باب الألف - أحمد بن داود بن وتند

أحمد بن داود بن وتند

أبو حنيفة الدينوري، أخذ عن البصريين والكوفيين، وأكثر أخذه عن ابن السكيت. وكان نحوياً لغوياً، مهندساً منجماً حاسباً، راوية ثقة فيما يرويه ويحكيه. مات في جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وجدت ذلك على ظهر كتاب النبات من تصنيفه، ووجدت في كتاب عتيق: مات أحمد بن داود أبو حنيفة الدينوري. قبل سنة تسعين ومائتين، ثم وجدت على ظهر النسخة التي بخط ابن المسبح، بكتاب النبات، من تصنيف أبي حنيفة، توفي أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري، ليلة الاثنين، لأربع بقين من جمادى الأولى، سنة ثمانين ومائتين، ووجدت في كتاب الوفيات، لأبي عبد الله محمد بن سفيان بن هارون، بن بنت جعفر، بن محمد الفريابي البغدادي، مات أبو حنيفة أحمد بن داود، بن وتند، صاحب كتاب النبات، في سنة إحدى وثمانين ومائتين. قال أبو حيان في كتاب تقريظ الجاحظ: ومن خطه الذي لا أرتاب فيه نقلت، قال: قلت لأبي محمد الأندلسي، يعني عبد الله بن حمود الزبيدي، وكان من عدد أصحاب السيرافي، وله في هذا الكتاب ذكر، قد اختلفت أصحابنا في مجلس أبي سعيد السيرافي، في بلاغة الجاحظ، وأبي حنيفة صاحب النبات، ووقع الرضا بحكمك، فما قولك؟ فقال أنا أحقر نفسي عن الحكم لهما وعليهما، فقال: لابد من قول. قال: أبو حنيفة أكثر ندارة، وأبو عثمان أكثر حلاوة، ومعاني أبي عثمان لائطة بالنفس، سهلة في السمع، ولفظ أبي حنيفة أعذب وأغرب، وأدخل في أساليب العرب، قال أبو حيان: والذي أقول وأعتقد وآخذ به، وأسنهم عليه، أني لم أجد في جميع من تقدم وتأخر ثلاثة: لو اجتمع الثقلان على تقريظهم، ومدحهم، ونشر فضائلهم، في أخلاقهم وعلمهم، ومصنفاتهم ورسائلهم، مدى الدنيا إلى أن يأذن الله بزوالها، لما بلغوا آخر ما يستحقه كل واحد منهم، أحدهم: هذا الشيخ، الذي أنشأنا له هذه الرسالة، وبسببه جشمنا هذه الكلفة، أعني أبا عثمان، عمرو بن بحر. والثاني: أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري، فإنه من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة، وبيان العرب، له في كل فن ساق وقدم، ورواء وحكم، وهذا كلامه في الأنواء، يدل على حظ وافر من علم النجوم، وأسرار الفلك، فأما كتابه في النبات فكلامه فيه، في عروض كلام آبدي بدوي، وعلى طباع أفصح عربي، ولقد قيل لي: إن له في القرآن كتاباً، يبلغ ثلاثة عشر مجلداً، ما رأيته، وإنه ما سبق إلى ذلك النمط، هذا مع ورعه وزهده، وجلالة قدره، وقد وقف الموفق عليه، وسأله وتحفى به. والثالث: أبو زيد أحمد بن سهل البلخي، فإنه لم يتقدم له شبيه في الأعصر الأول، ولا يظن أنه يوجد له نظير في مستأنف الدهر، ومن تصفح كلامه في كتاب أقسام العلوم، وفي كتاب أخلاق الأمم، وفي كتاب نظم القرآن، وفي كتاب اختيار السير، وفي رسائله إلى إخوانه، وجوابه عما يسأل عنه، ويبده به، علم أنه بحر البحور، وأنه عالم العلماء، وما رئي في الناس، من جمع بين الحكمة والشريعة سواه، وإن القول فيه لكثير، ولو تناصرت إلينا أخبارهما، لكنا نحب أن نفرد لكل واحد منهما تقريظاً مقصوراً عليه، وكتاباً منسوباً إليه، كما فعلت بأبي عثمان.

قرأت في كتاب ابن فرجة: المسمى بالفتح، على أبي الفتح، في تفسير قول المتنبي:
 

فدع عنك تشبيهي بما وكأنـه

 

فما أحد فوقي وما أحد مثلي

وقال فيه: ما لم يرضه ابن فرجة، ونسبه إلى أنه سأل عنه أبا الطيب، فأجاب بهذا الجواب، فأورد ابن فرجة هذه الحكاية: زعموا أن أبا العباس المبرد ورد الدينور زائراً لعيسى ابن ماهان، فأول ما دخل عليه وقضى سلامه، قال له عيسى: أيها الشيخ، ما الشاة المثمة، التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحمها؟ فقال هي الشاة القليلة اللبن، مثل اللجبة. فقال: هل من شاهد؟ قال: نعم قول الراجز:

لم يبق من آل الحميد نسمه

 

إلا عنيز لجبة مجثـمـهْ

 فإذا بالحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري، فلما دخل، قال له: أيها الشيخ، ما الشاة المجثمة، التي نهينا عن أكل لحمها؟ فقال: هي التي جثمت على ركبها وذبحت من خلف قفاها، فقال: كيف تقول؟ وهذا شيخ العراق، يعني أبا العباس المبرد يقول: هي مثل اللجبة، وهي القليلة اللبن، وأنشده البيتين، فقال أبو حنيفة: أيمان البيعة تلزم أبا حنيفة، إن كان هذا التفسير، سمعه هذا الشيخ أو قرأه، وإن كان البيتان إلا لساعتهما هذه، فقال: صدق الشيخ أبو حنيفة، فإنني أنفت أن أرد عليك من العراق، وذكري ما قد شاع، فأول ما تسألني عنه لا أعرفه، فاستحسن منه هذا الإقرار، وترك البهت قال ابن فرجة: وأنا أحلف بالله العلي، إن كان أبو الطيب قط سئل عن هذا البيت، فأجاب هذا الجواب، الذي حكاه ابن جني، وإن كان إلا متزيداً مبطلاً فيما يدعيه، - عفا الله عنه، وغفر له - فالجهل والإقرار به أحسن من هذا، وذكره محمد بن إسحاق النديم فقال: وله من الكتب المصنفة: كتاب الباه، كتاب ما يلحن فيه العامة، كتاب الشعر والشعراء، كتاب الفصاحة، كتاب البحث في حساب الهند، كتاب الجبر والمقابلة، كتاب البلدان كبير، كتاب النبات، لم يصنف في معناه مثله، كتاب الرد على لغزة الأصفهاني، كتاب الجمع والتفريق، كتاب الأخبار الطوال، كتاب الوصايا، كتاب نوادر الجبر، كتاب إصلاح المنطق، كتاب القبلة والزوال، كتاب الكسوف، قال أبو حيان: وله كتاب في تفسير القرآن.