باب الألف - أحمد بن علي، بن المأمون، النحوي اللغوي

أحمد بن علي، بن المأمون، النحوي اللغوي

 القاضي، صاحب الخط المليح، والعقل الصحيح. مات في التاسع عشر من شعبان، سنة ست وثمانين وخمسمائة، ومولده في ذي القعدة، سنة تسع وخمسمائة. سألت ولده أبا محمد، عبد الله بن أحمد عنه، فأعطاني جزءاً بخط والده هذا، وقد ضمنه ذكر نفسه، وذكر ولده، فنقلت منه جميع ما أذكره في هذه الترجمة، إلا ما أبينه، فقال: أنا أحمد بن علي، بن هبة الله، بن علي الزوال، "وأصله الزول، وإنما غيره المتكلمون، وزادوا ألفاً، والزول: الرجل الشجاع، وقد ذكر ذلك في كتاب الألفاظ لابن السكيت"، بن محمد، بن يعقوب، بن الحسين، ابن عبد الله المأمون بالله، الخليفة، بن هارون الرشيد بالله الخليفة، بن محمد المهدي بالله الخليفة، بن عبد الله المنصور بالله الخليفة، بن محمد الكامل، بن علي السجاد، ابن عبد الله خير الأمة، بن العباس سيد العمومة، ابن عبد المطلب شيبة الحمد، بن هاشم عمرو العلا، ابن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النضر، هو قريش بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، ابن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان، ابن أد، بن أدد، بن اليسع، بن الهميسع، بن سلامان، ابن ثبت، بن جميل، بن قيدار، بن إسماعيل، بن إبراهيم الخليل، بن آزر، بن تارح، بن ناحور، بن ساروغ، ابن أرغو، بن فالع، بن عابر، بن سالخ، ابن أرفخشذ، ابن سام، بن نوح، بن لمك، بن متوشلخ، بن أخنوخ، وهو إدريس بن ليارد، بن مهلائيل، بن قينان، بن أنوش، بن شيث، بن آدم، أبي البشر، فطرة الله عز وجل، ومولدي في ضحى نهار الثلاثاء، ثالث عشر ذي القعدة سنة تسع وخمسمائة، ولدت بدرب فيروز، في الدار المعروفة الآن، بورثة ابن الثقفي، القاضي عز الدين، قاضي القضاة، - رحمه الله -، وكان والدي يومئذ، كاتب الزمام في الأيام المستظهرية، وبعد ذلك في الأيام المسترشدية مدة، وكنت مذ نشأت، ختمت القرآن، وقرأته للعشرة، على المرزقي - رحمه الله -، الأمين أبي بكر، أنا وحجة الإسلام، أبو محمد، إسماعيل بن الجواليقي - وفقه الله -، وكنا نترافق حين الحداثة في القراءة على الشيوخ، ويتكثر بعضنا ببعض، ونتعاضد في القراءة، وكتبت الخط على أبي سعيد الحسن بن منصور، أبي الحسن الجزري، - رحمه الله -، وكان صالحاً أديباً، صائم الدهر، عالماً في فنون من العلم، فقيهاً، وكان والدي يؤثرني من دون إخوتي، لما يراه من اشتغالي بالعلم، فإنني منذ انفصلت من المكتب، رجعت بقراءة النحو واللغة، إلى شيخنا أوحد الزمان، أبي منصور بن الجواليقي، - رحمه الله -، وصحبته إحدى عشرة سنة، وقرأت عليه كتباً كثيرة من حفظي، ويغر حفظي، حتى توليت القضاء، سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وكان الحكم والقضاء على دجيل، إلى والدي المقدم ذكره، مضافاً إلى الخطابة، فحين ولي أمر ديوان الزمام ببغداد، رد القضاء إلى ولده هبة الله، الملقب بتاج العلا، وكان يخاطب من الديوان العزيز - مجده الله - بالأجل الأوحد، زين الإسلام، نجم الكفاءة، تاج العلا، جمال الشرف، مجد القضاة، عين الكفاءة، وكان بعد ذلك أضيف إليه نظر دجيل أجمع، مع المخزنيات، وكان ذا سطوة وشجاعة، وثروة كبيرة، ومماليك من الأتراك، والإماء والعبيد، والقرايا والأملاك، والرياسة التامة، والصيت والذكر الجميل، بين العرب والعجم، وكان له معروف كبير، ودار مضيف بحربي، يجتمع إليها أمراء العرب على طبقاتهم، وغيرهم من الغرباء، وكان له نواب في القضاء بحربي، والحظيرة، وغيرهما، وكانت ولايته من قاضي القضاة الدامغاني، إلى أن درج بالموصل مسموماً مخافة منه، لما شوهد من رياسته، وتبع العرب والتركمان له، وحمل السلاح، والجند الكثير، والاستطالة العظيمة، وأنفذ ميتاً في ستارة حتى دفن بحربي، في أواخر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وانحدر ولده علي بن هبة الله، بن علي، طالباً مكانه ببذل المال الجم، وكان وزير الزمان يومئذ، شرف الدين علي بن طراد الزينبي، في أوائل الأيام المقتفوية، فترك مع بذله، ووليت بعد أن أحضرت، وقيل لي: قد رسم توليك من غير قربة، لتميزك بالعلم، وكان لي من العمر يومئذ، أربع وعشرون سنة، واعتزى ابن أخي بعد ذلك، إلى ديوان السلطنة، وخاطب الديوان العزيز في ذلك فلم يجب، ودخل في النوبة جماعة من الأهل والأكابر من ولاة الأمر، فتوسط الحال على أن يكون لولده مجلس وساطة، وحكمبحربي في المداينات، وما عداها إلي مع الخطابة، ولذلك نصر يقين، فكتبت رسالة إلى المواقف المقدسة النبوية المقتفوية، - قدسها الله -.

ومنها: ومعاذ الله أن يقارن هذا الفتى بالعبد، ولا يعرف فتيلاً من وثير، ولا يؤلف بين كلمتين في تعبير، لوسيم قراءة الفاتحة أخجلته، أو ريم منه التماس حاجة في التطهر أحفزته، وعد عن أسباب لا يمكن بسطها، ولا يروق خطها، وأما العبد فطرائقه معلومة، ومآخذه مفهومة، ومحل الشيء عنده قابل، والجمهور إليه مائل، وسحاب الاستحقاق لما أهل له في أرضه هاطل، ومعاذ الله أن يتغير من كريم الآراء الشريفة في حقه رأي، أو ينفصم من تلك الوعود فيما أهل له وأي، والوعود كالعهود، ومواقع الكلم الشريفة كالتربق في الجلمود، وهو واثق من الإنعام، بما سار بين الأنام، ليغدو مستحكم الثقة بالإكرام، والأمر أعلى والسلام.

فبرز التوقيع الأشرف المقتفوي، يؤمر فيه بالعمل بسابق التوقيع، وخرجت إلى العمل، وبقيت مدة، فتولي القضاء لمدينة السلام، وفاء بن المرخم، وكان على حالة جليلة من الاختصاص، واستخدام قضاة الأطراف من جانبه، فأبيت ذلك،وخاطبت في الخروج عن يده، وإضافة باقي دجيل، مع ما والاه وقاربه، من لدن تكريت إلى الأنبار، وإلى الجبل وما والاه، من بلد خانقين، وروشن قبادوا، إلى الحربية من الجانب الغربي ببغداد، وكنت أحكم في ذلك أجمع، حتى ولي المستنجد بالله، - رضي الله عنه -، وقصر القضاة وغيرهم، وأنا في الجملة، وبقيت إحدى عشرة سنة مقصوراً، إلى أن توفي إلى رحمة الله، بعد أن استوعب ما كنت أملكه سائره، فلم أضيع من زماني شيئاً، وكنت في الحبس بمائتي مجلدة، منها، الجمهرة لأبي بكر بن دريد، مجلدتان. وشرح سيويه، ثلاث مجلدات. وإصلاح المنطق، محشي مجلدة واحدة. والغريبان للهروي، مجلدة واحدة. وأشعار الهذليين ثلاث مجلدات. وشعر المتنبي مجلدة. وغريب الحديث لأبي عبيد، مجلدتان. وأشياء يطول شرحها من الكتب الكبار، وحفظت أولادي الختمة، وأيضاً حفظتهم كتباً كثيرة في علم العربية والتفاسير، وغريب القرآن، والخطب والأشعار، وشرحت لهم كتاب الفصيح، وجمعت لهم كتاباً سميته أسرار الحروف، يبين فيه مخارجها ومواقعها من الزوائد، والمنقلب، والمبدل، والمتشابه، والمضاعف، وتصريفها في المعاني الموجودة فيها، والمعاني الداخلة عليها، وذكرت فيه من اشتقاق الأسماء، كل ما تكلمت به علماء البصريين، والكوفيين، وغيرهم من أهل اللغة، وهو مجلدة ضخمة، تحتوي على عشرين كراسة، في كل وجهة عشرون سطراً.

ولما درج الإمام المستنجد بالله، وأتاح الله الخروج من ذلك الضيق، وولي بعده الإمام العادل الرحيم، المستضئ بالله أمير المؤمنين، وشملت رحمته من كان في السجن من الأمة، حتى لم يبق فيه أحداً إلا أفرج عنه، ومن وجد له بخزانته المعمورة من ماله شيئاً عليه اسمه، أعاده عليه، وكل من كان في ولاية، أعاده إليها، ومن وجد من ملكه شيئاً تحت الاعتراض، أفرج عنه، وأعاده إليه، وأنا ممن أنعم في حقه، بإعادة خرقة كان ختمها باقياً عليها، واسمي فيها ثلاثمائة دينار إمامية صحاح، من جملة ما أخذ من مالي، فأعادها علي، وأعاد علي سهاماً في ثلث قراي بالرذان، وقراحاً ببلدة الحظيرة، وما كان فات وبيع لم يرجع، وأنعم في حقي بإعادة ولايتي علي، وتقريبي واستخدامي في مهام عدة، وكان الوسيط في ذلك كله، الوزير عضد الدولة، أبو الفرج بن رئيس الرؤساء، وكان محباً لإسداء العوارف والاصطناع، وجذب الباع، وإدخال المكارم عند الرجال، وكان كريماً رحب الفناء لأرباب الحوائج، بعيداً ما ينفصل من بابه محروم.

هذا آخر ما نقلته من خطه، واجتمعت بولده قوام الدين، أبي محمد عبد الله، بن أحمد، وقد أفردت له ترجمة في هذا الكتاب، فأنشدني لوالده من حفظه:

فراد المشوق كثير العـنـا

 

ومن كتم الوجد أبدى الضنا

وكم مدنف في الهوى بعدهم

 

وكانوا الأماني له والمنـا

لقد خلـفـوه أخـا لـوعة

 

موله شوق يعاني العـنـا

ينادي من الشوق في إثرهم

 

إذا آده ما بـه قـد مـنـا

بيا جسداً ناحلاً بالعـراق

 

مقيماً وقلباً بوادي منـى

تحرقه زفرات الحـنـي

 

ن ويغدو بهن الشجا ديدنا

وهي طويلة، قالها في زعيم الدين بن جعفر، عند عوده من مكة،