باب الألف - أحمد بن أبي يعقوب، يوسف بن إبراهيم

أحمد بن أبي يعقوب،يوسف بن إبراهيم

يعرف بابن الداية، كان أبوه ولد داية ابن المهدى، وأظن أن المعروف بابن الداية، هو يوسف، الراوي أخبار أبي يونس، والله أعلم وكان أبوه يوسف بن إبراهيم، يكنى أبا الحسن، وكان من جلة الكتاب بمصر، ولا أدري كيف كان انتقاله إليها عن بغداد وكان له مروءة تامة، وعصبية مشهورة.

قال أبو القاسم العساكري الحافظ: يوسف بن إبراهيم، أبو الحسن الكاتب، وأظنه بغدادياً: كان في خدمة ابراهيم بن المهدي، قدم دمشق سنة خمس وعشرين ومائتين، وحكى عن عيسى بن حكم الدمشقي، الطبيب النسطوري، وشكلة أم إبراهيم بن المهدي، وإسماعيل ابن أبي سهل، بن نوبخت، وأبي إسحق إبراهيم بن المهدي، وأحمد بن رشيد الكاتب،مولى سلام الأبرش، وجبرائيل بن بختيشوع الطبيب، وأيوب بن الحكم البصري، المعروف بالكسروي، وأحمد بن هارون الشرابي روى عنه ابنه أبو جعفرأحمد، ورضوان بن أحمد، بن جالينوس،وكان من ذوى المروءات، وصنف كتابا فيها أخبار المطببين.

قال الحافظ: وبلغني عن أبي جعفر أحمد، بن يوسف قال: حبس أحمد بن طولون، يوسف بن إبراهيم والدي في بعض داره، وكان اعتقال الرجل في داره يؤيس من خلاصه، فكاد ستره أن ينتهك لخوف شمله عليه، وكان له جماعة من أبناء الستر تتحمل مئونة مقيمة لا تنقطع الى غيره، فاجتمعوا، وكانوا زهاء ثلاثين رجلا، وركبوا الى دار أحمد بن طولون، فوقفوا بباب له، يعرف بباب الخيل، وأستاذنوا عليه، فأذن لهم، فدخلوا إليه وعنده محمد بن عبد الله، بن عبد الحكم، وجماعة من أعلام مستورى مصر، فابتدءوا كلامه بأن قالوا: قد اتفق لنا - أيد الله الأمير - من حضور هذه الجماعة، وأشاروا الى ابن عبد الحكم والحاضرين مجلسه، ما رجونا أن يكون ذريعة الى ما نسأله، ونحن نرغب إلى الأمير في أن يسألهم عنا ليقف على أمرنا ومنازلنا، فسألهم عنهم، فقالوا: قد عرضت العدالة على أكثرهم، فامتنع منها، فأمرهم أحمد بن طولون بالجلوس، وسألهم تعريفه ماقصدوا له، فقالوا: ليس لنا أن نسال الأمير مخالفة ما يراه في يوسف بن إبراهيم، لأنه أهدى إلى الصواب فيه، ونحن نسأله أن يقدمنا إلى ما اعتزم عليه فيه، إن آثر قتله أن يقتلنا، إن آثر غير ذلك أن يبلغه، فهو في سعة وحل منه، فقال لهم: ولم ذلك؟ فقالوا: لنا ثلاثون سنة ما فكرنا في ابتياع شيء مما احتجنا إليه، ولا وقفنا بباب غيره، ونحن والله يا أمير، نرفض البقاء بعده، والسلامة إن شيء مكروه وقع به وعجبوا بالبكاء بين يديه، فقال أحمد بن طولون: - بارك الله عليكم - فقد كأفأتم إحسانه، وجازيتم إنعامه، ثم قال: أحضروا يوسف بن إبراهيم، فأحضر، فقال: خذوا بيد صاحبكم وانصرفوا، فخرجوا معه، وانصرف إلى منزله.

قال أبو جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم: وبعث أحمد بن طولون في الساعة التي توفى فيها والدي، يوسف بن إبراهيم، بخدم فهجموا الدار، وطالبوا بكتبه، مقدرين أن يجدوا فيها كتابا من أحد ممن ببغداد، فحملوا صندوقين، وقبضوا علي وعلى أخي وصاروا بنا إلى داره، وأدخلنا إليه وهو جالس، وبين يديه رجل من أشراف الطالبين، فأمر بفتح أحد الصندوقين، وأدخل خادم يده، فوقع يده على دفتر جراياته على الأشراف وغيرهم، فأخذ الدفتر بيده وتصفحه، وكان جيد الاستخراج، فوجد اسم الطالبي في الجراية، فقال له وأنا أسمع: كانت عليك جراية ليوسف بن إبراهيم؟ فقال له نعم: يأيها الأمير، دخلت هذه المدينة وأنا مملق فأجري علي في كل سنة مائتي دينار، أسوة بابن الأرقط، والعقيقي، وغيرهما ثم امتلأت يداي بطول الأمير، فاستعفيته منها، فقال لي:نشدتك الله أن لا قطعت سببا لي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتدمع الطالبي، فقال أحمد بن طولون: رحم الله يوسف بن إبراهيم، ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم، فلا بأس عليكم، فانصرفنا فلحقنا جنازة والدنا، وحضر ذلك العلوى، وقضى حقنا، وقد أحسن مكافأة والدنا في خلفيه.

قال أبو جعفر: أحمد بن أبي يعقوب، يوسف بن إبراهيم، يعرف بابن الداية، من فضلاء أهل مصر ومعروفيهم، وممن له علوم كثيرة في الأدب، والطب والنجامة، والحساب، وغير ذلك وكان أبوه أبو يعقوب، كاتب إبراهيم بن المهدى ورضيعه، ألف كتابا في أخبار الطب، مات أحمد بن يوسف، في سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة، وأظنها سنة أربعين وثلاثمائة وله من التصانيف:سيرة أحمد بن طولون، كتاب سيراته إلى أبي الجيش خمارويه، كتاب سيرة هارون بن أبي الجيش، وأخبار غلمان بني طولون، كتاب المكافأة، كتاب حسن العقبى، كتاب أخبار الأطباء، كتاب مختصر المنطق، ألفه للوزير علي بن عيسى، كتاب ترجمته، كتاب الثمرة، كتاب أخبار المنجمين، كتاب أخبار إبراهيم بن المهدي، كتاب الطبيخ، وذكره ابن زولاق الحسن ابن ابراهيم، فقال: كان أبو جعفر رحمه الله في غاية الافتتان، أحد وجوه الكتاب الفصحاء، والحساب والمنجمين مجسطى أوقليدسي، حسن المجالسة، حسن الشعر، قد خرج من شعره أجزاء دخل يوما على أبي الحسن، على بن المظفر الكرخي، عامل خراج مصر، مسلما عليه، فقال له: كيف حالك يا أبا جعفر؟ فقال على البديهة:
 

يكفيك من سوء حالي إن سألت به

 

أني إلى ثوب طمر في الكوانين