باب الألف - أحمد بن عبيد الله بن محمد

ابن عمار أبو العباس الثقفي الكاتب المعروف بحمار العير، كذا قال الخطيب، قال: وله مصنفات في مقاتل الطالبيين وغير ذلك، وكان يتشيع، ومات في سنة أربع عشرة وثلاثمائة. حدث عن عثمان بن أبي شيبة، وسليمان بن أبي شيخ، وعمر ابن شبة، ومحمد بن داود بن الجراح، وغيرهم. ورى عنه القاضي الجابي، وابن زنجي الكاتب، وأبو عمرو بن حيويه، وأبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني، وغيرهم. وفيه يقول ابن الرومي:

وفي ابن عمـار عـزيرية

 

يخاصم الله بهـا والـقـدر

ما كان لم كان؟ وما لم يكن

 

لم لم يكن؟ فهو وكيل البشر

لا بل فتى خاصم في نفسـه

 

لم لم يفز قدماً وفاز البقـر

وكل من كان لـه نـاظـر

 

صاف فلا بد له من نظـر

هذا ما ذكره الخطيب. ووجدت في كتاب ألفه أبو الحسن، علي بن عبيد الله، ابن المسيب الكاتب، في أخبار ابن الرومي، وكان ابن المسيب هذا، صديقاً لابن الرومي وخليطاً له. قال: كان أحمد بن محمد، بن عبيد الله، بن عمار، "هكذا قال في نسبه، بتقديم محمد على عبيد الله" صديقاً لابن الرومي، كثير الملازمة له، وكان ابن الرومي يعمل له الأشعار، وينحله إياها، يستعطف بها من يصحبه، وكان ابن عمار محدوداً فقيراً، وقاعة في الأحرار، وكان أيام افتقاره، كثير السخط لما تجري به الأقدار، في آناء الليل والنهار، حتى عرف بذلك، فقال له علي بن العباس، بن الرومي يوماً: يا أبا العباس، قد سميتك العزير، قال له: وكيف وقعت لي على هذا الاسم؟ قال: لأن العزير خاصم ربه، بأن أسال من دماء بني إسرائيل على يدي، بختنصر سبعين ألف دم، فأوحى الله: "لئن لم تترك مجادلتي في قضائي، لأمحونك من ديوان النبوة": وقال فيه: "وفي ابن عمار عزيرية" وذكر البيتين اللذين في كتاب الخطيب وزاد:

لا، بل فتى خاصم في نفسه

 

لم لم يفز قدماً وفاز البقر؟

وكل من كان له نـاظـر

 

صاف فلا بد له من نظر

وكتب ابن الرومي إلى أحمد بن محمد، بن بشر المرشدي قصيدة يمدحه فيها، ويهنئه بمولود ولد له، ويحضه على بر ابن عمار والإقبال عليه، يقول فيها:

ولي لديكم صاحب فـاضـل

 

أحب أن يبقى وأن يصحبـا

مبارك الطائر مـيمـونـه

 

خبرني عن ذاك من جربـا

بل عندكم من يمنه شـاهـد

 

قد أفصح القول وقد أعربـا

جاء فجاءت مـعـه غـرة

 

تقبل الناس بها كـوكـبـا

إن أبا العباس مستصـحـب

 

يرضي أبا العباس مستصحبا

لكن في الـشـيخ عـزيرية

 

قد تركته شرساً مشـغـبـا

فاشدد أبا العباس كـفـاً بـه

 

فقد ثقفت المحطب المحوبا

باقعة إن أنت خـاطـبـتـه

 

أعرب أو فاكهته أغـربـا

أدبه الدهر بـتـصـريفـه

 

فأحسن الـتـأديب إذ أدبـا

وقد غدا ينشر نعـمـاءكـم

 

في كل ناد موجزاً مطنبـاً

والقصيدة طويلة. قال: وصار محمد بن داود، بن الجراح يوماً إلى ابن الرومي مسلماً عليه، فصادف عنده أبا العباس أحمد بن محمد بن عمار، وكان من الضيق والإملاق النهاية، وكان علي بن العباس مغموماً به، فقال محمد بن داود لابن الرومي، ولأبي عثمان الناجم: لو صرتما إلي وكثرتما بما عندي، لأنس بعضنا ببعض، فأقبل ابن الرومي، على محمد بن داود فقال: أنا في بقية علة، وأبو عثمان مشغول بخدمة صاحبه، يعني ابن بليل، وهذا أبو العباس بن عمار، له موضع من الرواية والأدب، وهو على غاية الإمتاع والإيناس بمشاهدته، وأنا أحب أن تعرف مثله، وفي العاجل خذه معك، لتقف على صدق القول فيه. فأقبل محمد بن داود، على أحمد بن عمار، وقال له: تفضل بالمصير إلي في هذا اليوم، وقبله قبولاً ضعيفاً، فصار إليه ابن عمار في ذلك اليوم، ورجع إلى ابن الرومي فقال له: إني أقمت عند الرجل وبت، وأريد أن تقصده وتشكره، وتؤكد أمري معه. ومحمد بن داود في هذا الوقت متعطل، ملازم منزله، فصار إليه، وأكد له الأمر معه، وطال اختلافه إليه، إلى أن ولي عبيد الله بن سليمان وزارة المعتضد، واستكتب محمد بن داود بن الجراح، وأشخصه معه، وقد خرج إلى الجبل ورجع، وقد زوجه بعض بنات، وولاه ديوان المشرق، فاستخرج لابن عمار أقساطاً أغناه بها، وأجرى عليه أيضاً من ماله، ولم يزل يختلف إليه أيام حياة محمد بن داود.

وكان السبب في أن نعشه الله بعد العثار، وانتاشه من الإقبار ابن الرومي، فما شكر ذلك له، وجعل يتخلفه، ويقع فيه ويعيبه، وبلغ ابن الرومي ذلك، فهجاه بأهاج كثيرة، منها وهو مصحف:

ألا قل لابن عـمـار

 

ألا تعظم من قـدري

بحر أختك وحر والـد

 

تك لا تعرض لشعري

وتذكر حين تـنـسـى

 

حر عمـتـك وأيرى

وإذ فتىً فـرح الـرو

 

حة منقاد لأمـري؟؟

خر خـالاتـك لـلـج

 

يران لكن لست تدري

 قال ابن المسيب: ومن عجيب أمر عزير هذا، أنه كان ينتقص ابن الومي في حياته، ويزري على شعره، ويتعرض لهجائه، فلما مات ابن الرومي، عمل كتاباً في تفضيله، ومختار شعره، وجلس يمليه على الناس، وذكره محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست، فقال: كان يصحب محمد بن داود، بن الجراح، ويروي عنه، ثم توكل للقاسم بن عبيد الله، بن سليمان وولده.

وله من الكتب كتاب المبيضة، وهو في مقاتل الطالبيين، كتاب الأنواء، كتاب مثالب أبي نواس، كتاب أخبار سليمان بن أبي شيخ، كتاب الزيادة في أخبار الوزراء، لابن الجراح، كتاب أخبار حجر بن عدي، كتاب أخبار أبي نواس، كتاب أخبار ابن الرومي ومختار شعره، كتاب المناقضات، كتاب أخبار أبي العتاهية، كتاب الرسالة في بني أمية، كتاب الرسالة في تفضيل بني هاشم ومواليهم، وذم بني أمية وأتباعهم، كتاب الرسالة في المحدب والمحدث، كتاب أخبار عبد الله بن معاوية الجعدي، كتاب الرسالة في مثال معاوية.

وذكره أبو عبد الله المرزباني في كتاب المعجم فقال: وذكر أنه مات في سنة عشر وثلاثمائة قال: وهو القائل:

وعيرتني النقصان والنقص شامـل

 

ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكما؟

وأقسم أني ناقـص غـير أنـنـي

 

إذا قيس بي قوم كثير تقـلـلـوا

تفاضل هذا الخلق بالعلم والحجـى

 

ففي أيما هذين أنت؟ فتفـضـل

ولو منح الله الـكـمـال ابـن آدم

 

لخلده واللـه مـا شـاء يفـعـل

وذكر ابن زنجي أبو القاسم الكاتب قال: كان الوزير أبو الحسن، علي بن محمد، بن الفرات، قد أطلق في وزارته الأخيرة للمحدثين عشرين ألف درهم، فأخذت لأبي العباس أحمد بن عبد الله بن عمار، لأنه كان يجيئني ويقيم عندي: وسمعت منه أخبار المبيضة، ومقتل حجر، وكتاب صفين، وكتاب الجمل، وأخبار المقدمي، وأخبار سليمان بن أبي شيخ، وغير ذلك خمسمائة درهم.