرف قبل ذلك بسنتين، وحالفه النقرس، فأزمنه حتى صار لا يتمكن من التصرف إلا محمولاً على الأيدي أو في محفة، وكان مع ذلك على غاية الظرف، وكبر النفس، وعظم الهمة، ومواصلة الشرب والقصف، فأردت أن أتطايب عليه ليدعوني، فآخذ منه ما أنفقه مدة، فكتبت إليه:
ماذا ترى في جـدي |
|
وفي عقـار بـوارد |
وقـهـوة ذات لـون |
|
يحكى خدود الخزائد |
ومسمـع يتـغـنـى |
|
من آل يحيى بن خالد |
إن المضـيع لـهـذا |
|
نزر المروءة بـارد |
فما شعرت إلا بمحفة محبرة يحملها غلمانه إلى داري، وأنا جالس على بابي، فقلت له: لم جئت؟ ومن دعاك؟ فقال: أنت، فقلت: إنما قلت لك: ماذا ترى في هذا؟ وعنيت في بيتك، وما قلت لك: إنه في بيتي، وبيتي والله أفرغ من فؤاد أم موسى، فقال: الآن قد جئت ولا أرجع، ولكن أدخل إليك، وأستدعي من داري ما أريد، قلت: ذاك إليك، فدخل، فلم ير في بيتي إلا بارية، فقال: يا أبا الحسن، هذا والله فقر مطيح، هذا ضر مدقع، ما هذا؟ قلت: هو والله ما ترى، فأنفذ إلى داره، فاستدعى فرشاً وآلة وقماشاً وغلماناً، وجاء فراشوه ففرشوا ذلك، وجاء وافر الصفر والشمع وغير ذلك مما يحتاج إليه، وجاء طباخه بما كان في مطبخه، وهو شيء كثير، بآلات ذلك، وجاء شرابيه بالأواني والمخروط والفاكهة وآلة التبخير والبخور وألوان الأنبذة، وجلس يومه ذلك وليلته عندي، يشرب على غنائي وغناء مغنية أحضرها، كنت ألقنها، فلما كان من الغد سلم إلى غلامه كيساً فيه ألف درهم، ورزمة ثياب صحاح، ومقطوعة من فاخر الثياب، واستدعى محفة فجلس فيها، وشيعته، فلما بلغ آخر الصحن،قال: مكانك يا أبا الحسن، احفظ بابك، فكل ما في دارك لك، فلا تدع أحداً يحمل منه شيئاً، وقال للغلمان: اخرجوا، فخرجوا بين يديه، وأغلقت الباب على قماش بألفو كثيرة.
وأنشد السلامي لجحظة في سعد الحاجب:
يا سعد إنك قد خدمت ثلاثة |
|
كل عليه منك وسـم لائح |
وأراك تخدم رابعاً لتميتـه |
|
رفقاً به فالشيخ شيخ صالح |
يا خادم الوزراء إنك عندهم |
|
سعد ولكن أنت سعد الذابح |
وحدث جحظة قال: دخلت، وأنا في بقايا علة، على كاتب، قال ابن بشران، على هارون ابن عريب الخالي، فقدم إلينا مضيرة عصبان، فأمعنت منها، فقال: - جعلت فداك - أنت عليل، وبدنك نحيل، والعصب ثقيل، واللبن يستحيل، فثقلت له: والعظيم اعلجليل، المفضل المنيل، لا تركت منها كثيراً ولا قليلاً، وحسبنا الله ونعم الوكيل، فغضب علي فضربني عشرين مقرعة، فقلت:
ولي صاحب لا قدس الله روحه |
|
وكان من الخيرات غير قريب |
أكلت عصيداً عنده في مضيرة |
|
فيالك من يوم علي عصـيب |
قال: ودخلت إليه يوماً آخر، فقدم إلي لوزينجاً لها أيام وقد حمضت، فأخذت أمعن في أكلها، فقال لي: إن اللوزينج إذا كان بالجوز أبشم وإذا كان باللوز أتخم، فقلت: نعم يا سيدي إذا كانت لوزينجاً، وأما إذا كانت مصوصاً فلا! وحدث عبد الله بن المعتز، قال: عربد ابن أبي العلاء على جحظة بحضرتي، فأمرت بتنحية جحظة إلى أن رضي أحمد، فكتب إلي جحة:
أليس من العجائب أن مثـلـي |
|
يقام لأحمد بن أبي الـعـلاء |
ولي نفس أبت إلا ارتفـاعـاً |
|
فأضحت كالسماء على السماء |
لقد غضب الزمان على أناس |
|
فأبلاهـم بـأولاد الـزنـاء |
في تاريخ دمشق قال جحظة: سلمت على بعض الرساء وكان مبخلاً، فلما أردت الانصراف قال لي. يا أبا الحسن، إيش يقول في قطائف تأتيه؟ ولم يكن له بذلك عادة؟ فقلت: ما آبى ذلك، فأحضر لي جاماً فيه قطائف، قد خمت فأرجفت فيها، وصادفت مني سغبة، وهو ينظر إلي شزراً، فقال لي: يا أبا الحسن، إن القطائف إذا كانت بجوز أتخمتك، وإذا كانت بلوز أبشمتك، قال: فقلت: هذا إذا كانت قطائف، أما إذا كانت مصوصاً فلا. وعملت لوقتي هذه الأبيات:
دعاني صديق لي لأكل القطـائف |
|
فأمعنت فيها آمناً غـير خـائف |
فقال، وقد أوجعت بالأكل قلـبـه |
|
رويك، مهلاً، فهي إحدى المتالف |
فقلت له: ما إن سمعنا بـهـالـك |
|
ينادى عليه: يا قتيل القـطـائف |
قال عبد الله بن المعتز: كتب إلي جحظة في يوم مطير: انصرفت من عندك - جعلني الله فداك - وقد كنا عقدنا موعداً للقاء، ومنعني من المصير إليك ما نحن فيه من انقطاع شريان الغمام، فتفضل ببسط العذر لعبدك، إن شاء الله.
ومن شعر جحظة:
وليل في جوانبـه حـران |
|
فليس لطول مدته انقضاء |
عدمت مطالع الإصباح فيه |
|
كأن الصبح جود أو وفاء |
وله أيضاً:
رحلتم فكم من أنة بعـد زفـرة |
|
مبينة للناس شـوقـي إلـيكـم |
وقد كنت أعتقت الجفون من البكا |
|
فقد ردها في الرق حزني عليكم |
وحدث أبو الفرج الإصبهاني قال: دعاني محمد بن الشار يوماً، ودعا جحظة، وأطال حبس الطعام جداً، وجاع جحظة، فأخذ دواة وبياضاً وكتب:
مالي ولـلـشـار وأولاده |
|
لا قدس الوالد والوالـده |
قد حفظا القرآن واستعملوا |
|
ما فيه إلا سورة المـائده |
ورمى بها إلي، فقرأتها، ودفعتها إلى ابن الشار، فقرأها، ووثب مسرعاً، فقدم المائدة، فقاطعه جحظة، فكان يجهد جهده أن يجيئه فلا يفعل، فإذا عاتبناه قال: والله حتى يحفظ تلك السورة.
وله أيضاً:
يطول علي الليل حتـى أمـلـه |
|
فأجلس والنوام في غفلة عـنـي |
فلا أنا بالراضي من الدهر فعلـه |
|
ولا الدهر يرضى بالذي ناله مني |
قال أبو علي: حدثني أبو القاسم الحسين بن علي البغدادي، وكان أبوه ينادم ابن الحواري، ثم نادم اليزيديين بالبصرة، وأقام بها سنين، قال: كان جحظة خسيف الدين، وكان لا يصوم شهر رمضان، وكان يأكل سراً، فكان عند أبي يوماً في شهر رمضان مسلماً، فأجلسته، فلما كان نصف النهار سرق من الدار رغيفاً، ودخل المستراح، وجلس على المقعدة، واتفق أن دخل أبي فرآه فاستعظم ذلك وقال: ما هذا يا أبا الحسن؟ فقال: أفت لبنات وردان ما يأكلون، فقد رحمتهم من الجوع: ومن شعر جحظة:
إن كنت ترغب في الزيا |
|
رة عند أوقات لـزياره |
فدع الشتيمة لـلـغـلا |
|
م إذا دنت من الغضاره |
ومن مطبوع شعر جحظة:
وإذا جفانـي صـاحـب |
|
لم أستجز ما عشت قطعه |
وتركته مثـل الـقـبـو |
|
ر أزورها في كل جمعه |
وحدث جحظة في أماليه: دخلت إلى عريب المأمونية مع شروين المغنى، وأبي العبيس المغنى، وأنا يومئذ غلام
على قباء ومنطقة، وأنكرتني، وسألت عني، فأخبرها شروين، وقال لها: هذا فتى من أهلك، هذا ابن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي، وهو يغني بالطنبور، فأدنتني، وقربت مجلسي، ودعت بطنبور، وأمرتني أن أغني، فغنيت أصواتاً، فقالت: أحسنت يا بني، ولتكونن مغنياً، ولكن إذا حضرت بين هذين الأسدين ضعت أنت وطنبورك، تعني بين عوديهما، وأمرت لي بمائة دينار.
وأنشد لنفسه في أماليه:
دعيني من العذل أين الكبير؟ |
|
بحرمة معبودك الأكـبـر |
فلست بباك على ظـاعـن |
|
ولا طلل محول مـقـفـر |
ولكن بكائي علـى مـاجـد |
|
أراد نـوالاً فـلـم يقـدر |
وأنشد فيه لنفسه:
مرضت فلم يعدني في شكاتي |
|
من الإخوان ذو كرم وخـير |
فإن مرضوا، وللأيام حـكـم |
|
سينفذ في الكبير وفي الصغير |
غدوت على المدامة والملاهي |
|
وإن ماتوا حزنت على القبور |
وأنشد فيه لنفسه:
يا راقداً، ونسيم الورد مـنـتـبـه |
|
في ربقة القفص والأطيار تنتحب |
الورد ضيف، فلا تجهل كرامتـه |
|
وهاتها قهوة في الكاس تلتـهـب |
سقياً له زائراً تحيا النـفـوس بـه |
|
يجود بالوصل حيناً ثم يجـتـنـب |
تبـاً لـحـر رآه وهـو ذو جـدة |
|
لم يقض من حقه بالشرب ما يجب |
وقد قال جحظة:
ناديت عمراً، وقد مالت بجـانـبـه |
|
مدامة، أخذت بالـراس والـقـدم |
قد لاح في الدير نار الراهبين وقد |
|
ناداك بالصبح ناقوساهمـا، فـقـم |
فقام يعثر في أثواب نـعـسـتـه |
|
لبزل صافية كالنجم في الظـلـم |
فاستلها، وشدا، والكـأس فـي يده: |
|
سلم على الربع من سلمى بذي سلم |
لو دام لي في الورى خل وعاتـقة |
|
لما حفلت بذي قربـى ولا رحـم |
ولا بكرت إلى حـلـو لـنـائلـه |
|
ولا التفت إلى شيء من النـعـم |
حدث أبو علي المحسن بن محمد بن علي قال: كان الحسن بن مخلد أكرم الناس في بذل المال، وأبخلهم بطعامه، فكان يحضر ندماؤه على مائدته، فلا يستجرئ أحد منهم أن يشعب شيئاً البتة، وينزهون أنفسهم عند رفع المائدة
بمسح أيديهم بلحاهم، وله في ذلك قصص عجيبة. قال جحظة: ربحت بأكلة افتديتها مع الحسن ابن مخلد خمسمائة دينار، وخمسمائة درهم، وخمسة أثواب فاخرة، وعتيدة طيبة سرية، فقيل له: كيف كان ذلك؟ فقال: كان الحسن بن مخلد بخيلاً على الطعام، سمحاً بالمال، وكان يأخذ ندماءه بغتة، فيسقيهم النبيذ، ويؤاكلهم فمن أكل قتله قتلا، ومن شرب معه على الخسف حظي عنده، قال: فكنت عنده يوماً، فقال لي: يا أبا الحسن، قد عملت غداً على الصبوح الجاشري فبت عندي، فقلت: لا يمكنني، ولكني أباكرك قبل الوقت، فعلى أي شيء عملت أن تصطبح؟ فقال: قد أعد لنا كذا وكذا، ووصف ما تقدم به إلى الطباخ بعمله، فعقدنا الرأي أن أباكره، وقمت وجئت إلى منزلي، ودعوت طباخي فتقدمت غليه بأن يصلح لي مثل ذلك بعينه، ويفرغ منه وقت العتمة، ففعل، ونمت، وقمت وقد مضى نصف الليل، فأكلت ما أصلح، وغسلت يدي وأسرج لي وأنا عامل على المضي إليه، إذ طرقتني رسله، فجئته، فقال. بحياتي أكلت؟ قلت. أعيذك بالله، انصرفت من عندك قبل الغروب، وهذا نصف الليل، فأي وقت أصلح لي شيء؟ أو أي وقت أكلت شيئاً؟ سل غلمانك على أي حال وجدوني، فقالوا. وجدناه يا سيدنا وقد لبس ثيابه، وهو ينتظر أن يفرغ له من إسراج بغلته ليركبها، فسر بذلك سروراً شديداً، وقدم الطعام، فما كان في فضل أشمه، فأمسكت عن تشعيبه ضرورة، وهو يستدعي أكلي، ولو أكلت أحل دمي، قال: وكذا كانت عادته، فأقول: هو ذا آكل يا سيدي أفي الدنيا أحد يأكل أكثر من هذا؟ وانقضى الأكل، وجلسنا على الشرب، فجعلت أشرب بأرطال، وهو يفرح، وعنده أنى أشرب على الريق، أو على ذلك الأكل الذي جلست معه، ثم أمرني بالغناء، فغنيت، فاستطاب ذلك، وطرب، وشرب أرطالاً، فلما رأيت النبيذ قد عمل فيه، قلت: يا سيدي تطرب أنت على غنائي، فأنا على أي شيء أطرب؟ فقال: يا غلام هات دواة، فأحضرها، فكتب لي رقعة ورمى بها غلي، وإذا هي على صيرفي يعامله بخمسمائة دينار، فأخذتها وشكرته، ثم غنيته، وطرب وزاد سكره، فطلبت منه ثياباً، فخلع علي خمسة أثواب، ثم أمر أن يبخر كل ما بين يديه، فأحضرت عتيدة حسنة سرية فيها طيب كثير، فأخذ الغلمان يبخرون منها للناس، فلما انتهوا إلي، قلت: يا سيدي: وأنا أرضى أن أتبخر فحسب؟ فقال لي: ما تريد؟ قلت: أريد نصيبي من العتيدة، قال: قد وهبتها لك، فأخذتها، وشرب بعد ذلك رطلاً، واتكأ على مسورته، وكذا كانت عادته، إذا سكر، فقام الناس من مجلسه، وقمت وقد طلع الفجر وأضاء، وهو وقت يبكر الناس في حوائجهم، فخرجت كأني لص قد خرج من بيت قوم على قفا غلامي الثياب والعتيدة كلها، فصرت إلى منزيلي ونمت نومة، ثم ركبت إلى رب عون أريد الصيرفي، فأوصلت إليه الرقعة، فقال: يا سيدي أنت لارجل المسمى في التوقيع؟ قلت: نعم، قال: أنت تعلم أن مثلنا يعاملون للفائدة، قلت: أجل، قال: ورسمنا أن نعطى في مثل هذا ما يكسر في كل دينار درهماً، فقلت له: ليس أضايقك في هذا القدر، فقال: ما قلت هذا إلا لأربح عليك الكبير أيما أحب إليك: أن تأخذ كما يأخذ الناس، وهو ما قد عرفتك، أو تجلس مكانك إلى الظهر، حتى أفرغ من شغلي، ثم تركب معي إلى داري، فتقيم عندي اليوم والليلة تشرب، فقد والله سمعت بك، وكنت أتمنى أن أسمعك، ووقعتن الآن لي رخيصاً، فإذا فعلت هذا، دفعت إليك الدنانير من غير خسران، فقلت: أقيم عندك، فجعل الرقعة في كمه، وأقبل على شغله، فلما دنا الظهر، جاء غلامه ببغلة فارهة، فركب وركبت معه، وصرنا إلى دار سرية حسنة، بفاخر الفرش والآلات، ليس فيها إلا جوار روم للخدمة من غير فحل، فتركني في مجلسه، ودخل، ثم خرج بثياب أولاد الخلفاء من حمام داره، وتبخر وبخرني بيده بند عتيق جيد، وأكلنا أسرى الطعام وأنظفه، وقمنا إلى مجلس سري للشرب، فيه فواكه وآلات بمال، وشربنا ليلتنا، فكانت ليلتي عنده أطيب من أختها عند الحسن بن مخلد، فلما أصبحنا، أخرج كيسين، في أحدهما دنانير، وفي الأخرى دراهم، فوزن خمسمائة دينار، وخمسمائة درهم، وقال: يا سيدي تلك ما أمرت به، وهذه الدراهم هدية مني إليك، فأخذتها وصار الصيرفي صديقي، وداره لي. قال: وحدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف التنوخي قال: حدثني أبو لعي بن الأعرابي الشاعر قال: كنت في دعوة جحظة، فأكلت، وجلسنا نشرب، وهو يغني، إذ دخل رجل فقدم إليه جحظة زلة كان زلها من طعامه ونحن نأكل، وكان بخيلاً على الطعام، قال: وكأن الرجل كان طاوياً، طاوى تسع، فأتى على الزلة، ورفع الطيفورية فارغة، وجحظة يرمقه ونحن نلمح جحظة، ونضحك، فلما فرغ، قال له جحظة: تلعب معي بالنرد قال: نعم، فوضعاه بينهما، ولعبا، فتوالى اللعب على جحظة من الرجل بأن تجيء الفصوص على ما يريد من الأعداد ويكره جحظة، فأخرج جحظة رأسه من قبة الخيش رافعاً له إلى السماء، وقال كأنه يخاطب الله جل وعز: لعمري إني أستحق هذا، لأني أشبع من أجعته.
قلت: ما أشد تباعد ما بين هببذين الخبرين، وخبر رواه التنوخي أيضاً عن أبي العباس بن المنم، قال. سمعت أبا عبد الله الموسوي العلوي يقول: قصدني أبو جعفر محمد بن يحيى شيرزاد، في أيام تدبيره الأمر، قصداً قبيحاً، وعمل لي كتابة مؤامرة في خراجاتي بمائة ألف درهم، أكثرها واجب وباقيها كالواجب، وأحضرني للمناظرة. عليها، واعتقلني في داره، فضقت ذرعاً بما نزل بي وعلمت أن المال سيلزمني إذا نوظرت، وأنه يؤثر في حالي، ويهتك جاهي، فلم أدر ما أصنع، فشاورت بعض من يختص به، فقال: طمعه فيك والله قوي، وما يفعل معه بشيء غير المال، فقلت له: ففكر في حيلة أو مخادعة، ففكر ثم قال: لا أعرف لك دواء إلا شيئاً واحداً إن سمحت به نفسك وتركت العلوية عنك وفعلت نجوت، قلت. ما هو، قال: هو رجل سمح على الطعام، محب لأكلة مائدته، موجب لحرمته، وأرى لك، إذا وضع طعامه، أن تخرج إليه، فإنك معه في الدار، ولا يمنعك الموكلون من ذلك، فتجيء بغير إذن، فتجلس على المائدة، وتأكل وتنبسط وتخاطبه في أمرك عقيب الأكل، وتسأله، وترفق به، وتخضع له، فإنه يسامحك بأكثرها، ويقرب ما بينك وبينه، فشق ذلك علي، ثم نظرت، فإذا وزن المال أشق منه، وكان أبو جعفر لا يأكل إلا بعد المغرب في كل يوم أكلة، فلم آكل ذلك اليوم شيئاً، وراعيت مائدته، فلما وضعت، قمت، فقال الموكلون: إلى أين؟ قلت. إلى مائدة الوزير، فما قدروا أن يمنعوني، فلما رأى أبو جعفر، أكبر ذلك وتهلل وجهه وقال. ألا عندي يا سيدي، وأجلسني إلى جنبه، فأقبلت آكل وأنبسط في الأكل والحديث، إلى أن رفعت المائدة واستدعاني إلى موضعه، فغسلت يدي بحضرته، فلما فرغت، أردت أن أبتدئه بالخطاب، فقال لي: قد آذيتك يا سيدي، يا أبا عبد الله، بتأخرك عن منزلك، فامض إلى بيتك، وما أخاطبك بشيء مما في نفسي، ولا مما أردت مخاطبتك به، ولا مطالبة عليك من جهتي، بعد ما تفضلت به، فشكرته، وقلت: إن رأى سيدنا، أيده الله، أن يتمم معروفه بتسليم المؤامرة إلي، فقال: هاتموها، فما برحت إلا وهي في خفي، وانصرفت إلى منزلي وقد سقط المال ني، ولزمته للسلم، وصرت أتعمد مؤاكلته، والتخصص به، فسلمت طول أيامه، وسلم جاهي ومالي علي، إلى أن مضى لسبيله.
قلت: هذا حسن من فعله، مع عسف كان فيه بالرعية في جباية المال، لم يسبق إليها، ولا تبعه بعده أحد في مثلها، فكانت له أفعال منكرة منها: أنه استدعى العيارين وضمنهم ما يسرقونه من أموال الناس وكتب جحظة إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله المشمعي، وكان قائداً جليلاً، تقلد البصرة وفارس:
إليك أبا إسحاق مـنـي رسـالة |
|
تزين الفتى، إن كان يعشق زينه |
لقد كنت غضباناً على الدهر زاريا |
|
عليه، فقد أصلحت بيني وبـينـه |
وكان أبو إسحاق هذا أديباً شاعراً، ومن شعره:
ألا طف من أجله أهلـه |
|
وكل إلي حبيب قـريب |
وأسأل عن غيره قبـلـه |
|
لأبطل ظن الذي يستريب |
وأنشد جحظة لنفسه في أماليه:
قد نلتم صحة، ما نالها بشـر |
|
وحزتم نعمة ما نالها ملـك |
فليت شعري أمقدار تعمدكـم |
|
بما أتاكم به، أم وسوس الفلك |
وأنشد جحظة في أماليه:
يا من دعاني وفر منـي |
|
أخلفت والله حسن ظني |
قد كنت أرضى بخبز رز |
|
ومالح أو قـلـيل بـن |
وسكرة من نبـيذ دبـس |
|
أقام يوماً بـعـقـر دن |
فكيف يغلو بما ذكـرنـا |
|
مساعد شاعر مغـنـي |
وحدث جحظة في أماليه قال: كنت أشرب عند بعض إخواني بباب حرب في ناعورة ثابت في يوم مطر، ومعنا شيخ خضيب حسن البرة متصدر، فتجارينا ذكر المطر، وما جاء فيه من الخبر، فقال الشيخ: حدثوا يا سيدي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، أبا بكر وأبا حفص وعلى النبيين السريين منكر ونكير وعلى عمرو بن العاضي قاتل الكفار يوم غدير خم وصاحب راية النبي يوم القطائف - يريد يوم الطائف - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومحا ملك يتبحا حتى يضحا في موضحا ثم يصعد ويدحا فقلت: يا شيخ فالقطر يقع في الكنيف، والملك ينزل معه قال: نعم يا سيدي فيهم ما في الناس من الدناءة والخسة.
وأنشد جحظة لنفسه في أماليه:
قالت أعاليه الصلب |
|
لما تثنى واضطرب |
أترى جنيت جناية؟ حتى صلبت على الخشب قال جحظة في أماليه: استهديت من بعض إخواني دواة فأخرها عني، ثم اجتمعنا في مجلس أبي العباس ثعلب، فقلت لأبي العباس: ما أراد الشاعر بقوله:
أحاجيك: ما قبر عديم تـرابـه |
|
به معشر موتى وإن لم يكفنوا |
سلوت عن التبيان مدة قبرهـم |
|
فإن نبشوا يوماً من الدهر بينوا |
فسكت ساعة، ثم قال: الدواة، فلما انصرفت إلى منزلي إذا الدواة قد سبقتني إليه.
قال جحظة: دعوت فضيلاً الأعرج، وكان عندنا جماعة فكتب إلينا:
أنا في منزلي، وقد رزق الل |
|
ه نديماً ومسمعاً وعـقـارا |
فاعذروني بأن تخلفت عنكـم |
|
شغل الحلي أهله أن يعـارا |
ومثله لغيره:
حي طـيفـاً مـن الأحـبة زارا |
|
بعد أن نوم الكرى الـسـمـارا |
داعياً في الوصال تحت دجى اللي |
|
ل عيوناً عن الوصال سهـارى |
قلت ما بالنا جـفـينـا وكـنـا |
|
قبل ذاك الأسماع والأبـصـارا |
قال: إنا كما عهـدت، ولـكـن |
|
شغل الحلي أهـلـه أن يعـارا |
قال جحظة: وسألت الحسن بن مخلد حاجة، فقال: إذا كان بعد ثلاث عرفتك، فقلت: يا سيدي تعدني أن تعدني.
قال جحظة في أماليه: كنت جالساً عند صديق لي، فجاءه رقعة من منزله، فلما نظر فيها ضرط، فحادثته ساعة واعتقلته وأخذتها، وإذا فيها: قد فني الدقيق وغدا الخبزة.
وأنشد لنفسه في أماليه يقول:
يقول لي مالكي، والدمع منحدر |
|
لا خفف الله رب العرش بلواكا |
وإن دعوت إليه عند معـتـبة، |
|
يقول قلبي له في السر: حاشاكا |
وأنشد أيضاً لنفسه في أماليه:
ما أنصفتنـي يد الـزمـان ولا |
|
أدركنـي غـير حـرفة الأدب |
لا حفظ الله، حيثمـا سـلـكـت |
|
أمي، وأير الحمار في أست أبي |
ما تركا درهـمـاً أصـون بـه |
|
وجهي يوماً عن ذلة الطـلـب |