باب الألف - أحمد بن سهل البلخي أبو زيد

كان فاضلاً، قائماً بجميع العلوم القديمة والحديثة، يسلك في مصنفاته طريقة الفلاسفة، إلا أنه بأهل الأدب أشبه، وكان معلماً للصبيان، ثم رفعه العلم إلى مرتبة علية، كما اقتصصنا في أخباره، وقد وصفه أبو حيان في كتابه، في تقريظ الجاحظ، بوصف ذكرته في أخبار أبي حنيفة أحمد بن داود، فاحتسبت به كعادتي في الإيجاز، وترك التكرير، مات في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة على ما أذكره فيما بعد، عن سبع أو ثمان وثمانين سنة.

حكي عنه أنه قال: كان الحسين بن علي المروروزي، وأخوه وأنا صعلوك يجريان علي صلات معلومة دائمة، فلماصنفت كتابي في البحث عن التأويلات قطعاها عني، وكان لأبي علي محمد بن أحمد بن جيهان من خرخان الجيهاني، وزير نصر بن أحمد الساماني جوار يدرها علي، فلما أمليت كتاب القرابين والذبائح حرمنيها، قال: وكان الحسين قرمطياً، وكان الجيهاني ثنوياً، وكان أبو زيد يرمى بالإلحاد، ذكر ذلك كله محمد بن إسحاق النديم، قال: ولأبي زيد من الكتب: كتاب أقسام العلوم، كتاب شرائع الأديان، كتاب اختيارات السير، كتاب السياسة الكبير، كتاب السياسة الصغير، كتاب كمال الدين، كتاب فضل صناعة الكتابة، كتاب مصالح الأبدان والأنفس، يعرف بالمقالتين، كتاب أسماء الله وصفاته، كتاب صناعة الشعر، كتاب فضيلة علم الأخبار، كتاب الأسماء والكنى والألقاب، كتاب أسماء الأشياء، كتاب النحو والتصريف، كتاب الصورة والمصدر، كتاب رسالة حدود الفلسفة، كتاب ما يصح من أحكام النجوم، كتاب الرد على عبدة الأوثان، كتاب فضيلة علوم الرياضات، كتاب في أقسام علوم الفلسفة، كتاب القرابين والذبائح، كتاب عصمة الأنبياء، كتاب نظم القرآن، كتاب قوارع القرآن، كتاب الفتاك والنساك، كتاب ما أغلق من غريب القرآن، كتاب في أن سورة الحمد تنوب عن جميع القرآن، كتاب أجوبة أبي القاسم الكعبي، كتاب النوادر في فنون شتى، كتاب أجوبة أهل فارس، كتاب تفسير "صورٍ" كتاب السماء والعالم لأبي جعفر الخازن، كتاب أجوبة أبي علي بن محتاج، كتاب أجوبة أبي إسحاق المؤدب، كتاب المصادر، كتاب أجوبة أبي الفضل السكري كتاب الشطرنج، كتاب فضائل مكة على سائر البقاع، كتاب جواب رسالة أبي علي بن المنير الزيادي، كتاب منية الكتاب، كتاب البحث عن التأويلات كبير، كتاب الرسالة السالفة إلى العاتب، كتاب رسالته في مدح الوراقة، كتاب الوصية، كتاب صفات الأمم، كتاب القرود، كتاب فضل الملك، كتاب المختصر في اللغة، كتاب صولجان الكتبة، كتاب نثاراتٍ على كلامه، كتاب أدب السلطان والرعية، كتاب فضائل بلخ، كتاب تفسير الفاتحة والحروف المقطعة في أوائل السور، كتاب رسول الكتب، كتاب كتبه إلى أبي بكر بن المستنير، عاتباً ومنتصفاً، في ذمه المعلمين والوراقين، كتاب كتبه إلى أبي بكر بن المظفر، في شرح ما قيل في حدود الفلسفة، كتاب أخلاق الأمم، وقرأت بخط أبي سهل أحمد بن عبيد الله بن أحمد، مولى أمير المؤمنين، وتصنيفه كتاباً في أخبار أبي زيد البلخي، وأبي الحسن شهيد البلخي، فلخصت منه ما ذكرته في تراجم الثلاثة.

قال في أخبار أبي زيد، ولد أبو زيد أحمد بن سهل ببلخ، بقرية تدعى شامستيان، من رستاق نهر غربنكي، من جملة اثني عشر نهراً من أنهار بلخ، وكان أبوه سجزياً يعلم الصبيان، هذا ما ذكره أبو محمد الحسن بن محمد الوزيري، وله كتاب في أخبار أبي زيد البلخي.

وسمعت أنه كان يعلم بهذه القرية المدعوة شامستيان أعني أباه، وكان أبو زيد يميل إليها ويحبها، لأجل مولده بها، ونزعه إليها حب المولد، ومسقط الرأس والحنين إلى الوطن الأول، ولذلك لما حسنت حاله، ودعته نفسه إلى اعتقاد الضياع والأسباب، والنظر للأولاد والأعقاب، اختارها من قرى بلخ، فاعتقد بها ضيعته، ووكل بها همته، وصرف إلى اتخاذ العقد بها عنايته، وقد كانت تلك الضياع بعد باقية، إلى قريب من هذا الزمان، في أيدي أحفاده وأقاربه، بها وبالقصبة ثم إنهم كما أقدر قد فنوا وانقرضوا، في اختلاف هذه الحوادث ببلخ وغيرها، من سائر البلدان، فلا أحسب أنه بقي منهم نافخ ضرم، ولا عين تطرف، لا تحس منهم من أحد ولا تسمع منهم ركزاً.

سمعت أن الأمير أحمد بن سهل بن هاشم كان ببلخ، وعنده أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، وأبو زيد ليلة من الليالي وفي يد الأمير عقد لآلائي نفيسة، ثمينة، تتلألأ كاسمها، ويتوهج نورها، وكان حمل إليه من بعض بلاد الهند، حين افتتحت، فأفرد الأمير منها عشرة أعداد، وناولها أبا القاسم، وعشرة أعداد أخر، وناولها أبا زيد، وقال: هذه اللآلئ في غاية النفاسة، فأحببت أن أشرككما فيها، ولا أستبد بها دونكما. فشكرا له ذلك، ثم إن أبا القاسم وضع لآلئه بين يدي أبي زيد، وقال: إن أبا زيد وهو من هو مهتم بشأنهن، فأردت أن أصرف ما برني به الأمير إليه، لينتظم في عقده فقال الأمير: نعماً فعلت، ورمى بالعشرة الباقية إلى أبي زيد وقال خذها فلست في الفتوة بأقل حظاً، ولا أوكس سهماً، من أبي القاسم، ولا تغبنن عنها، فإنها ابتيعت من الفئ، بثلاثين ألف درهم، فاجتمعت الثلاثون عند أبي زيد برمتها، وباعها بمال جليل، وصرف ثمنها إلى الضيعة التي اشتراها بشامستيان.

قال وكان أبو زيد كما ذكر أبو محمد الحسن الوزيري - وكان رآه واختلف إليه - ربعة نحيفاً مصفاراً، أسمر اللون جاحظ العينين، فيهما تأخر ومثل بوجهه آثار جدري، صموتاً سكيتاً، ذا وقار وهيبة، وقد وصفه أبو علي أحمد المنيري الزيادي، في رسالته التي كتبها إليه، وأراد أن يهدم بنيانه، ويضع شانه، ويوهي أركانه، فرند عليه أبو زيد في جوابها، ما ألبسه الشنار والصغار، ونبه العالم أن حظه من العلوم حظ منكود، وأنه فيما أجرى له من كلامه غير سديد، قرأت على أبي محمد الوزيري كلتا الرسالتين، فزعم أنه قرأهما عليهما، أعني أبا زيد والمنيري كليهما، فذكر المنيري في رسالته في جملة ما هجنه به، وأنك لا تصلح إلا أن تكون زامراً، أو مغيراً، أو محتكراً فدل هذا الكلام على أنه كان جاحظ العين، أشدق، مع قصر قامته، ودنو هامته، قال: ثم حدثت أنه كان في عنفوان شبابه، وطراءة زمانه، وأول حداثته، ومائه، دعته نفسه إلى أن يسافر ويدخل إلى أرض العراق، ويجثو بين يدي العلماء، ويقتبس منهم العلو، فتوجه إليها راجلاً مع الحاج، وأقام بها ثماني سنين، وجازها فطوف البلدان المتاخمة لها، ولقي الكبار والأعيان، وتتلمذ لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي، وحصل من عنده علوماً جمة، وتعمق في علم الفلسفة، وهجم على أسرار علم التنجيم، والهيئة وبرز في علم الطب والطبائع وبحث عن أصول الدين أتم بحث، وأبعد استقصاء، حتى قاده ذلك إلى الحيرة، وزل به عن النهج الأوضح، فتارة كان يطلب الإمام ومرة كان يسند الأمر إلى النجوم والأحكام، ثم إنه لما كتبه الله في الأول من السعداء، وحكم بأنه لا يتركه يتسكع في ظلمات الأشقياء، بصره أرشد الطرق، وهداه لأقوم السبل، فاستمسك بعروة من الدين وثيقة، وثبت من الاستقامة على بصيرة وحقيقة، فذكر أبو الحسن الحديثي قال: كان أبو بكر البكري فاضلاً خليعاً لا يبالي ما قال، وكان يحتمل عنه لسنه، قال: أذكر إذ كنا عنده وقد قدمت المائدة وأبو زيد يصلي، وكان حسن الصلاة، فضجر البكري من طول صلاته، فالتفت إلى رجل من أهل العلم، يقال له أبو محمد الجحندي فقال: يا أبا محمد، ريح الإمامة يعد في رأس أبي زيد، فخفف أبو زيد الصلاة وهما يضحكان، قال أبو الحسن: فلم أدر ما ذلك! حتى سألت لا أدري الجحندي أو أبا بكر الدمشقي فقال: أحدهما: العم أن أبا زيد في أول أمره كان خرج في طلب الإمام إلى العراق، إذ كان قد تقلد مذهب الإمامية، فعيره البكري بذلك،قال: وكان حسن الاعتقاد، ومن حسن اعتقاده أنه كان لا يثتب من علم النجوم الأحكام، بل كان يثبت ما يدل عليه الحسبان، ولقد جرى ذكره رحمه الله في مجلس الإمام أبي بكر، أحمد بن محمد بن العباس البزار، وهو الإمام ببلخ، والمفتي بها، فأثنى عليه خيراً، وقال: إنه كان قويم المذهب، حسن الاعتقاد، لم يعرف بشيء في ديانته، كما ينسب إليه من نسب إلى علم الفلسفة، وكل من حضر من الفضلاء والأماثل، أثنى عليه ونسبه إلى الاستقامة والاستواء، وأنه لم يعثر له مع ما له من المصنفات الجمة، على كلمة تدل على قدح في عقيدته، ثم لما قضى وطره من العراق، وصار في كل فن من فنون العلم قدوة، وفي كل نوع من أنواعه إماماً، قصد العود إلى بلده، فتوجه إليها مقبلاً على طريق هراة، حتى وصل إلى بلخ، وانتشر بها علمه، فلما ورد أحمد بن سهل بن هاشم المروزي بلخ، واستولى على تخومها، راوده على أن يستوزره فأبى عليه، واختار سلامة الأولى، والعقبى، فاتخذ أبا القاسم الكعبي وزيراً، وأبا زيد كاتباً، وكان أبو القاسم الوزير وأبو زيد من الكتاب، وعظم محلهما عنده، وأصبحا بأرفع طرف عنده مرموقين وبأروى كأس من جنابه مصبوحين ومغبوقين، وكان رزق أبي القاسم في الشهر ألف درهم ورقاً، ولأبي زيد خمسمائة درهم ورقاً، وكان أبو القاسم يأمر الخازن بزيادة مائة درهم لأبي زيد من رزقه ونقصان مائة درهم من رزق نفسه، فكان يصل إلى أبي زيد ستمائة درهم وإلى أبي القاسم تسعمائة درهم، وكان يأخذ لنفسه مكسرة، ويأمر لأبي زيد بالوضح الصحاح، فبقوا على ذلك مدة غير طويلة، وعاشوا على جملة جميلة، حتى فتكت بهم يد المنون، وهلك أحمد بن سهل عن عمر قصير، واستمتاع بإمامة غير كبير، قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن الوزيري: وكان لقي أبا زيد وتتلمذ له قال: كان أبو زيد ضابطاً لنفسه ذا وقار، وحسن استبصار، قويم اللسان، جميل البيان، متثبتاً نزر الشعر، قليل البديهة، واسع الكلام في الرسائل والتأليفات، إذا أخذ في الكلام أمطر اللآلئ المنثورة، وكان قليل المناظرة، حسن العبارة، وكان يتنزه عما يقال في القرآن، إلا الظاهر المستفيض من التفسير والتأويل، والمشكل من الأقاويل، وحسبك ما ألفه من كتاب نظم القرآن، الذي لا يفوقه في هذا لاباب تأليف.

قرأت في كتاب البصائر لأبي حيان الفارسي، من ساكني بغداد، قال: قال أبو حامد القاضي لم أر كتاباً في القرآن مثل كتاب لأبي زيد البلخي، وكان فاضلاً يذهب في رأي الفلسفة، لكنه تكلم في القرآن بكلام لطيف دقيق في مواضع، وأخرج سرائره، وسماه نظم لاقرآن، ولم يأت على جميع المعاني فيه.

قال: وللكعبي كتاب في التفسير، يزيد حجمه على كتاب أبي زيد، قال الوزيري: وكان أيضاً يتحرج عن تفضيل الصحابة بعضهم على بعض، وكذلك عن مفاخرة العرب والعجم، ويقول ليس في هذه المناظرات الثلاث ما يجدي طائلاً، ولا يتضمن حاصلاً، لأن الله تعالى يقول في معنى القرآن: (قرآناً عربياً غير ذي عوج) الآية وأما معنى الصحابة وتفضيل بعضهم على بعض، فقوله عليه السلام، أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم، وكذلك العربي والشعوبي، فإنه سبحانه يقول: (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) ويقول في موضع آخر، (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) قال: وسمعت بعض أهل الأدب يقول: اتفق أهل صناعة الكلام أن متكلمي العالم ثلاثة، الجاحظ، وعلي بن عبيدة اللطفي، وأبو زيد البلخي، فمنهم من يزيد لفظه على معناه، وهو الجاحظ ومنهم من يزيد معناه على لفظه، وهو علي بن عبيدة، ومنهم من توافق لفظه ومعناه، وهو أبو زيد.

وقال أبو حيان في كتاب النظائر: أبو زيد البلخي يقال له بالعراق جاحظ خراسان، وحكي أن أبا زيد لما دخل على أحمد بن سهل، أول دخوله عليه، سأله عن اسمه، فقال أبو زيد، فعجب أحمد بن سهل من ذلك، حين سأله عن اسمه فأجاب عن كنيته، وعد ذلك من سقطاته، فلما خرج ترك خاتمه في مجلسه عنده، فأبصره أحمد بن سهل، فازداد تعجباً من غفلته، فأخذه بيده ونظر في نقش فصه، فإذا عليه أحمد بن سهل، فعلم حينئذ أنه إنما أجاب عن كنيته للموافقة الواقعة بين اسمه واسمه، وأنه أخذ بحسن الأدب، وراعى حد الاحتشام، واختار وصمة التزام الخطإ في الوقت والحال، على أن يتعاطى اسم الأمير بالاستعمال والابتذال. وحكي أن أبا زيد في حداثته، وحال فقره وخلته كان التمس من أبي علي المنيري حنطة، فأمره بحمل جراب إليه ففعل، فلم يعطه حنطة، وحبس الجراب، ومضى على هذا أعوام كثيرة، وخرج شهيد بن الحسين إلى محتاج بن أحمد بالصعانيان، وكتب إلى أبي زيد كتباً لم يجبه أبو زيد عنها، فكتب إليه شهيد بهذين البيتين، يعيره بحديث الجراب:
 

أمني النفس منك جواب كتبي

 

وأقطعها لتسكن وهي تابي

إذا ما قلت سوف يجيب قالت

 

إذا رد المنيري الجـرابـا

قال: وقرأت بخط أبي الحسن الحديثي، على ظهر كتاب كمال الدين لأبي زيد، قال أبو بكر الفقيه: ما صنف في الإسلام كتاب أنفع للمسلمين من كتاب البحث عن التأويلات، صنفه أبو زيد البلخي، وهذا الكتاب يعني كتاب كمال الدين.

وكان لأبي زيد حافد يقال له علي بن محمد بن أبي زيد، قال: ولأبي زيد نحو من سبعين تأليفاً، قال: ولقي أحمد بن سهل الأمير أبا زيد في طريق، وقد أجهده السير، فقال له: عييت أيها الشيخ، فقال أبو زيد: نعم أعييت أيها الأمير، فنبهه أنه لحن في قوله "عييت" إذ العي في الكلام، والإعياء في المشي، وأنشد أبو زيد:

لكل امرئ ضـيف يسـر بـقـربـه

 

ومالي سوى الأحزان والهم من ضيف

تناءت بنا دار الحبـيب اقـتـرابـهـا

 

فلم يبق إلا رؤية الطيف لـلـطـيف

وقال أبو زيد: كان ببلخ مجنون من عقلاء المجانين وكان يعرف بأبي إبراهيم إسحاق بن إسحاق البغدادي، "من عقلاء المجانين" دخل إلي وكنت ألاعب الأهوازي بالشطرنج، فقال أبو زيد والأهوازي لك فتحيرت في هذا الكلام، فقال لي احسب فحسبت بحروف الجمل، فكان ستون، قال فصل بين كنيتك وكنيته الأهوازي، قال فوصلت، فإذا أبو زيد ثلاثون، والأهوازي ثلاثون، فقضيت عجباً من اختراعه في تلك الوهلة هذا الحساب.

وأما خبر وفاته، فقال صاحب الكتاب المذكور: ذكر أبو زيد الدمشقي قال: دخلت على أبي زيد - رحمه الله - يوم الجمعة ضحوة لعشر بقين من ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة فوجدته ثقيلاً من علته، فسلمت سلاماً ضعيفاً، ثم قال: يا أبا بكر قد انقطع السبب، وما هو إلا فراق الإخوان، ودمعت عينه، وبكيت أنا، وقلت: أرجو أن يشفع الله الشيخ فينا وفي عترتنا بعافيته، فقال: أيهات: وقرأ هذه الآية: (أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) ثم قال: لا تغب عني وكن بالقرب.

فلما كان عند العتمة قال: انصرفوا حتى أدعوكم، وقال لابنه الحسين إذا طلع القمر ونزل في الدار فأعلمني، فلما طلع القمر أعلمه، فصاح بهم فجاءوا، وقال أطلع القمر؟ فقالوا: نعم، قال: اجمعوا كل من في المنزل، فاجتمعوا عليه، فسأل كل واحد منهم عن حاله، وعن كسوته، وعن آلة الشتاء، ثم قال: بقي شيء لم أصلحه لكم. قالوا: لا: فاستحلفهم ثم قال: عليكم السلام، هذا آخر اجتماعي معكم، ثم جعل يتشهد ويستغفر، ثم قال: قوموا فقد جاء نوبة غيركم، فخرجوا من باب الطارمة، وهم يسمعون تشهده، ثم سكت فرجعوا وقد قضى نحبه، رحمه الله، هذا العقل والتمييز صار كما قال أبو تمام:

ثم انقضت تلك السنون وأهلها

 

فكأنها وكـأنـهـم أحـلام

 

قال المؤلف: هذا آخر ما كتبته عن كتاب أبي سهل أحمد بن عبيد الله من أخبار أبي زيد، وما أرى أن أحداً جاء من خبر أبي زيد بأحسن مما جاء به، أثابه الله على اهتمامه الجنة، وسأكتب أخبار أبي القاسم، عبد الله بن أحمد الكعبي البلخي عنه في موضعه، ولم أخل من أخبار أبي زيد التي ذكرها بشيء مما يتعلق به، إنما تركت أشياء

من فوائده تتعلق بكتب المجاميع.

وقال المرزباني: أحمد بن سهل البلخي محدث معتمدي وهو القائل يرثي الحسن بن الحسين العلوي، وقد توفي ببلخ:

إن المنية رامتنـا بـأسـهـمـهـا

 

فأوقعت سهمها المسموم بالحسـن

أبو محـمـد الأعـلـى فـغـادره

 

تحت الصفيح مع الأموات في قرن

يا قبر إن الذي ضمنـت جـثـتـه

 

من عصبة سادة ليسـوا ذوي أفـن

محـمـد وعـلـي ثـم زوجـتـه

 

ثم الحسين ابنه والمرتضى الحسـن

صلى الإله عليهم والـمـلائكة ال

 

مقربون طوال الدهـر والـزمـن

 قال المؤلف: هكذا قال المرزباني، ولا أدري أيريد صاحبنا هذا أو غيره؟ فإنه لم يذكره بأكثر مما كتبناه.

وقرأت في كتاب البلدان لأبي عبد الله البشاري، أن صاحب خراسان استدعاه إلى بخاري، ليستعين به على سلطانه، فلما بلغ جيحون ورأى تغطمط أمواجه وجرية مائه وسعة قطره كتب إليه: إن كنت استدعيتني لما بلغك من صائب رأيي فإني إن عبرت هذا النهر فلست بذي رأي ورأيي يمنعني من عبوره: فلما قرأ كتابه عجب منه وأمره بالرجوع إلى بلخ.