باب الألف - أحمد بن يحيى،البلاذري

أحمد بن يحيى،البلاذري

بن جابر، بن داوود البلاذري أبو الحسن، وقيل أبو بكر، من أهل بغداد ذكره الصولي في ندماء المتوكل على الله، مات في أيام المعتمد على الله إلى أواخرها، وما أبعد أن يكون أدرك أول أيام المعتضد، وكان جده جابر يخدم الخصيب صاحب مصر، وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق، فقال. سمع بدمشق هشام بن عمار، وأبا حفص عمر ابن سعيد، وبحمص محمد بن مصفى، وبأنطاكية محمد ابن عبد الرحمن بن سهم، وأحمد بن مرد الأنطاكي، و بالعراق عفان بن مسلم، وعبد الأعلى بن حماد، وعلى ابن المديني، وعبد الله بن صالح العجلي، ومصعباً الزبيري، وأبا عبيد القاسم بن سلام، وعثمان بن أبى شيبة، وأبا الحسن على بن محمد المدائني، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي، وذكر جماعة قال: وروى عنه يحيى بن النديم، وأحمد بن عبد الله بن عمار، وأبو يوسف، يعقوب بن نعيم قرقارة الأرزاني. قال محمد بن إسحاق النديم: كان جده جابر، يكتب للخصيب صاحب مصر، وكان شاعراً، وراويه، ووسوس آخر أيامه فشد بالمارستان، ومات فيه، وكان سبب وسوسته، أنه شرب ثمر البلاذر على غير معرفة، فلحقه مالحقه. وقال الجهشياري في كتاب الوزارء: جابر بن داوود البلاذري، كان يكتب للخطيب بمصر، هكذا ذكر. ولا أدرى أيهما شرب البلاذر؟ أحمد بن يحيى، أو جابر بن داود؟ إلا أن ما ذكره الجهشياري، يدل على أن الذي شرب البلاذر هو جده، لأنه قال: جابر بن داود، ولعل ابن ابنه، لم يكن حينئذ موجوداً، والله أعلم. وكان أحمد بن يحيى بن جابر، عالماً فاضلاً، شاعراً، راوية نسابة، متقناً، وكان مع ذلك، كثير الهجاء، بذيء اللسان، أخذ الأعراض، وتناول وهب بن سليمان، بن وهب، لما ضرط فمزقه، فمن قوله فيه، وكانت الضرطة بحضرة عبد الله بن يحيى، بن خاقان:

أيا ضرطة حسبت رعده

 

تنوق في سلها جهـده

تقدم وهب بها سابـقـاً

 

وصلى أخو صاعد بعده

لقد هتك الله ستريهـمـا

 

كذا كل من يطعم الفهده

وقال أحمد بن يحيى، بن جابر، يهجو عافية بن شيب:

من رآه فقد رأى

 

عربياً مدلـسـا

ليس يدري جليسه

 

أفسا أم تنفسـا؟

 وحدث علي بن هارون، بن النجم في أماليه عن عمه قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري قال: لما أمر المتوكل إبراهيم بن العباس الصولي، أن يكتب فيما كان أمر به من تأخير الخراج، حتى يقع في الخامس من حزيران استفتاح الخراج فيه، كتب في ذلك كتابه المعروف، وأحسن فيه غاية الإحسان، فدخل عبيد الله بن يحيى على المتوكل، فعرفه حضور إبراهيم ابن العباس، وإحضاره الكتاب معه، فأمر بالإذن له فدخل، وأمره بقراءة الكتاب، فقرأه، واستحسنه عبيد الله بن يحيى، وكل من حضر، قال البلاذري: فدخلني حسد له، فقلت: فيه خطأ، قال: فقال المتوكل: في هذا الكتاب الذي قرأه على إبراهيم خطأ؟ قال: قلت: نعم، قال: يا عبيد الله وقفت على ذلك؟ قال: لا، و الله يا أمير المؤمنين، ما وقفت فيه على خطأ، قال: فأقبل إبراهيم بن العباس على الكتاب يتدبره، فلم ير فيه شيئاً، فقال يا أمير المؤمنين: الخطأ لا يعرى منه الناس، وتدبرت الكتاب، خوفاً من أكون قد أغفلت شيئاً وقف عليه أحمد بن يحيى، فلم أرما أنكره، فليعرفنا موضع الخطأ،قال: فقال المتوكل: قل لنا ما هو هذا الخطأ الذي وقفت عليه في هذا الكتاب؟ قال: فقلت هو شيء لا يعرفه إلا على بن يحيى المنجم، ومحمد بن موسى، وذلك أنه أرخ الشهر الرومي بالليالي، وأيام الروم قبل لياليها، فهي لا تؤرخ بالليالي، وإنما يؤرخ بالليالي الأشهر العربية، لأن لياليها قبل أيامها بسبب الأهلة، فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، هذا مالا علم لي به،ولا أدعي فيه ما يدعى، قال: فغير تاريخه. قال الجهشياري: وقال أحمد بن يحيى، البلاذري في عبيد الله بن يحيى وقد صار إلى بابه فحجبه:

قالوا: اصـطـبارك لـلـحجـاب مذلة

 

عار علـيك بـه الــزمــان و عـاب

فأجبتهم: ولكل قول صادق أو

 

كاذب عند المقال جواب

إنى لأغتفر الحجاب لماجد

 

أمسـت له مـنـن عـلـــى رغــاب

قد يرفع الـمـرء اللـئيم حـجـابـه

 

صنـعة ودون الـعـرف مـنـه حـجـاب

وحدث الجهشياري قال: حدثني ابن أبى العلاء الكاتب، قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري قال:دخلت إلى أحمد بن صالح بن شيرزاد، فعرضت عليه رقعة لي فيها حاجة، فتشاغل عنى فقلت:

تقدم وهب سابـقـاً بـضـراطـه

 

وصلى الفتى عبدون و الناس حضر

وإني أرى من بعـد ذاك وقـبـلـه

 

بطوناً لنـاس آخـرين تـقـرقـر

فقال ياأبا الحسن: بطن من؟ فقلت: بطن من لم يقض حاجتى، فأخذ الرقعة، ووقع فيها بما أردت. وقال أحمد بن يحيى: يهجو صاعداً وزير المعتمد:

أصاعد قد ملأت الأرض جوراً

 

وقد سست الأمور بغير لـب

وساميت الرجال وأنـت وغـد

 

لئيم الـجـد ذوعـي وعـيب

أضل عن المكارم مـن دلـيل

 

وأكذب من سليمان بن وهـب

وقد خبـرت أنـك حـارثـي

 

فرد مقالتـي أولاد كـعـب

قلت: أما سليمان بن وهب فمعروف، وأما دليل: فهو دليل بن يعقوب النصراني، أحد وجوه الكتاب، كان يكتب لبغا التركي، ثم توكل للمتوكل على خاصته. وحدث أبو القاسم الشافعي، في تاريخ دمشق بإسناده قال: قال أحمد بن جابر البلاذري: قال لي محمود الوراق: قل من الشعر ما يبقى ذكره، ويزول عنك إثمه، فقلت

إستعدي يانفس للموت واسعـي

 

لنجاة فالحازم المـسـتـعـد

قد تثبت أنه لـيس لـلـحـي

 

خلود ولامـن الـمـوت بـد

إنما أنت مستعيرة مـا سـوف

 

تردين والـعـواري تــرد

أنت تسهين والحوادث لا تسهو،

 

وتلهـين والـمـنـايا تـجـد

لاترجى البقاء في معدن الموت

 

ودار حقـوقـهـا لـك وردُ

أي ملك في الأرض أم أي حظ

 

لأمرىٍ حظه من الأرض لحدُ

كيف يهوى أمرؤ لـذاذة أيامـاً

 

عليه الأنفاس فـيهـا تـعـد

ومن شعر البلاذري، الذي رواه المرزباني في معجم الشعراء:

يا من روى أدباً ولم يعمل به

 

فيكف عادية الهوى بـأديب

ولقلما تجدي اصابة صـائب

 

أعماله أعمال غير مصـيب

حتى يكون بما تعلم عـامـلاً

 

من صالح فيكون غير معيب

 قال ابن عساكر في كتابه: وبلغني أن البلاذري كان اديباً، راوية، له كتب جياداً، ومدح المأمون بمدائح، وجالس المتوكل، ومات في أيام المعتمد، ووسوس في آخر عمره. قال المؤلف: هذا الذى ذكره ابن عساكر، من كلام المرزباني في معجم الشعراء بعينه. وقال محمد ابن اسحاق النديم: وله من الكتب: كتاب البلدان الصغير، كتاب البلدان الكبير لم يتم، كتاب جمل نسب الأشراف، وهو كتابه المعروف المتهور، كتاب عهد أردشير، ترجمه بشعر. قال: وكان أحد النقلة من الفارسي إلى العربي، كتاب الفتوح وحدث الصولي في كتاب الوزراء: حدثني أحمد ابن محمد الطالقني قال: لي أحمد ابن يحيى البلاذري: كان بيني وبين عبيد الله ابن يحيى، ابن خاقان حرمة، منذ أيام المتوكل،وماكنت أكلفه حاجة لإستغناء عنه، فنالتني في أيام المعتمد على الله إضافة،فدخلت إليه وهو جالس للمظالم، فشكوت تأخر رزقي وثقل ديني، وقلت: إن عيب على الوزير - أعزه الله - حاجة مثلي في أيامه، وغض طرفه عني، فوقع لي ببعض ما أردت، وقال: أين حياؤك المانع لك من الشكوى على الاستبطاء؟ فقلت: غرس البلوى، يثمر ثمر الشكوى، وانصرفت، وكتبت إليه:

لحاني الوزير المرتضى في شكايتي

 

زماناً أحلت للجذوب مـحـارمـه

وقال: لقد جاهرتـنـي بـمـلامة

 

ومن لي بدهر كنت فـيه أكـاتـم

فقلت: حياء المرء ذو الدين والتقى

 

يقـل إذا قـلـت لـديه دارهـم

وحدث الصولى عن محمد ابن علي: أن البلاذري امتدح أبا الصقر، اسماعيل بن بلبل، وكتب إليه كتاباً حسناً، وسأله أن يطلق له شيئاً من ارزاقه ووعده فلم يفعل، فقال:

تجانف إسماعيل عـنـي بـوده

 

ومل إخائي والـلـئيم مـلـول

وأن امرؤ يغشى أبا الصقر راغباً

 

إليه ومـغـتـرا بـه لـذلـيل

وقد علمت شيبان أن لست منهـم

 

فماذا الذي إن أنكروك تقـول؟

ولو كانت الدعوى تثبت بالرشـى

 

لثبـت دعـواك الـذين تـنـيل

ولكنهم قالوا مقـالاً فـكـذبـوا

 

وجاؤوا بأمر ماعـلـيه دلـيل

وله فيما أورده عبيد الله ابن ابى طاهر:

لمـا رأيتـك زاهـــياً

 

ورأيتني أجفى بـبـابـك

عديت رأس مـطـيتـي

 

وحجبت نفسي عن حجابك