باب الألف - أسعد بن علي، بن أحمد الزوزني

أسعد بن علي، بن أحمد الزوزني

المعروف بالبارع، أبو القاسم الأديب الشاعر، الفاضل الكاتب المترسل، مات فيما ذكره عبد الغافر في السياق، يوم عيد الأضحى، سمة اثنتين وتسعين وأربعمائة. قرأت بخط تاج الإسلام: البارع من أهل زوزن، سكن نيسابور، وورد العراق، وأكرم فضلاؤها مورده، وكان شاعر عصره، وأوحد دهره بخراسان والعراق، وقد شاع ذكره فى الآفاق، وكان على كبر سنه، يسمع الحديث، ويكتب إلى آخر عمره، سمع أبا عبد الرحمن ابن محمد الداودى، وأبا جعفر محمد بن إسحاق البحاثي، وروى لنا عنه أبو البركات الفرارى. وأبو منصور الشحامى وغيرهما.

وذكره الباخرزي فى الدمية وقال: الأديب أبو القاسم، أسعد بن على البارع الزوزني، هو البارع حقا، والوافر من البراعة حظا، وقد اكتسب الأدب بجده وكده، وانتهى من الفضل إلى أقصى حده، ولفتني إليه نسبة الآداب، ونظمتني وإياه صحبة الكتاب، وهلم جرا إلى الآن، وقد ارتدينا المشيب، وخلعانا برد الشباب ذاك القشيب، ولا أكاد أنسى وأنا فى الحضر، حظى منع فى السفر، وقد أخذنا بيننا بأطراف الأحاديث، ورضنا المطايا بأجنحة السير الحثيث، حتى سرنا معا إلى العراق، ونزل هو من فضلائه بمنزلة السواد من الأحداق وعنده توقيعاتهم بتبريزه على الأقران، وحيازته قصبات الرهان، وأنا على ذلك من الشاهدين، لا أكتم من شهادتى دقا ولا جلا، بل أعتقد بها صكا وعليها سجلا، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، وعازب لبه.

قال السمعانى: أنشدنى الشحامى، أنشدنا البارع لنفسه:

قد أقبل المعشوق فاستقـبـلـتـه

 

مستسقياً مستشفـيا مـن ريقـه

نشوان والإبـريق فـى يده ولـى

 

من ريقه ما ناب عن إبـريقـه

لو كنت أعـلـم أنـه لـى زائر

 

لرششت من دمعى تراب طريقه

ولكنت أذكى جمر قلبى فى الدجى

 

بطريقه كى يهتـدى بـبـريقـه

فزويت وجهى عن مدامة كأسـه

 

وشربت كأسا من مجاج عقيقـه

وله أيضا:

كأن لون الـهـواء مـاء

 

أو سندس رق أو عمامه

كأن شكل الهلال قـرط

 

أو عطفة النون أو قلامه

وله أيضا:

ألا فاشكر لربك كل وقـت

 

على الآلاء والنعم الجسيمة

إذا كان الزمان زمان سوء

 

فيوم صالح منه غـنـيمة

وله أيضا:

أبو بكر حبا فى الله مـالا

 

وكان لسانه يجرى بـلالا

لقد واسى النبى بكل خير

 

وأعطى من ذخائره بلالا

لو أن البحر ناقضه اعتقادا

 

لما أعطى الإله له بلالا

ومما أورده الباخرزى فى كتابه البارع:

قمر سبى قلبى بعقرب صدغه

 

لما تجلى عنه قلب العقـرب

فأجبته ألديك قلـبـى قـال لا

 

لكن قلبك عند قلب العقـرب

قرأت فى بعض الكتب قال: الفضلاء الملقبون بالبارع فى خراسان ثلاثة: أحدهم البارع الهروى، وهو صاحب كتاب طرائف الطرف، وهو دونهم في الفضل مرتبة، والثاني البارع البوشنجي، وهو أوسطهم، والثالث البارع الزوزني، وهو أفضلهم وأشهرهم، قال: وكان تلميذ القاضى أبى جعفر البحاثي، وهو الذى يقول فيه البحاثي:

عفجت على اليبس البويرع مـرة

 

فقال: لقد أوجعت سرمى فبلـه

فقلت: بزاقى لايفى بجـمـيعـه

 

ومن أين لى أن أبزق الدرب كله

قلت أنا: ينبغي أن يكون قد استعمله بمنارة إسكندرية، إذ عفجه فى شئ كالدرب فأوجعه. وقال البحاثى فيه أيضا:  

للبارع ابن العاهرة

 

زوجة سوء فاجره

مؤاجر قد زوجوه

 

كفؤه مـؤاجـرة

وقال البارع هذا، يخاطب أبا القاسم على بن أبى توار رئيس زوزون:

كف على عندها التبـر

 

هان وللمك بخـا قـدر

كأنها الخال على ظهرها

 

عنبرة قد مجها البحـر