باب الألف - إسماعيل بن القاسم، بن عيذون، بن هارون

إسماعيل بن القاسم، بن عيذون، بن هارون

ابن عيسى بن محمد، بن سليمان، المعروف بالفالي، أبو علي البغدادي، مولى عبد الملك بن مروان، ولد بمنازجرد من ديار بكر، ودخل بغداد سنة ثلاث وثلاثمائة، وأقام بها إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، مات بقرطبة في ربيع الآخر، سنة ست وخمسين وثلاثمائة، ومولده في سنة ثمانين ومائتين، وفي أيام الحكم المستنصر كانت وفاته، وسمع من أبي القاسم عبد الله بن محمد، بن عبد العزيز البغوي، وأبي سعيد لاحسين بن علي، بن زكريا بن يحيى، بن صالح، بن عاصم، بن زفر العدوي، وأبي بكر بن دريد، وابي بكر بن السراج، وأبي عبد الله نفطويه، وأبي إسحاق الزجاج، وأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش، وقرأ كتاب سيبويه على ابن درستويه، وسأله عنه حرفاً حرفاً، وأما نسبته: فهو نسوب إلى قالي قلا، بلد من أعملا أرمينية. قال القالي: لما دخلت بغداد، انتسبت إلى قالي قلا، رجا ء أن أنتفع بذلك، لأنها ثغر من ثغور المسلمين، لا يزال بها المرابطون، فلما تأدب ببغداد، ورأى أنه لاحظ له بالعراق، قصد بلاد الغرب، فوافاها في أيام المتلقب بالحكم، المستنصر بالله عبد الرحمن، بن الحكم، بن هشام بن عبد الرحمن، بن معاوية، بن هشام، بن عبد الملك، بن مروان، بن الحكم، بن أبي العاص، بن أمية، ين عبد شمس، ابن عبد مناف. قالوا: وهذا أول من دعي من هؤلاء بالغرب أمير المؤمنين، إنما كان المتولون قبله يدعو ببني الخلائف. فوفد القالي إلى الغرب، في سنة ثلاثي وثلاثمائة، فأكرمه صاحب الغرب، وأفضل عليه إفضالاً عمه، وانقطع هناك بقية عمره، وهناك أملى كتبه أكثرها عن ظهر قلب، منها كتاب الأمالي، معروف بيد الناس، كثير الفوائد، غاية في معناه. قال أبو محمد بن حزم: كتاب نوادر أبي علي، مبار لكتاب الكامل، الذي جمعه المبرد، ولئن كان كتاب أبي العباس أكثر نحواً وخبراً، فإن كتاب أبي علي أكثر لغة وشعراً، وكتاب الممدود والمقصور، رتبه على التفعيل، ومخارج الحروف من الحلق، مستقى في بابه، لا يشذ منه شيء في معناه، لم يوضع مثله، كتاب مقاتل الفرسان، كتاب تفسير السبع الطوال، كتاب البارع في اللغة على حرف المعجم، جمع فيه كتب اللغة، يشتمل على ثلاثة آلاف ورقة. قال الزبيدي: ولا نعلم أحداً من المتقدمين ألف مثله.

قرأت بخط أبي بكر محمد بن طرخان، بن الحكم: قال الشيخ الإمام أبومحمد العربي: كتاب البارع لأبي علي القالي، يحتوي على مائة مجلد، لم يصنف مثله في الإحاطة والاستيعاب، إلى كتب كثيرة ارتجلها وأملاها عن ظهر قلب كلها.

قال الحميدي: وممن روى عن القالي أبو بكر محمد ابن الحسين الزبيدي النحوي، صاحب كتاب مختصر العين، وأخبار النحويين، وكان حينئذ إماماً في الأدب، ولكن عرف فضل أبي علي فمال إليه، واختص به استفاد منه، وأقر له.

قال الحميدي: وكان أقام ببغداد خمساً وعشرين سنة، ثم خرج منها قاصداً إلى المغرب، سنة ثمان وعشري وثلاثمائة، ووصل إلى الأندلس، في سنة ثلاثين وثلاثمائة، في أيام عبد الرحمن الناص، وكان ابنه الأمير أبو العاس، الحكم ابن عبد الرحمن، من أحب ملوك الأندلس للعلم، وأكثرهم اشتغالاً به، وحرصاً عليه، فتلقاه بالجميل، وحظي عنده، وقرب منه، وبالغ في إكرامه، ويقال: إنه هو الذي كتب إليه، ورغبه في الوفود عليه، واستوطن قرطبة، ونشر علمه بها.

قال: وكان إماماً في علم العربية، متقدماً فيها، متقناً لها، فاستفاد الناس منه، وعولوا عليه، واتخذوه حجة فيما نقله، وكانت كتبه على غاية التقييد، والضبط والإتقان، وقد ألف في علمه الذي اختص به تآليف مشهورة، تدل على سعة علمه وروايته، وحدث عنه جماعة، منهم أبو محمد عبد الله بن الربيع، بن عبد الله التميمي، ولعله آخر من حدث عنه، وأحمد بن أبان، بن سيد الزبيدي، كما ذكرنا آنفاً. قال: وكان أعلم الناس بنحو البصريين، وأرواهم للشعر مع اللغة.

قال الزبيد: وسألته لم قيل له القالي؟ فقال: لما انحدرنا إلى بغداد، كنا في رفقة فيها أهل قالي قلا، وهي قرية من قرى منازجرد، وكانوا يكرمون لمكانهم من الثغر، فلما دخلت بغداد، نسبت إليهم لكوني معهم، وثبت ذلك علي.

قال الحميدي: وكان الحكم المستنثر قبل ولايته الأمور، وبعد أن صارت إليه، يبعثه على التأليف، وينشطه بواسع العطاء، ويشرح صدره بالإجزال في الإكرام، وكانوا يسمونه بالبغدادي، لكثرة مقامه، ووصوله إليهم منها.

قال السلفي بإسناد له: أخبرنا أبو الحكم، منذر بن سعيد البولطي قال: كتبت إلى أبي علي البغدادي القالي، أستعير منه كتاباً من الغريب وقلت:

بحق رئم مـفـهـف

 

وصدغه المتلطـف

ابعث إلـى بـجـزء

 

من الغريب المصنف

قال: فأجابني وقضى حاجتي،

وحـق در تـألـف

 

بفـيك أي تـألـف

ولو بعثت بنفـسـي

 

إليك ما كنت أسرف