باب الألف - أحمد النهر جوري

أحمد النهر جوري

أبو أحمد الشاعر العروضي له في العروض تصانيف، وهو به عارف حاذق، يجرى مجرى أبي الحسن العروضي والعمرانى وغيرهما فيه، وهو مع ذلك شاعر متوسط الطبقة، وهو من أهل البصرة حدثني أبو الحسن، عن علي بن محمد بن نصر الكاتب، قال: اجتمعت به بالبصرة فى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وانا فى جملة ابى الحسن بن ماسرجيس،وسافرنا عنها الى ارجان مع بهاء الدولة، وخرج النهرجورى معنا، واقام فى مصاحبته، إلى ان تقلد أبو الفرج، محمد بن على الخازن البصرة في اواخر سنة اثنتين واربعمائة، فعاد معه اليها، ثم وردتها فى ذى القعدة، سنة ثلاث واربعمائة، متصلا بخدمة "شاهنشاه" الاعظم، جلال الدولة بن بهاء الدولة، وقد مات النهرجورى قبل ذلك بشهور، بعلة طريفة، لحقته من ظهور القمل في جسمه، عند حكه اياه، الى ان مات وكان شيخا قصيرا، شديد الأدمة، سخيف اللبسة، وسخ الجملة، سيء المذهب، متطاير بالالحاد، غير مكاتم له، ولم يتزوج قط، ولا اعقب، وكان اقوى الطبقة في الفلسفة، وعلوم الاوائل، ومتوسطا في علوم العربية وعلمه بها اكثر من شعره، وكان ثلابة للناس هجاء قليل الشكر لمن يحسن إليه، غير مراع لجميل يسدى إليه وانشدني اشياء كثيرة من شعره، ومنه:

من عاذري من رئيس

 

يعد كسبي حسـبـي

لما انقطعـت إلـيه

 

وصلت منقطعا بـي

فسمع ذلك أبو العباس بن ماسرجيس،فقال: هذا تليس منه، وانا المقصو بالهجو، وانما قال: من عذيرى من وزير، وقد راقبني في تعبيره، فلما توفي النهرجوري، حمل إلى ابى العباس مسوداته، فوجد فيها القطعة منسوبة اليه، فاخرجها ووقفني عليها، وعرفني صحة حدسه فيه ومن شعره في أبي الوفاء بن الصقيل:

ما استخرج المال بمثل العصا

 

لطالبيه من أبـي الـغـدر

اليس قد اخرج موسى بـهـا

 

لقومه الماء من الصـخـرة

وله ايضا:

صاح نديمي وشفه الطرب

 

ياقومنا ان امرنا عجـب

نار إذا الماء مسها زفرت

 

كأنها لالتهابها حـطـب

وله يهجو طبيباً من أهل الابلة، يعرف بأبي غسان وكان قد أغرى بهجائه:

ياطبيبا داوى كساد ذوي الأكفان

 

حتى أعادهـم فـي نـفـاق

إن تكن قد وصلت رزقهم فيها

 

فكم قد قطعت مـن أرزاق؟

وقع الله فى جبينك لـلأرزاق

 

إن ودع وداع الـفـــراق

وله فيه ايضا:

يا بن غسان أنت ناقضت عيسى

 

فهو يحيي الموتى وأنت تميت

يشهد القلب أنه يقدم الغـاسـل

 

أو إن دسـتـه تـابـــوت

وقال في أبي إسحاق الصابئ، يمدحه وهو بالبصرة بقصيدة أولها:

لا يذهبن عليك فـي الـعـواد

 

ضعف القوى وتفتت الأكبـاد

لا تسألي عني سواك فإنـمـا

 

ذكراك أنفاسي وحبـك زادي

يا سمحة بدمي على تحريمـه

 

فيما يظن أصـادق وأعـادي

حاشاك أن ألقاك غير بـخـيلة

 

أو أن أرى ما لا ترين رشادي

وله يهجو امرأة:

تموت من شهوة الضراط ولا

 

يسعدها دبرها بتـصـويت

كأنـمـا إلـيتـاك خـابـية

 

تظل ملـقـية لـتـزفـيت

وله أيضاً:

لو كان يورث بالتـشـابـه مـيت

 

لملكت بالأعضاء مـا لا يمـلـك

ثعل مخـاتـلـه تـخـبـر أنـه

 

في الناس من نطف الجميع مشبك

قالوا: ولم يكن وسخه وقذارته عن فقر، فإن حاله كانت مستقيمة حسنة، بل كانت لعادة سيئة فيه، وكان الناس يتقون لسانه وكثرة هجائه، قال ابن نصر: ومدح أبو أحمد النهرجوري أبا الفرج منصور بن سهل المجوسي عامل البصرة، فأعطاه صلة حاضرة هنية، والتف به الحواشى، فطالبوه، فكتب رقعة ودفعها إلى بعض الداخلين إليه، وقال تسلم هذه إلى الأستاذ وكان فيها:

أجارني الأستاذ عن مدحتي

 

جائرة كانت لأصحـابـه

ولم يكن حظي منها سوى

 

جربذتي يوماً على بابـه

فلما وصلت إليه الرقعة،خرج فى الحال من صرف الحواشى عنه، وصار معه حتى دخل منزله.