باب الألف - أحمد ابن يحيى، ابن يسار

أحمد ابن يحيى، ابن يسار

أبو العباس ثعلب الشيباني، مولاهم النحوي اللغوي، إمام الكوفيين في النحو واللغة، والثقة، والديانة. ولد فيما ذكره المرزباني عن مشايخه، سنة مائتين، ومات لثلاث عشرة ليلة بقيت من جماد الأولى، سنة إحدى وتسعين ومائتين، في خلافة المكتفي ابن المعتضد، وقد بلغ تسعين سنة وأشهر وكان رأى أحد عشر خليفة، أولهم المأمون وأخرهم المكتفى وكان قد ثقل سمعه قبل موته، ودفن في مقابر باب الشام، في حجرة اشتريت له، وبنيت بعد ذلك، وقبره هناك معروف، ورد ماله على ابنته، وكان خلف إحدى وعشرين الف درهم، وألفي دينار، ودكاكين بباب الشام، قيمتها ثلاثة آلاف دينار، وضاع له قبل أحمد الصيرفي ألف دينار، وكان يتجر له بها، ذكر ذلك عبد الله ابن الحسين القطر بلى في تاريخه: حدث المرزباني عن أبى العباس، محمد ابن طاهر الطاهري، وكان أبو العباس ثعلب، يؤدب أباه طاهر ابن محمد، بن عبد الله، بن طاهر، قال: كان سبب وفاة أبى العباس ثعلب، أنه كان في يوم جمعة قد انصرف من الجامع بعد صلاة العصر، وكان يتبعه جماعة من اصحابه إلى منزله، أنا أحدهم، فتبعناه في تلك العشية، إلى أن صرنا إلى درب قد أسماه بناحية بابل باب الشام، وأتفق أن ابناً لإبراهيم ابن أحمد المادرائي، يسير من وراءنا على دابة، وخلفه خادم له على دابة، قد قلق واضطرب، وكان في تلك العشية بيده دفتراً ينظر فيه وقد شغله عما سواه،فلما سمعنا صوت حوافر الدواب خلفنا، تآخرنا عن جادة الطريق، ولم يسمع أبو العباس لصممه صوت الحوافر، فصدمته دابة الخادم، فسقط على رأسه في هوة من الطريق، أخذ ترابها، فلم يقدر على القيام، فحملناه إلى منزله، كالمختلط يتأوه من رأسه، وكان سبب وفاته - رحمه الله -. وحدث المرزباني عن أحمد بن محمد العروضي قال: إنما فضل أبو العباس أهل عصره، بالحفظ للعلوم التي يضيق عنها الصدور، وقد كان أبو سعيد السكري كثير الكتب جداً،فكتب بيده مالم يكتبه أحداً، فكان في الطرفان، لأن أبا سعيد، كان غير مفارق للكتاب عند ملاقاة الرجال. وابو العباس لايمس بيده كتابة إتكالاً على حفظه، وثقة بصفاء ذهنه. قال الخطيب: سمع يعني ثعلبة، محمد بن سلام الجمحي، ومحمد بن زياد الأعرابي، وعلي ابن المغيرة الأكثرم، وإبراهيم بن المنذر الحراني، وسلمة بن عاص، وعبيد الله بن العمر القوارري، والزبير بن بكار، وخلق كثيرة. وروى عنه محمد ابن العباس اليزيدي، وعلي ابن سليمان الأخفش، وإبراهيم بن محمد، بن عرفة نفطويه، وأبو بكر بن الأنباري، وأبو عمر الزاهد، وأبو الحسن بن المقسم، وأحمد ابن كامل القاضي وخلق كثر. وكان يقول: سمعت من القواريري مائة الف حديث. قرأت بخط أبي سالم الحسن ابن على: نقلت من خط الحسن بن على المقلة، قال أبو العباس أحمد بن يحيى ابتدأت النظر في العربية، والشعر واللغة، سنة ست عشرة، ومولد سنة مائتين، في السنة الثانية من خلافة المأمون. قال أبو العباس: ورأيت المأمون لما قدم من خرسان في سنة اربع ومائتين وقد خرج من باب الحديد، وهو يريد قصر الرصافة، والناس صفان في المصلى، قال: وكان أبى قد حملني على يده، فلما مر المأمون، رفعني وقال لي: هذا المأمون، وهذه سنة اربع، فحفظت ذلك إلى هذه الغاية وحذقت العربية، وحفظت كتب الفراء كلها، حتى لم يشذ عنى حرف منها، ولي خمس وعشرون سنة، وكنت أعنى بالنحو، أكثر من عناية بغيره، فلما أتقنته، أكببت على الشعر، والمعاني، والغريب، ولزمت أبا عبد الله ابن الاعرابي، بضع عشرة سنة، وأذكر يوماً وقد صار إلى أحمد بن سعيد ابن سليم وأنا عنده وجماعة منهم السدرى، وابو العالية، فأقام وتذاكروا شعر الشماخ، وأخذوا في البحث عن معانيه، والمسألة عنه، فجعلت أجيب ولا أتوقف وابن الأعرابي يسمع، حتى أتينا على معظم شعره، فالتف إلى أحمد ابن سعيد يعجبه مني. قال أبة العباس: قلت لابن ماسويه في علة شكوتها إليه، ماتقول في الحمام: فقال لي: أن تهيأ لانسان بعد اربعين سنة، أن يكون قد قيم حمام فليفل، قال أبو العباس: الذي لاينسب إليهيه، لأنه لايتم إلا بصلة، والعرب لاتنسب إلا إلى اسم تام، والذي وما بعده حكاية، والحكاية لاينسب إليها، لئلا تتغير. قال أبو العباس: وسئل ابن قادم عنها، وأنا غائب بفارس، فقال: اللذوي فلما قدمت وسئلت، فقلت: لاينسب إليه وأتيت بهذه العلة، فبلغته، فلما اجتمعنا تجاذبنا، ثم  

 رجع الى قولي. وقال أبو العباس: كنت أصير إلى الرياشي لأسمع منه، وكان نقي العلم، فقال لي يوماً وقد قرئ عليه:

ماتنقم الحرب العوان مني

 

بازل عامين حديث سني

لمثل هذا ولدتني أمي؟ كيف نقول؟ بازل أو بازل؟ فقلت: أتقول لى هذا بالعربية؟ إنما أقصدك لغير هذا يروى بازل وبازل، الرفع على الاسئتناف، والخفض على الإتباع، والصب على الحال، فاستحيى وأمسكا. قال أبو العباس: ودخلت على محمد ابن عبد الله، بن طاهر، فإذا عنده المبرد وجماعة من أصحابه وكتابه، وكان محمد ابن عيسى وصفه له، فلم قعدت، قال لي محمد ابن عبد الله: ماتقول في قول امرئ القيس؟:

لها متنتان خظاتا كـمـا

 

أكب على ساعديه النمر

قال: قلت أما غريب البيت، فإنه يقال لحم خظا يخظى: إذا كان صلباً مكتنزا، ووصف فرساً، وقوله أكب على ساعديه النمر: أي في صلابة ساعد النمر، إذا اعتمد على يديه والمتن: الطريقة الممتدة من عن يمين الصلب وشماله، ومافيه من العربية أنه خظاتا، فلم تحركت التاء أعاد الألف من أجل الحركة والفتحة، قال: فأقبل بوجهه على محمد بن يزيد فقال له محمد: - أعز الله الأمير - إنما أراد خظاتا بالإضافة، أضاف خظاتا إلى ما قال فقلت: ما قال هذا لأحد. قال محمد بن يزيد: بلى سيبويه يقول، فقلت لمحمد بن عبد الله لا والله ما قال سيبويه وهذا كتابه فليحضر، ثم أقبلت على محمد بن عبد الله، وقلت: ما حاجتنا إلى كتاب سيبويه؟ أيقال مررت بالزيدين طريفي عمرو، فيضاف نعت الشيء إلى غيره؟؟ فقال محمد لصحة طبعه، لا والله مايقال هذا، ونظر إلى محمد بن يزيد فأمسك ولم يقل شيئاً فقمت ونهض المجلس. قال عبد الله الفقير إليه: لا أدري، لما لايجوز هذا؟ وما أظن أحداً أن ينكر قول القائل: رأيت الفرسين مر كوبى زيد، والا الغلامين عبدي عمرو، ولا الثوبين ذراعتي زيد، ومثله مررت بالزيدين طريفي عمر، فيكون مضاف الى عمرو، وهو صفة لزيد، وهذا ظاهر لكل متأمل. قال أبو العباس: لما شاهدني المازني وجاراني النحو، وخرج الى سر من رأى، كان يذكرني ويوجه: الى أخوك يقرئك السلام. قال أبو العباس: قال لي محمد ابن عيسى بحصرة محمد ابن عبد الله: نحن نقدمك لتقدمه الأمير، فقلت له ياشيخ: إني لم أتعلم لتقدمني الأمراء، وإنما تعلمته لتقدمني العلماء. قال أحمد ابن يحيى: كان محمد ابن عبد الله، يكتب الف درهم واحدة، فإذا مر به ألف درهم واحد أصلحه واحدة، وكان كتابه ينكرون ذلك، ويغلظ عليه ويهابونه، فلا يبتدأونه فيه بشيء، فقال يوم: أتدري لما عمل القراء كتاب البهي؟ قلت لا، قال: لعبد الله أبي، بأمر طاهر الجدي، قلت له: إنه كان قدعمل له كتباً، منها: كتاب المذكروالمؤنث قال ومافيه؟ مثل الف درهم واحد، ولايجوز واحدة، ففتح عينيه وتنبه وأقلع. وقال أبو العباس:بعث الي عبدالله ابن اخت أبي الوزير، رقعة فيها خط المبرد: ضربته بلا سيف، قال: أيجوز هذا؟ فوجهت إليه، لا والله ماسمعت بهذا، قال أبو العباس: هذا خطأ البتة لأن لا التبرئة لايقع عليه خافض ولاغيره، لأنها أداة، وماتقع أداة على أداة. قال العجوزى: صرت إلى المبرد مع القاسم والحسن ابنى عبيد الله، بن سليمان، بن وهب، فقال لي القاسم سله عن شيء من الشعر فقلت ما تقول: - أعزك الله - في قول أوس؟:

وغيرها عن وصل الشيب أنـه

 

شفيع الي بيض الخدور مدرب

 فقال بعد تمكث وتمهل وتمطق: يريد النساء أنس به، فصرنا لايسترنا منه، ثم صرنا إلى أبي العباس أحمد ابن يحيى، فلم غص المجلس، سألته عن البيت، فقال: قال لنا ابن الأعرابي: إن الهاء في "أنه للشباب" وإن لم يجر له ذكر لأنه علم، والتفت الى الحسن والقاسم فقلت: أين صاحبنا من صاحبكم؟. وقال حمزة: لما مات المازني، خلفه أبو العباس المبرد، وبقي ذكره ببغداد وسامراء، لايفض احد منه، الى أن ذكره ابن الأنباري في بعض مصنفاته وأراد أن يضع منه، ويرفع من صاحبه أبى العباس، أحمد ابن يحيى ثعلب، جاري على عادته في العصبية للكوفيين على البصريين، فقال: سمعت أبا العباس يعنى ثعلب: عزمت على المضي الى المازني لاناظره، فأنكر ذلك على أصحابنا وقالوا: مثلك لا يصلح أن يمضي إلى بصرى، فيقال غداً إنه تلميذه، فكرهت الخلافة عليه، فأراد ابن الانباري أن يرفع من ثعلب، فوضع منه، ولم يقتصر على ذلك التقصير بالمازني، حتى قصر بالخليل أيضاً، وزعم أن أبا العباس أحمد ابن يحيى، حكى له أن ابا جعفر الرؤاسي، عمل كتاباً في النحو وسماه الفيصل، فبعث الخليل إليه يستعيره، فوجه به إليه، فقال: والدليل على أن الخليل تعلم النحو من كتاب الرؤاسي مايوجد في كتاب سيبويه من ذكره، إذ يقول: قال الكوفي: وهذا متى سمع، علم أنه لايقوله إلا عصبي. قرأت في كتاب ابن أبى الأزهر، بخط عبد السلام البصري قال: كان بأزاءدار أبي العباس ثعلب، رجل قد غلب على عقله، فكان ربما خرج فجلس على باب بيته ينظر إلى الناس، فرأى يوماً غلام أبي العباس، وقد أدخل إلى داره خبز أسود فقال له يا أبا العباس: ألا تشتري لك خبز حواري؟ مامعنى هذا الضيق والشؤم؟ فقالله: هذا أصلح من الحاجة، وبد للوجه الى الناس فضحك فقال: عجبت لك من هذا الكلام، أما لك هذا، إلا من بذل الوجه والحاجة إلى الطلب منه، لاتقبل بر أحد إن كنت صادقاً فالتفت إلى وقال: قد قال قولاً، ثم أنشدني في الزهد:

زماننا صعب وإخـوانـنـا

 

أيديهـم جـامـدة الـبـذل

وقدمضى الناس ولم يبقى فيه

 

عصرك إلا محكم البـخـل

وما لنا بـلـغة أقـواتـنـا

 

مافيه للأسراف من فضـل

غضم كفيك على ملـكـهـا

 

وأطرش السمع عن العـذل

فتعجبت من إنشاد هذا الشعر، بعقب ما خوطب به قال أحمد ابن فارس اللغوي: كان أبو العباس ثعلب، لايتكلف الأعراب في كلامه كان يدخل المجلس فتقوم له فيقول: أقعدوا أقعدوا بفتح الألف قال ابن كامل القاض: أنشدني أبو بكر ابن العلاف لنفسه لما مات المبرد:

ذهب المبرد وانقضت أيامـه

 

وليلحقنا مع المبرد ثعـلـب

بيت من الأداب أصبح نصفـه

 

خرباً وباق بيتها فسـيخـرب

فابكوا لما سلب الزمان ووطنوا

 

للدهر أنفسكم على مايسلـب

ذهب المبرد حيث لاترجونـه

 

أبداً ومن ترجونه فمـغـيب

فتزودوا من ثعلب فبكاس مـا

 

شرب المبرد عن قليل يشرب

واستحلبو ألفاظه فـكـأنـكـم

 

بسريره وعليه جمع ينـحـب

وأرى لكم أن تكتبوا أنفـاسـه

 

إن كانت الأنفاس مما يكتـب

فليلحقن بمن مضى متخـلـف

 

من بعده وليذهبن وتـذهـب

وقال أبو الطيب عبد الواحد اللغوي في كتابه المسمى مراتب النحويين، قال: كان ثعلب يعتمد على ابن الأعرابي في اللغة وعلى سلمة ابن عاصم في النحو، ويروى عن ابن نجدة كتب أبا زيد، وعن الأثرم كتب أبي عبيدة، وعن أبى نصر كتب الأصمعي، وعن عمرو ابن أبي عمرو كتب ابيه، وكان ثقة متقنة يستغني بشهرته عن نعته وقال: وكان ثعلب حجة، ديناً، ورعاً، مشهوراً باللحفظ والصدق وإكثار الرواية وحسن الدراية، كان ابن الاعرابي إذا شكى في شيء يقول له: ما عندك يا أبا العباس في هذا؟ ثقة بغزارة حفظه. ولد سنة مائتين، وطلب اللغة والعربية في سنة ست عشرة ومائتين، قال: وابتدأت بالنظر في حدود الفراء وسني ثماني عشرة سنة، وبلغت خمس وعشرين سنة، وما بقي على مسألة للقراء، إلا وأنا أحفظها، وأحفظ موضعها من الكتاب، ولم يبق شيء من كتب الفراء في هذا الوقت، إلا وقد حفظته. وحدث المزرباني: قال عبد الله بن حسين، بن سعد القطر بلى في تاريخه: كان أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، بن الحفظ، والعلم، وصدق اللهجة، والمعرفة بالغريب، رواية الشعر القديم، ومعرفة النحو على مذهب الكوفيين على ما ليس عليه أحد وكان يدرس كتب الفراء، والكسائي، درسا، وكان متبحرا في مذهب البصريين لا مستخرجا للقياس، ولا طالبا له، وكان يقول: قال الفراء: والكسائي: فإذا سأل عن الحجة والحقيقة في ذلك لم يعرف النظر وكان أبو على أحمد ابن جعفر النحوى ختنه، زوج ابنته، يخرج من منزله وهو جالس على باب داره، فيتخطى اصحابه، ويمضى ومعه دفتره ومحبرته، فيقرأ على أبي العباس المبرد كتاب سبيويه، فيعاتبه أحمد ابن يحيى على ذلك ويقو ل له: إذا رأك الناس تمضي الى هذا الرجل تقرأ عليه، يقول ماذا؟ ولم يكن يلتفت الى قومه قال: وكان ختنه هذا أبو علي يعرف بالدينوري، وكان حسن المعرفة، فسمعت إسحاق المصعبي يقول له: كيف صار محمد ابن يزيد، أعلم بكتاب سبيويه من أحمد ابن يحيى؟ قال: لأن محمد ابن يزيد، قرأه على العلماء، وأحمد ابن يحيى، قرأه على نفسه. قال: ولم يزل ثعلب متقدم عند العلماء منذ أيام حداثته، وكان ضيق النفقة مقترا على نفسه. حدثني أخي، وكان صاحبه ووصيه قال: دخلت إليه يوما وقد احتجم، وبين يديه طبق فيه ثلاثة أرغفة، وخمس بيضات، وبقل وخل، وهو يأكل، فقلت له: يا أبا العباس، قد احتجمت، ولو أخذ لك رطل لحم وثمن التوابل، ومثله للعيال كان ما له معنى. قال: وسمعت أحمد ابن إسحاق المعروف بابي المدور يقول: كنت أرى عبد الله بن الأعرابي يشك في الشيء، فيقول لثعلب: ما عندك يا أبا العباس في هذا؟ ثقة بغزارة حفظه، ولم يكن مع ذلك موصوفا بالبلاغة، ولا رأيته إذا كتب كتاباً إلى بعض إخوانه من أصحاب السلطان، خرج عن طبع العامة، فإذا أخذته في الشعر والغريب، ومذهب الفراء والكسائي، رأيت من لا يفي به أحدا، ولايتهيأ له الطعن عليه، وكان هو ومحمد بن يزيد، عالمين، ختم بهما تاريخ الأدب، أو كان كما قال بعض المحدثين:

أيا طالب العلم لاتجهـلـن

 

وعد بالمبرد أو ثـعـلـب

تجد عند هذين عـلـم ورى

 

فلا تك كالجمل الأجـرب

علوم الخـلائق مـقـرونة

 

بهذين في الشرق والمغرب

قال المرزباني: أخبرني الصولي أن عبد الله ابن الحسين بن سعد القطربلي: أنشده هذه الأبيات لنفسه. وحدث محمد ابن أحمد الكاتب قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي قال: سألني ابن الأعرابي: كم لك من الولد؟ فقلت: ابنة وأنشدته:

لولا أميمة لم أجزع من الـعـدم

 

ولم أجب في الليالي حندس الظلم

تهوى حياتي، وأهوى موتها شفقاً

 

والموت أكرم نزالا على الحرم

فأنشدني ابن الأعرابي في المعنى:

أميمة تهوى عمـر شـيخ يسـره

 

لها الموت قبل الليل لو أنها تدري

يخاف عليها جوفة الناس بـعـده

 

ولا ختن يرجى أود من القـبـر

 وحدث عن أبي عبد الله الحكيمي، عن يموت بن المزرع قال: وأراد أبو العباس ثعلب أن يرحل الى أبي حاتم السجستانى في البصرة، فبلغه أن أبا حاتم أنتشر ذكره يوما، لم رأى جماعة المرد يكتبون في مجلسه، فرأه غلام منهم فقال له: - أصلحك الله - أي لام هذه؟ قال: لام كي يابني، فلم يخرج أبو العباس إليه. وحدث الصولي قال: كنا عند أبي العباس أحمد ابن يحيى فقال له رجل: المجسد هذا المعروف، فما المصدر؟ قال: مصدره السجود، قال: فعرفنى ما لايجوز منذا؟ فقال: لا يقال مسجد، وضحك، وقال: هذا يطول إن وصفنا ما لايجوز، وإنما يوصف الجائز، ليدل على أن غيره لايجوز. ومثل ذلك أن ماسيويه: وصف لانسان دواء ثم قال له: كل الفروج وشيئا من الفاكهة، وقال: أريد أن تخبرني بالذي لا أكل، فقال: لاتأكلن ولاحماري، ولاغلامي، واجمع كثير من القراطيص وبكر إلي فإن هذا يكثر إن وصفته لك وحدث عن الصولى قال: قال أبو العباس ثعلب: لم أسمع من جماعة كلهم قد رأيته، وتمكنت منه، ولو أردت ذلك، ما فاتني عنه جميع ما أطلب، منهم أبو عبيد القاسم ابن سلام وإسحاق الموصلي، وأبو التوبة والنظر ابن حديد، وإني لا أذكر موت الفراء ذكر جيداً، وأنا في الكتاب. وحدث قال: وقال أبو العباس يوم لاخر: الهرم علة قائمة بنفسها، فاذا كان معه علة، فذاك امر عظيم، وأنشد:

أرى بصرى في كل يوم ولـيلة

 

يكل وخطوى عن مداهن يقصر

ومن يصحب الأيام تسعين حجة

 

يغيرنه والـدهـر لا يتـغـير

لعمري لأن أصبحت أمشي مقيدا

 

لما كنت أمشي مطلق قبل أكثر

وحدث أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي قال: قال ثعلب: أقعدني محمد ابن عبد الله ابن طاهر، مع ابنه طاهر، وأفرد لي دار في داره، وأقام لنا وظيفة فكنت أقعد معه إلى أربع ساعات من النهار ثم أنصرف إذا أراد الغداء، فنما ذلك الى أبيه، فكسى البهو والأروقة وأضعف ما كان يعد من الألوان، فلما حضر وقت الانصراف، انصرفت فنما ذلك اليه، فقال للخادم الموكل بنا، قد نمى الى انصراف أحمد بن يحيى وقت الطعام، فظننت أنه يستقل ما يحضر، ولم يستتطب الموضع فأمرنا بتضعيفه، ثم نمى إلى أنه انصرف، فقل له عن نفسك:أبيتك أبرد من بيتنا؟ أو طعامك أطيب من طعامنا؟ وتقول له عنى: انصرافك الى بيتك وقت الغداء هجنة علينا، فلما عرفني الخادم ذلك، أقمت، فكنت علة هذه الحال، ثلاث عشرة سنة، وكان يقم لي مع ذلك في اليوم، سبعة وظائف من الخبز الخشكار، ووظيفة من الخبز السميد وسبعة ارطال من اللحم، ووعلوفة رأس وأجرى لي في الشهر الف درهم، ولقد جاءت سنة لفتنه، وعظم الأمر بالدقيق واللحم، فكتب اليه كاتبه على المطبخ، يعرفه ما هو فيه من عظم المؤنة، ويسأله احضار الجليدة، فيقتصر على ما لا بد منه،فأنفذها، فكان مشتملة على ثلاثة آلاف وستمائة انسان، فرأيت محمدا قد زاد فيها بخطه قوم اخرين، ووقع عليها: لست اقطع عن أحد ما عودته، ولاسيما من قال لى: أطعمنى الخبز، فاجرى الأمر على ما في الجريدة، واصبر على هذه المؤن فإما عشنا جميعاً وإما متنا جميعا. قال الزبيدي: وخلف كتب جليلة، فاوصى الى على ابن محمد الكوفي، أحد أعيان تلاميذه، وتقدم اليه في دفع كتبه الى أبي بكر أحمد بن إسحاق القطر بلى، فقال الزجاج للقاسم بن عبيد الله: هذه كتب جليلة، فلا تفوتنك، فاحضر خيران الوراقة، فقوم ما كان يساوى عشرة دنانير ثلاثة، فبلغت أقل من ثلاثمائة دينار، فأخذها القاسم بها. وقال أبو الطيب، عبد الواحد بن العلي اللغوي في كتاب مراتب النحويين: وانتهى علم الكوفيين الى ابن السكيت، وثعلب، وكان ثقتين امينين، ويعقوب أسن وأقدم موتا، وأحسن الرجلين تأليفاً، وكان ثعلب أعلهما بالنحو، وكان يعقوب يضعف فيه. قال ثعلب: كنت يوما عند ابن السكيب، فسألني عن شيء فصحته، وكان ثعلب شديد الحدة، قال: فقال لي لاتصح، فوالله ما سألت إلا مستفهماً وحدث أحمد ابن العسكري في كتاب التصحيف قال:وأخبرنا أبو بكربن الأنباري قال: حدثني أبي قال: قرأ القطر بلى على أبي العباس ثعلب بيت الأعشى:

فلو كنت في حب ثمانين قامة

 

ورقيت اسباب السماء بسلـم

 فقال أبو العباس: خرب بيتك، هل رأيت حباً قط ثمانين قامة؟ إنما هو جب وحدث الخطيب قال: قال ثعلب: كنت أحب أن أرى ابن حنبل، فلما دخلت عليه قال لي: فيما تنظر؟ قلت: في النحو والعربية فأنشدني أبو عبد الله وهو لبعض بنى أسد:

إذا ما خلوت الدهر يومافلا تقل

 

خلوت، ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل مـا يرى

 

ولا أنما تخفني علـيه يغـيب

لهونا على الأثام حين تتابعـت

 

ذنوب على أثارهـن ذنـوب

فيا ليت أن الله يغفر ما مضى

 

فيأذن في تواباتنا فـنـتـوب

وحدث الخطيب قال: قال أبو محمد الزهري: كان لثعلب عزاء لبعض أهله فتأخرت عنه، لأن هفا علي، ثم قصدته معتذرا، فقال لى: يا أبا محمد، ما بك حاجة الى تكلف عذراً، فإن الصديق لايحاسب والعدو لايحتسب له وجدت بخط أبي الحسن، علي ابن عبيد الله، السميسمي اللغوي:حدثنا أبو محمد بن الحسن النوبختي، قال: حدثنا أبو الفتح، محمد ابن جعفر المراغي النحوي قال: حدثنا أبو بكر بن الخيار النحوي: كنت عند أبي العباس ثعلب في بعض الأيام، فسأله رجل وقد ساء سمعه، فقال له: يا أبا العباس، أعزك الله، ما الصوص؟ فقال له: الصوح اصل الجبل، فأعاد الرجل سؤاله، لعلمه بأن الشيخ ما فهم، فقال ثعلب: السوح جمع ساحة، فاعاد سؤال ثالثة،، فعلم ثعلب أنه ما فهم عن الرجل، قال: فقال له: أدن مني، فألقم أذني فاك وقل: ففعل ذلك، فلما فهم ثعلب سؤاله، قال: نعم، العرب تقول: رأيت صوصاً على أصوص، أيى رجل نذل على ناقة الكلمة. حدث الزجاجي أبو القاسم، عن علي بن سليمان الأخفش قال: أخبرنا أحمد ابن يحيى ثعلب قال: قدم الرياشي بغداد، سنة ثلاثين ومائتين، فصرت إليه لأخذ عنه، فقال لي: أسألك عن مسألة؟ فقلت: نعم فقال: تجيز نعم الرجل يقوم؟ فقلت: نعم هي جائزة عند الجميع، أم الكسائي فيضمر، والتقدير عنده نعم الرجل رجل يقوم، لأن نعم عنده فعل، والفراء لايضمر، لأن نعم عند اسم، فيرفع الرجل بنعم، ويقوم الصلة للرجل. وأما صاحبك، يعني سبيويه: فإنه لايضمر شيئاً، ونعم عنده ايضا فعل، ولكن يجعل يقوم مترجماً وهو الذي يسمونه البدل، فسكت فقلت له: فأسألك عن مسألة؟ فقال: نعم فقلت: أيجوز يقوم نعم الرجل؟ فقال: جائز، فقلت: هذه خطأ عند الجميع، أما على مذهب الكسائي فانه لايولى الفعل فعل. فأما على مذهب الفراء: فان يقوم عنده صلة للرجل والصلة لاتتقدم على الموصول. وأما على مذهب سبيويه صاحبك: فأنه لايجوز، لأنه ترجمة، والترجمة إيضاح وتبين للجملة التي تتقدمها، ولايجوز تقديمها عليها. فقال: أنا تارك للعربية،فخذ فيما قصدت له، ففاتحته ايام الناس، والأخبار، والأشعار، ففتحت به سيح بحر. وحدث قال: أخبرنا على بن سليمان الأخفش قال: كنت يوما بحضرة ثعلب، فاسرعت القيام قبل انقضاء المجلس، فقال: الى أين؟ ما أراك تصبر عن مجلس الخلدي، يعني المبرد، فقلت له: لي حاجة،فقال لي: ان اراه يقدم البحتري على أبي تمام، فاذا اتيته،فقل له: ما معنى قول أبي تمام:

أألفته النحيب كما افتراق

 

أظل فكان داعية اجتماع

قال أبو الحسن: فلما صرت إلى أبي العباس المبرد، سألته عنه، فقال: معنى هذا: أن المتحابين العاشقين قد يتصارمان ويتهاجران إذلالا، لا عزما على القطيعة، فاذا حان الرحيل وأحسا بالفراق، تراجعا إلى الود، وتلاقيا خوف الفراق، وأن يطول العهد بالالتقاء بعده، فيكون الفراق حينئذ سبباً للاجتماع، كما قال الآخر:

متعا باللقـاء يوم الـفـراق

 

مستجيرين بالبكا والعـنـاق

كم أسرا هواهما حذر النـاس

 

وكم كاتما غلـيل اشـتـياق

فأظل الفراق فالتـقـيا فـيه

 

فراقا أتاهـمـا بـاتـفـاق

كيف أدعو على الفراق بحتف

 

وغداة الفراق كان التلافـي

قال: فلما عدت إلى ثعلب سألني عنه، فأعدت عليه الجواب والأبيات، فقال: ما أشد تمويهه!! ما صنع شيئاً، إنما معنى البيت، أن الانسان قد يفارق محبوبه، رجاء أن يغنم في سفره، فيعود الى محبوبه مستغنيا عن التصرف، فيطول اجتماعه معه، ألا تراه يقول في البيت الثاني:

وليست فرحة الأوبـات إلا

 

لموقوف على ترح الوداع

وهذا نظير قول الآخر، بل منه أخذ أبو تمام:  

وأطلب بعد الدار لتقـربـوا

 

وتسكب عيناي الدموع لتجمدا

هذا هو ذاك بعينه. وحكى ان ثعلباً خرج يوماً على أصحابه، وليس فيهم إلا كهل أو شيخ، فأنشد متمثلاً:

ألا ربما سؤت الغـيور وبـرحـت

 

بي الأعين النجل المراض الصحائح

فقد سادنـي أن الـغـيور يودنـى

 

وأن نداماي الكهول الجـحـاجـح

قلت أنا: إن هذا والله ملـيح جـداً

 

 

وحدث جحظة في أماليه قال:كنت يوماً في مجلس ثعلب، فقال له رجل ياسيدي: ما البعجدة؟ قال: لا أعرفها في كلام العرب، فقال الرجل: فإني وجدتها في شعر عبد الصمد بن المعذل حيث يقول

أعاذلتى أقصري

 

أبع جدتى بالمنن

فاغتاظ أبو العباس غيظاً عظيماً وقال: ياقوم، أجيدوا أذنيه عركاً، أو يحلف أنه لايرجع يحضر حلقتي، ففعلنا. قال أبو محمد عبد الرحمن ابن أحمد الزهري: كانت بينى وبين أبي العباس ثعلب مودة وكيدة، وكنت أستشيره في أموري، فجئته يوماً أشاوره في الانتقال من محلة الى محلة، لنأذي بالجيران. فقال: يا أبا محمد، العرب تقول: صبرك على أذى من تعرف، خير من استحداث ما لاتعرف. قال أبو عمر الزاهد: أنشدني أبو العباس ثعلب:

إذا ما شئت أن تبلو صديقاً

 

فجرب وده عند الدراهـم

فعند طلابها تبدو هـنـات

 

وتعرف ثم أخلاق المكارم

وحدث الخطيب قال: كان بين المبرد وثعلب منافرات كثيرة، والناس مختلفون في تفضيل كل واحد منهما على صاحبه نقطة. قال: وجاء رجلا الى ثعلب فقال له: يا أبا العباس: قد هجاك المبرد، فقال بماذا؟ فأنشده:

أقسم بالمبتـسـم الـعـذب

 

ومشتكي الصبو الى الصب

لولا أخذ النحو عن الـرب

 

ما زاده إلا عمى القـلـب

فقال: أنشدنى من أنشده أبو عمرو ابن العلاء:

يشتمنى عبـدو بـمـسـمـع

 

فصنته عنه النفس والعـرض

ولم أجـبـه لاحـتـقـار لـه

 

من ذا يعض الكلب إن عضى؟

وحدث أيضاً قال: قال: أبو العباس محمد بن عبيد الله ابن عبد الله، بن طاهر، قال لي ابي: حضرت مجلس أخي محمد ابن عبد الله، بن طاهر وحضره أبو العباس ثعلب، والمبرد، فقال لي أخي محمد، قد حضر هذان الشيخان فليتناظرا، قال: فتناظرا في شيء من علم النحو مما أعرفه، فكنت أشركهما فيه الى أن دققا، فلم أفهم، ثم عدت اليه، فلم أعرف ما المجلس؟ فسألني فقلت: إنهما تكلما فيما أعرف فشركهما ثم دفقا، فلم أعرف ما قال، ولا والله ياسيدي ما يعرف أعلمهما إلا من هو أعلم منهما، ولست ذلك الرجل، فقال لي يا أخي: أحسنت والله، هذا أحسن، يعني اعترافه بذلك وقال لي أبو عمر الزاهد:سألت أبا بكر بن السراج فقلت: أي الرجلين أعلم؟ ثعلب أم المبرد فقال: ما أقول في رجلين، العالم بينهما؟ وحدث أبو عمر أيضاً قال: كنت في مجلس أبي العباس ثعلب فضجر، فقال له شيخ خضيب من الظاهرية: لو علمت مالك من الأجر في إفادة الناس، لصبرت على أذاهم، فقال لولا ذلك ما تعديت، ثم أنشد بعقب هذا:

يخللن بالقضـبـان كـل مـفـلـج

 

به الظلم لايفلـل لـهـن غـروب

رضاب كطعم الشهد يجلو متـونـه

 

من الظرو أو غضن الاراك قضيب

اولئك لولا هن ما سقـت نـضـوة

 

لحاج ولا استقبلت بـرد جـنـوب

وحدث أبو بكر بن مجاهد كنت عند أبي العباس ثعلب، فقال لي يا أبا بكر: اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ما يكون حالف الآخرة؟فانصرفت من عنده، فرأيت تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي:إقرأ أبا العباس عني السلام وقل له: إنك صاحب العلم المستطيل. قال: الروض باري: أراد أن الكلام به يكمل، والخطاب به يجمل. وقال مرة أخرى: أراد أن جميع العلوم مفتقرة اليه. وأنشد الخطيب قال: أنشد أبو العباس ثعلب:

بلغت من عمري ثمانـين

 

وكنت لا أمال خمسـين

فالحمد لله وشـكـرا لـه

 

إذا زاد في عمري ثلاثين

وأسأل الله بلـوغـا إلـى

 

مرضاتـه آمـين أمـين

 ونقلت من كتاب محمد بن عبد الملك التاريخي في أخبار النحويين، فقال: أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد ابن ثعلب، الشيباني النحوي، فاروق النحويين، والمعاير على اللغويين، من الكوفيين والبصريين، أصدقهم لساناً وأعظمهم شأنا، وأبدعهم ذكراً، وأرفعهم قدراً، وأصحهم علماً، وأوسعهم حلماً وأتقنهم حفظاً، وأوفرهم حظاً من الدين والدنيا.

حدثني المفضل بن سلمة بن عاصم قال: رأس أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب النحوي، واختلف الناس إليه في سنة خمس وعشرين ومائتين، قال: وسمعت إبراهيم الحربي يقول: وقدتكلم الناس في الاسم والمسمى وقد كرهت لكم ولنفسي، ما كره أحمد بن يحيى ورضيت لكم ولنفسي، مارضي أحمد بن يحيى. قال: وكان أبو الصقر إسماعيل بن بلبل الشيباني قد ذكر أبا العباس ثعلبا للناصر لدين الله، الموفق بالله، وأخرج له رزقاً سنياً سلطانيا، فحسن موقع ذلك من أهل العلم والأدب وقال قائلهم لأبي الصقر، وأبي العباس في أبيات ذكرها:

فيا جبلي شيبان لا زلتما لـهـا

 

حليفي فخار في الورى وتفضل

فهذا اليوم الجود والسيف والقنـا

 

وأنت لبسط العلم غير مبـخـل

عليك أبا العباس كـل مـعـول

 

لأنك بعد اللـه خـير مـعـول

فككت حدود النحو بعد انغلاقـه

 

وأوضحته شرحا وتبيان مشكل

فكم ساكن في ظل نعمتك التـي

 

على الدهر أبقى من ثبير ويذبل

فأصبحت للإخوان بالعلم ناعشـا

 

وأخصبت منه منزلاً بعد منزل

وذكر التاريخي وفاة الثعلب كما تقدم قال: وقال بعض أصحابنا يرثيه:

مات ابن يحيى فماتت دولة الأدب

 

ومات أحمد أنحى العجم والعرب

فإن تولى أبو العباس مفـتـقـدا

 

فلم يمت ذكره في الناس والكتب

وللتاريخي في ثعلب شعر رثاه به، نذكره في بابه إن شاء الله تعالى قال التاريخي: وحدثني أبو الحصين البجلي قال: تقول أهل الكوفة:لنا ثلاثة فقهاء في نسق، فلم ير الناس مثلهم: أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن ولنا ثلاثة نحويين كذلك، وهم: أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي، وأبو زكريا يحيى بن زياد الفراء، وأبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، آخر مانقلناه من كتاب التاريخي وذكره محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست وقال: من الكتب: كتاب المصون في النحو جعله حدودا، كتاب اختلاف النحويين، كتاب معاني القرآن، كتاب مختصر في النحو سماه الموفقي، كتاب القراءات، كتاب معانى الشعر، كتاب التصغير، كتاب ما ينصرف وما لاينصرف، كتاب مايجزى وما لايجزى، كتاب الشواذ، كتاب الوقف والابتداء، كتاب الهجاء، كتاب استخراج الألفاظ من الأخبار، كتاب الأوسط، كتاب غريب القرآن لطيف، كتاب المسائل، كتاب حد النحو، كتاب تفسير كلام ابنة الخس كتاب الفصيح وذكر أن الفصيح تصنيف بن داود الرقي، وادعاه ثعلب وهذا له ترجمة قال: ولأبي العباس مجالسات وأمال أملاها على أصحابه في مجالسه، تحتوى على قطعة من النحو، واللغة، والأخبار، ومعاني القرآن، والشعر، رواها عنه جماعة وعمل أبو العباس قطعة من داووين العرب، وفسر غريبها كالأعشى والنابغتين وغيرهم. وسئل ثعلب عن معنى قولهم، لا أكلملك أصلاً فقال: معناه أقطع ذلك من أصله وأنشد:

بأهلي من لايقطع البخل رغبـتـي

 

إليه وما لايزداد عن زغبتي بخـلا

ومن قد لحاني الناس فيه فـأكـثـر

 

علي فكل الناس مغتـظـن ذحـلا

وأمنحه صفو الـهـوى ولـو أنـه

 

على البحر يسقي ما سقيت به سجلا

وما زلت تعتـادين ود بـالـمـنـى

 

وبالبخل حتى قد ذهبت بـه أصـلا

قرأت في أمال أبي بكر ابن محمد، ابن القاسم الأنباري: أنشدنا أبو بكر لأحمد بن يحيى النحوي:

إذا كنت قوت النفس ثم هجرتهـا

 

فلم تلبث النفس التي أن تقوتهـا؟

ستبقى بقاء الظب في الماء أو كما

 

يعيش لدى ديمومة البيد حوتـهـا

قال وزادنا أبو الحسن ابن البراء:

أغرك أن قد تصبرت جاهـداً

 

وفي النفس مني منك ماسيمتها

فلو كان مابي بالصخور لهدهها

 

وبالريح ماهبت وطال خفوتها

فصبرا لعل الله يجـمـع بـينـا

 

فأشكو هموما منك كنت قد لقيتها

كذا كان في الكتاب، ولا أدري، أهذا الشعر لثعلب أم أنشأه لغيره؟ إلا أنه في هذا الكتاب لأحمد ابن يحيى كما ترى: