باب الألف - أحمد بن عبيد بن ناصح بن بلنجر

أبو جعفر النحوي الكوفي، يعرف بأبي عصيدة. ديلمي الأصل، من موالي بني هاشم، حدث عن الواقدي، والأصمعي، وأبي داود الطيالسي، وزيد بن هارون، وغيرهم. وروى عنه القاسم بن محمد، بن بشار الأنباري، وأحمد بن حسن، بن شهير، ومات فيما ذكره أبو عبد الله، محمد ابن شعبان بن هارون، بن بنت الغرياني في تاريخ الوفيات له، في سنة ثلاث وسبعين ومائتين.

قالوا: وكان ضعيفاً فيما يرويه، وله من التصانيف: كتاب المقصور والممدود، وكتاب المذكر والمؤنث، وكتاب الزيادات في السفر لابن السكيت في إصلاحه، وكتاب عيون الأخبار والأشعار. وحدث محمد بن إسحاق النديم قال: كان أبو عصيدة وابن قادم يؤدبان ولد المتوكل، قال: لما أراد المتوكل أن يتخذ المؤدبين لولده، جعل ذلك إلى إيتاخ، فأمر إيتاخ كاتبه أن يتولى ذلك، فبعث إلى الطوال، والأحمر، وابن قادم، وأبي عصيدة هذا، وغيرهم من أدباء ذلك العصر، فأحضرهم مجلسه، وجاء أبو عصيدة، فقعد في آخر الناس، فقال له من قرب منه: لو ارتفعت، فقال: بل أجلس حيث انتهى بي المجلس، فلما اجتمعوا، قال لهم الكاتب: لو تذاكرتم وقفنا على موضعكم من العلم، واخترنا. فألقوا بينهم بيت ابن عنقاء الفزاري:

ذريني إنما خطئي وصوبي

 

علي وإنما أنفقـت مـال

فقالوا: ارتفع مال بإنما، إذا كانت ما بمعنى الذي، ثم سكتوا، فقال لهم أحمد بن عبيد من آخر الناس: هذا الإعراب، فما المعنى؟ فأحجم الناس عن القول، فقيل له: فما المعنى عندك؟ قال: أراد ما لومك إياي؟ وإن ما أنفقت مال، ولم أنفق عرضاً، فالمال لا ألام على إنفاقه، فجاءه خادم من صدر المجلس فأخذ بيده، حتى تخطى به إلى أعلاه، وقال له: ليس هذا موضعك، فقال: لأن أكون في مجلس أرفع منه إلى أعلاه، أحب إلي من أن أكون في مجلس أحط عنه. فاختير هو وابن قادم، بخط عبد السلام البصري.

حدثنا أبو الحسن محمد بن يوسف، بن يوسف، بن موسى سبط فلان، قال: حدثنا أبو القاسم عبيد الله، ابن محمد، بن جعفر الأزدي قال: سمعت أحمد بن عبيد، بن ناصح يقول: لما أراد المتوكل أن يعقد للمعتز ولاية العهد، حططته عن مرتبته قليلاً، وأخرت غداءه عن وقته، فلما كان وقت الانصراف، قلت للخادم احمله، فضربته من غير ذنب، فكتب بذلك إلى المتوكل: فأنا في الطريق منصرفاً، إذ لحقني صاحب رسالة فقال: أمير المؤمنين يدعوك، فدخلت على المتوكل وهو جالس على كرسي، والغضب يبين في وجهه، والفتح قائم بين يديه متكئاً على السيف، فقال: ما هذا الذي فعلته يا أبا عبد الله؟ قلت: أقول يا أمير المؤمنين؟ فقال: قل، إنما سألتك لتقول، قلت: بلغني ما عزم عليه أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - فدعوت ولي عهده وحططت منزلته، ليعرف هذا المقدار، فلا يعجل بزوال نعمة أحد، وأخرت غداءه، ليعرف هذا المقدار من الجوع، فإذا شكي إليه الجوع عرف ذلك، وضربته من غير ذنب، ليعرف مقدار الظلم، فلا يعجل على أحد، قال: فقال أحسنت، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، ثم لحقني رسول قبيحة بعشرة آلاف أخرى، فانصرفت بعشرين ألفاً. قال: وحدثنا أبو القاسم الأزدي قال: سمعت أحمد بن عبيد، بن ناصح يحدث قال: قال لي المعتز يوماً: يا مؤدبي، تصلي جالساً؟ وتضربني قائماً؟ فقلت له: وضربك من الفروض، ولا أودي فرضي إلا قائماً، وقال عبد الله بن عدي الحافظ: أحمد بن عبيد، أبو عصيدة النحوي، كان بسر من رأى يحدث عن الأصمعي، ومحمد بن مصعب القرقساني بمناكير، وقال أبو أحمد الحافظ النيسابوري وذكره فقال: لا يتابع على جل حديثه قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري: أنشدني أبي قال: أنشدنا أحمد ابن عبيد:

ضعفت عن التسلـيم يوم فـراقـنـا

 

فودعتها بالطرف والعـين تـدمـع

وأمسكت عن رد السلام فمـن رأى

 

محباً بطرف العين قبـلـي يودع؟

رأيت سيوف البين عنـد فـراقـنـا

 

بأيدي جنود الشوق بالموت نلـمـع

عليك سلام الله مني مـضـاعـفـاً

 

إلى أن تغيب الشمس من حيث تطلع